تأثيرات عكسية.. كيف عقّد خفض سعر صرف الدولار أزمة الدينار العراقي؟

Murad Jandali | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في محاولة للسيطرة على التراجع السريع للدينار أمام الدولار، قررت الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، تعزيز قيمة العملة الوطنية استجابة لمقترح من البنك المركزي، الذي حذر المصارف المحلية من البيع بأسعار تختلف عن المقرر.

وصادق السوداني في 7 فبراير/ شباط 2023 على قرار بتعديل سعر صرف الدولار إلى 1300 دينار، بعدما كان يساوي رسميا 1470 دينارا، بينما بلغ بالسوق المحلية 1750 دينارا، ما تسبب في ارتفاع أسعار السلع، لاسيما المستورد منها.

تشكيك بالخطوة

لكن رغم إعلان الحكومة تعزيز قيمة الدينار أمام الدولار، إلا أنه بقي في الأسواق المحلية عند سعر 1490 دينارا لكل دولار، أي بفارق 190 دينارا عن السعر الرسمي، ما أثار شكوكا بشأن إمكانية حل الأزمة.

من جانبه، قال المصرفي العراقي عدنان الشمري لـ"الاستقلال" إن "خفض سعر الدولار بشكل رسمي من الحكومة لا يعني إنهاء المشكلة، لأن الموضوع لا يتعلق بالسعر بقدر تعلقه بالحوالات الخارجية، وحجم الإطلاقات المالية التي يبيعها البنك المركزي عبر نافذة بيع العملة يوميا".

وأوضح الشمري أن "السوق المحلي بحاجة إلى تخفيف إجراءات الحوالات أو ذهاب التجار لتسجيل شركاتهم وبالتالي التعامل مع البنوك المحلية ودفع الضرائب على البضائع المستوردة، إضافة إلى تطمين الجانب الأميركي أن الدولار لا يمكن تهريبه مستقبلا، بذلك يمكن أن تسيطر الحكومة على سعر الصرف وعدم ارتفاعه مجددا في السوق المحلية".

وأشار إلى أن "خفض سعر صرف الدولار في الوقت الحالي لا يخلو من جوانب سياسية فهو يأتي بعد مئة يوم من عمر الحكومة، وهذا القرار سيكلف الدولة المليارات حتى تبيع بسعر الصرف الحالي للدولار.

وأوضح قائلا: لأن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كانت قد رفعت سعر الصرف من 1190 دينارا إلى 1480 مقابل الدولار في عام 2021 حتى توفر عملة محلية تدفع بها رواتب الموظفين عندما هبطت أسعار النفط، لذلك اليوم الدولة هي من تتحمل هذا الفارق".

في السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي عصام حسين إن "مبيعات البنك المركزي في 8 فبراير بلغت 89 مليون دولار، بالسعر الرسمي 130 ألفا، لكن سعر السوق الموازي 149 ألفا، ما يعني خسارة تسعة عشر نقطة لصالح الاقتصاد العراقي وذهابها إلى مصارف الأحزاب".

وتابع حسين في تغريدة على "تويتر": "يعني خسارة الاقتصاد العراقي فقط اليوم مليار وستمائة وواحد وتسعون مليون دينار بما يعادل مليون ومئتين وخمسين ألف دولار".

من جهته، قال عضو البرلمان العراقي، ماجد شنكالي عبر "تويتر" في 8 فبراير، إنه "إذا كان قرار خفض سعر الدولار جاء وفق دراسة ورؤية تمكن الدولة من تعويض الفارق الذي سيقارب الـ15 ترليون دينار من خلال منع تهريب الدولار وتحصيل الضريبة والتعريفة الجمركية بصورة كاملة ودعم الصناعة والزراعة، فهو قرار ناجح أما إذا كان قرارا سياسيا وعاطفيا فستكون تأثيراته عكسية".

تضخم جديد

وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، محمود داغر خلال مقابلة تلفزيونية، في 7 فبراير، إن "نتائج القرار الحكومي بخفض سعر الدولار إذا انعكست في اقتراب السعر السوقي من السعر الرسمي، فإن هذا يعد إنجازا، لكن باعتقادي أن هذا يتطلب وقتا وجهدا".

وأوضح داغر أن "المشكلة الآن، هي أن سعر الدولار في السوق يفرق عن السعر الرسمي بسبب تدني قدرة البنك المركزي العراقي في عرض الدولار لأغراض الاستيراد، لأن نافذة بيع العملة تعمل منذ ثلاثة أشهر بأقل من الطاقة التي يحتاجها البلد من أجل سحب الدينار المحلي من السوق".

ولفت إلى أنه "بشكل عام، أي حل نقدي لتصحيح الاقتصاد العراقي لن يؤتي أكله، بمعنى أننا إذا بقينا نركز فقط على قرارات نقدية صرفة وعلى سعر الصرف كحل للاقتصاد فلن يتحقق ذلك، إلا بإصلاح هشاشة الاقتصاد من خلال تفعيل نواتج القطاعات الحقيقية (زراعة، صناعة، تجارة)".

من جهتها، قالت الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم خلال تغريدة على "تويتر" في 8 فبراير، إن "تخفيض سعر الصرف ليس قرارا حكوميا بل نتاج سياسات اقتصادية وإجراءات إصلاحية تسبب تعديلا لسعر الصرف".

ورأت الخبيرة العراقية أن "هذا التخفيض سيؤدي إلى حصول البعض على الدولار بسعر مخفض و بيعه بسعر أعلى للناس، وأن الفرق بين السعرين سيكون عاليا مما يؤدي إلى تضخم جديد يضرب الاقتصاد".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال الإعلامي العراقي، حسام الحاج خلال تغريدة عبر "تويتر" في 7 فبراير إن "الحكومة مضت بنصف الحل وخفضت سعر الصرف، لكن الصعوبة تكمن في نصف الحل الآخر".

وأوضح الحاج أن "الأمر يتطلب إقناع الخزانة والفيدرالي الأميركي، بأن العراق بات بيئة آمنة لتدفق العملة الصعبة، ووجودها لا يشكل خطر تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال، وأن النصف الآخر من الحل هو الأصعب وفيه يكمن النجاح".  

تحذيرات حكومية

وفي خطوة لاحقة بعد انتهاء يوم من بيع الدولار بالسعر الجديد وبقاء فارق 190 دينارا مع سعر السوق، حذر البنك المركزي العراقي، في 8 فبراير التجار من التعامل مع المضاربين للحصول على الدولار، داعيا إياهم للجوء إلى المنصة الرسمية لتمويل التجارة الخارجية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عن مستشار البنك المركزي إحسان شمران أن" قرار البنك المركزي دخل حيز التنفيذ اليوم، لبيع الدولار بسعر 1320 للجمهور، إذ إن البنك المركزي يشتري من وزارة المالية ومن أي جهة تبيع الدولار بـ 1300 دينار ويبيع الدولار إلى المصارف بـ 1310، ليبيعه المصرف إلى الجمهور بـ 1320".

وأضاف: "لدينا أمل كبير بأن تمتثل المصارف لهذا السعر وتوفر الدولار للجمهور، لأن البنك المركزي يوفر الدولار سواء بالنقد بالنسبة لمتطلبات المسافر أو لتلبية متطلبات التجارة والتحويلات المالية سواء بالحوالات أو الاعتمادات المستندية، وكل ذلك من خلال المنصة".

وتابع شمران، إن" هذا الإجراء يدعم الإجراءات الأخرى في حصر التعاملات وعدم لجوء التجار إلى المضاربين لتلبية حاجتهم في الحصول على الدولار، فالمنصة ستؤدي عدة أغراض".

وأردف: وجاء سعر الصرف المنخفض بتقوية الدينار العراقي ليدعم الجهد الحكومي وجهد البنك المركزي في الإصلاح الاقتصادي، فالمنصة هي بوابة الإصلاح الاقتصادي وبوابة الإصلاح المالي وبوابة إصلاح القطاع المصرفي".

وأعرب المسؤول المالي العراقي عن "أمله بتحسّن مستويات مداخيل الجمهور لتلبية متطلباتهم، ونأمل أن هذه الخطوة تخفض أسعار السلع".

وأوضح أنه "جرى حساب أن المالية العامة ستخسر جزءا من مواردها بهذا التخفيض حيث تم تعديل سعر الصرف بحدود 150 دينارا لكل فئة من الفئات سواء كلفة شراء الدولار من المالية أو من المصرف أو من الجمهور، وارتأت الحكومة والبنك المركزي أن مصلحة الجمهور هي العليا، أي أن مصلحة المستهلك هي العليا فتمت التضحية بمصلحة المالية العامة".

وأشار شمران إلى أن" البنك المركزي وسع عرض الدولار من خلال زيادة حصة المسافر لمختلف الأغراض إلى سبعة آلاف دولار للمسافر بدلاً من خمسة آلاف دولار وهذا في الحقيقة توسيع للعرض حتى يستجيب لمتطلبات المسافرين لأغراض الدراسة والعلاج، إضافة إلى توسيع منافذ البيع للجمهور".

وأردف: "كان في البداية فرع للمصرف الواحد ويراقبه موظفو رقابة البنك المركزي، الآن بعد الاجتماع الأخير للمحافظ أصبح المصرف لديه القدرة على توزيع الدولار من خلال كل فروعه سواء في بغداد أو المحافظات وهذا أيضاً وسع عرض الدولار، وفي المطارات كذلك افتتحنا منافذ لفروع المصارف الموجودة بالمطارات".

وبين شمران أن" الحصول على الدولار أصبح سهلاً، والمبادرة الآن هي للتجار الذين نأمل أن يحصروا حصولهم على الدولار من المنصة وتجنب التعامل مع المضاربين لأن هذه الطريقة خطيرة على الاقتصاد وتعرضهم للمساءلة كما تعرض المضاربين أيضاً"، لافتا إلى أن" كثيرا من التجار بدأوا يتحولون إلى المنصة ويأخذون طلباتهم".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي  فرض الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي للسيطرة على عمليات تهريبه لدول مجاورة، لا سيما إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة.