“زلزال سوريا”.. هكذا يحشد "المجلس الإسلامي" المعارض الجهود لإغاثة المنكوبين
كثف "المجلس الإسلامي السوري" المعارض تحركاته لحشد الدعم والمناصرة لمتضرري الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا الخاضعة للمعارضة، بعدما أعلنها لكل العالم الإسلامي "مناطق منكوبة" تحتاج لدعم مستمر.
وتوجه في 15 فبراير/شباط 2023 وفد من العلماء السوريين وعلى رأسهم رئيس المجلس الإسلامي الشيخ أسامة الرفاعي، من تركيا إلى ريف حلب وجال في القرى والبلدات التي ضربها زلزال فجر 6 فبراير الذي بلغت قوته 7,8 درجات وتلاه هزات ارتدادية كثيرة.
وخلف الزلزال أكثر من ألفي قتيل وآلاف المصابين في ريفي حلب وإدلب، مما ضاعف معاناة أهالي الشمال السوري المحرر الخارج عن سيطرة نظام بشار الأسد البالغ عددهم 5 ملايين.
وشرد الزلزال نحو مليون شخص، ودمر بشكل كلي 1123 منزلا، مع وجود 3484 منزلا آخر قابلا للسقوط، بينما بلغ عدد المنازل غير الصالحة للسكن نتيجة الأضرار المختلفة 13 ألفا و733، في حين ظهرت التصدعات على 9 آلاف و637 منزلا آخر.
مساندة المنكوبين
وعقد "المجلس الإسلامي" مؤتمرا صحفيا في 15 فبراير 2023 ببلدة جنديرس في ريف حلب التي نالت النصيب الأكبر من الخسائر البشرية والممتلكات بأكثر من 700 قتيل.
وعزى المجلس الإسلامي الشعب السوري بضحايا الزلزال، وأكد على تواصل العلماء المسلمين في شتى بلدان العالم الإسلامي لتعزية السوريين بهذا المصاب.
وفي المؤتمر الذي حضره الشيخ الرفاعي، أعلن المتحدث باسم المجلس، الشيخ مطيع البطين، المناطق التي أصابها الزلزال بـ"المنكوبة"، وأنها بحاجة إلى "دعم مستمر".
وشدد البطين، على "ضرورة الفصل بين الجانب الإنساني والسياسي، وبيان أن الدول التي تمنع وصول المساعدات إلا بموجب قرار سياسي بعيدة عن الإنسانية".
وأكد المجلس الإسلامي السوري، على عدم القبول بتمرير ما وصفها بـ"لعبة سياسية يجرى من خلالها تعويم النظام تحت مسمى المساعدات الإنسانية والإغاثية، وبيان أن النظام المجرم هو أساس مشاكل السوريين ونكبتهم وهو شر على كل السوريين".
ودعا البطين، إلى "ضرورة تنسيق الجهد وتوحيد العمل ضمن غرفة عمليات لحصول عدالة في توزيع المساعدات بين المتضررين، واستمرار هبة السوريين لمساندة إخوانهم المنكوبين".
وشدد على أن "المجلس الإسلامي السوري بجميع مكوناته وأفراده كانوا على مستوى المسؤولية واستنفروا كامل جهودهم منذ اليوم الأول لدعم أهلنا المنكوبين".
كما أكد المجلس الإسلامي السوري الذي تأسس في أبريل/نيسان 2014 بمدينة إسطنبول، أنه "بصدد إصدار دراسة تشمل كل مفردات وأحكام النوازل وتبيان وتوعية الناس بما تنص عليه الشريعة الإسلامية في مثل هذه الحالات، كي لا تضيع الحقوق على سبيل المثال في مسألة الميراث".
وزار الشيخ الرفاعي والوفد المرافق له، مركز عفرين الثالث للإيواء، حيث التقى بعدد من الأهالي في المركز "وذكّرهم بفضيلة الصبر وما أعد الله لأهل البلاء إن صبروا واحتسبوا واستمع إلى شكاواهم ووعد باستمرار إيصال معاناتهم لإخوتهم في العالم الإسلامي للحث على الوقوف معهم".
حشد الدعم
ومنذ اليوم الأول لوقوع الزلزال، استنفر المجلس الإسلامي السوري عبر روابطه وهيئاته والمؤسسات الإغاثية التابعة له، لتقديم كل الدعم للمنكوبين.
كما توجه وفد من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى مناطق الشمال السوري المنكوبة وعلى رأسهم نواف تكروري، وهو رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج.
ودعا تكروري عبر تغريدة نشرها في 14 فبراير 2023، "المسلمين جميعا في كل أنحاء الأرض إلى مد يد العون لإخوانهم في سوريا وتركيا، ولا سيما في الشمال السوري حيث الظروف القاسية والمصاب المستمر، وواجب على كل مسلم أن يبذل قصارى جهده وكل ما لديه من إمكانيات لنصرة هؤلاء الإخوة المنكوبين بهذا الحدث الكبير".
ندعو المسلمين جميعا في كل أنحاء الأرض إلى مد يد العون لإخوانهم في #سورية و #تركيا، ولا سيما في #الشمال_السوري حيث الظروف القاسية والمصاب المستمر، وواجب على كل مسلم أن يبذل قصارى جهده وكل ما لديه من إمكانيات لنصرة هؤلاء الإخوة المنكوبين بهذا الحدث الكبير.
— نواف تكروري (@nawaftakruri1) February 14, 2023
#زلزال_سوريا_وتركيا
ويعول المجلس الإسلامي السوري على تقديم يد العون بمساندة مجالس العلماء، للمساهمة في إعادة بناء المنازل المدمرة، وكفالة الأيتام وتقديم الدعم للأرامل وإعانة المتضررين من الزلزال.
وحاول عدد من العلماء خلال جولاتهم على خيام المنكوبين التأكيد على أنهم يسعون لتقديم حلول إسعافية من تأمين خيام مستقلة وبناء حمامات والوقوف على احتياجات المصابين.
لكن العلماء في الوقت نفسه أكدوا أنهم يعملون للوصول إلى تأمين مساكن جديدة تسجل بأسماء المنكوبين للتخلص من عناء الآجار وتزيد من حالة الاستقرار هناك في الشمال السوري المحرر.
ويمكن للمجلس الإسلامي السوري أن يسهم في تقديم توصيات لدعم المؤسسات والمنظمات ذات المصداقية الفاعلة على الأرض في المناطق المنكوبة وتشبيكها مع المنظمات الدولية لتغطية احتياجات الأهالي المنكوبين.
ويلعب المجلس الإسلامي السوري، دورا كبيرا في عمليات توحيد الجهود وحث السوريين في الداخل والخارج على تقديم الدعم والمساعدات للمتضررين من الزلزال.
كما أن المجلس الإسلامي بنزوله إلى شمال غربي سوريا يوجه رسالة لعلماء الأمة العربية والإسلامية لحث دولهم على تقديم المساعدات بعيدا عن الموقف السياسي مما يجرى في سوريا.
الرسالة الأهم
كما أن الرسالة الأهم التي يريد المجلس الإسلامي إيصالها للمنظمات الإسلامية المحلية بأن "النظام السوري يحاول أن يستغل الزلزال لترطيب العلاقات مع الدول".
وذلك، بحجة تسهيل المساعدات الإنسانية لإغاثة المنكوبين الذين شردهم النظام بالأصل من ديارهم وجعلهم نازحين في خيام وفي أبنية سكنية أنشأت على عجل ودون معايير هندسية ملائمة، وهذا ما أظهرت حجم الدمار الذي أحدثه الزلزال في الشمال السوري.
ومنذ حصول الزلزال، تصدرت الإمارات قائمة الدول التي أرسلت مساعدات إغاثية وغذائية وطبية وفرق إنقاذ، حتى إن وزير خارجيتها عبد الله بن زايد زار دمشق والتقى الأسد في 12 فبراير 2023.
وتقود أبوظبي التي طبعت علاقاتها مع الأسد منذ عام 2018 جهود الإغاثة الإقليمية.
وقال مسؤول الجاهزية في وزارة النقل التابعة لنظام الأسد، سليمان خليل، خلال تصريحات صحفية في 17 فبراير، إن 121 طائرة هبطت في سوريا منذ الزلزال، 54 واحدة منها من الإمارات.
ويتوقع محللون أن يجد رأس النظام في التعاطف العربي "فرصة لتسريع عملية تطبيع علاقاته مع عدد من الدول خصوصا الخليجية" التي قطع معظمها علاقاته الدبلوماسية مع دمشق عقب قمع الثورة بالحديد والنار التي تفجرت في مارس/آذار 2011.
وفي هذا الإطار، أكد الباحث السوري، محمد نور حمدان، أن "الرسالة التي وجهها المجلس الإسلامي للدول تمثلت بعدم محاولة تعويم نظام الأسد في مثل هذه الظروف التي اتضح أنه استغل الزلزال كفرصة مناسبة له في طريق التعويم، ومنها نسب كثير من أعمال الدمار السابق الناتج عن قصف طائراته للمدن إلى الزلزال، وفي هذا تشويه للحقائق".
وأضاف حمدان لـ"الاستقلال": "فضلا عن محاولة النظام الاعتماد على المساعدات الأممية لإنقاذ نفسه، وكل ذلك في سبيل استثمار الفرصة لعودة التواصل معه من جديد بعد قطيعة منذ عام 2011، ولذلك المجلس الإسلامي حذر الدول من إعادة تعويمه وإعطائه الشرعية من جديد، علما أن الضحايا في مناطق المعارضة أكثر بكثير من مناطق النظام".
وألمح حمدان، وهو مدير "مركز مناصحة"، أن "المجلس الإسلامي وظيفته ليست إغاثية وجمع الأموال، لكنه حاول أن يساعد الناس بما يملكه من جهد عبر توجيه الدول المجاورة لفتح المعابر المغلقة أمام المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة".
خطة مستدامة
من جانبه، أكد الشيخ السوري فادي قبلان، أن "المجلس الإسلامي أراد إيصال رسائل عدة من وجوده بين المنكوبين في الشمال السوري المحرر".
وقال قبلان لـ"الاستقلال"، إن "أولى الرسائل التأكيد على أن المناطق التي ضربها الزلزال مناطق نكبة مستمرة وليست نكبة طارئة تنتهي بعمليات الإنقاذ، بل لا بد أن تكون هناك خطة مستدامة لإعادة الناس المشردين وإعمار المنطقة التي ضربها الزلزال".
ولفت إلى أن "المجلس الإسلامي نبه لعدم تسييس الملف الإغاثي من ناحية إغلاق المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وعدم تعويم الأسد من جديد، وألا يتخذ الزلزال ذريعة لتعويمه من قبل الدول التي تريد تقديم المساعدة لسوريا".
ورأى قبلان، أن "دخول العلماء للشمال السوري المحرر رغم الصعوبات الكبيرة وفي ظل النكبة هي رسالة للسوريين بأنهم يقفون إلى جانب المنكوبين".
وأشار قبلان إلى أن "المجلس الإسلامي السوري يسعى لتحقيق تكاتف المؤسسات الإغاثية عبر إحداث تنسيق عالي حتى تؤتي المساعدات التي تفد إلى الشعب السوري أكلها ويستفيد منها بشكل عادل".
وبحسب تقرير عن حجم الأضرار البشرية والمادية نشره فريق "منسقو استجابة سوريا" العامل بشمال غربي سوريا، في 16 فبراير، فإن المساعدات الأممية "مازالت ضمن الحدود الدنيا" وبلغ عددها خلال أسبوع واحد 114 شاحنة فقط (93 بالمئة منها عبر معبر باب الهوى) رغم افتتاح معبرين إضافيين جديدين.
وأكد الفريق حدوث "تسييس كبير" للمساعدات الإنسانية الواردة، وخاصة الأممية وتوجيه كميات هائلة من المساعدات الإنسانية إلى مناطق النظام السوري.
وأوضح أن المتضررين موزعين في سوريا (88 بالمئة مناطق شمال غرب الخاضعة للمعارضة، و12 بالمئة مناطق النظام)، في حين يحصل نظام الأسد على 90 بالمئة من المساعدات الخاصة بمنكوبي الزلزال.
واستطاعت منظمات المجتمع المدني السورية في شمال غرب البلاد، امتصاص الصدمة الأولى التي أحدثها الزلزال، لكن بسبب ضعف توريد المساعدات الإنسانية بشكل كبير يجعلها عاجزة عن تنفيذ المهام والمشاريع المطلوبة.
ويعرقل نظام الأسد دخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الجديدة تحت ذرائع عديدة، وهو ما لوحظ من خلال قافلة واحدة من معبر "باب السلامة"، في حين لم تدخل أي مساعدات عبر معبر "الراعي"، علما أن المنطقة التي يغطيها معبر الراعي تضم أكثر من 600 ألف مدني تضرر أكثر من ثلثهم من الزلزال الأخير.
وعمت حالة استياء عام من تأخر وصول المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة، حيث بلغت كمية المساعدات المحلية ومن المنظمات المحلية والتركية نسبة 75 بالمئة من إجمالي المساعدات، بينما كان 25 بالمئة من إجمالي المساعدات "أممية".
وأكد "منسقو الاستجابة"، أن "الأمم المتحدة لم تتحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية بشكل جدي اتجاه المنكوبين جراء الزلزال في المنطقة، وتتحمل المسؤولية الكاملة عن التقصير في عمليات الاستجابة الإنسانية اتجاه المتضررين في الشمال السوري".
وكان المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، هدد في مسودة قرار أتت بحسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بإدخال قوافل المساعدات عنوة إلى سوريا عبر كل المعابر الحدودية.
وأشار المندوب الفرنسي، خلال تصريحات صحفية في 13 فبراير، إلى أن "النظام السوري هو المسؤول عن منع تدفق المساعدات إلى الأهالي في المناطق التي لا تخضع لسيطرته".