إيران والصين وروسيا.. ثلاثي تسبب بتراجع العلاقات بين الرياض وواشنطن

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تبحث المملكة العربية السعودية، التي تراجعت أهميتها في نظر الولايات المتحدة مع نهاية الحرب الباردة، عن "الاستقلال الإستراتيجي" في سياستها الخارجية.

وبدأ هذا المسعى في الظهور أكثر فأكثر، خاصة بعد الثورات العربية، وفق ما تقول صحيفة "صباح" التركية في مقال للكاتب "محمد رقيب أوغلو".

واستدرك بالقول: يرتبط انفصال السعودية عن المدار الأميركي في السياسة الخارجية إلى حد كبير بالتحول في النظام الدولي والتغيير في ميزان القوى. 

فهنالك عدة نقاط أعادت تشكيل توجه السياسة الخارجية لإدارة الرياض أولها، سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتي تبنت سياسة مشاركة سلبية بعيدة كل البعد عن الرموز التقليدية، والتي لم تمنح المملكة الضمانات الأمنية اللازمة.

بل على العكس من هذا، وقعت اتفاقيات (الاتفاق النووي، 2015) مع الجهات الفاعلة (إيران) التي ينظر إليها على أنها تهديد لأمن النظام السعودي. والنقطة الثانية هي زيادة نفوذ الجهات الفاعلة مثل روسيا والصين على نطاق الشرق الأوسط.

وأضاف رقيب أوغلو أن "جهود السعودية لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، وسياسات واشنطن التي أزعجت السعودية أضرت بشكل خطير بالعلاقات بين البلدين، ووصلت العلاقات إلى طريق مسدود إستراتيجياً". 

ويمكن قراءة تحدي المملكة العربية السعودية النسبي للولايات المتحدة من حيث علاقاتها مع روسيا والصين وإيران.

محور روسيا

واستدرك رقيب أوغلو: إن الديناميكية الأولى التي وضعت العلاقات السعودية الأميركية في مأزق إستراتيجي تتعلق بروسيا. 

فقد حققت روسيا تحت قيادة فلاديمير بوتين مستوى من التعاون الإستراتيجي مع "حلفاء" الولايات المتحدة من خلال ملء فراغ السلطة الذي خلقته واشنطن بنفسها، حيث كانت بعيدة نسبيا عن الشرق الأوسط خلال حقبة باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن. 

وبهذا المعنى، تسببت روسيا، التي أحاطت "حلفاء" الولايات المتحدة باتفاقيات شاملة، في حدوث تصدعات في العلاقات بين واشنطن والرياض.

وذكر الكاتب أنه يمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال مثالين، تحقق أولهما عند نقطة تحديد أسعار النفط وحصص الإنتاج. 

ففي 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تضم المملكة العربية السعودية، أنها ستخفض إنتاج النفط للدول الغربية. 

وهذا القرار، الذي كان ضد الغرب في أسعار النفط ولصالح منتجي النفط مثل روسيا والمملكة العربية السعودية، جعل الخلافات حول خط واشنطن - الرياض في المقدمة. 

ورغبة منه في قلب أسعار النفط وإنتاجه ضد روسيا، اضطر بايدن لزيارة السعودية، التي وصفها سابقا بأنها دولة منبوذة من المجتمع الدولي. 

ولفت الكاتب إلى أنه على الرغم من الجهود الدبلوماسية والضغوط من الولايات المتحدة في عهد بايدن، لم تقطع المملكة العربية السعودية شراكتها مع روسيا. 

بل على العكس من ذلك، يمكن القول إن هذه الشراكة يجري إضفاء الطابع المؤسسي عليها يوماً بعد يوم وأنَّ المملكة تحاول تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة من خلال التقرب من روسيا. 

وأضاف رقيب أوغلو: إن التطور الثاني للمأزق الإستراتيجي في العلاقات السعودية الأميركية في السياق الروسي هو غزو أوكرانيا. 

إذ جلبت الحرب في أوكرانيا العديد من الابتكارات فيما يتعلق بالعلاقات الدولية وسياسة الشرق الأوسط. 

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والغرب دعموا أوكرانيا ضد روسيا ككتلة، فإن حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط اتبعوا سياسة مثيرة للاهتمام. 

وأعلن العديد من حلفاء الولايات المتحدة، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، أنهم لن يشاركوا في العقوبات المفروضة على روسيا. 

لذلك، تواصل السعودية السعي إلى الاستقلال الإستراتيجي في السياسة الخارجية كسياسة دولة طويلة الأجل من خلال التقرب من روسيا، بحسب تقييم الكاتب التركي.

محور الصين

وأردف رقيب أوغلو: هناك قضية أخرى تثبت أن المملكة العربية السعودية تريد اتباع سياسة خارجية "مستقلة نسبياً" عن الولايات المتحدة وهي عملية التقارب المؤسسي بين الرياض وبكين. 

وأشار إلى أن الولايات المتحدة منزعجة من تعميق تعاون كل من السعودية والصين في العديد من المجالات من صادرات النفط إلى مبيعات الأسلحة. 

على سبيل المثال، وفقا لصور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها شبكة تلفزيون "سي إن إن" الأميركية في عام 2021، فإن الادعاء أن المملكة أنتجت صواريخ باليستية بمساعدة الصين زاد من قلق واشنطن. 

وذكر الكاتب أن الصين تحاول موازنة واشنطن عبر الاقتراب من عديد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كما تفعل روسيا، وتعمل على زيادة نفوذها في المنطقة من خلال دعم معسكر المقاومة المناهض للولايات المتحدة، وخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس. 

ومع ذلك، حققت الصين نجاحاً دبلوماسياً كبيراً من خلال التوسط في عملية تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران في مارس/آذار 2023. 

وأعلنت السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.

وعلق الكاتب: "يمكن القول إن بكين حولت التنافس السعودي الإيراني، وهو الديناميكية المزمنة والتقليدية للشرق الأوسط، إلى جو من التعاون، وقد بدأت في تولي دور بناء النظام في المنطقة". 

"وفي مواجهة صعود الصين الاقتصادي العالمي ونفوذها المتزايد في الشرق الأوسط، تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات عملية للتركيز على مكاسبها".

التطبيع مع إيران

وأشار الكاتب إلى أن التطور الأخير الذي يمكن تفسيره على أنه تحدي المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة هو عملية التطبيع بين الرياض وطهران. 

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعرب عن دعمها للعملية، فإن حقيقة حدوث التطبيع بشكل مستقل عنها تعني أشياء كثيرة للعلاقات بين الرياض وواشنطن والهيمنة الإقليمية الأميركية. 

إذ تتحدى المملكة العربية السعودية واشنطن من خلال عملية التطبيع مع إيران، التي تستضيفها الصين، والتي تخوض الولايات المتحدة معها صراعاً على النفوذ. 

ومن ناحية أخرى، تزامنت هذه العملية مع فترة من عدم اليقين في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.

لذلك، تحاول المملكة العربية السعودية اتخاذ خطوات في السياسة الخارجية بغض النظر عن موافقة أو اعتراض الولايات المتحدة. 

والمثال الأخير والملموس على هذا الوضع يحدث في سياق العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا الذي شهد قطيعة عربية بعد الثوة عام 2011.

ويزُعم اليوم أن السعودية ستدعو نظام بشار الأسد إلى قمةٍ جامعةٍ للدول العربية التي ستعقد في مايو/أيار بالمملكة، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والدول الغربية. 

وهذا الوضع مشابه لأجندة السياسة الخارجية لـ "حلفاء" الولايات المتحدة الآخرين مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

وعلق الكاتب: "إهذا لا يعني انفصالاً جذرياً عن الولايات المتحدة، فلا تزال العديد من دول المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية، تعتمد على واشنطن من حيث الأمن". 

وختم الكاتب المقال قائلاً: إنَّ المملكة العربية السعودية تنفصل ببطء عن الولايات المتحدة.

وأردف: "من غير الواضح إلى أي مدى ستتمكن من مواصلة هذه السياسة، في حين أنها اقتربت من روسيا والصين اللتين تتحديان الهيمنة العالمية لواشنطن، وطبعت العلاقات مع طهران".