لقاء غوتيريش مع زعماء مليشيات عراقية.. شرعنة لهم أم تعامل مع الواقع؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة غير مسبوقة من رئيس أعلى منظمة دولية تدعو إلى السلم والأمن الدوليين، التقى الأمين العالم للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عددا من زعماء المليشيات الموالية لإيران في العراق، التي طالتها العديد من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ليس ذلك فحسب، بل إن الولايات المتحدة سبق لها أن صنّفت هذه الزعامات على لوائح الإرهاب، بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وتمتلك مليشيات مدعومة من إيران تثير "الرعب" بين العراقيين، حسبما أعلن مايك بنس نائب الرئيس الأميركي، في 2019.

لقاء الأمين العالم للأمم المتحدة مع زعماء المليشيات العراقية، أثار العديد من التساؤلات بخصوص دوافع هذه الخطوة، وعما إذا كانت محاولة لإضفاء الشرعية على هذه الشخصيات أم أنها تتعامل مع الأمر الواقع كونهم يمتلكون تمثيلا سياسيا في العراق؟

غضب أميركي

وفي الأول من مارس/آذار 2023، أجرى أنطونيو غوتيريش، زيارة إلى بغداد التقى خلالها رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، وأكد فيها أنه أبلغ الأخير "دعم العراق في دفع السلام وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة لجميع العراقيين".

كما كتب غوتيريش على حسابه بموقع "تويتر" في 2 مارس 2023، قائلا: "التقيت في العراق بالعائدين من مخيم الهول في سوريا. من هنا، أريد أن أبعث برسالة إلى جميع البلدان التي لديها أيضا مواطنون هناك: يجب عليهم تكثيف جهودهم لتسهيل العودة الآمنة والكريمة لمواطنيهم".

لكن الطابع الإنساني والدعوة إلى السلام التي كانت طاغية على زيارة غوتيريش، نقضتها تماما الصورة التي جمعته بزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وقائد مليشيا "بابليون" المسيحية، ريان الكلداني، المدعومين من إيران، في القصر الحكومي ببغداد.

ويمتلك الخزعلي والكلداني تمثيلا سياسيا في البرلمان والحكومة العراقيين، إذ لدى الأول نحو 15 نائبا ضمن  قوى الإطار التنسيقي الشيعي، والثاني لديه 5 نواب في التكتل ذاته.

إضافة إلى أن وزارة التعليم العالي في الحكومة الحالية كانت من حصة "العصائب" ووزارة "الهجرة والمهجرين" أسندت إلى "بابليون".

وقال الكلداني خلال تدوينة له أرفقها بصورة جمعته مع المسؤول الأممي إنه "بعد ست سنوات، يأتينا السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، ليعلن تضامنه ودعمه للمؤسسات الديمقراطية العراقية. حللت أهلا ونزلت سهلا، ونستبشر خيرا بحضورك. العراق مهد الحضارة، ولا تقوم الإنسانية بلا قيامته".

الخطوة هذه أثارت غضب واشنطن، فقد علق المبعوث الأميركي السابق لسوريا جويل رايبورن خلال تغريدة على "تويتر" في 2 مارس 2023، قائلا إن "الأمين العام للأمم المتحدة يبتسم في اجتماع في بغداد مع الإرهابي قيس الخزعلي، الذي قتل المئات من القوات الأميركية، وقتل الآلاف من العراقيين.. يقصف بشكل روتيني الأميركيين في العراق وسوريا".

وتعليقا على ظهور غوتيريش مع قادة مليشيات مصنفة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن الظاهرين في الصورة كانوا "ضيوفا حضروا بدعوة من الحكومة العراقية".

وأضاف "حق" في تصريح لموقع قناة "الحرة" الأميركية أن ذلك "حصل خلال دعوة عشاء للأمين العام من الحكومة العراقية وجميع الحاضرين هي من اختارتهم".

وفيما إذا كان غوتيريش يعرف أنهم مدرجون على قوائم الإرهاب الأميركية، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: "كان هناك مدعوون حاضرون وجميعهم بناءً على دعوة من الحكومة العراقية.. وعندما تم التقاط الصورة لم يتم تقديم جميع الحاضرين للأمين العام".

"انتهاك صارخ"

تلك الصور أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما أنها كانت مصحوبة بابتسامة واسعة من المسؤول الأممي، الأمر الذي أثار غضب الكثيرين ووجهوا انتقادات واسعة لأمين عام أعلى منظمة دولية في العالم، للقائه مع من تسبب بقتل العراقيين.

وغرد الناشط العراقي، بلال الجابر، في 2 مارس 2023 بالقول إن "هذه الصورة قد تطيح بغوتيريش. باتت منظمة الأمم المتحدة مليشيا إيرانية بشكل نظامي. كيف لرئيس منظمة دولية مهمتها الأمن والسلم الدوليان أن يلتقي بإرهابيين مسؤولين عن قتل الآلاف؟"

من جهته، غرد الناشط العراقي، منتظر بخيت، عبر "تويتر" في 2 مارس 2023 بالقول: "اضحك فدماؤنا التي تسترخصونها لا يعرف ثمنها الظالم والقاتل والسارق. نحن الوحيدون جدا، الذين نعرف قيمة دماء أصدقائنا الذين فجرت رؤوسهم رصاصات القتلة. لذا سنبقى نناضل من أجل هذه القيمة التي لم ولن تعرفوها لأنكم شركاء بقتلنا بمنحكم الشرعية للصوص".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال عضو "حراك تشرين" في العراق، سلام الحسيني، عبر تغريدة في 2 مارس 2023 إن "هذا اللقاء لا يعني سوى كونه لقاء لشركة مختصة بتدوير النفايات السياسية بحسب ما تقتضيه المصالح الدولية".

وتابع الحسيني، قائلا: "يعرف غوتيريش أن العراق مختطف من الميليشيات، ولقاء كهذا لا يمنح الشرعية الشعبية التي تمثل الأغلبية، للأقلية الخاسرة المنبوذة مهما كثرت الابتسامات الكاذبة فيه".

وكتب الناشط عمر حبيب على حسابه في "تويتر" أن الصورة تضمنت "عقوبات دولية وقليلا من لائحة الإرهاب وقضايا فساد"، موجها انتقادات للأمين العام للأمم المتحدة، ولرئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت.

واكتفى السياسي العراقي المعارض، ليث شبر، بإعادة نشر الصورة على حسابه في "تويتر"، وأرفقها بتعليق "هذه الصورة بألف معنى".

وعلى المستوى ذاته، علق على الصورة تجمع "الميثاق الوطني" العراقي المعارض خلال بيان له في 2 مارس 2023.

وقال البيان إن "اللقاءات أجراها غوتيريش مع منتهكي حقوق الإنسان والمسؤولين عن ارتكاب جرائم بحق المواطنين العراقيين، وفي مقدمتهم مسؤولو الميليشيات ريان الكلداني وقيس الخزعلي وآخرون، تشكل سقوطا علنيا لمواثيق الأمم المتحدة التي يفترض أنه يمثلها وهي انتهاك صارخ للقانون الدولي".

خطوة خطيرة

وفي السياق ذاته، قال الباحث العراقي في شؤون الفرق الإسلامية، فاروق الظفيري إن "هذه الخطوة تعد خطيرة، وتدل على تقلب في مزاج السياسة الدولية في احتواء هذه الفصائل التي تصنفها واشنطن بالإرهابية".

واستدرك الظفيري لـ"الاستقلال": "لكن مع ذلك نراها تتواصل معها على أعلى المستويات كونها لاعبا رئيسا في الساحة العراقية. علما أن أمريكا على مدى هذه السنوات كانت تحمي وتتعاون مع هذه المليشيات".

وأوضح الباحث أن "ذلك جرى أثناء المعارك مع تنظيم الدولة، فقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تحمي هذه المليشيات الإرهابية من خلال طيران الجو، وتؤمن لها الطريق".

ورأى أن "أميركا هي من أعطت الضوء الأخضر في تشكيل الحشد الشعبي (يضم مليشيات شيعية) شرط عدم التعرض لها، وأن هناك تفاهمات عديدة بينهما، فضلا عن وجود رسائل عدة توجه بين الطرفين، تارة بالكلام وتارة أخرى بصواريخ الكاتيوشا".

وكانت وزارة الخزانة الأميركية، فرضت في ديسمبر/كانون الأول 2019 عقوبات على قيس الخزعلي مع ثلاثة آخرين، بينهم شقيقه ليث، بسبب تورطهما في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في العراق وقتل متظاهرين".

ووفقا لها، فقد أطلق عناصر "العصائب" في العراق "النار على متظاهرين العراقيين وقتلوهم خلال احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019"

وبعدها بسبعة أشهر فرضت واشنطن عقوبات على الكلداني لارتكابه أو المنظمة التي ينتمي إليها "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".

وحسب وزارة الخزانة، يظهر شريط فيديو في مايو/أيار 2018 الكلداني وهو "يقطع أذن أسير"، وأن "مليشياته نهبت المنازل"، مشيرة إلى أن "هناك تقارير تفيد أنه استولى على أراض زراعية وباعها بطريقة غير قانونية".

وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "أفراد مليشيا عصائب الحق التي التحقت بالشرطة والجيش العراقيين في الحرب على تنظيم الدولة برعاية أميركية هي التي قتلت 34 مصليا كانوا يؤدون صلاة الجمعة يوم 22 أغسطس/آب 2014 في مسجد مصعب بن عمير بمحافظة ديالى العراقية".

وكذا الحال، كانت منظمة "العفو الدولية" أكدت خلال تقرير لها في 5 يناير/كانون الثاني 2017، أن المليشيات الموالية لإيران، المنضوية في الحشد الشعبي، مثل: "منظمة بدر، عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله" جميعها متهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها الأمم المتحدة في العراق الجدل بشأن لقاءاتها مع قادة فصائل مسلحة ومليشيات موالية لإيران مدرجة على قوائم الإرهاب.

وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت أثارت سخطا واسعا بعد أن التقت في 2 أكتوبر 2020 بأحد أبرز قادة مليشيا كتائب حزب الله وهو عبد العزيز المحمداوي، الملقب بأبو فدك.

ويشغل أبو فدك حاليا منصب رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، وأدرجته وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان على قوائم الإرهاب بسبب صلاته بالحرس الثوري الإيراني، ومليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، ومسؤوليته عن مقتل واختطاف متظاهرين، وسيطرته على مؤسسات أمنية عراقية وجعلها تعمل "لخدمة إيران".

وفي 22 فبراير/ شباط 2023، أثارت بلاسخارت الجدل مجددا عندما أعلنت عن لقاء جمعها مع زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، بحثت خلاله "الوضع السياسي في العراق".