تهدد حكومته.. هل توقف زيارة "السوداني" إلى واشنطن تدهور الدينار العراقي؟

مع استمرار أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي، تسعى حكومة محمد شياع السوداني إلى التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل تخفيف الإجراءات التي اتخذها البنك الفيدرالي قبل شهرين لإيقاف تهريب العملة الصعبة من العراق.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرض البنك الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة نافذة بيع الدولار في البنك المركزي العراقي للسيطرة على عمليات تهريبه لدول مجاورة، ولا سيما إيران المعاقبة أميركيا منذ عام 2018.
وعلى ضوء ذلك، وصل سعر الصرف في سوق البورصة العراقي إلى 1675 دينارا مقابل الدولار الأميركي الواحد حتى 30 يناير/كانون الثاني 2023، بعدما كان قبل تطبيق إجراءات البنك الفيدرالي يعادل 1448 دينارا، في سابقة لم تحصل منذ عام 2003.
تشكيك عراقي
في ظل أزمة الدولار الحالية، شككت الحكومة العراقية وعلى لسان رئيسها محمد شياع السوداني في نوايا الولايات المتحدة من الإجراءات التي اتخذتها حيال مزاد بيع العملة للبنك المركزي العراقي، واصفا توقيتها مع بداية عهده بأنه يثير علامات "الاستفهام"
وقال السوداني خلال مقابلة مع قناة "فرانس 24" في 27 يناير 2023، إن "هناك ارتفاعا في الأسعار نتيجة تقلبات سعر صرف الدولار، لكن بالمجمل وضعنا المالي هو الأفضل منذ 2003، لدينا إيرادات مستمرة من النفط، وخزين من المواد الغذائية".
وأضاف رئيس الوزراء العراقي أن "لدينا إجراءات وقرارات مهمة تسهم في تحقيق إصلاح اقتصادي هيكلي في النظام المالي والمصرفي، الذي شهد تجارة مشوّهة طيلة السنوات الماضية من خلال نافذة بيع العملة".
وأشار إلى أن "هناك علامات استفهام بأن هذه المعايير يراد تطبيقها في هذا الوقت أو في هذه المرحلة الزمنية من حكومة عمرها 3 أشهر في حين أنها كانت غائبة لسنوات في الحكومات السابقة، وكان بيع الدولار يتجاوز في اليوم الواحد 300 مليون دولار في تجارة غير مشروعة تخرج أموال بعناوين التهريب وغسيل الأموال".
ما جاء على لسان السوداني هو ما يردده حلفاء إيران في العراق المتمثل بقوى الإطار التنسيقي الشيعي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي، ويمتلك الأغلبية في الحكومة والبرلمان، إذ اتهمت قياداته في أكثر من مناسبة الولايات المتحدة بأنها تسعى إلى إفشال الحكومة الإطارية عبر أزمة الدولار.
وفي 29 يناير 2023، قال جعفر محمد القيادي في ائتلاف "دولة القانون" المنضوي ضمن الإطار التنسيقي، إن "الإجراءات التي اتخذها البنك الفيدرالي الأميركي بشأن الدولار تشير إلى وجود ملامح أميركية غير مباشرة لاستهداف وزعزعة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وتساءل جعفر في تصريح لموقع "المعلومة" العراقي، قائلا "لماذا لم يتخذ الفيدرالي الأميركي نفس الإجراءات إبان حكومة (مصطفى) الكاظمي، كون قضية تهريب الدولار تمتد لأكثر من سنتين".
واتهم الولايات المتحدة "باستهداف غير مباشر لحكومة السوداني لأن الذي شكّلها إنما هو الإطار التنسيقي الذي تعتقد واشنطن قربه من إيران".
لكن هذا التشكيك العراقي في نوايا الولايات المتحدة، ردت عليه السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي، بالقول إن "واشنطن تواصل آلية استغرقت سنوات عدة لتقوية القطاع المصرفي العراقي لمساعدته على الامتثال للنظام العالمي، وضمان منع استعمال النظام المصرفي لغسيل أموال الشعب العراقي وتهريبها إلى خارج العراق".
وأشارت رومانوسكي خلال مقابلة تلفزيونية في 23 يناير 2023 إلى أن "هذه الإجراءات بدأت قبل سنتين بتطبيق تدريجي من المصارف العراقية، وفق اتفاق بين البنك الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي"، مضيفة أنها "مصممة لمنع وتقييد غسيل الأموال، وتعليقها أو تأجيلها يؤدي إلى العودة بالمنظومة إلى الوراء".
وأكدت السفيرة أن بلادها "تحاول مع الجانب العراقي منع غسيل الأموال التي تعود للشعب العراقي ومنع تهريبها"، واصفة توقيت تركيز واشنطن على ملف الفساد في العراق بأنه "مصادفة" مع تسلم السوداني للسلطة.
زيارة مرتقبة
وعلى وقع الأزمة الحالية، تضاربت الأنباء الرسمية العراقية عن زيارة يعتزم إجراءها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة الأميركية من أجل الطلب من إدارة الرئيس جو بايدن تخفيف إجراءات البنك الفيدرالي حيال مراقبة نافذة بيع الدولار.
السوداني نفسه أعلن في تصريحاته للتلفزيون الفرنسي أن "وفدا برئاسة وزير الخارجية ( فؤاد حسين) ومجموعة من المختصين سيزور واشنطن، يحمل معه عدة ملفات، أحدها سيجرى تناولها مع البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة الأميركية، للوقوف على تداعيات تطبيق المعايير التي وضعتها (الأخيرة) بالشكل الذي يضمن الهدف المرجو من كل الأطراف".
وفي الوقت الذي لم يتحدث فيه السوداني عن ذهابه شخصيا إلى الولايات المتحدة، فإن مستشاره حسين علاوي كان قد صرّح لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 24 يناير 2023، أن رئيس الوزراء العراقي سيجري زيارة إلى أميركا.
وقال علاوي إن "الزيارات المرتقبة للولايات المتحدة الأميركية للوفد الحكومي العراقي ورئيس الوزراء تؤكد بشكل واضح أن هنالك مسارات تهدف إلى تعزيز هذه العلاقة من خلال بحث الملفات ذات الشأن في مجال السياسات المشتركة، خصوصا فيما يخص الدولار والتعامل به من المؤسسات المالية العراقية الاتحادية".
لكن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أعلن خلال تصريح أدلى به لقناة "العربية" السعودية في 29 يناير 2023 أن زيارة رئيس وزراء بلاده محمد السوداني إلى واشنطن "غير مطروحة الآن"، بعد أيام من تصريحات منسوبة له في وسائل إعلام عراقية وعربية عن أنها ستكون قريبا.
كما نقلت وسائل إعلام محلية، بينها موقع "بغداد اليوم" في 16 يناير 2023، عن مصادر مطلعة (لم تكشف هويتها) أن وزير الخارجية سيتوجه قريبا إلى واشنطن لترتيب إجراءات زيارة السوداني والاجتماع مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر سياسية عراقية خاصة (طلبت عدم كشف هويتها) أن السوداني سيزور الولايات المتحدة لحل أزمة الدولار التي أصبحت تمثل العقبة الأساسية في مسيرة حكومته التي تولت السلطة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقالت المصادر لـ"الاستقلال" إن "الحكومة اتفقت على زيارة وزير الخارجية إلى واشنطن للطلب من الجانب الأميركي تخفيف إجراءات بيع الدولار في العراق، وأن ذهاب السوداني من عدمه مرتبط بمدى نجاح الوزير العراقي في إقناع المسؤولين الأميركيين في ملف الدولار".
وأوضحت المصادر أن "الحكومة ومن خلفها الإطار التنسيقي الشيعي، يريدون رؤية نتائج زيارة وزير الخارجية ثم على أساسها يجرى اتخاذ قرار في موضوع ذهاب السوداني للولايات المتحدة من عدمه تحاشيا لإخفاق الأخير وعودته بخفي حنين من واشنطن بخصوص أزمة الدولار".
وعن تفاصيل زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن، قال القيادي في ائتلاف دولة القانون جعفر محمد في تصريحاته إن "الوفد سيسافر إلى أميركا في السابع من فبراير/شباط 2023، ويضم وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزيرة المالية طيف سامي، ومدير المصرف العراقي للتجارة، بلال الحمداني، ومحافظ البنك المركزي، علي العلاق، بدون حضور السوداني".
وأضاف جعفر محمد، أن "الزيارة إلى أميركا ستناقش أزمة الدولار حصرا"، مؤكدا أن "الأزمة ليست بالسهلة لأن لها تبعات إدارية وتقنية معينة منذ عامين ودخل فيها الجانب السياسي وسط ضغوطات معينة".
نتائج محتملة
وعلى إثر أزمة الدولار، يواجه السوداني ضغطا شعبيا بخصوص ارتفاعه غير المسبوق منذ عام 2003، لذلك تعول الحكومة العراقية على زيارة واشنطن من أجل إنهاء الأزمة، فيما توقع مراقبون فشل الجانب العراقي في إقناع إدارة بايدن بإيقاف إجراءات البنك الفيدرالي.
وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، سعد الزبيدي إن "الولايات المتحدة تسعى من خلال موضوع الدولار للضغط على السوداني للقبول بالاشتراطات الأميركية وعدم ذهابها باتجاه محور إيران بالمنطقة، لذلك حكومة الإطار الحالية وضعها صعب".
وتوقع الزبيدي أن "يستجيب الإطار التنسيقي لأي املاءات أميركية حتى لو كان ذلك على حساب علاقته مع إيران، لأنه لا يحتمل مزيدا من الضغط على مصالحه التي كانت تدرّ عليه يوميا الملايين من الدولارات سواء عبر المصارف التي يمتلكها أو عمليات تهريب وغسيل الأموال".
وخلاف ذلك، يتوقع الباحث "استمرار تراجع صرف الدينار العراقي بسبب فشل المصارف في التعاطي مع الإجراءات الأميركية الجديدة، وفشل السوداني في إقناع إدارة بايدن في إبداء مرونة في هذا الملف".
ورجح الزبيدي أن "تؤدي استمرار أزمة الدولار إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد، وازدياد الضغوط الشعبية على حكومة السوداني، والتي تقود في المحصلة إلى تنامي الموجات الاحتجاجية ضده، وهذا قد يعيد طرح فرضية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة".
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم في 24 يناير 2023، إن "زيارة السوداني القريبة إلى الولايات المتحدة هدفها إقناع الأميركيين بإعادة النظر في تطبيق نظام سويفت الذي يربط حركة الدولار في العراق بالبنك الفيدرالي لمد ستة أشهر حتى تمرر بعض التعاملات الاقتصادية".
واستبعد رعد أن "يوافق الأميركيون على الطلب العراقي، إلا من خلال بعض التسهيلات الشكلية، لكن عملية تأجيل التطبيق مستبعدة لأن وزارة الخزانة لا يمكن أن تعطل نظام سويفت بأي حجة كانت سياسية أم اقتصادية، وحتى إنه ليس هناك من حجة أمنية قوية تجبر الجانب الأميركي على ذلك"، وفق تصريح لصحيفة "عربي 21".
وفقدت العملة العراقية نحو 10 بالمئة من قيمتها، كما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" خلال تقرير في 19 يناير 2023، بعد إجراءات "غامضة" بالنسبة للكثير، تتعلق بفرض قواعد امتثال على تعاملات البنك المركزي العراقي مع تجار العملة في ما يتعلق بالدولار الأميركي.
وبموجب الإجراءات الجديدة، يتعين على المصارف العراقية تقديم تحويلات بالدولار على منصة جديدة على الإنترنت مع البنك المركزي العراقي، والتي تجري مراجعتها بعد ذلك من البنك الفيدرالي، حسب الصحيفة.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين (لم تكشف هويتهم) قولهم إن "النظام يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسل الأموال في أنحاء الشرق الأوسط".
المصادر
- بغداد: زيارة رئيس الوزراء لواشنطن "غير مطروحة الآن"
- إزاحة محافظ المصرف المركزي والاستعانة بآخر.. هل تعيد للدينار العراقي قيمته؟
- السوداني إلى واشنطن لحل «أزمة الدولار»
- رومانوسكي: لا نحدد سعر الدولار في العراق ولم نضع عقوبات على مصارف جديدة
- Iraq Economy Reels as U.S. Moves Against Money Flows to Iran
- وفد أمريكي يصل بغداد خلال ساعات قبل زيارة مرتقبة للسوداني الى واشنطن
- بغداد تتحرك نحو واشنطن لفك "شيفرة" الدولار.. هل تحقق الزيارة الهدف المنشود؟
- هل تنهي إقالة محافظ البنك المركزي أزمة الدولار في العراق؟