تكميم الأفواه.. لماذا تراجع رئيس وزراء العراق عن وعوده بحماية حرية التعبير؟ 

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تولي "محمد شياع السوداني" منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق، توالت الدعاوى القضائية ضد عدد من الباحثين والسياسيين المعارضين للحكومة، بحجة "التهجم والإساءة" وفق "المادة 433" من قانون العقوبات، التي تتراوح عقوبتها بين الغرامة المالية والسجن لسنتين.

وتواجه "المادة 433" معارضة شعبية شديدة كونها تتعارض بشكل صريح مع المادة 38 من الدستور التي نصت على أن "تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب، وحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر".

تكميم الأفواه

وطالت الدعاوى القضائية التي رفعها رئيس الحكومة العراقية منذ توليه السلطة في 27 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، كل من الأكاديمي والمحلل السياسي محمد نعناع، والخبيرة القانونية زينب الساعدي، إضافة إلى السياسي المعارض ليث شبّر.

أما الخبيرة الساعدي فقد انتهت قضيتها بكفالة مالية، لكن الأكاديمي نعناع اعتقل من منزله ببغداد في 26 مارس/ آذار 2023، ولم يعرف مصيره بعد رغم مطالبات سياسيين وناشطين من السوداني التنازل عن الدعوى للإفراج عنه خلال شهر رمضان.

أما السياسي شبّر، فقد أصدر بيانا في 2 أبريل 2023، قال فيه إنه أعلن "موقفه المعارض لحظة تشكيل الحكومة وفي وقتها أخبرت رئيس الوزراء بذلك وأوضحت له بأن موقفنا المعارض ليس ضده شخصيا، وإنما بسبب ترشيحه من جهة سياسية نعارض منهجها في إدارة الدولة وكانت إجابته الموثقة بأنه يتفهم ذلك".

وأضاف: "لكننا خلال إعلاننا المعارضة تعرضنا إلى كثير من المضايقات والتهديدات تتعلق بالسكن وأمور أخرى يعرفها المقربون وآخرها هذه القضية، ولكننا لم نتراجع ولن نتراجع لأن مشروع المعارضة البناءة هو مشروع إصلاحي وليس مشروعا إقصائيا كالذي تمارسه السلطة اليوم".

وأردف: "لقد حذرنا في مناسبات عدة من أن السلطة ستتحول شيئا فشيئا بسبب سياساتها في عدم تقبل النقد والرأي الآخر إلى سلطة قمعية".

وتابع: "هذا ما بدت ملامحه في سياسة الترهيب والترغيب واستغلال القضاء في قضايا سياسية باستعمال قوانين جرى إقرارها في حقبة ما قبل 2003 وهي قوانين لا تمت بصلة إلى النظام الديمقراطي الذي تم إقراره بعد التصويت على دستور 2005".

وأكد شبّر أنه "ذاهب للقضاء للدفاع عن قضيته بالأطر القانونية رغم أن الموضوع هو استهداف سياسي واضح، لإيماننا بأن مشروع المعارضة الذي رفعناه يجب أن ندافع عنه بكل ما لدينا من عزيمة وقوة لأننا نؤمن بقدرتنا على ذلك، ونثق بأن العراق وشعبه يستحق منا كل التضحيات".

من جهتها، قالت الساعدي إن "رئيس الوزراء رفع دعاوى قضائية عدة عليها وعلى آخرين، وأنه يعاب على الحكومة هذه التصرفات وسياسة تكميم الأفواه ومخالفة لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور العراقي".

وأوضحت الساعدي، لشبكة "الساعة" العراقية في 4 أبريل 2023، أن "من يتصدى للمناصب يجب أن يكون ذا شخصية تستقبل النقد والمعارضة والرأي الآخر، ولا يتوجه إلى القضاء لتكميم الأصوات، وستبقى نقطة سوداء في جبين هذه الحكومة".

رسالة سلبية

وتعليقا على أسباب اتخاذ السوداني نهج الدعاوى القضائية ضد المعارضين والمحللين السياسيين المنتقدين له ولحكومته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لؤي العزاوي، إن "رئيس الوزراء الحالي يطمح من خلال هذه الممارسات إلى فرض هيبته، وهذه طريقة خاطئة".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "سلفه مصطفى الكاظمي (رئيس الوزراء السابق) تعرض للإهانات الصريحة وليس الانتقاد على ألسنة شخصيات سياسية ومحللين ينتمون إلى قوى الإطار التنسيقي (شيعية) نفسه الذي ينتمي إليه السوداني، لكنه لم يعتقل أحدا، ووصل الحد بهم إلى التهديد بقطع أذنه مثل الماعز، ووضع صوره تحت أقدامهم".

ولفت إلى أن "استمرار السوداني في نهجه الحالي سيخسره الكثير في الشارع العراقي، لأن كل شيء في البلد سيئ سواء الخدمات أو الطاقة، لذلك عليه أن يتحمل النقد والانتقاد كونه شخصية عامة ومن حق الناس أن تتساءل أين تذهب الأموال ولماذا لا يعتقل الفاسدون، وماذا يحصل للخدمات وغيرها".

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي، محمود الحسيني، إن "حملة رفع دعاوى قضائية وإصدار مذكرات قبض بحق عدد من المحللين السياسيين، دقت ناقوس الخطر للقضاء على حرية التعبير في العراق، وخلق مساحة لحركة الفساد بحرية في البلد".

ورأى الحسيني خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 2 أبريل 2023 أن "العقلية السياسية داخل المنظومة الحكومية لا تستوعب أن أساس الانتقاد هو التنبيه عن الأخطاء وكشف الفساد ومساعدة السلطة للتحقيق فيه وليس استهداف السلطة".

ووصف الحسيني ما يحدث في العراق بمثابة "ارتكاب مجزرة في حرية التعبير بصورة قانونية، عن طريق استخدام القرارات والقوانين السابقة للنظام السابق، أو إصدار قرارات جديدة تحد من حرية التعبير، ما سيصب في صالح الفاسدين الذين يعبثون بمقدرات البلاد".

في السياق ذاته، كتب الصحفي حسام الحاج تغريدة على "تويتر" في 29 مارس 2023 أرفقها بصورة المحلل السياسي نعناع مع أولاده، قائلا: "جُرحت كرامة السوداني مما قاله الدكتور نعناع في أحد حواراته التلفزيونية حينما وصفه بالشخص غير الوطني فرمى الرجل ظلما في السجن".

وأضاف: "لكن حينما كان رئيس الوزراء السابق (الكاظمي) يتلقى أقذع الشتائم يوميا ويوصف بالطلي (الخروف) والماعز الذي يحب أن تقطع أذنه، وتداس صوره بالجزم كانت حلالا وعملا قانونيا ويستحق مرتكبوه التكريم والتطبيل والتهليل. أخطر من غياب القانون هو انتقاء تطبيقه".

من جهته، أدان مركز "النخيل" (عراقي مستقل معني بالحقوق والحريات الصحافية) إصدار مذكرات الاعتقال، معربا في بيان عن قلقه "إزاء مذكرة القبض الصادرة بحق ليث شبر بتهمة الإساءة لرئيس الوزراء"، وقبلها اعتقال نعناع.

وأضاف المركز أن "تزايد الشكاوى والدعاوى القضائية من السوداني يمثل رسالة سلبية، لا سيما أنه تعهد بحماية حق التعبير وحرية الرأي والصحافة والإعلام في أكثر من مناسبة".

وتابع: "كما أنها تأتي في وقت تعاني فيه الحريات الصحافية والمدنية وحتى الفنية من تضييق وترهيب بشتى الطرق ومختلف الأساليب، ما يستدعي من الحكومة دعم الحريات وحماية المؤسسات الإعلامية من الهجمات الممنهجة التي تتعرض لها".

ودعا المركز، السوداني، إلى أن "يتذكر التزاماته التي قطعها على نفسه في برنامجه الحكومي، بضرورة التحقيق في قضايا قتل المتظاهرين وإعلانها للرأي العام، والتي لم يجر أي تقدم فيها منذ تسلمه رئاسة الحكومة".

وجدد المركز المطالبة بـ"إطلاق سراح نعناع الذي يقبع في السجن بسبب شكوى من السوداني بتهمة الإساءة والتهجم".

تأصيل الديكتاتورية

رغم الميلاد العسير للبرلمان والحكومة الحالية في العراق، إلا أنها لم تكف عن إثارة الجدل في الشارع، تارة بالقرارات وأخرى بالقوانين التي يراها الكثيرون خطوة كبيرة نحو تأصيل الديكتاتورية في البلاد، ومنها محاولة إقرار قانون "حرية التعبير والحق في التظاهر" في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

ويأتي هذا بعد اعتراض سابق منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 على مشروع قانون "جرائم المعلوماتية"، الذي يواجه أيضا اتهامات متعلقة بالتضييق على المدونين والصحفيين والناشطين على حد سواء، ليكون بذلك ثاني أزمة متعلقة بالحريات يثيرها البرلمان منذ تولي السوداني رئاسة الحكومة.

ووقّع 36 نائبا في البرلمان يمثلون قوى مدنية ومستقلون، في 3 ديسمبر 2022 على عريضة تطالب بسحب القانون لإجراء تعديلات عليه، وقالت العريضة إن القانون "يجب أن يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور".

وفي ديسمبر 2022، استجاب البرلمان العراقي للضغوط الإعلامية والقانونية التي رفضت مشروع قانون "الجرائم الإلكترونية"، وقرر إجراء تعديلات واسعة عليه ليراعي التوازن بين صون الحريات وحفظ الأمن الاجتماعي العام.

وأنهى البرلمان في 24 نوفمبر 2022 القراءة الثالثة والأخيرة والمناقشات لقانون جرائم المعلوماتية موصيا بالاستعانة بخبراء الجرائم الجنائية ومجلس القضاء الأعلى لاستشارته بشأن العقوبات المنصوصة في القانون.

وينص القانون الجديد الذي لم يأخذ طريقه للإقرار بالبرلمان بعد على عقوبات رادعة تصل إلى السجن مدى الحياة وغرامات تتراوح ما بين 16 ألفا إلى 32 ألف دولار وهو ما يعتبره منتقدو القانون عقوبة "غير متوازنة مع التهديد المزعوم".

وفي 5 مارس 2023، أعلن مستشار رئيس الوزراء لشؤون حقوق الإنسان، زيدان خلف، أن السوداني شكل لجنة لدراسة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي.

وقال خلف خلال كلمة في جلسة مناقشة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي التي انعقدت بمبنى البرلمان، إن "اللجنة عكفت على دراسة مشروع قانون حرية التعبير، وعقدت عدة اجتماعات على مدى الأسابيع الماضية وخرجت بمسودة التعديلات وقدمتها إلى مجلس النواب بكتاب رسمي من مكتب رئيس الوزراء".

وتشكلت حكومة السوداني بعد مرور عام على الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وذلك بعدما أخفق "التيار الصدري" الفائز بالمرتبة الأولى بـ73 مقعدا من أصل 329، في تشكيل حكومة أغلبية وطنية مع قوى سنية وأخرى كردية، ما دفعه لإعلان استقالة نوابه في يونيو/ حزيران 2022.

وعلى أثر ذلك، تولى مناوئو الصدريين في كتلة قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي القريب من إيران تشكيل الحكومة برئاسة السوداني، بعدما أصبح يمثل الأغلبية البرلمانية بنحو 150 مقعدا، إذ إن معظم مقاعد التيار الصدري ذهبت إلى أعلى الخاسرين من بعدهم.