أعماله ليست ضد المسلمين فقط.. كيف يهدد اليمين المتطرف استقرار أوروبا؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

قال مركز تركي، إن "مشكلة اليمين المتطرف تكررت في أوروبا، نتيجة للانقسامات المتزايدة، جراء كراهية الأجانب، ومعاداة المهاجرين والإسلام، ورد الفعل على التعددية الثقافية، والتشكيك في أوروبا، والعنصرية".

وذكر مركز "أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية" (أنكاسام) في مقال للكاتبة التركية، غمزة بال، أنه "من أجل ضمان استدامة السلام من خلال التكامل بعد الحروب الكبرى والمدمرة في القارة الأوروبية، جرى تصميم هوية أوروبية شاملة وواسعة تحت شعار (الوحدة في التنوع)". 

واستدركت بال: "مع ذلك، أدت التطورات الإقليمية والعالمية منذ بداية عام 2000 إلى زيادة الاستقطابات القائمة على الهوية".

جذور الكراهية

وقالت بال: "في الواقع، كان يُعتَقَد أن الفهم العنصري انتهى مع الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، إلا أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والأزمات الاقتصادية التي تلت بالإضافة إلى أزمة الطاقة، أظهرت أن العقلية المتفوقة في بعض أفراد المجتمع تحافظ على هيمنتها عن طريق التنكر". 

وأضافت "مع هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية، انتشرت بذور التهميش من خلال الربط بين الإسلام والإرهاب".

وتابعت: "بالتزامن مع الهجمات الإرهابية التي نفذت في لندن عام 2004 ومدريد عام 2005، بدأت هوية الخوف من الإسلام التي كانت متجذرة في أوروبا تصبح المشكلة الرئيسية".

ولفتت بال إلى أن "الأزمة الاقتصادية عام 2008 أدت إلى زيادة البطالة في عدة دول أوروبية وحُرم المواطنون الأوروبيون من بعض حقوقهم من خلال التدابير المتخذة لمكافحة الأزمة".

وأشار بعض الأوروبيين، الذين اعتادوا على العيش في رخاء إلى أن "المهاجرين هم سبب للمشاكل الاقتصادية واعتقدوا أن المجتمع بحاجة إلى أن يكون مبسَّطا أكثر".

وذكرت الكاتبة التركية أن "موجة الهجرة المكثفة من سوريا إلى القارة العجوز عام 2015 تسببت أيضا في دخول أوروبا في حالة تأهب، غير أن فكرة إمكانية دخول الإرهابيين مع المهاجرين غير النظاميين أدّت إلى أن تصبح مشكلة المهاجرين من البلدان الإسلامية تهديدا أمنيا بالنسبة لأوروبا".

واستطردت: "بينما تستمر مشكلة الهجرة التي تعد قضية أمنية، أسهمت الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لتفشي وباء كورونا ويليها مباشرة الحرب الروسية الأوكرانية في تسريع صعود اليمين المتطرف في نظر المجتمع".

وأردفت: "نتيجة للدعم المتزايد، كان النجاح الأول لليمين المتطرف هو تحقيق التمثيل السياسي".

ويتزايد عدد مؤيدي "الجبهة الوطنية" في فرنسا، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا، وحزب "الحرية" في هولندا، وحزب "فوكس" في إسبانيا، وحزب "القانون والعدالة" في بولندا يوما بعد يوم.

وبالمثل، صعد الديمقراطيون السويديون بنسبة 20.54 بالمئة من الأصوات إلى المركز الثاني في الانتخابات السويدية.

وفي إيطاليا، فاز حزب "إخوان إيطاليا" بقيادة الفاشية الجديدة جورجيا ميلوني، بأغلبية 26.2 بالمئة من الأصوات، وفي النهاية أصبحت ميلوني اليمينية المتطرفة رئيسة الوزراء في إيطاليا.

الكساد الأعظم

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن "تحويل الخطابات اليمينية المتطرفة إلى أصوات يهدد بخطر ميل الأحزاب الرئيسية لتغيير سياساتها، ويظهر هذا الوضع أن الأحزاب التي شوهدت خارج السياسة الأوروبية لفترة من الزمن قد بدأت في توجيه السياسة الأوروبية اعتبارا من النقطة التي تم الوصول إليها".

وبما أن زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر، شكل الحكومة في ألمانيا في مرحلة ما بعد الكساد الأعظم، فإن التطور الأخير الذي شهدته الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا ليس بالأمر المستغرب، تقول بال.

وأضافت: "مع ذلك، فإن الخطاب الذي أكدته هذه الأحزاب بأن وجود الثقافة والقيم تحت التهديد يمهد الطريق لظهور مجموعات مثل (بيغيدا)".

و"بيغيدا" حركة سياسية ألمانية تعارض الإسلام وأسلمة أوروبا، وتدعو للنزول إلى الشوارع في وقت قصير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو لدعم الأفراد المتطرفين الذين يتبنون فهم تفوق البيض أكثر على المنصات الافتراضية في عصر الرقمنة.

وقالت بال: "يتم تنظيم اليمين المتطرف اليوم في مجموعة واسعة من المجالات من التطرف إلى السياسة: فرد، مجموعة، حزب سياسي، وهدفهم النهائي هو بناء أوروبا دون مسلمين، وهو ما يعدونه تهديدا للهوية الأوروبية".  

وعلقت: "بالطبع، من غير الوارد أن تحدث الأعمال التي ارتكبت ضد اليهود في الماضي الآن وسط أوروبا".

واستدركت: "لكن تشكيل التحيز في المواقف والخطابات تجاه الإسلام والمسلمين والرموز الإسلامية، ووقوع أعمال إرهابية ضد المسلمين من حين لآخر، بما في ذلك جرائم الكراهية، وبالتالي هيمنة الخوف والذعر على الأقلية، يخدم حاليا غرض اليمين المتطرف".

انحدار إلى الفوضى

وأشارت الكاتبة التركية إلى أنه "عند النظر إلى الصورة الكبيرة يمكننا رؤية أن اليمين المتطرف لا ينخرط فقط في أعمال عنصرية تستبعد المسلمين، بل إنه يخلق أيضا تصدعات في السفينة الأوروبية ويزعزع استقرار أوروبا من خلال تعميق الانقسامات بين الدول القارية".

وأردفت: "يوفر هذا الوضع بيئة متداخلة للقوى العظمى التي تريد إضعاف كتلة الاتحاد الأوروبي، ولها رأي غير مباشر في عمليات صنع القرار في الدول الأوروبية وإضفاء الشرعية على السياسات التي تخدم مصالحها". 

وأوضحت ذلك من خلال مثال السويد، التي "تخلت عن وضعها المحايد ضد التهديد الروسي واقتربت من عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

إلا أن حرق القرآن، كتاب الإسلام المقدس، من قبل السياسي اليميني المتطرف راموس بالودان في يناير/كانون الثاني 2023، والعمل الاستفزازي المماثل لزعيم "بيغيدا" الهولندي إدوين فاغنسفيلد بعد بضعة أيام، بالإضافة إلى الموقف العدائي تجاه المسلمين يهدف إلى خلق أزمة في السياسة الدولية .

وقالت بال: "من بين الادعاءات التي يتم التعبير عنها بشكل متكرر أن الفاعل الثاني المستفيد من البيئة التي خلقها اليمين المتطرف في أوروبا هو الولايات المتحدة، التي تعتبر كون أوروبا قوية ومتكاملة تهديدا أمنيا".

وأشارت الكاتبة إلى أنه "سواء كانت روسيا أو الولايات المتحدة أو أي دولة ثالثة أخرى، فإن ما يُفهم من كل هذه الخلفية هو أن أحد أهم التهديدات للدول الأوروبية على المدى القصير والطويل في هذا اليوم هو وجود اليمين المتطرف".

وتابعت: "إذا استمرت الأفكار اليمينية المتطرفة في الصعود في المجال السياسي والاجتماعي، فمن المتوقع أن يتسبب ذلك بمشكلة لوجود الاتحاد الأوروبي. حيث تحذر أجهزة الاستخبارات من التهديدات التي يسببها اليمين المتطرف الأوروبي".

وقالت الكاتبة إنه "مع تأثير الظرف الدولي، يتزايد دعم المجتمع الأوروبي، الذي يتصرف بمشاعر قومية، إلى اليمين المتطرف في المجال السياسي والاجتماعي". 

ورأت أن "تقوية اليمين المتطرف في أوروبا تعزز عقلية الدولة القومية الحادة وتهدد وجود الاتحاد الأوروبي". 

وشددت بال على أنه "مع زيادة جرائم الكراهية ضد المسلمين، سيؤدي ذلك إلى انحدار الدول الأوروبية إلى الفوضى". 

وأكدت أنه "يتم إنشاء أرضية مناسبة للتدخل السري للجهات الفاعلة الخارجية في أوروبا، ولكل هذه الأسباب، يمكن القول إن اليمين المتطرف يزعزع استقرار أوروبا".

واستدركت بال: "رغم ذلك فإن أوروبا تغض الطرف عن التدخلات الخارجية بأمنها الداخلي، وتستهدف الأقلية المسلمة فيها لأنها ترى أن الإسلام والمهاجرين خطر يهددها من حيث القيم والثقافة والهوية، بل وتواصل دعم الخطر الحقيقي والذي يُقصَد به اليمين المتطرف".