إجراءات بن غفير المتطرفة.. هل تقود الضفة الغربية إلى حرب جديدة؟
منذ تعيينه وزيرا في أكثر حكومة متطرفة بتاريخ إسرائيل، يثير إيتمار بن غفير موجات كبيرة من السخرية داخل تل أبيب بتصريحات وقرارات ارتجالية غير قابلة للتنفيذ ضد الشعب الفلسطيني.
وأظهر وزير الأمن القومي بن غفير فشلا ذريعا في منع العمليات الفدائية الفلسطينية التي تصاعدت أخيرا، رغم تعهده بالقضاء عليها، وسط تحذيرات إسرائيلية من خطورة خطواته المتطرفة.
وتسلم زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف مهامه في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، ثم بدأ بصلاحيات موسعة منحها له الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ذو الأغلبية اليمينية، بالسعي لتحويل وعوده الانتخابية إلى إجراءات فعلية.
آخر الإجراءات
في نهاية العام 2022، أقر الكنيست قانونا يعطي صلاحيات مطلقة لوزير الأمن القومي على الشرطة ويتيح تحويل جهاز شرطة حرس الحدود إلى ما أسمته المعارضة الإسرائيلية "الجيش الخاص لبن غفير".
وبموجب القانون، يخضع جهاز الشرطة إلى الحكومة وإلى وزير الأمن القومي، ومن ضمن صلاحيات الوزير وضع الخطوط العريضة لسياسات الشرطة والمبادئ العامة التي تحدد أنشطتها، بحسب الكنيست.
كما ينص القانون على إمكانية تحديد الوزير السياسة العامة والتعليمات التي تصدرها الشرطة بعد إقرارها من قبل المفتش العام لها.
وقبل إقرار هذا القانون كان جهاز الشرطة الإسرائيلية يتمتع باستقلالية في قراراته وسياساته تبعا لما يحدده المفتش العام للشرطة فقط.
وبعد تسلمه منصبه، تعهد بن غفير بإنهاء ما أسماه "التمييز" الذي يُمارس ضد الإسرائيليين ممن يقتحمون المسجد الأقصى وإدخال تعديلات على هذا الأمر.
وفي أول خطوة بهذا الاتجاه، اقتحم بن غفير في 3 يناير/كانون الثاني 2023 المسجد بحراسة قوات كبيرة من الشرطة، ما أثار انتقادات وتحذيرات عربية وإسلامية ودولية واسعة لحكومة بنيامين نتنياهو.
وأعلنت الجماعات اليمينية الإسرائيلية التي تقود اقتحامات المسجد أنها طلبت من بن غفير أن يسمح بأن تكون الاقتحامات يومية مع زيادة ساعاتها والسماح لهم بالصلاة في المسجد وإقامة كنيس في ساحاته.
وفي القدس أيضا، قرر بن غفير منع الأنشطة الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني، في إجراء يتناقض مع القانون الإسرائيلي الذي لا يحظر رفع العلم.
وبدأ التضييق على المدارس الفلسطينية في المدينة ومنع عقد اجتماعات لأولياء أمور الطلاب وأمر بتسريع إجراءات الهدم بالقدس، وسمح بتسليح آلاف الإسرائيليين لمواجهة الفلسطينيين.
وهدد الوزير المتطرف بتغيير تعليمات إطلاق القوات الإسرائيلية النار على الفلسطينيين، مشيدا بالجنود الذين قتلوا مواطنين خلال الفترة الأخيرة.
كما شرعت إدارة سجون الاحتلال، في 16 فبراير، بفرض عقوبات جماعية على الأسرى الفلسطينيين بدعوى خطوات العصيان الجماعية التي شرعوا بها ردا على إجراءات بن غفير.
وتتمثل الخطوات، بارتداء لباس "الشاباص" البني الذي تفرضه إدارة السجون على الأسرى، وتعني هذه الخطوة استعدادهم لتصعيد المواجهة ضد إدارة السجن.
كما تشمل إغلاق الأقسام، بحيث تتوقف كل مظاهر الحياة الاعتقالية اليومية المتعلقة بأنظمة السجن، بالإضافة إلى عرقلة إجراء ما يسمى بالفحص الأمني، بحيث يخرج الأسرى للفحص وهم مقيدو الأيدي.
وأعلنت إدارة سجون الاحتلال البدء بتنفيذ أولى الإجراءات العقابية، التي أعلنها "بن غفير" ضد الأسرى، والمتعلقة بالتحكم في كمية المياه التي يستخدمها الأسرى، وتقليص ساعات الاستحمام.
وأيضا حرمان الأسرى من الرياضة الصباحية، وإغلاق المخابز التي تزود الأسرى بالخبز يوميا منذ مطلع فبراير، وغيرها من العقوبات.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، في 8 يناير 2023 إن "بن غفير أبلغ رئيس الكنيست أمير أوحانا بإلغاء الممارسة التي يمكن بموجبها لأي عضو كنيست زيارة السجناء الأمنيين (الأسرى)".
وقبلها بيومين، زار بن غفير سجن نفحة (جنوب) للمرة الأولى، مهددا بفرض إجراءات "للتأكد من عدم تحسين أوضاع الأسرى الفلسطينيين".
ووقتها، قال في تغريدة عبر "تويتر"، إنه ماض في مخططه باتجاه تبني قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتهمين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين.
وإلى جانب ذلك، وبعد تصاعد العمليات الفدائية، أعلن بن غفير في 10 فبراير 2023 البدء بعملية "السور الواقي 2" في مناطق شرقي القدس، مما أثار موجة واسعة من السخرية في صفوف كبار ضباط الشرطة السابقين.
وجاءت تعليمات بن غفير خلال وجوده في مكان عملية دهس نفذت في وقت سابق من اليوم نفسه، أدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة 5 آخرين.
و"السور الواقي" عملية عسكرية شنتها إسرائيل في مارس/ آذار 2002، في جميع أنحاء الضفة الغربية، قتلت خلالها عشرات الفلسطينيين، كما حاصرت الرئيس السابق ياسر عرفات في مقر إقامته بمدينة رام الله (وسط).
وقالت "القناة 12" العبرية منتصف فبراير، إن بن غفير اتفق مع نتنياهو أن كل مستوطن يقتل بسبب عمليات فلسطينية، سيجرى شرعنة بؤرة استيطانية عنه.
وكان قرار الكابينيت (المجلس الأمني المصغر) خلال الشهر ذاته، شرعنة 9 بؤر استيطانية، بمثابة تنفيذ للاتفاق بعد مقتل 9 مستوطنين في العمليات التي سبقت الاجتماع.
انتقادات لاذعة
وفي رده على التصريحات الأخيرة بشأن "السور الواقي" انتقد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، تصريح بن غفير.
وقال لابيد في تغريدة ساخرا في 10 فبراير: "وزير التيك توك والتطوير أصدر تعليمات لعملية سور واق 2، دون الكابينيت ودون تقدير موقف، ولا تنسيق بين الأجهزة الأمنية".
وفي السياق، نقلت قناة "كان" عن مسؤول إسرائيلي وصفته بالكبير، في 10 فبراير، انتقاده لتصريحات بن غفير.
وبين المسؤول الذي لم يكشف عن اسمه أن "القرارات بشأن عملية السور الواقي 1 أو 2 أو 3 أو 4 لا تتخذ على الرصيف في مكان الهجوم".
وأضاف: "لم يكن هناك نقاش شمل التشاور مع جميع المسؤولين الأمنيين حول هذه المسألة، بل وطُلب من بن غفير تقديم تفسيرات عن الموضوع بعد التصريح الذي أدلى به".
وأردف المسؤول الإسرائيلي أن "القرار بشأن مثل هذه العملية سيكون على الأقل بعد التشاور مع المؤسسة الأمنية بكاملها، ومن المؤكد أنه سيتم عرضه على مجلس الوزراء إذا لزم الأمر".
بدوره، وجه "رونين بار" رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" تحذيرا شديد اللهجة إلى "بن غفير"، قال فيه إن تصرفات الأخير ستقود إلى مواجهة عسكرية في المنطقة.
وذكرت القناة "13" العبرية في 15 فبراير، أن "بار" اتصل هاتفيا قبلها بيوم مع بن غفير بموافقة رئيس الوزراء نتنياهو، وأوضح له أن تصرفاته وتصريحاته النارية ستتسبب بمواجهة عسكرية، لأنها "تخلق شعوراً لدى الفلسطينيين بأنهم مستهدفون بكليتهم وتسمم الأوضاع الأمنية في القدس".
ودعا "بار" إلى تهدئة الأوضاع في القدس وخاصة عمليات الشرطة هناك وهدم المنازل قائلا: "تصرفاتك تسمم الأجواء وتخلق شعورا بالعداء تجاه الفلسطينيين ككل، ومن شأنها التسبب باشتعال واسع للأوضاع الأمنية".
بينما رد "بن غفير" على تحذيرات "بار" قائلا:" لقد جربنا أساليبكم ولكنها لم تجلب لنا الأمن"، وفق زعمه.
ولفتت القناة إلى أن الاتصال كان خارجا عن المألوف، إذ لم تجر العادة بأن يتصل مسؤول الشاباك مع وزير الأمن القومي بسياقات كهذه.
#ساهد… رئيس #الشاباك الإسرائيلي محذرا بن غفير: لحد هون وبس، خطواتك راح تحرق كل المنطقة #شعفاط #القدس #فلسطين #المسجد_الاقصى #غزة #سلوان #جنين #مع_سعيد_بشارات #سعيد_بشارات pic.twitter.com/vaV8aehJZ6
— سعيد بشارات Saaed Bsharat (@saaed_bsharat) February 15, 2023
ونقلت عن جهات أمنية قولها إن التصعيد الأمني بات بديهيا، وأن جهود تهدئة الأوضاع قبيل رمضان لم تنجح حتى الآن، وأنه لا يوجد أمر واقع واضح في الأقصى وتتعامل الجهات الأمنية بأن اشتعال الأوضاع قادم لا محالة.
وخلال شهر رمضان يكثف المستوطنون اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، إذ يتزامن مع فترات الأعياد اليهودية، خاصة عيد الفصح، مما يصعد التوتر في كل عام.
ويعتقد "الشاباك" أن العقوبات الجماعية شرقي القدس ستدفع بالمزيد من الفلسطينيين للدخول في دائرة العمليات وعدم منعها مستقبلا.
من جهته، قال مسؤول شعبة الاستخبارات الأسبق في جيش الاحتلال، عاموس يدلين، في تصريح له في 14 فبراير، إن حديث "بن غفير" الأخير حول تنفيذ عملية عسكرية لمنع العمليات الفدائية غير قابل للتطبيق.
وذكر "يدلين"، الذي شغل أيضا منصب مدير معهد دراسات الأمن القومي "INSS" أن تصريحات "بن غفير" حول نيته تنفيذ عملية "السور الواقي 2" غير واقعية وتنم عن جهل بالواقع الأمني.
وأضاف أنه لا توجد طريقة سحرية لوقف العمليات بنسبة 100 بالمئة وخاصة الفردية، لافتا إلى أن "بن غفير" لا يمتلك أدنى معرفة بالحقيبة التي تسلمها وطبيعة المنصب وتحدياته.
وأكد أن القدس قلب الصراع، ولها تأثير على الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل "ويجب التعامل معها بحذر".
ودعا مسؤول الاستخبارات الأسبق إلى التركيز بشكل أكبر على شبكات التواصل الاجتماعي وما أسماه "التحريض"؛ كخطوة مهمة لمنع العملية المقبلة.
تهديد كبير
وعن هذه التطورات، يقول المحلل السياسي الفلسطيني، إبراهيم المدهون، إن "بن غفير أضحى عبئا كبيرا على نتنياهو وحكومته، فقد استخدمه الأخير للعودة إلى الحكم ليضمن هروبه من استحقاقات المحاكمات ونجح في ذلك".
ويواجه نتنياهو اتهامات بالرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة، في 3 قضايا، تنظر فيها المحكمة المركزية الإسرائيلية في شرق القدس، ويسعى وزراؤه المتطرفون لحمايته من المحاكمة عبر التدخل في القضاء.
وينفي نتنياهو الاتهامات الموجهة إليه، ولكنّ شهادات الشهود التي قدمت إلى المحكمة، تُضفي الشكوك على نفيه المتكرر.
وأوضح المدهون لـ"الاستقلال" أن "بن غفير بات عبئا على نتنياهو ومعيقا لمخاطبته للمجتمع الدولي، ولذلك فهو يفكر في توريطه والتخلص منه".
وبين أن "سياسة نتنياهو تكمن في دفع خصومه للواجهة ليتحملوا مسؤولياتهم، ومن ثم التخلص منهم كما حدث مع (أفيغدور) ليبرمان حينما تولى وزارة الدفاع وكان دائم التهجم على الأول والمزاودة عليه".
وأردف: "ظهر عجز ليبرمان مما اضطره للانسحاب بعدما تآكل رصيده وفشل بكثير من الملفات". وبرزت خلافات بين الشخصين خلال السنوات الماضية كان أبرزها عام 2018، على خلفية معارضة نتنياهو قرار وزير الجيش وقتها شن عملية عسكرية واسعة ضد غزة.
وعلى المنوال نفسه، يدفع نتنياهو ببن غفير، فقد صدّره للواجهة وأعطاه مناصب مهمة لكنها أكثر تعقيدا مما كان يظن، ولهذا كل سياسته تنال معارضة داخلية شديدة كما أظهرت أنه غير مقبول على المستوى الدولي، وفق المدهون.
وعن السيناريوهات المقبلة، يعتقد المحلل السياسي أن "بن غفير سيستمر ويعمل بطريقة مختلفة وقد درس تجربة ليبرمان، وسيحاول الاستمرار والمراوغة ولهذا أمامه خياران إما الاستجابة للضغوط الدولية وخفض سقف تطرفه أو أنه سيواجه حالات فشل وسيتركه نتنياهو وحيدا".
وأوضح أن "وجود بن غفير لا شك أنه سيلهب المنطقة والضفة الغربية، فمنذ أن أتى زادت العمليات الإجرامية (ضد الشعب الفلسطيني) وكان آخرها في أريحا (اغتيال 5 مقاومين في 6 فبراير) وجنين (عمليات الاغتيال المستمرة منذ شهور) ضد الشعب".
وتلقى بن غفير عددا من الصفعات كان آخرها تنفيذ عدة عمليات في القدس خلال يناير وفبراير 2023. وهنا يرى المدهون أن "المقاومة مستعدة لكل السيناريوهات ومواجهة حماقاته هو وجيش الاحتلال".
ولفت إلى أن "العمليات التي جاءت بعد جرائم جنين وأريحا أعادت الكثير من الحسابات لبن غفير وبات مردوعا من أن يستمر في الجرائم، ولكن لغة ونفسية التطرف التي يتمتع بها ستدفعه للكثير من الحماقات".
وخلص المدهون إلى أن "سياسات بن غفير كاقتحام الأقصى وإضعاف السلطة الفلسطينية والانتهاكات ضد الأسرى وجرائم الاغتيال، كلها ملفات ستؤدي إلى تفجير الضفة الغربية وتصعيد الاشتباك الشعبي"، وفق تقديره.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي: "لا تغرنكم سخرية الإعلام الصهيوني من بن غفير وأدائه البهلواني، مخططاته للتصعيد ضد القدس والمقدسيين ستطبق رغم أنها موغلة في الهذيان والتطرف".
لا تغرنكم سخرية الإعلام الصهيوني من بن غفير وأدائه البهلواني.
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) February 12, 2023
مخططاته للتصعيد ضد القدس والمقدسيين ستطبق رغم أنها موغلة في الهذيان والتطرف.
لسبب بسيط لأن السخرية منه زادته تصميما على تنفيذها، ولأن نتنياهو يدرك أنه بدونه لن تكون له حكومة، وهذا ما سيدفعه إلى استرضائه بكل ثمن.
وفي تغريدة على تويتر في 12 فبراير، أرجع النعامي ذلك إلى سبب بسيط هو أن "السخرية منه زادته تصميما على تنفيذها (المخططات)، ولأن نتنياهو يدرك أنه بدونه لن تكون له حكومة، وهذا ما سيدفعه إلى استرضائه بكل ثمن"، وفق تقديره.