المحسوبية والفساد والفضائح.. كيف دفعت العراق لتقليص بعثاته الدبلوماسية؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تزايدت كثيرا في الآونة الأخيرة حالات استدعاء وزارة الخارجية العراقية، سفراءها ومسؤولي بعثاتها الدبلوماسية في مختلف البلدان وتنحيتهم عن العمل في الخارج وإعادتهم إلى مقر الوزارة، على خلفية العديد من الأحداث التي تسببت بحرج كبير لبغداد.

قبل عام 2003، كان العراق يمتلك 90 بعثة دبلوماسية من ضمنها 45 سفيرا في عواصم دولية، لكن تبقى 77 بعثة فقط، وذلك بعدما أقدمت الحكومة على إغلاق 13 بعثة خارجية عام 2016 لعدم فاعليتها وقلة الجالية هناك، إضافة لسياسة تقشفية اتبعتها البلاد آنذاك.

حادثة البحرين

آخر قرارات الاستدعاء التي اتخذتها وزارة الخارجية العراقية، كانت للقائم بالأعمال في دولة البحرين مؤيد عبد الرحمن، في 28 مارس/آذار 2023، وذلك "حفاظا على الأعراف الدبلوماسية"، بعد استدعاء المنامة له إثر ما عدته "تدخلا في شؤونها".

جاء ذلك في تصريح للمتحدث باسم الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، وبيان للخارجية البحرينية، دون أن يوضح البلدان سببا للإجراءين.

وقال الصحاف لوكالة الأنباء العراقية، إن "وزير الخارجية فؤاد حسين وجه بإعادة القائم بالأعمال العراقي لدى البحرين إلى مركز الوزارة في بغداد".

وأضاف أن "هذا الإجراء يأتي تعزيزا لمكانة الدبلوماسية العراقية التي تنتهجها الوزارة في الحفاظ على الأعراف الدبلوماسية"، دون مزيد من التفاصيل.

وفي وقت سابق من مساء اليوم نفسه، أعلنت الخارجية البحرينية، في بيان، أن "الوزارة استدعت القائم بالأعمال العراقي وأبلغته عن بالغ أسفها واستيائها لمخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية".

وأبلغ وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني، القائم بالأعمال العراقي "استنكار الوزارة الشديد لما قام به أخيرا من تصرف غير مقبول يتنافى مع البروتوكولات الدبلوماسية في المملكة"، دون أن يوضح البيان هذا التصرف.

وأضافت الوزارة، أن هذا التصرف (الذي لم تعلنه) "يتعارض مع مهام عبد الرحمن الدبلوماسية كقائم بالأعمال لسفارة العراق في البحرين، باعتباره تدخلا مرفوضا في الشؤون الداخلية البحرينية".

وحسب البيان ذاته، سلم وزير الخارجية البحريني، القائم بالأعمال العراقي "مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص"، دون تفاصيل أكثر.

بدوره، نشر القائم بالأعمال العراقي في المنامة، مؤيد عبدالرحمن، توضيحا بشأن استدعائه، بالقول إنه "منذ سنة نعمل بتنسيق مع وزارة النقل البحرينية بشأن تشغيل خط الطيران بين البلدين، والمسؤولين العراقيين أكدوا أن جميع الكتب والمتطلبات اكتملت".

وكتب عبد الرحمن على مجموعة في "واتساب" تدعى (النخبة العراقية للحوار) أن "ملك البحرين (حمد بن عيسى) وولي العهد (سلمان بن حمد) دعوا السفراء ورؤساء البعثات للإفطار (بمناسبة شهر رمضان)".

وتابع: "التقيت رئيس الوزراء (سلمان بن حمد) في الدعوة وكان برفقته وزير الخارجية البحريني وتكلمت معه بشأن فتح خطوط بين البلدين"، حسبما ذكرت وكالة "روسيا اليوم" في 29 مارس 2023.

وتابع: "عرفت بعد ذلك بأن هناك مذكرة احتجاج بحقي لأنني تكلمت مع ولي العهد وكان من المفترض أن أتكلم مع الوزير"، مبديا استغرابه مما حدث، "ففي العراق جميع الدبلوماسيين يلتقون رئيس الدولة ويلبي جميع متطلباتهم"، على حد تعبيره.

وردا على ذلك، قال المتحدث الرسمي باسم مركز الاتصال الوطني الحكومي في البحرين محمد العباسي، إن استدعاء القائم بالأعمال العراقي مؤيد عبد الرحمن إلى وزارة الخارجية وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية جاء "بناء على مخالفاته المتكررة للأعراف الدبلوماسية".

وبحسب ما ذكرت وكالة أنباء البحرين الرسمية "بنا"، في 30 مارس 2023، فإن "القائم بالأعمال العراقي تدخل بشكل متكرر في الشؤون السياسية الداخلية لمملكة البحرين"، موضحا أن "قرار الاستدعاء لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بترتيبات تجارية في مجال النقل بين البلدين"، كما أعلن الدبلوماسي.

وأشار إلى أن "مخالفات القائم بالأعمال العراقي المتكررة للأعراف الدبلوماسية تتعارض مع مهمته الدبلوماسية في المملكة"، مؤكدا "رفض البحرين التدخل في الشؤون السياسية الداخلية، وهو ما يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تنظم العلاقات بين الدول".

ويقف تمثيل العراق والبحرين حاليا عند مستوى القائم بالأعمال، وسبق أن ظل التمثيل الدبلوماسي العراقي عند هذا المستوى منذ حرب الخليج في 1991 وحتى اعتماد المنامة سفيرا للعراق في 2001.

فضائح متكررة

لم تكن حادثة البحرين هي الأولى، ففي سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت وزارة الخارجية في بغداد، عن قرار بإعادة دبلوماسي معتمد لديها في الأمم المتحدة، بعد التقاط الصحفيين صورا له وهو يشاهد مباراة بكرة القدم عبر جهازه المحمول، خلال اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة كان يتعلق بالملف العراقي.

أما في أغسطس/آب 2022، فقد أصدرت بغداد قرارا مماثلا بإنهاء عمل سفيرها في الأردن، حيدر العذاري وإعادته إلى مقر وزارة الخارجية في العاصمة العراقية، إثر صور وصفت بـ"غير لائقة" للسفير وزوجته مع المطرب اللبناني راغب علامة.

وفي مارس 2022، استدعت بغداد سفيرها في بيروت إثر ما عرف إعلاميا بحادثة "آر بي جي 7"، إذ استخدم السفير قاذفة من هذا النوع للصيد في منطقة البقاع.

وسبق قرار الاستدعاء، مشكلة للسفير ذاته مع صحافية لبنانية حاولت أخذ تصريح من وفد عراقي رسمي كان في زيارة إلى بيروت.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، ظهر القائم بالأعمال العراقي في موريتانيا حميد القدو، بملابس نوم مع مطربة محلية داخل صالة فندق (اللوبي)، ما أثار جدلا واسعا في العراق، دفعت وزارة الخارجية إلى إعادته لمقر الوزارة في بغداد لاحقا.

وفي يوليو/تموز 2019، استدعت وزارة الخارجية العراقية سفيرها في واشنطن فريد ياسين، بعد تصريحات تحدث فيها عما زعم أنها "أسباب موضوعية قد تدعو إلى تطوير العلاقة مع إسرائيل". وبرر ذلك يومها بوجود جالية عراقية هناك، في إشارة إلى اليهود من أصول عراقية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأصدرت الخارجية العراقية بيانا أكدت فيه أن تصريحات السفير "غير مناسبة". وجددت "التأكيد أن موقف العراق إزاء القضية الفلسطينية هو نفسه الموقف المبدئي والتاريخي برفض الاحتلال الإسرائيلي واغتصابه لأرض عربية، وإننا لا نقيم أي علاقات مع دولة الاحتلال، وملتزمون بمبدأ المقاطعة".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قدمت موظفتان تعملان في السفارة العراقية في رومانيا، شكوى إلى الشرطة بسبب تحرش القنصل العراقي في بوخارست محمد إبراهيم، حسبما نقلت صحيفة "ليبرتيتا" الرومانية.

وفي العام نفسه 2018، ظهر السفير العراقي لدى طهران راجح الموسوي وهو يوجّه إهانات لعدد من العراقيين من أبناء الجالية الموجودة في إيران خلال تجمّع بمناسبة دينية بعد حديث بعضهم عن سوء خدمات السفارة، ما أدى لاستدعائه إلى بغداد ومن ثم صدور بيان إقالته من منصبه.

أعقب ذلك مشكلة تورط القنصل العراقي في مدينة مشهد الإيرانية، ياسين شريف، في عام 2018، بأعمال تجارية، كان آخرها الظهور في فيديو ترويجي لصالح مركز لزراعة الشعر وتبييض الأسنان، وهو ما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى استدعائه وإنهاء عمله لاحقاً.

وفي العام 2016، نشر الموقع الرسمي لـ"هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية"، أن "اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سجائر بقيمة 2.4 مليون فرنك مستغلين صفتهما الدبلوماسية"، من دون ذكر اسمي الدبلوماسيين العراقيين اللذين تبيّن لاحقاً إعادة أحدهما إلى بغداد وإقالة الثاني.

وخلال العام ذاته، واجه نجلا السفير العراقي في البرتغال، سعد محمد رضا، اتهاما بالاعتداء على فتى برتغالي، ما تسبّب بدخوله في غيبوبة، ومحاولة السفير التستر على الجريمة.

وانتهت القضية بنقل بغداد للسفير وعائلته من البرتغال إلى دمشق بعد أشهر، مع دفع تعويض مالي لعائلة الفتى المُعتدى عليه.

نتاج المحسوبية

رغم أن دستور العراق المعتمد منذ عام 2005، لم ينص على توزيع مناصب الدولة في إطار طائفي أو حزبي، لكن النظام السياسي الذي جاء عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، اتبع سياسة المحاصصة الحزبية والمحسوبية في توزيع الدرجات الوظيفية الخاصة (مدير عام فما فوق)، والدبلوماسية على وجه الخصوص.

وتعليقا على ذلك، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مثنى أمين، إن "قضايا الأخطاء البروتوكولية، والخروج عن السياقات الدبلوماسية أو السياقات غير اللائقة كثرت بالفعل أخيرا، وربما الكثير منها لم يصل للإعلام، وهذه لا تقتصر فقط على سفراء العراق، وإنما تحدث ببلدان أخرى".

وأوضح أمين لـ"الاستقلال" أن "الخارجية العراقية ذهبت إلى المحاصصة والمحسوبية والمعايير الرديئة في انتقاء الشخصيات الدبلوماسية، إضافة إلى التدخلات الحزبية في كل شيء، ما جعلها في فترات معينة فاقدة للمهنية وحسن الاختيار".

وأكد النائب: "لدينا عدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية لا يستحقون أن يمثلوا الدولة العراقية، لذلك هناك شح اليوم في الكوادر العليا، وخصوصا من هم بدرجة سفير، وهذه لها علاقة بالمحاصصة والخلاقات الحزبية التي عطلت اختيارهم سواء من داخل الوزارة أو من بعض الكتل السياسية".

ولفت أمين إلى أن "هناك شخصيات لا ترقى إلى تمثيل دولة بمستوى العراق لأنها لا تمتلك الكفاءة المطلوبة ولا تتمتع باللياقات الدبلوماسية، وهذا الأمر يتطلب إجراء إصلاح. لكن لا يستقيم الظل والعود أعوج".

وأوضح النائب أن "الدولة بشكل عام إذا كانت تسير في نهج خاطئ، فنحن بحاجة إلى تعديل الأسس والمناهج التي عملت بها وزارة الخارجية، لذلك هناك بالفعل إرادة للتصحيح، إذ جرى فتح باب التقديم للدورة الدبلوماسية رقم 28 منذ عام 2019، لكنها لم تنجز حتى اليوم".

وأردف: "لكن المعايير الدقيقة التي جرى فيها الاختيار وطريقة توزيع المقاعد بين المحافظات العراقية والكفاءات، إضافة إلى الامتحانات التحريرية والشفهية التي جرت للمرشحين في الدورة المذكورة، كانت بداية لتصحيح المسار الخاطئ".

ولفت أمين إلى أنه شخصيا كان "ضحية للمحاصصة المقيتة التي أسندت بسببها رئاسة لجنة العلاقات الخارجية إلى شخصية لا تمتلك الكفاءة والخبرة لقيادة لجنة حساسة مهمة وسيادية، كونها ليست مختصة".

وبيّن النائب أن "رئاسة البرلمان تواطأت مع أحزاب ائتلاف إدارة الدولة حتى يحصلوا لها على الأصوات الكافية ولم يستطيعوا، ففي الجولتين يجري التصويت لي رئيسا للجنة بأغلب الأصوات".

وتأسس ائتلاف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة "بابليون" المسيحية.

وتابع: "لكن رئاسة البرلمان غيرت بأعضاء اللجنة وجاءت بنواب من لجان أخرى حتى يصوتوا لرئيسة اللجنة الحالية (ديلان غفور)، وهذه طرق غير قانونية للالتفاف على التصويت الحقيقي، فإذا كانت هذه تحصل ضمن الجهة الرقابية، فكيف بما يجري بالجهة التنفيذية المتمثلة بالحكومة؟".

وخلص أمين إلى أن "العراق لديه مشكلة حقيقية في إدارة مؤسسات الدولة، وهي تغليب المحاصصة واللجوء إلى الطريق غير القانونية لتمريرها، لذلك مسألة التصحيح تواجه مثل هذه العقبات الحقيقية حاليا".

وفي فبراير/شباط 2023، أعلنت وزارة الخارجية تشكيل لجنة تحقيق في أزمة جوازات السفر الدبلوماسية التي فجرها نواب في البرلمان، بعد اتضاح حصول شخصيات غير حكومية عليها، من بينهم عارضات أزياء ومشاهير على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن اللجنة ستتولى مهمة التدقيق في حاملي هذه الفئة من الجوازات.