لغط كبير.. ماذا وراء تحديد مصر حدودها البحرية مع ليبيا من طرف واحد؟

12

طباعة

مشاركة

أثير لغط كبير بعد أن أصدر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي مرسوما من جانب واحد بـ "تحديد" الحدود البحرية المصرية الغربية تجاه ليبيا، بدون اتفاق رسمي ثنائي.

المرسوم الذي نشرته الجريدة الرسمية المصرية في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022، اقتطع بموجبه نظام السيسي جزءا من المنطقة البحرية الليبية الشرقية، وانتقدته جميع القوى الليبية المعارضة والمؤيدة لمصر.

حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عدت قرار مصر ترسيم الحدود البحرية بين البلدين من جانب واحد "انتهاكا" للمياه الإقليمية.

كما عد مجلس النواب الليبي في طبرق الداعم للواء الانقلابي خليفة حفتر المسنود مصر، أن القرار "ينتهك المصالح الليبية في البحر الأبيض المتوسط"، وطالب القاهرة بضرورة "التراجع الفوري عنه"، بحسب بيان رسمي.

وهناك فارق بين "الترسيم" و"التحديد"، ففي الأول يجب أن تتفق الدولتان من أجل التوصل لاتفاقية ملزمة. أما في حالة التحديد فالأمر حتى مع إبلاغ الأمم المتحدة به لا يزيد عن توضيح موقف الدولة بشأن حقوقها، وهو غير ملزم.

تحليلات عدة تحدثت عن الجانب السياسي للمرسوم المصري، وأنه مناكفة لتركيا التي سبق أن رسمت حدودها البحرية مع ليبيا عام 2019، بما يخالف ما رسمته مصر مع اليونان عام 2020.

لكن مراقبين وخبراء ليبيين رأوا أن القرار له علاقة مباشرة بأزمة مصر الاقتصادية، وأنه محاولة لتوسيع مساحة التنقيب المصري عن الغاز الذي بات بمثابة حبل الإنقاذ لنظام السيسي.

وأكدت وكالة الأناضول التركية في 21 ديسمبر 2022 أن توسيع القاهرة حدودها البحرية على حساب ليبيا في منطقة غنية باحتياطات الغاز الطبيعي، يمثل فرصة لاكتشاف حقول جديدة للغاز تسهم في تحسين ظروف الاقتصاد المصري.

أغراض اقتصادية

موقع "المعهد الأطلسي" نشر تحليلا في 2 فبراير/شباط 2023 يؤكد أن مصر استولت بموجب مرسوم السيسي على آلاف الكيلو مترات من المنطقة البحرية الليبية "لأغراض اقتصادية".

وذلك "ضمن محاولات السيسي البحث عن موارد جديدة لاقتصاد بلده المنهار، حيث يطمع في العثور على موارد غازية ونفطية في آلاف الكيلو مترات من المياه الليبية التي جرى الاستيلاء عليها بموجب المرسوم".

وبرر "المعهد الأطلسي" لجوء السيسي للاستيلاء على جزء من المنطقة الحدودية البحرية الليبية إلى ما يواجهه رئيس النظام من مشاكل اقتصادية.

وأوضح أن هذا يأتي رغم تلقي نظام السيسي حوالي 92 مليار دولار من دول الخليج في الفترة من 2011 إلى 2019، منها 42 مليار دولار بين عامي 2013 و2015.

وتعهدت الإمارات وقطر والسعودية في أبريل/نيسان 2022، بمنح مصر 22 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري، وضخ الأموال غير المسبوقة في خزينة النظام، إلا أن "الاقتصاد المصري ينهار بعد عقد من الحكم العسكري الاستبدادي العنيد".

وأشار تحليل "المعهد الأطلسي" إلى أنه في عهد السيسي، تحول الاقتصاد المصري إلى ثقب أسود، وقفز إجمالي الدين المصري إلى 392 مليار دولار بنهاية السنة المالية 2020-2021. 

ولفت إلى أن "مشاركة المؤسسة العسكرية في الأعمال التجارية وكذلك الاقتصاد والسياسة أدت إلى تدمير مستقبل البلاد وتمهيد الطريق لسيناريو نهاية العالم".

وبين أن السيسي ظل لفترة طويلة "يراهن على أن بعبع الإسلام السياسي سيجبر دول الخليج العربي على الحفاظ على تمويلها غير المشروط لنظامه المتعثر". 

 لكن بدأ الدعم المجاني الخليجي يغيب فبحث السيسي عن طرق أخرى للحصول على تمويل، ومن بينها هذه الخطوة الأخيرة.

وشدد الموقع على أن "السيسي يأمل أن يؤدي المرسوم المتعلق بليبيا إلى صرف انتباه الجمهور عن القنبلة الاقتصادية الموقوتة وأن يؤدي إلى اكتشاف موارد نفطية وغازية جديدة من شأنها أن تدعم اقتصاد البلاد المنهار".

وبين أن "الاستيلاء على جزء من المنطقة البحرية الليبية من غير المرجح أن يكون هو الحل لمشاكل السيسي الداخلية المتصاعدة"، فضلا عن أنه سيعقد الأزمة الليبية والعلاقات مع مصر والوضع في شرق البحر المتوسط.

وكانت مصادر دبلوماسية تركية قالت لوكالة الأناضول 18 ديسمبر 2022، إن قرار مصر بترسيم الحدود الغربية مع ليبيا عبر تسع إحداثيات جغرافية "لا يتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط".

وهو ما يشير ضمنا لنفي أنقره أن يكون مرسوم السيسي يستهدفها، ومن ثم فهو قرار اقتصادي، لا سياسي.

وجاء النفي التركي، ردا على مزاعم الصحافة اليونانية أن مرسوم السيسي "يبطل آثار اتفاقية ترسيم الحدود التركية الليبية لعام 2019 المودعة لدى الأمم المتحدة".

وجاء مرسوم السيسي بعد 21 يوما من مصافحته الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور أمير قطر تميم بن حمد، على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ما جعل فكرة أن يكون هدفه معاداة تركيا مستبعدة.

وكان ملفتا أيضا تأكيد صحيفة "الأهرام" الحكومية المصرية 22 ديسمبر 2022 في تبريرها لمرسوم السيسي بأنه "خطوة وقائية في ظل حالة عدم الاستقرار في ليبيا"، دون أن يتحدث عن تركيا أيضا.

وقد أكد صحفيون وناشطون ليبيون ومن بينهم الصحفي عبد السلام الراجحي المقيم في طرابلس، أن هدف قرار السيسي هو الاستيلاء على ثروات ليبيا.

ورأى أنه "بإعلان مصر رسم الحدود البحرية مع ليبيا من جانب واحد، يكون النظام المصري بهذا الخطوة سرق مساحة 6854 كيلو مترا مربعا من المياه الليبية الغنية بالغاز والنفط".

أوضح عبر حسابه على فيسبوك أن هذه المساحة التي أخذتها مصر من الحدود البحرية مع ليبيا "تساوي ما يعادل 68 بالمئة من مساحة لبنان".

أيضا اتهم النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي محمد علي شعيب السيسي في لقاء مع قناة الجزيرة يونيو 2020 بأن "لديه أطماعا في ثروات ليبيا".

وقبل مرسوم الاستيلاء على جزء من الحدود البحرية الليبية، كان السيسي قال في يونيو 2020 إن مصر كان من الممكن أن تطمع في ثروات ليبيا وتستغل حالة الفوضى السياسية. 

تركيا ومصر

وقد نشر مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات تحليلا للكاتب يوسيل أيسر في 22 ديسمبر 2022، بعنوان "المرسوم المصري بشأن الحدود البحرية بشرق المتوسط ​​ومعناه"، يشير ضمنا لأهداف مصر الاقتصادية من المرسوم.

أوضح أن "الهدف الرئيس لمصر من المرسوم ليس إزعاج تركيا بموقف جديد، ولكن محاولة توسيع مناطق المنطقة الاقتصادية المصرية الخالصة في اتجاه الدولة بحثا عن الطاقة".

وبين الكاتب التركي أن مصر تحاول لعب دور مركزي في تدفق الغاز من خلال مواصلة أنشطة الغاز الطبيعي في المناطق البحرية.

أشار إلى أن القاهرة لم تخالف الإحداثيات التركية في ترسيم حدودها مع ليبيا لأنها تعطيها منطقة اقتصادية أكبر من تلك التي توفرها اتفاقية اليونان مع مصر.

وبين أن القاهرة ليست على استعداد لخسارة آلاف الكيلومترات المربعة من الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة، من أجل إزعاج تركيا.

يفسر هذا موقف أنقرة الهادئ من مرسوم السيسي، إذ اكتفت بدعوة كل من مصر وليبيا لإطلاق حوار ومفاوضات في أسرع وقت لترسيم حدود البلدين البحرية، وفق القانون الدولي.

وبحسب ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية 18 ديسمبر 2022، فقد قالت مصادر دبلوماسية تركية إن أنقرة تحث ليبيا ومصر على بدء المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية "في أقرب وقت".

وأكد مسؤولون وخبراء مصريون حرص بلادهم من وراء مرسوم السيسي على توسيع مساحة تنقيبها عن الغاز باتجاه ليبيا، أبرزهم وزير البترول الأسبق  "أسامة كمال" في تصريحات لقناة "إم بي سي" مصر.

وتحدث الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد، أيضا عن أسباب اقتصادية وراء القرار في لقاء مع قناة "الجزيرة" 20 ديسمبر 2022.

وعزا مرسوم السيسي إلى "التوقيت البالغ الحساسية الذي يشهد فيه شرق المتوسط توترًا وتسابقًا على الثروات".

أكد "عبد الواحد" أن "المنطقة واعدة بكميات ضخمة من احتياطي الغاز في العالم، لم يستغل منها إلا 10 بالمئة، إضافة إلى مؤشرات تؤكد وجود آبار للغاز تحقق لمصر جزءًا من طموحاتها".

فضلا عن "السماح للشركات الدولية وبشكل قانوني بتنفيذ أنشطة بحرية دون تحفظات أو تخوفات".

أيضا نقل موقع "الجزيرة" عن الخبير في صناعة النفط والغاز والنقل البحري "إبراهيم فهمي" أن الإجراء الأحادي المصري "يأتي في سياق الضرورة الملحة للاستفادة من ثروة شرق البحر المتوسط".

أكد أن ملف ترسيم الحدود البحرية لمصر يأخذ أهميته من المستقبل الواعد لاحتياطيات الغاز في المناطق البحرية الاقتصادية الواقعة في المياه العميقة بين دول الجوار البحري، وبينها ليبيا.

وفسر الصحفي المصري خالد فؤاد تسريع القاهرة ترسيم الحدود البحرية الغربية مع ليبيا إلى أنها بصدد الإعلان عن مناقصة عالمية للتنقيب عن النفط والغاز خلال الأيام القادمة، وأن المناقصة ستطرح 12 منطقة في مياه المتوسط والدلتا.

أوضح، عبر حسابه على فيسبوك، أن المناقصات العالمية الهدف منها جذب الشركات الأجنبية لضخ استثمارات كبيرة للتنقيب عن النفط والغاز.

ومن العوامل الرئيسة لجذب تلك الشركات للاستثمار، بجانب التوقعات بوجود احتياطات ضخمة في تلك المنطقة، هو أن تكون منطقة آمنة ومستقرة ولديها حدود رسمية ومعلنة خاصة إذا كانت تلك المناطق بجوار حدود لدول أخرى.

وبالتالي حتى تكون المناقصة العالمية التي ستعلن عنها مصر قريباً قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، فيجب أن تكون المناطق المعروضة في المناقصة آمنة ولها حدود رسمية ومعلنة.

شدد على أن "الأوضاع الاقتصادية السيئة دفعت الحكومة المصرية لمحاولة جذب أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية. وبطبيعة الحال فإن قطاع البترول هو أكبر مجال وربما الوحيد لتحقيق هذا الهدف.

وعقب مرسوم السيسي الخاص بالحدود البحرية مع ليبيا، بـ 16 يوما، أعلن وزير البترول المصري طارق الملا 27 ديسمبر 2022 عن طرح مزايدة عالمية جديدة للبحث عن الغاز الطبيعي والنفط الخام في 12 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا النيل.

كذلك وصف المحلل السياسي المصري والخبير في الشأن الليبي "عبد الستار حتيتة"، القرار بأنه "جاء في إطار محاولات الدولة لمواجهة المشكلات الاقتصادية، وتحقيق دخل للمصرف المركزي".

أوضح لموقع دويتشه فيله الألماني 27 ديسمبر 2022 أن "مصر بإعادة ترسيمها الحدود تحاول أن تضمن لشركات التنقيب الأجنبية أن هذه المناطق البحرية والاقتصادية تخصها وأنها تتمتع بالسيادة المصرية".

ونوه الخبير المصري إلى أن "القرار لم يمس الخط البحري التركي الليبي، وكل ما حدث هو أن مصر سعت لترسيخ وجودها البحري على مناطقها الخالصة وفق اتفاقيات دولية سابقة مع اليونان وقبرص مودعة لدى الأمم المتحدة".

وبرغم التدخل المصري لنهب ثروات ليبية كما يقول ليبيون، يؤكد تحليل لـ "معهد واشنطن" في 26 يناير/كانون ثان 2023 أن القاهرة تعمل بخلاف مصلحتها الاقتصادية في ليبيا.

أوضح أن القاهرة "ما زالت تشكّل عائقا كبيرا أمام إرساء الاستقرار في ليبيا بدعمها للانقلابي خليفة حفتر، ورفضها الاعتراف بحكومة الوحدة في طرابلس".

ومنذ مارس/آذار 2022، تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان إحداهما برئاسة فتحي باشاغا وكلفها مجلس النواب بطرق (شرق) والثانية معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.

الباحث في معهد واشنطن "بين فيشمان"، أوضح أن سبب عمل مصر ضد مصلحتها الاقتصادية في سلوكها تجاه ليبيا يرجع إلى أنها تدعم الانقلابي خليفة حفتر وترفض الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية أو الانضمام إلى الاتفاقات الدولية التي تحدد الخطوات المستقبلية في طرابلس.

أوضح في مقال نشره المعهد في 26 يناير 2023، أن القاهرة لا تدرك أن استقرار ليبيا، سيدر نحو 100 مليار دولار من الإيرادات على مصر.

وكان "إبراهيم الدريسي" عضو مجلس النواب الليبي حذر في 27 ديسمبر 2022 من أن القرار المصري سيترتب عليه تبعات كبيرة وخطيرة.

وأشار إلى وجود أكثر من 3 ملايين مصري يعملون في ليبيا وفق الأرقام الرسمية "وهناك عدد آخر كبير يدخل بشكل غير قانوني، فالبلاد تعد متنفسا كبيرا لمصر".

وأكملت مصر ترسيم جميع حدودها البحرية في البحر المتوسط، مع إسرائيل وقبرص (الجنوبية) واليونان، وحددت حدودها مع ليبيا، استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وبالمقابل لم تُقدم ليبيا على ترسيم أي من حدودها مع جيرانها، اليونان وإيطاليا وتونس ومالطا، في حين رسمت حكومة الوفاق الوطني في عام 2019 حدودها البحرية مع تركيا فقط.