عبد اللطيف دريان.. مفتي لبنان الساعي لتوحيد السنة ضد مخططات باسيل وحزب الله

12

طباعة

مشاركة

يفرض مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان، نفسه على المشهد المعقد في هذا البلد المعروف بتداخلاته الطائفية، محاولا ملء الفراغ السياسي الكبير في الساحة السنية.

فقد لعب مفتي الجمهورية الشيخ دريان (69 عاما)، دورا في تحويل دار الفتوى إلى مرجعية سياسية مرحلية خلال الانتخابات النيابية لعام 2022.

والآن يلعب دورا مشابها في ظل حالة الشغور بمنصب رئيس لبنان منذ أن غادر قصر بعبدا رئيس الجمهورية ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفي رسالة بمناسبة حلول شهر رمضان نشرها دريان بتاريخ 22 مارس/ آذار 2023، قال فيها محذرا: "إما انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة، أو الفوضى التي بدأت معالمها تظهر شيئا فشيئا في الوطن، ويدفع ثمن ذلك المواطن".

وفشل البرلمان اللبناني 11 مرة منذ سبتمبر/ أيلول 2022، في انتخاب خلف لعون، حيث لم تتوصل الأطراف السياسية لمرشح توافقي بعد، في وقت تمارس فيه حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي عملها بصلاحيات محدودة ما يزيد سوداوية الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.

ودعا أرفع مرجع ديني سني بلبنان إلى "التصدي لكل من يعمل على تمزيق وحدة الوطن، فالبعض ينادي ويعمل على تقسيم بلدية بيروت العاصمة، التي هي رمز وحدة اللبنانيين في عيشهم الواحد"، وفق قوله.

وراح دريان يقول إن "بيروت بمسلميها ومسيحييها لن ترضى بالتقسيم، ونحن سنقف سدا منيعا في مواجهة المس بوحدة بيروت وبوحدة مؤسساتها".

ويضم المجلس البلدي لبيروت 24 عضوا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويرأسها مسلم هو جمال عيتاني، حيث تقدم نواب في "تكتل لبنان القوي" بزعامة النائب جبران باسيل حليف حزب الله، مطلع مارس 2023، بمقترح قانون لاستحداث بلديتين في بيروت، واحدة تخضع للمسيحيين والأخرى للمسلمين.

 لكن هذا المقترح يواجه برفض كبير، لكون إدارة بلدية بيروت هي بيد المكون المسلم بشكل عام.

والتقسيم المطروح سيكون على أساس طائفي يفصل المناطق المسيحية شرقي العاصمة عن الإسلامية في غربها، وإنشاء مجلس بلدي منفصل لكل جزء منهما.

وهذا ما دعا مفتي الجمهورية اللبنانية، في يوليو/ تموز 2022، للقول إن المقترح يعيد إلى الأذهان التقسيمات الطائفية التي كانت في بيروت إبان الحرب الأهلية بداية عام 1975 وحتى عام 1991.

وكرس اتفاق الطائف (1989) الذي أنهيت بموجبه الحرب الأهلية اللبنانية، معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة التي توزع المناصب الرئيسة على أساس طائفي بين المكونات الأساسية الثلاثة، المسيحيين والسنة والشيعة.

وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع: رئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة الحكومة للمسلمين السنّة، لتبقى رئاسة البرلمان من حصة الشيعة.

النشأة والتكوين

ولد عبد اللطيف فايز دريان، في بيروت عام 1953، وله أربعة أولاد، وتلقى دراسته الثانوية الشرعية في أزهر لبنان في بيروت.

وحصل دريان على الإجازة العالية في الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1976 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.

وتابع دراساته العليا في الأزهر الشريف في مصر ودراساته التربوية العليا في جامعة عين شمس بالقاهرة، حيث حصل على شهادة الدبلوم في التربية منها عام 1977، إضافة إلى إجازات متعددة في علوم إسلامية متنوعة.

ودخل الشيخ عبد اللطيف دار الإفتاء مبكرا، حيث أصبح عام 1988 أمين سر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد.

كما كان عضوا في مجلس إدارة أزهر لبنان عام 1989، وعضوا في لجنة تدقيق طباعة المصحف الشريف عام 1990، كما عين مديرا عاما للأوقاف الإسلامية بالوكالة عام 1990.

وفي عام 1991 أصبح الشيخ دريان أمين السر الخاص لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، كما شغل منصب قاضي بيروت الشرعي عام 1991.

كما أصبح رئيسا ومديرا عاما للمحاكم الشرعية السنية العليا في لبنان منذ عام 2005، كما عين رئيسا لمجلس إدارة صندوق تعاضد قضاة المحاكم الشرعية السنية والجعفرية والمذهبية بين 2005 - 2009.

كما كان أستاذا محاضرا في الدروس الحقوقية والأحوال الشخصية، وتاريخ التشريع الإسلامي، وأصول الفقه في كلية الحقوق بجامعة بيروت العربية، ومعهد الدراسات الإسلامية التابع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وكلية الشريعة الإسلامية في بيروت من 1998 وحتى 2001.

وانتخب الشيخ عبد اللطيف مفتيا للجمهورية اللبنانية في 10 أغسطس/ آب 2014، خلفا للشيخ محمد رشيد قباني، وحينها نال غالبية أصوات "مجلس الانتخاب الإسلامي" المؤلف من أكثر من مئة شخصية سنية.

وقال المفتي الجديد بعيد إعلان فوزه: "إننا محتاجون إلى مكافحة الفقر والحاجات الاجتماعية، ومكافحة التشدد والتطرف والعنف باسم الدين في أوساطنا (...)".

وأضاف: "نحن محتاجون إلى تواصل أكبر في العلاقات الإسلامية-الإسلامية والإسلامية- المسيحية، ومحتاجون لبلوغ كل ذلك إلى فكر إصلاحي ومبادرات إصلاحية كبرى".

 وللمفتي عدد من المؤلفات ومنها كتاب "التبيين في أحكام تلاوة الكتاب المبين"،  "فقه المواريث في المذاهب والقوانين العربية"، "فقه الوصية في المذاهب الإسلامية والقوانين العربية"، وكتاب "قضايا وآراء إسلامية".
 

مفتي التوافق

ويعد دريان مقربا من "تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق وأبرز الزعماء السياسيين للمكون السني في لبنان.

لكن انتخابه كان ثمرة توافق بين قوى سنية فاعلة، إثر مفاوضات حينها قادتها مصر بمتابعة من السعودية وسوريا، بحسب ما أفاد مدير الأوقاف الإسلامية الشيخ هشام خليفة لوكالة فرانس برس في 9 أغسطس/آب 2014.

ويرى الشيخ دريان أن "لا حياة كريمة للبنان إلا بهويته العربية، وانتمائه العربي الكبير، مهما حاول التدميريون فعله"، حيث صرح بذلك في رسالة وجهها إلى اللبنانيين بمناسبة ذكرى "الإسراء والمعراج"، في 28 فبراير/شباط 2022.

ووقتها ذكرت كثير من وسائل الإعلام، أن كلام المفتي موجه إلى "حزب الله" المدعوم من إيران بالسلاح والمال منذ ثمانينيات القرن العشرين.

ولخص دريان حال لبنان واصفا إياه بأنه يشهد حملات تدمير تشمل "احتلال بيروت واغتيال الناس، ونهب المال العام بمليارات الدولارات، والتي أسهمت في انهيار المصارف على رؤوس المودعين وأموالهم، ودفعت مئات ألوف اللبنانيين الأكفاء إلى الهجرة وأطبقت على مميزات لبنان".

 ومضى يقول: "هكذا لم يبق قائما إلا المليشيا، والطبقة السياسية، التي ارتكبت هذا التخريب الفظيع للدولة والمجتمع، ولعلاقات لبنان العربية والدولية".

ويشهد لبنان انهيارا اقتصاديا متواصلا منذ عام 2019، حيث ضاقت سبل العيش بكثيرين بعدما ضعفت قدرتهم الشرائية وعدم قدرتهم على تلبية الاحتياجات اليومية أمام ارتفاع الأسعار مقارنة بالدخل الشهري الضعيف.

ولهذا هاجم دريان السياسيين في لبنان محذرا إياهم في رسالة بتاريخ 11 مارس/ آذار 2021 بالقول: إن "لبنان بات يتأرجح بين الحياة والموت"، مشيرا إلى أن البلد الآن "في زمن الانهيار".

وسبق أن أعرب دريان خلال إلقائه خطبة عيد الفطر، في "جامع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين"، وسط بيروت، عن خشيته من "انفجار أو عنف اجتماعي يؤدي إلى ثورة جياع في لبنان وحينها لا ينفع الندم أبدا".

حضور سياسي

وبدأ دريان يسجل حضوره "بطابع سياسي"، منذ أن قرر رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، زعيم تيار المستقبل الأقوى سنيا، سعد الحريري في 24 يناير/ كانون الثاني 2022، تعليق عمله السياسي حتى إشعار آخر.

وبعد انسحاب الحريري، تحركت دار الفتوى سريعا، وقام دريان في 28 يناير، بزيارة مفاجئة إلى السراي الحكومي، واجتمع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن ثم توجها معا لتأدية صلاة الجمعة في المسجد العمري الكبير وسط بيروت، والتقى بهما هناك رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة وهو زعيم سني له حضوره البارز أيضا.

وقرأت بعض القوى السياسية في لبنان مبادرة المفتي دريان حينها، بأنها رسالة أبعد من التأكيد على عدم مقاطعة السنة حينها للانتخابات البرلمانية.

وعدها بعض المحللين السياسيين مؤشرا على دور سياسي تعد له دار الإفتاء، بالتزامن مع انتشار أنباء عن إنشاء جبهة سياسية سنية عريضة، تحت عباءة دار الفتوى، تخوض غمار الانتخابات التشريعية حفاظا على وحدة الصف السني، ومنع اختراقه سواء من حزب الله الشيعي أو من حزب القوات، أو التيار الوطني الحر المسيحيين.

لم يعرف عن دار الفتوى في لبنان، وهي مؤسسة حكومية أنشئت عام 1922، بعد سنتين على ولادة الدولة اللبنانية عام 1920، وتتبع رئاسة الحكومة، القيام بأدوار سياسية، بعكس البطريركية المارونية التي لها تأثير كبير في الواقع السياسي في لبنان، إلى جانب حزب الله الشيعي.

ورغم أن دار الفتوى عبر تاريخها تميزت بخطاب معتدل وهادئ، واكتفت بالمهام الموكلة بها، وهي إصدار الأحكام الشرعية الخاصة بالطائفة السنية، وإدارة المدارس الدينية، والإشراف على المساجد.

إلا أن الشيخ دريان يبدو واضحا أنه يعمل على قطع الطريق ومنع قضم بعض القوى السياسية المسيحية والشيعية ما تيسر لها من المقاعد السنية، وفق مراقبين.

ومن هنا لا يفوت الشيخ دريان فرصة في أن يكون حاضرا وبقوة في المشهد السياسي اللبناني المفتت، والذي تحاول الطبقة السياسية الحاكمة أن تجعله أسير مصالحها فقط.

لهذا دعا الشيخ عبد اللطيف دريان، في 24 سبتمبر/ أيلول 2022، النواب السنة في البرلمان إلى انتخاب رئيس للبلاد يحفظ اتفاق "الطائف والدستور والعيش المشترك وشرعيات لبنان الوطنية والعربية والدولية".

ولذلك فإن تحديد دار الإفتاء لمواصفات الرئيس القادم للبنان، يراه مراقبون لمنع بقاء منصب الرئاسة يدور في الفلك الإيراني.

وهذا ما يظهر الشيخ دريان في دعواته المكررة إلى اتخاذ إجراءات لترميم العلاقات مع السعودية ودول الخليج، محذرا من "البقاء خارج الحضن العربي".

وبقي الشيخ دريان يأخذ مسافة بعيدة من حزب الله وحليفه نظام الأسد متماهيا مع موقف تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري.

وقد تجلى الموقف من قمع نظام الأسد لثورة السوريين بالحديد والنار، حينما رفض دريان لقاء مفتي النظام السوري السابق أحمد بدر الدين حسون عندما زار لبنان والتقى ميشال عون في 8 ديسمبر/كانون الأول 2016.

ووقتها قال عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش في تصريحات صحفية تعليقا على زيارة حسون الذي أقيل من منصبه عام في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عندما ألغى رأس النظام بشار الأسد منصب المفتي ودار الافتاء: "ما يسمى مفتي سوريا ليس إلا موظفا لدى بشار الأسد. وهو شريك بمذبحة الشعب السوري وبغض النظر عن الصفة التي يدعيها يبقى مشاركا في جريمة العصر".

أما في الموقف من فلسطين، فكثيرا ما حث الشيخ دريان جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن والمجتمع الدولي على "اتخاذ إجراءات سريعة لردع العدوان الإسرائيلي، وإنصاف الفلسطينيين، والعمل على إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس".