السوداني "يروض" تجار العراق لاستخدام الدولار بطرق شرعية.. ماذا عن المليشيات؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل استمرار أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي، يحاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فرض نظام جديد على التجار ورجال الأعمال في البلاد، استجابة للضوابط الأميركية بشأن عمل النظام المصرفي.

ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تطبّق الولايات المتحدة، نظام "سويفت" لمنع عمليات تهريب الدولار من العراق، وفرض إجراءات مشددة على البنك المركزي العراقي تفرض تقديم التجار المستفيدين من الدولار وثائق رسمية للبضائع المستوردة لإثبات شرعية الحوالات المالية.

وعلى وقع ذلك، أثيرت تساؤلات بخصوص مدى نجاح إجراءات حكومة السوداني في "ترويض" التجار ورجال الأعمال بالعراق ودفعهم نحو العمل عبر النظام المصرفي، ومنعهم من التهرب الضريبي باللجوء إلى السوق السوداء لشراء الدولار.

وتتلخص المشكلة في أن الحكومة تريد الآن من التجار الالتزام بالقانون وتقديم وصولات رسمية للمصرف المركزي مقابل ما يحصلون عليه من دولارات تؤكد حقيقة ما يستوردونه. 

لكن عددا كبيرا من التجار ومن ورائهم المليشيات التي تحركهم يرفضون ذلك حتى يتهربون من الضرائب أو لا يظهرون حقيقة بأي مكان ولأي جهة يصرفون الأموال، ويشترون في المقابل الدولار من السوق السوداء، ويرفعون بذلك أسعار السلع بقدر سعر الدولار الذين يشترون به.

تسهيلات حكومية

على صعيد الخطوات الحكومية، وجه السوداني في 2 فبراير/ شباط 2023 بـ "تبسيط إجراءات تعاملات التجار في دوائر الدولة المعنية"، مؤكدا أن "هذه المرحلة، وعلى الرغم من حراجتها، فإنها بوابة للإصلاح الاقتصادي".

وقال مكتب السوداني في بيان، إن "رئيس الوزراء ترأس الاجتماع الثاني لاتحاد الغرف التجارية ورابطة المصارف العراقية، فضلا عن هيئات؛ الضرائب والجمارك والمنافذ الحدودية والبنك المركزي".

وشهد الاجتماع "مناقشة الوضع الاقتصادي على المستوى الوطني في ظل تقلبات سعر الصرف، وتأثيراتها في السوق العراقية، ومراجعة الإجراءات الحكومية بشأن مواجهة تذبذب أسعار الصرف".

وشدد السوداني، في الاجتماع، على "ضرورة نشر الثقافة المصرفية، التي كان من المفترض العمل بها منذ سنوات، بحيث يكون التجار ورجال الأعمال مستعدين للتعامل مع السياق الجديد للبنك المركزي، والمعايير الدولية للنظام المصرفي".

كما شدد على "ضرورة وضع تقييم لعمل المصارف، ودعم المصارف الحقيقية التي نفذت متطلبات البنك المركزي، وطبقت المعايير المالية الموافِقة للسياسات المالية للدولة"، مبينا أن "بعض المصارف ومكاتب الصرافة لا تحقق الإسهام المرجو في ترسيخ سياسة مالية وطنية منتظمة وحقيقية".

وفي 31 يناير/ كانون الثاني 2023، قال السوداني إن "الحكومة سترجع سعر الدولار إلى وضعه الرسمي مع تعويد التجار ورجال الأعمال على التجارة الصحيحة، أما الذي يعمل خلافا لذلك فتجارته غير شرعية والاجتماعات مع رجال الأعمال مستمرة وبشكل أسبوعي لحل الإشكالات وتذليل العقبات أمامهم".

وأوضح السوداني خلال مقابلة مع قناة "العراقية" الرسمية أن "المجلس الوزاري للاقتصاد يتخذ قرارات أسبوعيا لتهيئة التجار"، مبينا، أن "عدد الحوالات الشرعية وبمرور الوقت يزداد".

وأضاف: بدأ التجار يتأقلمون على الآلية الجديدة على اعتبار أن التاجر يبحث عن السعر الرسمي لاستيراد بضاعته وفي الوقت ذاته توجد إمكانية لشراء بضاعته من المواطن، وأنا مطمئن أن تمضي العملية بالشكل الصحيح رغم وجود إجراءات موجعة سببت قلقا".

وأكد أهمية الإصلاح الحقيقي للنظام المصرفي والاقتصادي والحفاظ على المال العام ومنعه من التهريب وغسيل الأموال، قائلا: "العالم يسير بهذه الطريقة ولا يوجد دولار واحد يخرج من البلد إلا بمكانه الصحيح".

وفي هذا السياق، لفت السوداني إلى "وجود سلع تدخل إلى العراق بأسعار غير منطقية بهدف إخراج العملة خارج البلاد وهذا الأمر يجب أن يتوقف".

وشهد الدينار المحلي تدهورا غير مسبوق أمام الدولار، وتراجعت قيمته بعد الإجراءات الأميركية الأخيرة من سعر صرف 1470 دينارا للدولار الواحد إلى 1750 دينارا، قبل أن يتعافى في يوم 7 فبراير/ شباط 2023 ويصل إلى 1540.

وفي 7 فبراير/ شباط 2023، قررت الحكومة العراقية المصادقة على قرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الدينار، ليكون 1300 دينار للدولار الواحد بعدما كان يعادل 1470.

شد وجذب

على ضوء ما يجرى، قال الباحث العراقي في الشأن الاقتصادي عبدالكريم الحميري لـ"الاستقلال" إن "إجراءات البنك المركزي لاتزال حتى الآن ترقيعية ولم تمس جوهر المشكلة، وهو من أين يحصل مهربو الدولار على الدينار العراقي".

وأضاف أنه "لا بد من معرفة وتحديد الحوت الذي يشتري الدولار ويهربه، والذي أعتقد أن أجهزة الحكومة تعرفه لكنها لا تستطع المساس به، أما سجن أصحاب مكاتب الصيرفة والتحويلات ومصادرة مليون دولار، فهذه لن تجدي نفعا وسيعود الدولار للارتفاع طالما التهريب مفتوح".

وأشار الباحث إلى أن "السوداني مرغم حاليا على دفع التجار ورجال الأعمال باتجاه العمل بالنظام المصرفي، لأن أميركا جادة وحازمة في ضبط بيع الدولار في العراق، خصوصا بعد الحديث عن تهريب ملياري دولار إلى روسيا، وقدمت وزارة الخزانة الأميركية الأدلة للحكومة العراقية بالأرقام والتواريخ".

ولفت إلى أن "الحكومة باستطاعتها وضع رقابة على المصارف الأهلية وشركات الصرافة التي تتسلم حصصا من مزاد بيع العملة، لأن معظمهم يبيعون جزءا من الدولار إلى المواطنين بالسعر الرسمي، ويذهب الجزء الأكبر بسعر السوق السوداء إلى التجار الذين لا يقدمون أوراقا رسمية للاستيراد".

وأشار الباحث إلى أن "الحكومة تريد من التجار الالتزام بالقانون وتقديم وصولات رسمية تؤكد حقيقة ما يستوردونه، لكنه التاجر يرفض ذلك حتى يتهرّب من الضرائب، ويشتري الدولار من السوق السوداء، ويرفع بذلك أسعار السلع بقدر سعر الدولار الذي يشتريه".

ولفت إلى أن "التاجر قد يستجيب لإغراءات الحكومة وينخرط في النظام المصرفي، لكنه يبقى لديه هاجس بأنه سيقع في المصيدة مستقبلا وترفع الحكومة الضرائب عليه مجددا بمجرد انتهاء أزمة الدولار الحالية".

من جهته، رأى الخبير المصرفي العراقي محمود داغر، أن "الاجتماع الذي حصل في إسطنبول بين البنك المركزي العراقي وممثل الفيدرالي الأميركي هو لقاء فني بحت جرى من خلاله التعرف على وجهات النظر لدى الطرفين في تنفيذ التعليمات".

وقال داغر خلال مقابلة تلفزيونية، الأحد، إن "البنك المركزي وضح للفيدرالي الأميركي استعداده لوضع خطة كاملة لتحسين أداء القطاع المصرفي من خلال الامتثال وتطبيق الإجراءات الجديدة".

وفي 2 فبراير/ شباط 2023، عقد محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، اجتماعا في إسطنبول مع مساعد وزير الخزانة الأميركية براين نيلسون، وأبدى الأخير استعداد بلاده لإبداء مرونة في الإجراءات المفروضة على العراق من تحسين نظامه المصرفي.

وأوضح داغر أن "الموضوع ليس سهلا لتطبيقه بسبب الظروف التي تحيط البلد وكذلك ظروف المنطقة بشكل عام، لذلك نحتاج إلى وقت لتطبيقها وتقبل الأمر من السوق وبالخصوص التجار من خلال التعامل مع القطاع المصرفي وفتح الحسابات المصرفية وإجراء الحوالات بشكل طبيعي بعد تقديم وثائق ووصولات رسمية".

ولفت داغر إلى أن "تغيير الثقافة لدى التجار تأتي من خلال وضع التطمينات لتنفيذ تعاملاتهم من خلال المنصة الجديدة لدى البنك المركزي والبنوك المراسلة لإجراء الحوالات، مما يؤدي إلى انخفاض سعر الصرف في الأسواق وعدم تعامل التجار مع الصرافين المضاربين في سعر الصرف بين السعر الرسمي والسوق الموازية".

إجراءات جديدة

عقب اجتماع مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية مع البنك المركزي العراقي في إسطنبول، أصدر الأخير في 3 فبراير 2023 حزمة تسهيلات أولى لتلبية الطلب على الدولار، في جانبي النقد والتحويلات الخارجية.

وشملت حزمة التسهيلات: "زيادة سقف البيع النقدي لأغراض السفر إلى (7000) دولار شهريا للبالغين، إضافة إلى أن بيع الدولار لأغراض التحويلات الشخصية سيكون من خلال وكلاء شركات التحويل المالي (ويسترن يونين وموني غرام) بالسعر الرسمي للدولار، ويتولى البنك المركزي العراقي تعزيز أرصدة هؤلاء الوكلاء بالدولار".

تضمنت التسهيلات كذلك: "توسيع نطاق المعاملات المسموح بتمويلها قانونا بالعملة الأجنبية سواء لشراء السلع والعقارات أو العلاج والدراسة والتحويلات المرتبطة بالاستثمارات".

ومن ضمن التحويلات المالية التي أكد البنك المركزي أنها مرخصة هي: "تحويل عوائد بيع الأسهم الموزعة داخل العراق للعراقي المقيم في الخارج أو الأجنبي في حالة بيعها على أن يقدم تأييدا من سوق العراق للأوراق المالية.

وكذلك التعويضات التي تقررها أو تقرّها جهات رسمية عراقية للأجانب، أو للعراقيين المقيمين في الخارج، وأرباح المساهمين في الشركات المسجلة في العراق أصوليا، ومبالغ المتحصلات المالية في العراق للعراقي المقيم في الخارج.

ووجه البنك المركزي أيضا بتوسيع وتسهيل إجراءات التحويلات الخارجية لفئات عدة كمرحلة أولى، تليها فئات أخرى لاحقا.

وهي: جميع أنواع الشركات المُسجلة لدى دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة الاتحادية. المشاريع المُسجلة لدى المديرية العامة للتنمية الصناعية في وزارة الصناعة والمعادن الاتحادية".

إضافة إلى "الشركات البسيطة المؤسسة أصوليا من الغرف التجارية بما لا يتجاوز مبلغ (200) ألف دولار شهريا، وفروع الشركات الأجنبية المُسجلة لدى دائرة تسجيل الشركات في وزارة التجارة الاتحادية، والمشاريع الاستثمارية بجميع أنواعها المرخصة من هيئات الاستثمار".

وشملت إجراءات البنك العراقي أيضا "المشاريع الزراعية والحيوانية المُرخصة. المكاتب العلمية المُرخصة. موزعو المصانع العالمية الثابت تعيينهم من تلك المصانع لأغراض العمل في العراق، والوكلاء الذين يؤيد الموزع تعيينهم للعمل في السوق العراقية المرخصين بالعمل أصوليا في العراق".

كما شملت التسهيلات: "وكلاء الشركات العالمية المسجلين وفق قانون الوكالة التجارية النافذ. جميع أنواع الشركات والمصانع والمعامل والمشاريع المرخصة في إقليم كردستان العراق".

وأكد البنك في ختام بيانه أنه "يلتزم بتغطية الطلبات كافة على الدولار نقدا وتحويلات خارجية للأغراض المشروعة كافة وبذلك يصبح كل بيع بسعر أعلى من السعر الرسمي عملا يستهدف المضاربة أو لتغطية نشاط غير مشروع".

وتابع: "ويلتزم البنك المركزي العراقي بتعويض المستفيدين (المستوردين) مبلغ الفرق الذي يزيد على السعر الرسمي المقرر، ويتم استقطاع هذا الفرق من حساب المصرف المخالف لدينا".

وفي 5 فبراير 2023، أكد محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أن "البنك يعتزم إصدار حزمة إجراءات ثانية للسيطرة على سعر الصرف منتصف شباط"، مشيرا إلى أنه "سيتم فتح قنوات ومنافذ خارجية جديدة لتسهيل إجراء التحويلات الخارجية وتجنّب دور الوسطاء". 

تقييد أميركي

وعلى الصعيد ذاته، نشرت وكالة "أسوشيتد برس" في 2 فبراير، أن أميركا تقيّد وصول العراق إلى "احتياطاته الدولارية" منذ شهور، في محاولة لوقف ما وصفه المسؤولون العراقيون بأنه "غسل أموال مستشرٍ لصالح مليشيات إيران وسوريا".

وبحسب الوكالة الأميركية، فإن العراق يواجه الآن انخفاضا في قيمة عملته الوطنية، الأمر الذي أثار غضبا شعبيا ضد السوداني، مؤكدة أن انخفاض قيمة العملة الوطنية العراقية تسبب سابقا في احتجاجات بالبلاد في 25 يناير/كانون الثاني 2023.

ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق قبل 20 عاما، جرى الاحتفاظ باحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية في البنك الفيدرالي الأميركي، ما يمنح الأميركيين قوة كبيرة للسيطرة على المعروض من الدولارات العراقية.

وبغية السحب من هذه الاحتياطيات، يطلب البنك المركزي العراقي الدولار من البنك المركزي الأميركي، ثم يبيع الدولار بالسعر الرسمي للمصارف التجارية ومكاتب الصرافة من خلال آلية تسمى "مزاد الدولار".

ونقلت الوكالة الأميركية عن مسؤولين مصرفيين وسياسيين عراقيين (لم تكشف هويتهم) قولهم: "يبدو أن الغالبية العظمى من الدولارات التي تم بيعها في المزاد مخصصة لشراء سلع مستوردة من شركات عراقية، لكن هذا النظام كان يسهل إساءة استخدامه لفترة طويلة" .

وأفادت الوكالة، نقلا عن مستشار مالي لرئيس الوزراء العراقي لم تذكر اسمه، بأنه على مدى سنوات، تم إرسال كميات كبيرة من الدولارات من العراق من خلال "تجارة السوق الرمادية باستخدام فواتير مزورة لسلع باهظة الثمن" إلى تركيا والإمارات والأردن ولبنان.

وأضاف أن هذه الفواتير استُخدمت في عمليات غسل أموال، تم إرسال معظمها إلى إيران وسوريا الخاضعتين للعقوبات الأميركية، ما أدى إلى احتجاج السلطات الأميركية.

كما أعلن رئيس مجلس إدارة مصرف الموصل والمساعد الأول لاتحاد المصارف العراقية الخاصة، أنه في حالات أخرى يجرى تحويل العملة إلى إيران عبر الحدود البرية بدعم من الجماعات المسلحة عن طريق تهريب النقد.

وقدر أن 80 بالمئة من الدولارات المباعة في المزاد ذهبت إلى دول مجاورة، حسبما نقلت الوكالة.

ونقلت "أسوشيتد برس" عن عضو في الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، طلب عدم نشر اسمه، قوله إن "معظم البنوك العراقية مملوكة بشكل غير مباشر لسياسيين وأحزاب سياسية، استخدموا أيضًا مزاد الدولار لمصلحتهم".