"طوق نجاة".. ماذا وراء مساعي الحلبوسي لتشكيل "إطار تنسيقي سني" بالعراق؟
حراك سياسي سريع تشهده الساحة السنية في العراق، يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، من أجل تشكيل "إطار تنسيقي سني" يوازي ما هو موجود لدى الجانب الشيعي، الأمر الذي أثار جملة من التساؤلات عن توقيت مثل هذه الخطوة والهدف من ورائها.
تشكل "الإطار التنسيقي" الشيعي في مارس/آذار 2021 من جميع القوى السياسية الشيعية، لكن التيار الصدري غادره بعد الانتخابات التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، وحاول تشكيل حكومة أغلبية سياسية، فأخفق في ذلك وانسحب من البرلمان.
"طوق نجاة"
في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن سعي الحلبوسي من خلال تشكيل "الإطار السني" لمواجهة القوى الشيعية والدفع باتجاه تحقيق مطالب السنة التي لم تلزم الحكومة بتنفيذها، فإن مناوئيه يرون أن الأخير يحاول إيجاد طوق نجاه بعد تصاعد الدعوات لإقالته من منصب رئاسة البرلمان.
وقالت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 10 أبريل/نيسان 2023 إن "الحلبوسي وجه دعوة لجميع القيادات السياسية السنية في العراق السابقة والحالية وعلى رأسها (سليم الجبوري، أسامة النجيفي، صالح المطلك، خميس الخنجر، رافع العيساوي، جمال الكربولي، مثنى السامرائي، محمود المشهداني) وغيرهم لاجتماع في مقر إقامته ببغداد".
ولفتت إلى أن "الهدف من دعوة الحلبوسي، هو بحث إمكانية تشكيل (إطار تنسيقي سني) حتى يكون قادرا على مواجهة (الإطار التنسيقي الشيعي) سياسيا وفرض تطبيق شروط ومطالب القوى السياسية للمكوّن، بعد توحيد بيت السنة تحت سقف واحد، كما عمل على ذلك الشيعة".
وأشارت الوكالة إلى أن "غالبية القيادات السنية البارزة رفضت فكرة تشكيل الإطار التنسيقي السني وأبلغت الحلبوسي بذلك، وأغلبها قاطع الاجتماع، مع استمرار الأخير بإقناع أكبر عدد ممكن من القيادات لتلبية دعوته".
تأتي مساعي تشكيل "الإطار التنسيقي السني" بقيادة محمد الحلبوسي، في محاولة من الأخير لتشكيل قوة ضغط سياسية تدعمه للبقاء في منصبه رئيسا للبرلمان بعد أن تحدثت جهات سياسية واجتماعية سنية عدة وكتل شيعية ونواب مستقلون عن التوجه لإقالته من منصبه، وفقا للوكالة.
يمكنني التأكيد ان الرئيس اسامة النجيفي والشيخ خميس الخنجر والسيد مثنى السامرائي ود.رافع العيساوي ومن معهم وبما يمثلونه من عناوين لن يكونوا جزءاً من "الاطار التنسيقي السني" الذي يسعى محمد الحلبوسي لتشكيله.
— مشعان الجبوري (@mashanaljabouri) April 9, 2023
وتقول الاشاعات ان محمود المشهداني وسليم الجبوري وصالح المطلك سينضمون له !؟
وقبل ذلك بيوم واحد، غرد النائب السابق مشعان الجبوري، على "تويتر"، قائلا: "يمكنني تأكيد أن أسامة النجيفي، وخميس الخنجر، ومثنى السامرائي، ورافع العيساوي، ومَن معهم، وبما يمثلونه من عناوين، لن يكونوا جزءا من الإطار التنسيقي السني الذي يسعى محمد الحلبوسي لتشكيله".
وأضاف: "وتقول الشائعات إن محمود المشهداني، وسليم الجبوري، وصالح المطلك، سينضمون له".
وعلى الوتيرة ذاتها، كتب حيدر الملا العضو السابق في حزب "تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي، تغريدة في 10 أبريل، قال فيها إن "الإطار التنسيقي السني المزعوم، رغم التحفظ على كونه ترسيخ للطائفية حال الإطار الشيعي، يمكن القبول به لو كان يستهدف تحقيق المطالب وتطبيق القانون وترسيخ منطق الدولة، وليس طوق نجاة لشخص يغرق على زعامة كرتونية".
الاطار التنسيقي السني المزعوم ، رغم التحفظ على كونه ترسيخ للطائفية كحالة الاطار الشيعي الا انه يمكن القبول به لو كان يستهدف تحقيق المطالب وتطبيق القانون وترسيخ منطق الدولة وليس طوق نجاة لشخص يغرق والمحافظة على زعامة كارتونية !!!#الدهن_الحر_احترق
— Haider Al Mulla حيدر المُلاّ (@haidernmulla) April 10, 2023
دوافع شخصية
وبخصوص مدى نجاح الحلبوسي في إيجاد كيان جديد يجمع السنة تحت خيمته، قال السياسي والبرلمان العراقي السابق حامد المطلك إن "الحديث عن تشكيل إطار تنسيقي سني بالفعل متداول داخل الأوساط السياسية، وليس فقط عبر وسائل الإعلام، لكن ردود الأفعال متباينة حياله، فالبعض وافق على الدخول فيه وآخرين رفضوا ذلك".
وأضاف المطلك لـ"الاستقلال" أن "التمحور في ظل إطار شيعي وآخر سني لا يخدم البلد، وإنما يثبّت الطائفية المقيتة التي كانت وراء جميع النكبات بالعراق منذ عام 2003 وحتى يومنا الحاضر".
ورأى السياسي العراقي أن "كل هذه العناوين تكرس البعد الطائفي في العملية السياسية، وهي نتاج الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 لإحداث شرخ بين الشعب الواحد الذي لم يكن يعرف مثل هذه التسميات".
وأوضح المطلك أن "بعض الشخصيات السياسية المذكورة في الإعلام أيدت خطوة الحلبوسي وانضمت معه، لكن آخرين لم يوافقوا لأسباب عدة منها حضور المصلحة الشخصية لصاحب الفكرة، إضافة للخلافات بين الأطراف السنية ذاتها".
وتساءل السياسي العراقي، قائلا: "لماذا لم يلجأ الحلبوسي إلى مثل هذا المقترح قبل الأزمة والتوتر الذي حصل له مع القوى الشيعية ورئيس الحكومة؟ لهذا فإن التوقيت يثير الشكوك حول الهدف من وراء الإطار السني".
وشدد المطلك على أن "العراق بحاجة إلى مشروع وطني جامع لكل العراقيين والابتعاد عن التستر خلف عناوين تحمل بعدا طائفيا، لذلك الأصلح أن يبنى البلد على أساس المواطنة والنزاهة والاستقامة".
وأكد أن "هناك في العملية السياسية من يدفع لمثل هذا التمحور الطائفي أو العرقي وتشكل إطارات سياسية مكوناتية، وتحديدا الأكراد والشيعة، وحتى من السُنة هم متمسكون بهذا التوجه، لكن عموم الشعب العراقي رافض لها".
وأعرب المطلك عن اعتقاده بأن "مشروع الحلبوسي في تشكيل إطار تنسيقي سني لن يكتب له النجاح في ظل رفض شخصيات سياسية له، إضافة إلى أن المجتمع لا يقبل بغير التوجهات الوطنية الجامعة والموحدة للعراقيين".
من جهته، أكد رئيس البرلمان العراقي الأسبق، أسامة النجيفي خلال مقابلة تلفزيونية في 10 أبريل 2023، وجود هذه الدعوة، والتي علل أسبابها بمحاولة الحلبوسي "تقوية وضعه" بعد الملاحظات التي ظهرت عليه.
ولفت النجيفي وهو رئيس كيان سياسي يدعى "جبهة الإنقاذ والتنمية" إلى أن "الشيعة صنعوا إطارا فلا يلومون الآخرين حين يفعلون الشيء ذاته. ما فعله الاثنان خطأ".
بحسب النجيفي، فإن الدعوة إلى الإطار التنسيقي السُني وصلت إلى بعض الشخصيات السياسية، لكنها لم تصله، "لأنهم يعرفون أنني لن أوافق".
وأفاد القيادي السني بأن قسما وافق على الدعوة وآخر لم يوافق، من بين الشخصيات، تحدث عن "لقاءات وتشاور" مع محمود المشهداني وسليم الجبوري وصالح المطلك.
وأشار النجيفي إلى أن شريك الحلبوسي، خميس الخنجر، "لديه رأي آخر" في تشكيل الإطار التنسيقي"، إذ يعدّه "غير مناسب وليس لديه فيه مصلحة"، مؤكدا وجود "مشاكل داخل السيادة"، التحالف الذي يجمع الاثنين.
ورقة السُنة
وفي المقابل، قال النائب عن حزب "تقدم" يحيى المحمدي خلال مقابلة تلفزيونية في 11 أبريل إنه "ليس للحلبوسي نية في تشكيل الإطار السني كما يروّج في الإعلام، وإنما هذه تحركات فقط لتوحيد المواقف المهمة والعالقة مع الكتل السياسية".
وأضاف المحمدي أن "مسألة تشكيل إطار سني مقابل آخر شيعي غير مطروحة وليست دقيقة، والإعلام هو من تداولها، ولا يوجد شيء منها على أرض الواقع، وأن ما موجود حاليا تفاهمات للاتفاق على المسائل المهمة".
وأشار إلى أن "أبرز القضايا التي يقوم الحلبوسي بالتنسيق فيها مع القوى السنية خلال اللقاءات هي الورقة التي قدمت إلى ائتلاف إدارة الدولة (تكتل من غالبية القوى السنية والشيعية والكردية) قبل تشكيل الحكومة، وتتضمن مسائل مهمة وجوهرية".
وتابع المحمدي أن "من هذه المسائل المطالبة الحكومة بتنفيذها، إعادة النازحين وقانون العفو العام والتوازن في مؤسسات الدولة، وإلغاء قانون المساءلة والعدالة، وخروج الحشد الشعبي من المحافظات المحررة (من تنظيم الدولة) السنية وإعادة إعمارها".
وأردف: "من ضمن القضايا التي يبحثها الحلبوسي موضوع عناصر السنة الذين غيبوا أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017 والتي يصل إلى أكثر من 15 ألف مغيّب"، في إشارة إلى الأشخاص الذين اقتادتهم المليشيات الشيعية إلى جهة مجهولة.
وتابع: "نحن ننتظر تطبيق هذه المطالب لأن الورقة كانت أساس تشكيل الحكومة الحالية، وبالتالي تعتمد على مصداقية الأخيرة في تنفيذها وترجمتها على الأرض بالشكل الذي يضمن حقوقنا".
وأشار المحمدي إلى أن الحلبوسي غير مقصر في المطالبة بتنفيذ حقوق المحفظات السنية، والدفع باتجاه تنفيذها لأنها تتعلق بالجماهير وليس بشخصه وحزبه، لكن الأمر منوط بالسلطة التنفيذية في تحقيقها.
ونفى النائب عن "تقدم" وجود محاولات لإقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان، أو وجود علاقة في ذلك مع الحديث عن تشكيل إطار سني، مؤكدا أن الأخير يرأس كتلة برلمانية مكونة من 62 نائبا، وبالتالي هو في المنصب طبقا لاستحقاقه، وأن المعارضين له هم من يتحدثون عن ذلك.
وتعاني الساحة السنية من انقسامات حادة بين أبرز القوى السياسية، إذ لم تفلح محاولات عدة في رأب الصدع وجمعهم تحت خيمة سياسية واحدة، بعدما تدخلت جهات خارجية وجمعت حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي، وحزب المشروع العربي بزعامة السياسي خميس الخنجر، وتشكيل تحالف السيادة (السني) بقيادة الأخير.
وجرت المصالحة بين الخنجر والحلبوسي في يوليو/تموز 2020، برعاية تركية خليجية، ودخلوا الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 ضمن تحالف السيادة الذي حقق نحو 62 مقعدا في البرلمان من أصل 329.
لكن هذا التشكيل يقابله تحالف سني آخر يدعى "عزم" مكون من 14 نائبا، ويرأسه النائب مثنى السامرائي، إضافة إلى وجود حزب المشروع الوطني العراقي بقيادة السياسي السني جمال الضاري، والذي يمتلك مقعدا واحدا في البرلمان.