نتنياهو يرضخ وبن غفير يحتج.. كيف قلبت المقاومة الفلسطينية المعادلة بالأقصى؟

12

طباعة

مشاركة

"عشرات الصواريخ تنهال من الشمال والجنوب وعمليات فدائية في وسط تل أبيب وقلب الضفة الغربية", هكذا بدت الصورة في إسرائيل، عقب المساس بالمسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين فيه خلال شهر رمضان المبارك.

وفي رمضان 2023، واجه الاحتلال ردة فعل فلسطينية قاسية على جرائمه وسلسلة عمليات، أجبرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الإعلان في 12 أبريل/نيسان، منع الاقتحامات للمسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من الشهر المبارك.

اعتداءات وردود 

وككل عام في هذا الشهر، شنت قوات الاحتلال سلسة اعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى منذ بداية رمضان، بدأت شدتها تزداد منذ قتل الشاب محمد العصيبي في 2 أبريل 2023، عند باب السلسلة أحد أبواب الحرم.

وبلغت الاعتداءات ذروتها في 4 أبريل، عندما اقتحمت قوات الاحتلال الأقصى قبيل منتصف الليل، بقوات كبيرة وهاجمت المرابطين والمرابطات، واعتقلت قرابة 500 فلسطيني.

كما داهمت قوات الاحتلال المصلى القبلي باستخدام قنابل الغاز والصوت، واعتلت سطح المصلى القبلي قبل اقتحامه، وحطمت عددا من نوافذه، وألقت عبرها قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع على المعتكفين داخله، ما أدى لوقوع إصابات في صفوفهم. 

واعتدت شرطة الاحتلال بالضرب على المعتكفات في مسجد قبة الصخرة قبل أن تخرجهن بالقوة من المسجد، فيما اقتحمت العيادة الطبية الملاصقة للمصلى القبلي.

وبعد ساعات من الاقتحام الإسرائيلي للأقصى في 5 أبريل، أطلقت المقاومة الفلسطينية رشقات صاروخية تجاه مستوطنات غلاف غزة القريبة من القطاع المحاصر.

وأصاب أحد الصواريخ مصنعا في مستوطنة "سديروت" شمال القطاع؛ ما أدى لاشتعال النار فيه، كما أدخلت مستوطني غلاف غزة الملاجئ.

وصدمت إسرائيل بإطلاق 34 صاروخا من جنوب لبنان، 6 أبريل، في حين اتهم جيشها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هناك بإطلاقها.

كما أعلن الاحتلال الإسرائيلي، إطلاق ثلاثة صواريخ من سوريا صوب هضبة الجولان السوري المحتل، 8 أبريل 2023، واتهم فصائل فلسطينية بالوقوف خلف الحدث.

وردا على عمليات إطلاق الصواريخ، أعلن جيش الاحتلال 7 أبريل 2023، أنه هاجم 3 مواقع تابعة لحماس في لبنان و11 موقعا في قطاع غزة.

وبين أنه أطلقت 44 قذيفة صاروخية على الأقل من قطاع غزة باتجاه مستوطنات الغلاف، خلال تصدي المقاومة للعدوان.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل فجرت الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى سلسلة من العمليات الفدائية وعمليات إطلاق النار.

وقتلت 3 إسرائيليات في 7 أبريل 2023، في عملية إطلاق نار استهدفت مركبة قرب مستوطنة "حمرا"، في منطقة الأغوار، شمال شرق الضفة الغربية.

وفي ذات اليوم وقعت عملية دهس في تل أبيب أسفرت عن قتيل و5 إصابات، وارتقى منفذ العملية يوسف أبو جابر أحد فلسطينيي الداخل من بلدة كفر قاسم.

ووصل عدد القتلى بفعل عمليات المقاومة الفدائية، منذ بداية العام 2023 إلى 18 مستوطنا.

ونفذت المقاومة الفلسطينية العشرات من عمليات إطلاق النار في أنحاء الضفة الغربية كافة، بعد الجريمة الإسرائيلية في المسجد الأقصى.

وأعلن الاحتلال إصابة جندي خلال اشتباكات مسلحة في بلدة بيت أمر شمال الخليل 6 أبريل، كما أحرق فلسطينيون مركبة للمستوطنين قرب البلدة.

ونفذت المقاومة عمليات إطلاق نار استهدفت مواقع جيش الاحتلال في محيط نابلس، وأعلنت مجموعات "عرين الأسود" العسكرية مسؤوليتها عن عدد منها.

وفي رام الله، أطلق مقاومون صليات كثيفة من الرصاص تجاه معسكر "عوفر" المقام على أراضي غرب المحافظة.

وأطلق مقاومون النار تجاه مركبة للمستوطنين وموقع لجيش الاحتلال قرب أريحا. كما استهدف آخرون بالرصاص حاجز سالم الإسرائيلي غرب جنين.

كما أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي استهدافها حواجز جيش الاحتلال في طولكرم.  وأعلنت مصادر عبرية أن مقاومين استهدفوا حاجز "300" قرب بيت لحم.

واندلعت مواجهات في مناطق مختلفة من الضفة والقدس، بينها البلدة القديمة، والطور، والعيساوية، حاجز مخيم قلنديا، ومخيم العروب، وراس الجورة في الخليل، وبلدة بيتا.

تحقيق الردع

وعن ردود المقاومة، قال الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون إن كل عملية تهز الكيان الإسرائيلي، وأكثر ما يرعب الاحتلال هي العمليات الانتقامية التي تستهدف المستوطنين في الضفة الغربية والعمق الصهيوني، كما حصل بعد تدنيس المسجد الأقصى.

 وتابع في حديث لـ "الاستقلال": "سلسلة العمليات الأخيرة شككت في جدوى وجود الاستيطان في الضفة الغربية وحتى في جدوى العيش في فلسطين المحتلة، في "دولة" تعجز عن حماية مواطنيها، وهو ما يهدد وجود الكيان الصهيوني ككل".

وشدد المدهون على أن مستوطنات غزة جرى تفكيكها (عام 2005 وانسحاب جيش الاحتلال منها) بسبب العمليات، وهو ما قد يحصل أيضا بالضفة في حال استمرت عمليات المقاومة، وفق تقديره. 

وأوضح أن العمليات جزء من منظومة مقاومة متكاملة يشارك فيها الشعب الفلسطيني من كل أماكن وجوده، والصواريخ التي انطلقت لنصرة الأقصى من غزة ودول الطوق، برهان على وجود آلية ردع منظمة موجهة للاحتلال عند أي مساس بالحرم القدسي.

وأضاف الكاتب: "رضوخ نتنياهو ومنعه الاقتحامات يأتي نتيجة للرد الفلسطيني من الضفة والقدس وغزة والداخل المحتل والشتات، وسيكون له ما بعده".

بدوره، أكد المختص في الشأن الإسرائيلي عادل ياسين أن العمليات الفردية بحد ذاتها تشكل معضلة أمام الاحتلال، سواء كانت في مناطق الضفة أو القدس أو حتى في "العمق الإسرائيلي".

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "يترتب على هذا النوع من العمليات صعوبة وتحديات في الكشف عن نوايا المنفذين والقدرة على إحباطها؛ لذلك فهي تشكل استنزافا للأجهزة الأمنية وتزيد الأعباء عليها".

وأوضح ياسين أن العمليات الفردية تؤدي إلى تعطيل سير الحياة، وتسهم في زيادة فقدان ثقة المستوطنين بأجهزتهم الأمنية، وليس أدل على ذلك مما نشرته صحيفة معاريف العبرية عن زيادة الطلب على المساعدات النفسية بنسبة 100 بالمئة خلال الأيام الماضية.

ومن جانبه، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، إن الاحتلال تلقى ضربات موجعة شملت الساحات كافة بعد مساسه بالمسجد الأقصى، وهو ما دفع نتنياهو للتراجع وأرغمه على وقف الاقتحامات خلال العشر الأواخر للمرة الأولى في تاريخ الكيان.

وتابع في حديث لـ "الاستقلال": "تلقى الاحتلال الرد من القدس وغزة والداخل المحتل والضفة وجنوب لبنان، وهو ما كسر الحواجز التي حاولت إسرائيل تاريخيا وضعها بين مكونات الشعب الفلسطيني وأمته العربية والإسلامية.

وشدد هلسة على أن إسرائيل تخشى المواجهة الشاملة، وحاولت أن توصل رسائل بأن حزب الله ليس طرفا في هذه المعادلة، وأعلنت أن حماس هي المسؤولة عن عمليات المقاومة، وردت بشكل محدود في غزة دون الانجرار لتصعيد كبير.

وأضاف "الظروف الإقليمية كالمصالحة السعودية الإيرانية وحل الخلافات بين الدول العربية وكذلك الأوضاع الداخلية المتأزمة لدى إسرائيل تمنعها من خوض حرب كبيرة، وتجبرها على امتصاص الضربات والتراجع عن مخططاتها، وبالنهاية رأينا نتنياهو يمنع الاقتحامات بنفسه".

وتابع "رغم القوة العسكرية فإن إسرائيل عاجزة اليوم عن ترميم معادلة الردع، ومواجهة الأخطار المحدقة بها من كل جانب".

وبدوره قال المحلل السياسي الفلسطيني رجائي الكركي إن صواريخ المقاومة التي انطلقت من غزة وجنوب لبنان أوصلت رسالة فعلية من قبل المقاومة الفلسطينية ردا على جرائم الاحتلال في الأقصى، واعتدائه على المصلين.

وتابع في حديث لـ "الاستقلال" أن هذا الرد أوضح صورة حقيقية عن مستوى التنسيق والتناغم بين أذرع المقاومة الفلسطينية المتمثل بوحدة الساحات.

وشدد الكركي على أن أكبر مخاوف إسرائيل هو تفاعل الجبهات المختلفة مع أحداث الأقصى، ومن شأن هذا التطور أن يمتد حتى يصبح رد فعل متكرر في كل مرة يحصل فيها اقتحام يهودي للحرم القدسي.

رضوخ وخلاف  

وجاء منع نتنياهو  وصول المستوطنين اليهود إلى المسجد الأقصى حتى نهاية شهر رمضان بناء على توصية بالإجماع من القادة الأمنيين والعسكريين، وخشية انفجار الأوضاع وحصول تصعيد متعدد الجبهات.

وبحسب صحيفة هآرتس فإن قرار نتنياهو قوبل بمعارضة رئيس هيئة أركان الجيش، هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، رونين بار خلال المداولات الأمنية.

أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد أعلن عن رفضه للأمر، وصرح "قرار رئيس الحكومة بإغلاق المسجد الأقصى أمام اليهود بسبب موجة الإرهاب، خطأ فادح لن يجلب الهدوء، بل قد يؤدي فقط إلى تصعيد الموقف"، وفق وصفه.

وهنا يقول المختص في الشأن الإسرائيلي عادل ياسين، إنه لا يمكن الفصل بين زيادة حدة التوتر التي سادت المنطقة خلال الأشهر الماضية، وبين سياسة الحكومة الحالية التي يسيطر عليها مجموعة من المتطرفين، الذين يعتقدون بأن القوة هي الحل، وما حصل في باحات الأقصى خير دليل على ذلك.

وتابع المختص "هناك فرق بين ما يريده نتنياهو، وبين ما يسعي إليه الوزراء المتطرفون في حكومته كأمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش".

فنتنياهو يحاول مسك العصا من المنتصف؛ تجنبا لغضب جمهور اليمين الذي يشكل شريحة رئيسة من قاعدته الحزبية، وفق قوله.

يمثل هذه الشريحة وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، الذي تعهد خلال دعايته الانتخابية بفرض السيادة اليهودية على الأقصى، والتمهيد لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

وهنا يقول الخبير في شؤون القدس جمال عمرو في حديث لـ "الاستقلال"، إن برنامج إيتمار بن غفير يركز عدائه بالدرجة الأولى على المسجد الأقصى، وهو يمثل المنظمات الإرهابية في الحكومة الإسرائيلية، ويكرس شرطة الاحتلال بالمدينة لخدمة هذه المخططات.

وشدد عمرو أن بن غفير أنجز جزءا كبيرا من مخططه في الأقصى، كالفصل الزماني والمكاني والسيطرة الأمنية عليه، والآن يخطط للسماح لليهود بتدنيس الحرم القدسي بأي وقت يشاءون، وبالمقابل إخلاء المسجد من المسلمين فور اقتحامه من اليهود، حتى لو صادف ليلة القدر.

وأوضح أن بن غفير يسعى لبناء كنيس داخل الأقصى أمام باب الرحمة مساحته 8 دونمات، وكنيس آخر مسقوف شمال قبة الصخرة، وهو ما يعني حظر أجزاء ضخمة من الحرم على المسلمين نهائيا وللأبد.

وتابع الخبير "القدس هي نقطة حسم الصراع، وأن تخليصها بالكامل وإضعاف الوجود الفلسطيني فيها ديموغرافيا ووطنية واقتصاديا إلى أدنى حد، هو الكفيل بالسيطرة على المدينة المقدسة، ومن يسيطر عليها يسيطر على المنطقة ويقترب من إتمام مشروعه".

وحذر بالقول: "نحن أمام مرحلة خطيرة جدا في تاريخ القدس، يقودها بن غفير الذي يسعى لإرضاء ناخبيه بأكبر قدر من الدم الفلسطيني، والتدنيس للمقدسات، وتقريب الصهاينة من إقامة هيكلهم المزعوم".

 وأوضح عمرو أن قرار الإبعاد عن الأقصى استهدف المئات منذ بداية شهر رمضان، وكل من يحاول مقاومة الاقتحامات ومنع المستوطنين من تدنيس الحرم، يعتقل ثم يبعد لأشهر عن المسجد أو البلدة القديمة أو حتى مدينة القدس كلها، بجانب غرامات باهظة.

وكشف أن المخابرات الإسرائيلية تتصل على أهالي المرابطين والمعتكفين، رجالا ونساء وتهددهم بدفع ثمن الاعتكاف غاليا.

ولفت الباحث المقدسي إلى أن بن غفير حول القدس لثكنة عسكرية، الجنود في كل مكان والشرطة وقوات حرس الحدود، معهم تعليمات إطلاق النار بدون أي ضوابط، وحتى المستوطنون يطلقون النار على الأطفال في الشوارع دون أي يجرى اعتقال أحدهم.

ورغم حالة التوتر، وبعد التصعيد الأخير وسلسلة العمليات أجبر نتنياهو على إغضاب هذه الشريحة ومنع الاقتحامات؛ تفاديا لدخول قطاع غزة على خط المواجهة كما حدث عام 2021، وفق المحلل عادل ياسين.