تقارب السعودية مع الجزائر.. ما تأثيره على علاقات المملكة مع الرباط؟
في تطور لافت للعلاقات، أعلنت الرياض عن إنشاء "مجلس تنسيق أعلى" سيمثل إطارا للتعاون السياسي والاقتصادي بين الجزائر والسعودية.
وفي 7 مارس/آذار 2023، أقر مجلس الوزراء السعودي، ترسيم إنشاء وتفعيل "مجلس للتنسيق الأعلى السعودي الجزائري".
وسبق أن أعلن عن استحداث هذا المجلس قبل خمس سنوات خلال الزيارة التي أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الجزائر في 3 ديسمبر/كانون الأول 2018.
ويتولى المجلس "التكفل بتعزيز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والأمنية، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، والطاقة، والتعدين، يرأسه عن الجانب الجزائري رئيس الحكومة، وعن الجانب السعودي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء".
وينتظر أن يعقد هذا المجلس المشترك أولى اجتماعاته في الجزائر خلال زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي إلى الجزائر، كان من المقرر أن تجرى في سبتمبر/أيلول 2022، وجرى إرجاؤها إلى تاريخ غير محدد.
مؤشرات مقلقة
وأمام هذا التطور، عبر مراقبون مغاربة عن تخوفهم من أن تكون انتعاشة العلاقة بين البلدين، مؤشرا على أخطاء ارتكبها المغرب في تدبير علاقاته الدولية خاصة في المنطقة العربية.
حسن حمورو، القيادي بحزب العدالة والتنمية المغربي (إسلامي)، قال إن موافقة السعودية على إحداث المجلس الأعلى للتنسيق مع الجزائر، يؤشر على دخول العلاقات بين الطرفين مرحلة جديدة.
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك، أن التحولات العالمية الجارية، كانت عاملا حاسما في ارتقاء السعودية بعلاقتها مع الجزائر، إلى مستوى "التنسيق الإستراتيجي".
وهو ما يعني اقتناع السعودية بأهمية الجزائر في تأمين مصالحها بالمنطقة، أو تلك المرتبطة بالمحور الذي ظل حاضنا لها، في إشارة إلى روسيا.
ورأى حمورو، أنه من "المهم قراءة هذا التحول ورصد أثره، وتحليل أبعاده على موقع المغرب وعلاقاته الاقتصادية وغيرها، خاصة في ظل الحرب الدبلوماسية الإعلامية التي يشنها حكام الجزائر على الرباط".
وخلص، إلى أن "هناك تخوفا من أن يكون هذا التحول في علاقات السعودية بالجزائر، مؤشرا على أخطاء ارتكبها المغرب في تدبير علاقاته الدولية، وفي حُسن التموقع في القضايا المثارة في المنطقة العربية وإفريقيا عموما".
وأردف أن "السعودية ظلت حليفا وشريكا متقدما للمغرب"، مشيرا إلى أنه "قد تتأثر هذه الوضعية بإرساء المملكة لعلاقات ذات بعد إستراتيجي مع الجزائر".
من جهته، قلل بلقاسم ناهي المستشار في العلاقات العامة والتنمية المستدامة المقيم بالولايات المتحدة الأميركية، من أهمية هذا الاتفاق.
وأضاف ناهي، في تعليق عبر فيسبوك، أن "هذا الاتفاق لن يدوم طويلا خاصة أن روسيا بدأت تخسر حربها في أوكرانيا"، مشيرا إلى وجود "تفاهم صيني أميركي قد يقلب موازين القوى في المنطقة"، وفق تقديره.
ورأى أن "هناك تذمرا وغليانا شعبيا داخل روسيا ضد تدخلها في أوكرانيا واكتشاف غرق أقدامها في وحل الحرب مع التنبؤ بخسارة بشرية كبيرة داخل صفوفها".
قطبا توازن
ومقابل التخوف المغربي من التأثير السلبي لهذا التحول في العلاقات بين الرياض والجزائر على العلاقات السعودية – المغربية، أشادت شخصيات سياسية ودبلوماسية سعودية وجزائرية بالإعلان عن إنشاء مجلس التنسيق الإستراتيجي.
وفي 7 مارس 2023، رأى السفير السعودي في الجزائر عبد الله البصيري، في تغريدة عبر "تويتر"، أن إنشاء المجلس "دلالة على حرص خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان بن عبد العزيز)، وولي العهد، والرئيس الجزائري (عبد المجيد تبون) على أهمية المضي قدما بالعلاقات في المجالات كافة بين البلدين الشقيقين".
إن إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الجزائري، دلالة على حرص من مقام سيدي #خادم_الحرمين_الشريفين وسمو سيدي #ولي_العهد و فخامة الرئيس على أهمية المضي قدما بالعلاقات في كافة المجالات بين البلدين الشقيقين ��������. https://t.co/sME3DR1ypb
— عبدالله بن ناصر البصيري (@bussairy_) March 7, 2023
وتتقاسم الجزائر والسعودية وجهات النظر حول عديد الملفات السياسية والاقتصادية، ما سمح للبلدين بالتنسيق حيالها في المحافل الدولية على غرار منظمتي "أوبك" و"أوبك +" للنفط.
كما سجلت الجزائر دعمها لتنظيم المملكة معرض إكسبو 2030. وفي المقابل دعمت السعودية ترشح الجزائر للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن الدولي للفترة 2024 و2025.
وتجاوز عدد الاتفاقيات الموقعة بين الجزائر والسعودية 30 اتفاقية، تغطي مجالات متنوعة منها الاقتصادية والتجارية، كإنشاء الشركة المختلطة للاستثمار، ومجلس رجال الأعمال المشترك، إلى جانب اتفاقيات في مجال الثقافة والأرشيف.
بدوره، قال الخبير الأمني الجزائري أحمد ميزاب، إن إنشاء المجلس الأعلى للتنسيق الجزائري السعودي "يأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والارتقاء بها إلى مستوى التنسيق الإستراتيجي في العديد من الملفات".
وأضاف ميزاب، في تصريح لموقع "الحوار" الجزائرية في 11 مارس، أن "البلدين يشكلان أقطابا تصنع التوزان في المنطقة العربية حيال مجموعة من الملفات الإقليمية التي تفرض نفسها على مستوى صناعة الاستقرار".
وأبرز ميزاب، أن الجزائر والسعودية يملكان من المميزات ما يؤهلهما ليسيرا قدما في إطار تطوير العلاقات الثنائية المشتركة إلى مستوى التنسيق والتعاون الإستراتيجي.
وأكد أن إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي – الجزائري "سيمكن المنطقة من تجاوز العديد من التحديات وسيسمح كذلك بخلق الأرضية المناسبة لخلق شراكات ناجحة".
ورأى أن هذا التقارب الجزائري – السعودي يأتي في وقت "فقدت فيه بعض الأطراف توازناتها وتعمل على خلق نوع من الفوضى في المنطقة بتوظيف مجموعة من الأوراق وعلى رأسها ورقة إيران في محاولة لضرب العلاقات الجزائرية الخليجية".
وأشار إلى أنه في الوقت الذي جرت فيه الموافقة على إنشاء هذا المجلس للتنسيق "أذيب الجليد بين السعودية وإيران في إطار استعادة العلاقات الدبلوماسية".
وفي 10 مارس 2023، أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن الرياض وطهران اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين.
حراك دبلوماسي
وفي تعليقه على التقارب السعودي الجزائري عبر إنشاء مجلس التنسيق الأعلى، قال الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، إن "القرار السعودي إذا قرنّاه بالإعلان من العاصمة الصينية عن استئناف العلاقات مع إيران، يشكل إرهاصات أولية لحراك دبلوماسي سعودي للبحث عن توازنات جيوسياسية واقتصادية جديدة".
وأضاف نور الدين، لـ"الاستقلال"، أن هذه الإرهاصات الأولية "قد تكون مجرد ردّ فعل متسرع بسبب ما تعتبره الرياض تراجعا من واشنطن على عهد إدارة جو بايدن عن التزاماتها السابقة بتأمين حماية دول الخليج في مواجهة الخطر الإيراني".
وتابع أنها "قد تكون أيضا تعبيرا عن تحول إستراتيجي أملته حسابات الربح والخسارة مع إيران بالذات، خاصة بعد أن تمكنت طهران ليس فقط من تهديد بل من ضرب الأهداف الحيوية السعودية بالمٌسيّرات التي يملكها "تنظيم الحوثيين" في اليمن ومنها مصافي النفط والمطارات والعديد من المواقع الإستراتيجية الأخرى".
أما بالنسبة للجزائر، فرأى نور الدين، أن "هذا المجلس يقوم على أساس هش ولن يحقق أهدافه المعلنة لسبب بسيط هو أنه جرى إحداثه منذ خمس سنوات وظلّ في الثلاجة إلى اليوم دون تفعيله".
وبين أن "الظروف التي ولد فيها المجلس كانت مرتبطة بالعزلة الدولية للأمير محمد بن سلمان على خلفية قضية (مقتل الصحفي السعودي جمال) خاشقجي" في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018، والتي اتهم ولي العهد بالتوارط فيها.
وأردف أن "معظم العواصم الدولية بما فيها العربية كانت ترفض استقباله، ولكن الجزائر قبلت بذلك وهو في طريق عودته من قمة الدول العشرين في الأرجنتين".
وعد نور الدين، أن "إنشاء هذا المجلس كان مكافأة للنظام العسكري الجزائري، وبالتالي فالقرار لم تمله مصالح إستراتيجية بقدر ما أملته ردود فعل عاطفية".
وبخصوص احتمال تأثير هذا التقارب السعودي-الجزائري على الرباط والرياض، أكد أن العلاقات بين البلدين الأخيرين "متجذرة وتاريخية وإستراتيجية".
وأبرز أن "هذه العلاقات فيها تعاون ثقافي واقتصادي واستثمارات مالية، وشراكات ثنائية للصناعات المدنية والدفاعية، وهناك أيضا تعاون أمني وعسكري".
وتابع أن "المغرب شارك بجيشه في الدفاع عن السعودية في حروب الخليج منذ 1991 وصولا إلى حرب اليمن ضد تنظيم الحوثيين الطائفي وراعيته إيران".
وأشار إلى أن السعودية أكدت في كل المناسبات أنها مع الوحدة الوطنية والترابية للمملكة، مبينا أنها "أصدرت مع مجلس التعاون الخليجي بيانات دعم واضحة وثابته للمغرب في مواجهة المليشيات الانفصالية".
وخلص إلى أن "العلاقات بين المغرب والسعودية لا خوف عليها من اتفاقيات ظرفية هي في طبيعتها أقرب الى إعلان نوايا منها إلى تعاون إستراتيجي".