"ترويج سياسي".. هل ينجح بهاء الحريري في نزع عباءة زعامة السنة بلبنان؟
شرع الملياردير اللبناني بهاء رفيق الحريري مجددا في خطوات عملية لتحسين أدائه السياسي في "بلاد الأرز"، بعد نكسة الانتخابات البرلمانية لعام 2022، والتي كان يطمح من خلالها للبس عباءة زعامة السنة.
وبدأ بهاء النجل الأكبر لرئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، محاولاته لملء الفراغ الكبير في التمثيل السياسي للسنة في لبنان، عقب اعتزال أخيه سعد الحياة السياسية منذ 24 يناير/كانون الثاني 2022 الذي تولى رئاسة الحكومة ثلاث مرات.
عودة للمشهد
لكن الملياردير ورجل الأعمال البارز بهاء يفتقر لقاعدة شعبية في الأوساط السنية، ولذلك هو مُصر على محاولة تجريب حظه مرة ثانية بعد خسارة القوائم الانتخابية التي مولها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
لكن عودة رجل الأعمال بهاء الحريري (57 عاما) لتفعيل حضوره على الساحة السياسية اللبنانية هذه المرة جاء عبر برنامج عمل يستمد نهجه من "رفيق" وفيه تشديد على الشراكة الإسلامية المسيحية، وفق بيان أصدره مكتبه الإعلامي في 25 مارس/آذار 2023.
وشمل البرنامج، ست خطط للإصلاح الاقتصادي، والإصلاح القضائي، والاصلاح الدستوري والدفاع الوطني وإستراتيجية مكافحة الفساد، والإصلاح الصحي.
وحدد الحريري "الأولويات الفورية، وركز على تنفيذ اتفاق الطائف بالكامل"، مشددا على "الحلّ الشامل للأزمة اللبنانية"، كما قرر الحريري تعيين "ثلاث لجان الأولى اجتماعية والثانية للتواصل والعلاقات العامة والثالثة إعلامية".
وولد بهاء عام 1966، وهو ابن الزوجة الأولى لرفيق، العراقية نضال بستاني، ويحمل الجنسية السعودية إلى جانب اللبنانية، ويعد من كبار رجال الأعمال في قطاع العقارات بلبنان وخارجه.
وتقدر ثروة بهاء الذي يعد ثاني أغنى رجل في لبنان بنحو 2.1 مليار دولار.
وجمع ثروته من خلال العمل في البورصة والأسهم والأوراق المالية، قبل أن ينتقل إلى العقارات والإنشاءات، بحسب ما نشرت مجلة "فوربس" الأميركية في يوليو/ تموز 2019.
وفي تمازج مع ما دعا إليه الحريري، قال راعي أبرشية دير الأحمر وبعلبك، المطران حنا رحمة، بعد لقائه مع بهاء في موناكو بتاريخ 17 مارس 2023، إن "الحديث الذي دار مع الحريري يصب في مصلحة لبنان".
وأشار رحمة، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية، إلى أن "الانهيار الحاصل في البلد يجب أن تتحمل مسؤوليته الطبقة الحاكمة".
وأضاف قائلا "في لبنان شراكة إسلامية مسيحية يزيد عمرها على الألف سنة، لا يمكن التفريط بها، لأنها قيمة لبنان ورسالته، ولبنان لا يقوم إلا بالثنائية الإسلامية المسيحية الواضحة المعالم".
وأكد الحريري من جهته، التزامه "بالثنائية الإسلامية المسيحية واتفاق الطائف الذي رعى الشراكة بين الطوائف"، معتبرا أن المساس بها "كفر سياسي"، وفق تعبيره.
ولبنان بلد قائم على المحاصصة الطائفية التي أقرها "اتفاق الطائف" منهيا الحرب الأهلية (1975 - 1990)، والتي ما يزال لبنان يلوك مرارتها.
ووفقا لنظام المحاصصة الطائفية، يجب أن يشغل منصب الرئيس في لبنان ماروني، والحكومة للسنة والبرلمان للشيعة.
لقاءات مكثفة
وسبق ذلك وتحديدا في 18 يناير/كانون الثاني 2023، إجراء الحريري سلسلة لقاءات في مدينة لارنكا القبرصية، مع وفد من إقليم الخروب والبقاع، وضم شخصيات من كل المناطق اللبنانية على اختلاف مشاربها الدينية والاجتماعية والثقافية.
وناقش الحريري مع هؤلاء مشروعه والخطة الإنمائية المرتقبة، العمل على الطبابة والتعليم والتوظيف في لبنان، حسبما نقلت منصة بهاء الحريري الإعلامية "صوت بيروت إنترناشيونال"، والتي تعد نافذة الحريري الرئيسة على الجمهور.
وبحسب المنصة التي أسسها الحريري عام 2005، فقد أعرب هؤلاء عن "تخوفهم من بقاء الطائفة مهمشة، لأن ضعف الطائفة السنية ينعكس ضعفا على لبنان ككل".
وأبدى الحريري "تخوفه من تفريغ المواقع السنية في مؤسسات الدولة".
وأكد على "ضرورة استكمال مسيرة رفيق الحريري الوطنية الجامعة لبناء وطن سليم ودولة قادرة بكل مؤسساتها على فرض هيبتها على كافة الأراضي اللبنانية"، وفق المنصة.
وأشاد الحريري بمتانة العلاقة مع البطريركية المارونية في بكركي، شمالي بيروت، ويرى أنها "علاقة أساسية وأكثر من جيدة ومن خلالها يتم نسج خلاص لبنان وخروجه من أزماته ومشاكله".
وتبث المنصة باللغة العربية، وتغطي المستجدات الأمنية كافة على صعيد لبنان والعالم، ولها حضور إعلامي قوي في الشارع اللبناني تعزز عام 2020 عقب اندلاع "ثورة 17 تشرين (أكتوبر 2019)" في لبنان، ودخلت حينها بجرأتها مرحلة جديدة من التغطية الإخبارية المباشرة بالصوت والصورة على صفحة فيسبوك التابعة لها.
ورغم اجتهاد الحريري للتقارب أكثر من الوسط السني والترويج لمشاريعه السياسية القادمة في لبنان، إلا أن انتقادات طالت طبيعتها.
ولا سيما أن الحريري دعا أكثر من 200 شخصية سنية للقائه في قبرص مع تكفله بتكاليف سفرهم وإقامتهم، إلا أن الحضور وفق وسائل إعلام لبنانية كان متواضعا ولم يلب كثيرون الدعوة.
ووقتها رفض رئيس "المركز الإسلامي للدراسات والإعلام" القاضي خلدون عريمط، في حديث إلى موقع "ليبانون ديبايت" مبدأ الدعوة التي وجهها رجل الأعمال الحريري.
وقال عريمط إن "لبنان يستحق أن يقام اللقاء فيه، وما الحكمة من إقامة اللقاء في قبرص، فلبنان موجود أرضا وشعبا ومؤسسات، وهناك سلطة والأمن مستقر".
حملة دعم
وفي دلالة على رغبة الحريري في خلق مكانة جديدة لها في المشهد السياسي اللبناني المعقد، ذكرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، أن رجل الأعمال القوي، سيدفع 600 ألف دولار سنويا لشركة "BGR" للاستشارات.
وسيشمل هذا العقد شخصيتي اللوبي البارزتين إد روجرز، المخضرم في عهد إدارتي رونالد ريغان وجوج بوش الأب، ومارك تافلاريدس الذي عمل في مجلس الأمن القومي خلال رئاسة بيل كلينتون.
وأوضح تقرير المجلة المنشور في 21 مارس/آذار 2023، أن بهاء بمجموعة "BGR Group" رفيعة المستوى في واشنطن لتقدم له "الاستشارة الإستراتيجية والقانونية والدعم اللازم لتعزيز السلام والازدهار في لبنان"، وفقا لإيداع تسجيل اللوبي في 9 مارس 2023 بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA).
ووقع الحريري العقد في 28 فبراير/شباط 2023، مع رئيس "BGR" والمدير التنفيذي لها روبرت وود خلال حفل في منتجع مونت كارلو، حيث ألقى كلمة أمام الحضور.
وبموجب شروط العقد المبرم لمدة عام، سيدفع الحريري 50 ألف دولار شهريا لمجموعة "BGR"، كما يكشف العقد المبرم، أن عمل مجموعة الضغط سيشمل "تسهيل الانخراط في اتصالات مع المسؤولين المعنيين وصناع القرار في الولايات المتحدة، والجالية المسلمة والمسيحية".
ومن المؤكد أن القضايا التي ستتناولها الشركة تشمل الأزمة السياسية المستمرة في لبنان، حيث تعيش البلاد شغورا رئاسيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، مؤسس "التيار الوطني الحر".
وفشل البرلمان اللبناني 11 مرة منذ سبتمبر/ أيلول 2022، في انتخاب خلف لعون، حيث لم تتوصل الأطراف السياسية لمرشح توافقي بعد، في وقت تمارس فيه حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي عملها بصلاحيات محدودة، ما يزيد سوداوية الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.
ولهذا بات المشهد السياسي السني حاليا مشتتا للغاية في لبنان، ويريد الحريري ملء الفراغ فيه آملا أن تساعده "BGR" على اكتساب الدعم اللازم لطموحاته في واشنطن أيضا.
خبرة الضغط
يتمتع فريق "BGR" بخبرة واسعة في عمليات الضغط لصالح جهات أجنبية، بما في ذلك حكومات أوكرانيا وأذربيجان والبحرين والسعودية.
عمل تافلاريدس مع روجرز في أذربيجان والبحرين، ولعب دورا رائدا لعدد من عملاء BGR الآخرين، بما في ذلك الهند وبنغلاديش وغرفة التجارة الأميركية في جنوب الصين.
وتلفت "إنتلجنس أونلاين"، إلى أن "روجرز" و"تافلاريدس" سيقودان لوبي الضغط لصالح بهاء الحريري في "BGR".
ويعول بهاء على تاريخ هذين الشخصين نظرا لما يتمتعان به من تاريخ سياسي، فأثناء إدارة ريغان، عمل روجرز نائبا للمساعد الخاص للرئيس ريغان لهالي بربور، المؤسس المشارك في BGR والذي أصبح فيما بعد رئيسا لجنة الوطنية الجمهورية ثم حاكم ولاية ميسيسيبي.
وشغل روجرز أيضا منصبا رفيعا في إدارة جورج بوش الأب داخل البيت الأبيض، وعمل مع عدد من مراكز البحوث، بما في ذلك مجلس العلاقات الخارجية حيث لا زال عضوا حتى الآن.
تافلاريدس أيضا من قدامى المخضرمين في إدارة بيل كلينتون، حيث شغل خلالها مناصب في مجلس الأمن القومي والبنتاغون، وعمل قبل ذلك في اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية التابعة للجنة الشؤون الخارجية.
كما عمل لدى شركتي ضغط أخريين هما، Podesta Group وVan Scoyoc Associates، قبل أن ينضم إلى BGR عام 2017.
كما أن دانيال هوفمان العضو في المجلس الاستشاري لـ"BGR"، عمل مستشارا سابقا لدى شركة CT Solutions، وقد ترأس سابقا محطة وكالة المخابرات المركزية في الصين، وعُين أيضا في مكتب الوكالة في الشرق الأوسط والاتحاد السوفيتي فيما مضى.
وفي عام 2021، تعاقد الحريري مع شركة CT Solutions and Private Advisory، والتي تضم من بين كبار مسؤوليها الدبلوماسي البريطاني السابق، يوجين كيرلي، الذي ترأس سابقا شركة Good Governance Group أو G3 لاستخبارات الشركات، لكن هذا العقد انتهى في مايو/أيار 2022.
إحياء المشروع
لكن العقبة الوحيدة التي تواجه بهاء هم أنصار شقيقه سعد الذي يحظى بشعبية كبيرة في لبنان، وهو يريد أن يقدم نفسه بديلا عنه، مستغلا عزوف أخيه عن العمل السياسي منذ استقالته عام 2020 إثر احتجاجات شعبية ضخمة على الأوضاع الاقتصادية المتردية والفساد الحكومي.
ويؤكد مراقبون للشأن اللبناني أن إصرار بهاء على دخول ميدان السياسة اللبنانية، مرده إلى أمرين أساسيين، "الأول إحياء مشروع رفيق الحريري الذي يرى أنه يتراجع وأنه صاحب الشرعية والمشروعية بإرث والده".
والثاني "تقديم الخدمات الأساسية للبنانيين من طبابة واستشفاء وتعليم وفرص عمل في الفترة المقبلة".
لكن بالمقابل، يرى الكاتب اللبناني، أحمد الأيوبي، في مقالة نشرها بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2023، أن "مؤيدي سعد الحريري (52 عاما) يرون أنه مازال يحتفظ بشرعية تمثيل السنة، رغم خروجه المؤقت من العمل السياسي، وأن أي محاولة لتعبئة الفراغ هي طعنة غدر ومحاولة انقلاب".
وتابع: "يؤكدون أن سعد كان محقا في تعليقه للعمل السياسي، لأن البلد واقع تحت سيطرة حزب الله ويستحيل الوصول إلى حلول في هذه الحال".
ولطالما تحدث بهاء عن "احتلال" إيراني للبنان وقراره خوض معركة "استرداد الوطن وسيادته من محتلي هذه السيادة".
وخلال زيارة بهاء إلى واشنطن في 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، استقبل في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس.
وروج لمشروعه الخاص بلبنان وإثارة الأجواء ضد "حزب الله" المدعوم من إيران، وينظر إليه على أنه يمتلك سلاحا "غير شرعي" يختطف به السلطة.
ويرى مراقبون أن بهاء، لم يلق الحضن الخليجي الذي أراده رغم رفعه سقف المواقف ضد "حزب الله"، وتنسيقه الدائم مع صقور المستقبل الخارجين عن التيار.