جمال مبارك يتحدث مع أميركا ويفكر بالترشح للرئاسة.. ما قدرته على إزاحة السيسي؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

جاءت الأنباء المتتالية عن تحركات جمال نجل الرئيس المصري السابق حسني مبارك الأخيرة، محفزة للمسرح السياسي المضطرب في مصر على وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

ويرتبط المصريون مع جمال النجل الأكبر لحسني مبارك بمشاهد عدة، أبرزها ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. 

ووقتها، كان جمال الذي فتح له والده كل سبل توريث الحكم، أحد الأسباب المباشرة لاندلاع هذه الثورة.

وكانت رؤية مبارك ونجليه جمال وعلاء في السجن دلالة على انتصار الثورة، وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013.

لكن كانت مشاهدتهما ووالدهما يخرجون من المعتقل، هي المؤشر الأبرز على انسحاق الثورة، وهيمنة الدولة العميقة على مقاليد الحكم.

لقاء سري

بعد الإفراج عن جمال وعائلته لم يظهر كثيرا في المشهد العام المصري، وإن اكتفى بأدوار اجتماعية طفيفة، كحضور فرح أو عزاء أو مناسبة تقليدية، دون لعب أي دور سياسي.

بقي الوضع على ما هو عليه حتى خرج تقرير موقع "أفريكا إنتيليجنس" المقرب من الاستخبارات الفرنسية بتقرير يتحدث عن جمال مبارك.

وورد في التقرير الصادر بتاريخ 22 فبراير/شباط 2023، أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، غذت طموح جمال مبارك، لمنافسة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي على الرئاسة.

فأخطر ما كشفه الموقع الاستخباراتي أن جمال تحدث إلى واشنطن، الحليف القوي للقاهرة بشأن احتمال الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها عام 2024.

وذكر أنه عقد اجتماعا سريا في مارس/آذار 2022، في قصر تابع لعائلة مبارك بمدينة شرم الشيخ، مع السفير الأميركي آنذاك جوناثان كوهين، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى.

وأشار إلى أن اللقاء تضمن أيضا سعي نجل مبارك لضمان دعمه من الجيش المصري، إذ أراد أن يطمئن على استمرار المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، والتي تبلغ قيمتها 1.17 مليار دولار سنويا، حال ترشحه للرئاسة. 

وأورد أنه بعد شهر من اجتماع شرم الشيخ، رفعت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك.

فأنهت بذلك إجراءات التجميد لأصولهم والحظر الذي كان مفروضا على دخول مواطني الاتحاد الأوروبي في معاملات مالية مع المقربين من الرئيس الراحل. 

شاهد ومشهود 

قبل هذه الأحداث بسنوات، بدأت مشاهد صعود نجل مبارك لهرم السياسة في مصر، وهو يشغل منصب الأمين العام المساعد، وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم آنذاك.

وجرى التبشير به من خلال وسائل إعلام الرئيس الأسبق كونه الشاب الطموح القادر على الإمساك بزمام الأمور.

وكان خلفه قطاع كبير من رجال الأعمال ورجال دولة مبارك، مستعدين أن يبايعوه خليفة لوالده الذي جلس على كرسي الحكم لثلاثة عقود.

وفي 11 فبراير 2011 عندما كانت حشود الثوار تزحف من ميدان التحرير إلى القصر الجمهورية بالاتحادية (مصر الجديدة) لإسقاط الرئيس، ظهر رئيس جهاز المخابرات وقتها اللواء عمر سليمان معلنا تنحي مبارك، وضاعت أحلام العائلة، خاصة جمال. 

وفي 3 أغسطس/آب 2011، ظهر جمال لأول مرة مقيدا في الأغلال داخل قفص الاتهام لمحاكمته بتهمة استغلال النفوذ والتربح وفساد القصور الرئاسية.

وهو ما عد أوج انتصار الثورة، وتحقيق متطلباتها بمحاكمة رؤوس النظام السابق، تحديدا الرئيس المخلوع وأولاده. 

لكن بعد الانقلاب العسكري وتحديدا في 26 يناير 2015 أخلي سبيل جمال وعلاء مبارك، وأطلق سراحهما.

وقتها علقت الجماهير بعبارة أطلقها السياسي المصري محمد البرادعي: "وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط". 

والآن جمال يتحرك تحت وقع أخبار ترشحه للرئاسة وإعادة تدوير نفسه سياسيا ليلعب دورا أكبر مما هو قائم. 

الحالة القانونية 

وبعد تداول تلك الأنباء عن منافسة جمال للسيسي، برز تساؤل عن الحالة القانونية له من حيث إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية. 

وبالعودة إلى سبتمبر/أيلول 2018، فإن مبارك ونجليه تقدموا بطلب للتصالح ووقف تنفيذ الحكم الصادر ضدهم (في قضية فساد القصور الرئاسية) بهدف رد الاعتبار، ومن ثم رفع آثاره.

وأصدرت محكمة النقض حكمها في القضية برفض دعوى التصالح ورد الاعتبار، ليصبح باتا ونهائيا وغير قابل للطعن عليه.

بموجب ذلك الحكم أصبح مبارك ونجلاه جمال وعلاء، خاضعين لأحكام البند 6 من المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية 45 لسنة 2014.

نص البند على حرمان كل من صدر ضده حكم نهائي في جناية، من مباشرة الحقوق السياسية، سواء بالتصويت أو الانتخاب، لمدة 6 سنوات، تبدأ من تاريخ تنفيذ العقوبة، أي بعد إنهاء فترة السجن المقررة وسداد الغرامة.

وكانت تلك المادة قد جرى تعديلها بقرار بقانون 92 لعام 2015، ليتم رفع الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية "إذا أوقف تنفيذ العقوبة، أو رد إلى الشخص اعتباره".

وبالتالي فإن جمال مبارك أعيدت له تلك الحقوق، إذ انقضت مدة الحرمان التي تكون عبارة عن ضعف المدة المحكوم على المدان بها.

وكانت العقوبة مدتها 3 سنوات، وبالتالي مدة الحرمان كانت 6 سنوات، انتهت خلال العام 2021.

وأصبح من حق جمال مبارك ممارسة العملية السياسية بالمطلق، فإذا ما أراد تأسيس حزب جديد أو الانضمام لأحد الأحزاب القائمة للترشح للبرلمان على سبيل المثال فيمكنه ذلك. 

تبييض السمعة

وكان جمال مبارك قد انتقل من ردة الفعل إلى الفعل وغسل السمعة وإعادة تدوير نشاط عائلته في 18 مايو/أيار 2022، عندما تحدث لأول مرة منذ الإطاحة بأبيه من سدة الحكم.

ظهر جمال متحدثا في مقطع مصور عن ما أسماه "براءة عائلته من كل اتهامات الفساد المالي".

وقال إن عائلته "تحملت ادعاءات كاذبة للتشهير بها، ولم تثبت التحقيقات القضائية المستفيضة أي نشاط غير مشروع لها طيلة عشر سنوات".

ثم وجه رسالة إلى والده: "طوال هذه المعركة، وحتى في أحلك أوقاتها، كنت أنت دائما على ثقة، رغم كل الصعاب، بأننا سننتصر في النهاية، حتى ولو بعد رحيلك، ولقد رحلت عنا يا أبي، ولكننا بالفعل انتصرنا".

وجاء بيان جمال الذي أطلقه باللغة الإنجليزية ثم العربية، عقب إغلاق النيابة السويسرية تحقيقا في مصدر أموال تعود للعائلة، لعدم وجود دليل كاف على تهمة غسيل الأموال التي وجهت ضد أسرة مبارك وأشخاص محسوبين على نظامه.

كما أفرجت عن 400 مليون فرنك سويسري بعد الإفراج عن 200 مليون آخرين قبلها، وهي أرقام تعادل وقتها نحو 11 مليار جنيه مصري.

التحرك الآخر الذي أثار الجدل كان في 16 مايو 2022، عندما ظهر جمال مبارك، وهو يعزي ولي عهد أبوظبي وقتها (والرئيس الحالي) محمد بن زايد برحيل رئيس الدولة آنذاك خليفة بن زايد.

وكانت هذه المرة الأولى التي يسافر فيها جمال إلى خارج البلاد، ويرصد له صور بذلك، منذ ثورة يناير 2011.

وهو ما عزز من فكرة أن نجل مبارك يسعى إلى لعب دور مختلف أبعد كثيرا مما هو قائم، خاصة أنه دائم المشاركة في مناسبات اجتماعية وإنسانية. 

الدولة العميقة

الجدلية التي أثارها جمال مبارك خلال الآونة الأخيرة وتباين الآراء حول ظهوره المتكرر المشوب بالإثارة دفعت محللين سياسيين للتعليق على تلك الظاهرة.

وذكر الباحث السياسي المصري محمد ماهر في حديثه لـ"الاستقلال" أن: "جمال مبارك ليس بالقوة المتخيلة التي تجعله يحكم الدولة المصرية حاليا، وليس بالضعف الذي يقصيه من المشهد نهائيا، نستطيع أن نراه ورقة قوية في يد قوة أكبر منه". 

وأضاف: "جمال من أوراق الدولة العميقة المؤثرة في مصر، دولة رجال الأعمال وكبار الضباط السابقين ورجال الحزب الوطني (المنحل) القدامى المؤثرين من وراء ستار في العملية السياسية". 

واستطرد: "جمال من جهة يمثل جزءا من تلك الدولة، ومن جهة أخرى يضغط به على السيسي، وأيضا يمكن أن يلعب دور أكبر في مرحلة قادمة إذا لزم الأمر". 

واستبعد الباحث المصري أن يكون جمال مبارك هو الرئيس القادم لمصر، لأسباب تتعلق بالجيش.

وأردف: "الجيش انقلب في يناير 2011 على مبارك ولم ينحز إليه لرفضه مشروع التوريث أو أن يكون ابن مبارك (المدني) هو حاكم البلاد على غرار بشار الأسد في سوريا على سبيل المثال". 

وأكد: "لذلك من الصعب أن يكسر جمال ذلك السياج وأن يكون حاكما مقبولا، فضلا أن السيسي نفسه لو أحس بخطر شديد من تحركات جمال لفعل معه مثلما فعل مع سامي عنان  وهشام جنينة وأحمد شفيق وغيرهم".

 لكنه يتركه لعلمه أنه لا يشكل التهديد الأكبر عليه، ولعدم فتح جبهات حرب أخرى مع دولة مبارك العميقة، وفق تقديره.

وترشح عنان للرئاسة عام 2014 و2018 فحددت إقامته وسجن، أما جنينة فكشف فضائح خاصة بنظام السيسي وأيد ترشح سامي عنان، فجري الاعتداء عليه وسجن.

وكان أحمد شفيق بدوره، مقيما في الإمارات وأراد الترشح للرئاسة عام 2018 فأعيد إلى مصر قسرا، وحددت إقامته.