"تصعيد علني".. هل يمكن للحرس الثوري الإيراني الانتشار في أعالي البحار؟

12

طباعة

مشاركة

في محاولة من إيران لتوسيع وجودها البحري في المياه الحيوية لإمدادات الطاقة الدولية، اتجهت لتعزيز قوتها العسكرية عبر الدفع بحضور "الحرس الثوري" في المياه البعيدة والمحيطات.

وبشكل علني، أضاف الحرس الثوري الإيراني سفينة حربية جديدة وعشرات من الزوارق السريعة التي تطلق الصواريخ إلى أسطوله البحري في الخليج العربي يوم 9 مارس/آذار 2023.

مهام بحرية

وخلال مراسم الكشف عن البارجة، أعلن قائد بحرية الحرس الثوري، العميد علي رضا تنكسيري، بدء مهام قواته في المياه البعيدة والمحيطات "لحماية خطوط التجارة العالمية، وإلحاق بارجة "الشهيد مهدوي" و99 زورقا سريعا إلى إسطول الحرس البحري.

وأوضح تنكسيري أن "البارجة العملاقة تتمتع بالقدرة على حمل وتشغيل جميع أنواع المروحيات والطائرات بدون طيار وقاذفات الصواريخ عالية السرعة وأنظمة الصواريخ والدفاع والرادار، حيث يبلغ طولها 230 مترا وعرضها 27 مترا وتزن 2500 طنا"، وفق وكالة "تسنيم" شبه الرسمية.

ويزعم المسؤولون الإيرانيون أن السفينة "متعددة الأغراض" محلية الصنع بالكامل ووصفوها بأنها "مدينة بحرية" معدة لمهام بحرية.

وقال تنكسيري: "لقد جرى إطلاقها من أجل الأمن المستدام"، مشيدا بتحديث الحرس الثوري لنظام إطلاق الصواريخ كخطوة رئيسة نحو "تعزيز القدرات القتالية".

وهذه الفرقاطة بالمعدات والتجهيزات كافة، جاهزة للقيام بمهامها في المحيطات والتي تتمثل في تقديم المساعدة للأساطيل التجارية والصيد في إيران ودول المنطقة، بحسب وكالة "تسنيم".

وأضافت الوكالة، أنه "بالتحاق هذه السفينة العملاقة إلى بحرية الحرس الثوري، بدأت مهمة الحرس لتسجيل حضورهم المقتدر في المياه البعيدة، كما جرى تحويل زوارق قاذفة للصواريخ من فئة (عاشوراء) و(طارق) إلى أسطول بحرية الحرس".

وفي نهاية يوليو/تموز 2022، أشار تنكسيري، في بيان، إلى أن الزوارق الجديدة والسريعة للحرس الثوري أصبحت متخفية من الرادار، مبينا أن بلاده تسعى لاستخدام هياكل مصنعة محليا.

ومنذ يونيو/حزيران 2020، تحدث الحرس الثوري على لسان تنكسيري، بأن قواته تعمل على إقامة قاعدة بحرية دائمة في المحيط الهندي، "في إطار تحقق أهداف المرشد علي خامنئي، وتحقق طاقات القوات البحرية الإستراتيجية"، وفق ما نقلت وكالة "فارس" التابعة للحرس.

وقال تنكسيري حينها: "بتوفير الأمن وإقامة قاعدة دائمة في المحيط الهندي، سنوفر مجالا أفضل لحضور خاص للصيادين ووحدات الصيد الصناعي في المحيطات".

وبرر تنكسيري خطة الحرس بـ"تعرض" سفن الصيد الإيراني لـ"القرصنة" في خليج عمان ومدخل المحيط الهندي.

ومنذ سنوات، تعد حماية المصالح والحدود الإيرانية في خليج عمان من مهمة بحرية الجيش الإيراني، فيما تحمي القوات البحرية الموازية التابعة للحرس الثوري مياه إيران في الخليج العربي.

اشتباك دولي

لكن الخطوة الجديدة للحرس الثوري، تأتي في خضم حالة الاشتباك السياسي الغربي، بين إيران من جهة والولايات المتحدة ودول أوروبية من جهة ثانية، والذي تفرزه تعثر إحياء "الاتفاق النووي" من جديد ومساندة طهران لموسكو في حرب أوكرانيا، والغضب من قمع المظاهرات الداخلية.

وكذلك في ظل ارتفاع وتيرة التصعيد السري والعلني في البحار خلال السنوات الأخيرة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.

كما يأتي هذا الكشف الجديد من أجل "الردع"، وسط اتهامات إيرانية وإسرائيلية متبادلة، حول استهداف سفن تجارية أو عسكرية في منطقة الخليج.

وتقوم إيران بدوريات في المنطقة، حيث اعترضت واحتجزت سفنا تجارية أجنبية وضايقت سفنا تابعة للبحرية الأميركية في مواجهات متوترة عدة خلال السنوات الأخيرة.

وسبق أن قال قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، نهاية مايو/أيار 2020، إن "بحرية الحرس الثوري تلقت تعليمات بزيادة القدرات البحرية لإيران حتى تتمكن البلاد من الدفاع بالشكل الملائم عن سلامة أراضيها ووحدتها، وحماية مصالحها في البحر وملاحقة العدو وتدميره".

وجرى تشكيل "الحرس الثوري" بعد ما يسمى بـ"الثورة الإسلامية الإيرانية" عام 1979، وأصبح قوة عسكرية رئيسة في البلاد.

ويتحكم الحرس في برنامج طهران النووي والباليستي ويمول العمليات الإرهابية ومؤامرات الاغتيال في أماكن أخرى بالمنطقة والعالم.

كما جرى تشكيل الحرس الثوري أساسا لهدفين محددين، الدفاع عن النظام وتصدير "الثورة الإسلامية" إلى الدول المجاورة.

وارتفعت حدة التوتر في منطقة الخليج منذ انسحاب الولايات المتحدة في مايو/أيار 2018 من "الاتفاق النووي" وإعادة واشنطن فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران.

وتعرضت ناقلات نفط في الخليج لهجمات، نسبتها واشنطن إلى طهران التي نفت ذلك.

وفي 19 يوليو/تموز 2019، احتجز "الحرس الثوري" في مضيق هرمز ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني وطاقمها من 23 بحارا.

ورأت لندن حينها أن احتجاز طهران للسفينة رد إيراني على احتجاز السلطات البريطانية أوائل يوليو/تموز 2019 ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق.

وعقب ذلك، دعت بريطانيا على لسان وزير الخارجية السابق، جيريمي هانت، إلى إرساء "مهمة حماية بحرية يقودها الأوروبيون" في الخليج.

عين على البحر

وفي لقاء خاص مع قناة "العالم" الإيرانية، قال قائد القوة البحرية الإيرانية، الأدميرال شهرام إيراني، في 8 مارس 2023، إن "الظروف العلمية والصناعية لبلدنا في مرحلة يمكننا فيها امتلاك المعدات المناسبة للبحر، وبالتالي لا تحدنا قيود في مجال الجغرافيا البحرية".

وأضاف إيراني: "من الإجراءات المدرجة على جدول أعمالنا التواجد في مختلف البحار، فنحن دولة بحرية ولدينا موارد كثيرة في البحار، خاصة في مجال التجارة البحرية والاقتصاد البحري، ووفقا للظروف السائدة في العالم اليوم، فنحن بحاجة لدعم أسطولنا التجاري والاقتصادي".

ومنذ يوليو/تموز 2019، أعلن الجيش الأميركي، أنه يراقب مضيق هرمز أصلا ويعمل على تطوير "مبادرة بحرية متعددة الجنسية" تحت اسم "عملية سانتينيل" من أجل رفع مستوى الرقابة والأمن في الممرات البحرية الأساسية في الشرق الأوسط.

وغالبا ما تشهد منطقة مضيق هرمز حوادث مماثلة بين الزوارق الإيرانية والبحرية الأميركية، وهو ممر إستراتيجي يعبره يوميا نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرا، حيث تتعرض عدد من السفن التجارية وناقلات النفط لهجمات وعمليات احتجاز في الأعوام الأخيرة على وقع التصعيد بين طهران وواشنطن.

ويتواجد الأسطول الأميركي الخامس الذي يتخذ من البحرين مقرا له قرب مضيق هرمز ويقوم بدوريات روتينية هناك.

ومضيق هرمز، هو ممر بحري ضيق بين إيران وسلطنة عمان، يصل الخليج العربي بخليج عمان من جهة، وبحر العرب بالمحيط الهندي من جهة أخرى؛ يبلغ عرضه الأقصى 50 كيلومترا بعمق 60 مترا.

وعرضه الممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلومترات فقط يمر من خلاله ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا قادمة من السعودية التي تصدر حوالي 88 بالمئة من إنتاجها النفطي عبر المضيق ونسب أعلى لكل من العراق والإمارات، في حين تصدر الكويت وقطر كل نفطها عبر المضيق.

ولا توجد بدائل متاحة عن المضيق لدول الخليج العربية والعراق لتصدير النفط من موانئ الكويت وقطر والبحرين.

وتعد مياه مضيق هرمز في الخليج العربي "مياها دولية بامتياز، وأن أي تهديد بغلقه سيؤثر على الملاحة التجارية الدولية وليس فقط الإقليمية"، وفق تصريحات أدلى بها المتحدث باسم القيادة الوسطى الأميركية، العقيد إيريل براون، في 24 أبريل/ نيسان 2019.

توسيع الوجود 

وكثيرا ما صعد الحرس الثوري من تهديداته بإغلاق مضيق هرمز، إذ سبق أن صرح تنكسيري أن "إيران ستغلق مضيق هرمز إذا جرى منع طهران من استخدامه".

وتأتي التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق ضمن معادلة فحواها إذا أصرت الولايات المتحدة والدول الغربية على منع دول العالم من شراء النفط، فإن الخيار الوحيد المتاح أمامها عدم السماح بمرور أي سفينة حاملة للنفط من أي بلد آخر.

وتعتقد إيران أن التهديد بإغلاق المضيق أو اتخاذ خطوة عملية أولية بهذا الاتجاه سيؤدي إلى اضطراب في سوق النفط العالمية وارتفاع في أسعار الطاقة في تلك الدول.

وفي 26 فبراير/شباط 2023، استنكرت الولايات المتحدة، رسو سفينتين من الأسطول الإيراني في ميناء ريو دي جانيرو البرازيلي، رغم ضغوط واشنطن لمنع رسو السفينتين.

ووجه السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس، تيد كروز، نقدا قاسيا إلى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، كما أنه اقترح فرض عقوبات ضد البرازيل.

وقال السيناتور في بيان له على حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي، إن "رسو السفن الحربية الإيرانية في البرازيل يعد تطورا خطيرا وتهديدا مباشرا لأمن الأميركيين".

وأكد السياسي، وهو عضو في لجنة التجارة والعلوم بمجلس الشيوخ، أن السفينتين "إيريس مكران" و"إيريس دينا" فرض عليهما عقوبات من قبل واشنطن.

فيما رحب الأدميرال الإيراني، حمزة علي كافياني، بوصول سفن بلاده إلى ميناء ريو دي جانيرو، وقال لقناة "برس تي في" الإيرانية الرسمية: "رغم كل الضغوط التي تعرضت لها الجمهورية على مدى السنوات الـ43 الماضية، تزداد القوة العسكرية الإيرانية يوما بعد آخر".

وأمام ذلك، بات واضحا أن إيران تولي المزيد من الاهتمام لقواتها من الحرس الثوري والقوات البحرية، ولا سيما أن الكشف عن "بارجة الحرس" الجديدة جاء بالتزامن مع إدخال تحديثات على الزوارق الإيرانية السريعة والتي تشمل صواريخ يصل مداها 180 كيلومترا.

ونهاية مايو/ أيار 2022، كشفت صور حصلت عليها وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن الحرس الثوري بنى سفينة دعم جديدة ضخمة قرب مضيق هرمز الإستراتيجي تحمل اسم "شهيد مهدوي"، في محاولة لتوسيع وجوده البحري في المياه الحيوية لإمدادات الطاقة الدولية وما بعدها.

وبينت الوكالة أن السفينة توفر للحرس الثوري قاعدة كبيرة وعائمة، يمكن من خلالها تشغيل القوارب السريعة الصغيرة التي تشكل إلى حد كبير أسطولها المصمّم لمواجهة البحرية الأميركية والقوات المتحالفة الأخرى في المنطقة.

استفزاز الخليج

ولسنوات، قام الحرس الثوري بدوريات في مضيق هرمز والخليج العربي، بينما كانت البحرية الإيرانية تقوم بدوريات في البحار والمحيطات وراءها.

ولهذا فإن هذه السفينة تمنح الحرس الثوري القدرة على توسيع وجوده في تلك المياه التي كانت تخضع لدورياته البحرية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، عبدالله الشايجي، أن "إيران تحاول من خلال تمدد الحرس الثوري في المحيطات والمياه البعيدة، كسر عزلتها وتقوم بإظهار قوتها في أعالي البحار". 

واستدرك: "لكن هذا لا يمكن أن يقبله عاقل بالشؤون الإستراتيجية وخاصة أن الولايات المتحدة دمرت أسطول إيران بالكامل عام 1988 عندما حمت واشنطن ناقلات النفط الكويتية من هجمات الحرس الثوري آنذاك".  

وأضاف الشايجي خلال تصريحات تلفزيونية في 10 مارس/آذار 2023، أن "إيران لا تمتلك أسطولا بحريا يمكنها إرساله إلى أعالي البحار، وبالتالي هي عملية خداع أكثر من أنها حقيقة كونها لا تمتلك قواعد بحرية أو الأسطول الذي يبحر في البحار العميقة والقادر على الاشتباك والقتال لفترة طويلة ضد الخصم".

ونوه الشايجي، بأن "إيران طورت إستراتيجية الهجوم بعد العقوبات الأميركية عليها عام 2018"، معتبرا أن "إيران ومن خلال تحركاتها الأخيرة تستفز جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي وعبر المناورات التي تستخدم فيها الصواريخ والزوارق السريعة".

واستدرك قائلا: "هذا بطبيعة الحال لا يبني الثقة بين الضفة العربية والفارسية، بل يزيد التشكيك بإيران وخاصة بعد تقديمها مبادرة هرمز ورفضها من قبل دول الخليج آنذاك".

و"مبادرة هرمز للسلام"، أو خطة إيران لإرساء الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، أعلن عنها الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، في سبتمبر/أيلول 2019، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت مسمى "تحالف الأمل".

واستندت المبادرة إلى الرؤية الإيرانية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، والتي جاءت انسجاما مع رؤية دول العالم التي تدور حول تأمين حرية مرور الطاقة والتجارة الدولية في الخليج العربي عبر مضيق هرمز.

ورأى الشايجي أن "ما تقوم به إيران هو استعراض للعضلات التي لا يقنع ولا ترهب"، متسائلا "عما إذا كان ما تفعله طهران يردع فعلا القوى الكبرى وخاصة أن تحركها ينصب في باب المندب ومضيق هرمز والبحر الأحمر".

ومضى قائلا: "لكن أبعد من ذلك لا يمكن لإيران أن تفعل شيئا إلا في هذة المنطقة القريبة، خاصة أن الأسطول الأميركي يصادر بين الفينة والأخرى أسلحة متوجه إلى الحوثيين في اليمن".

ورأى أن "هناك تناقضات إيرانية إذ إن الهند والصين بقوتهما لا تملكان أسطولا بحريا يذهب إلى المحيط الأطلسي وإلى أعالي البحار".

وختم الشايجي حديثه بالقول: "إذا أرادت إيران بالفعل أن ترسل رسالة إلى إسرائيل فلتذهب إلى البحر المتوسط وتجري مناورات هناك، ولذلك لا يمكن أن نأخذ الخطوة الجديدة ضمن القوة المؤثرة في النظام العالمي كونها لا تمتلك أي قاعدة خارج المنطقة القريبة منها".