إزاحة محافظ المصرف المركزي والاستعانة بآخر.. هل تعيد للدينار العراقي قيمته؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع أزمة تدهور الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، أعفى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني محافظ البنك المركزي "مصطفى غالب"، وكلف "علي العلاق" مكانه، وأثارت الخطوة جملة من التساؤلات عن توقيت القرار ومدى فاعليته في معالجة الأزمة.

ومُنذ شهرين، ارتفع سعر الصرف في العراق من 1470 دينارا للدولار الواحد إلى نحو 1660 دينارا وزاد عنه أحيانا، وسط مخاوف من حدوث قفزات جديدة في ظل العجز الحكومي عن إجباره على التراجع، وذلك بعد إجراءات أميركية للحد من تهريب العملة الصعبة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرض البنك الفيدرالي الأميركي قيودا جديدة تمثلت بتطبيق نظام "سويفت" لمراقبة منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي للسيطرة على عمليات تهريبه لدول مجاورة، ولا سيما إيران التي تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات صارمة.

"إقالة سياسية"

قرار الإقالة ذاته أثار جدلا سياسيا، لأن محافظ البنك المقال مصطفى غالب ينتمي إلى التيار الصدري الذي لم يشارك في الحكومة الحالية، إضافة إلى أن المحافظ الجديد علي العلاق يعد أحد رجالات زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الغريم الأبرز للصدريين.

وكذلك، فإن ما أثار الشكوك في القرار أنه جاء بعد لقاء تلفزيوني للمالكي في 22 يناير/كانون الثاني 2023، انتقد فيه أداء البنك المركزي، وألمح إلى إمكانية أن يكون تدهور الدولار سببه جهات سياسية داخلية من أجل تأليب الناس على حكومة محمد شياع السوداني، في إشارة إلى التيار الصدري لأن محافظ البنك محسوب عليهم.

وعن توقيت القرار الحكومي بإعفاء غالب، فإنه جاء أيضا قبيل تظاهرة دعا لها ناشطون عراقيون أمام البنك المركزي العراقي وسط بغداد في 25 يناير 2023، احتجاجا على تهاوي قيمة الدينار أمام الدولار والذي وصل إلى 1650 دينارا للدولار الواحد، قبل أن يتحسن مع مجيء العلاق للمنصب إلى 1610.

وغرّد عضو التيار الصدري عصام حسين على "تويتر" في 23 يناير 2023 قائلا: "البنك المركزي يقول لا علاقة لنا برفع سعر الصرف، إنما بسبب المنصة الإلكترونية التي يجرى من خلالها شراء الدولار".

وتابع: "لذلك نحتاج من الإطار (التنسيقي) إقالة مدير هذه المنصة وتعيين أحد مديري المصارف المعنية بغسيل الأموال حتى يطلق الحوالات بدون تدقيق لمستنداتها، وبهذه الطريقة نحافظ على سعر الصرف".

كما غرّد، قائلا: "ليس من المنطق أن نحمل حكومة السوداني خراب ما يحدث اليوم، الرجل محكوم باتفاقات سياسية يتم التجاوز عليها من قبل الأحزاب عبر صراع الاستحواذ على المناصب لأغراض اقتصادية، لذلك فشل الحكومة يكون أولا من داخلها وثانيا (بسبب) تصرف رئيس الوزراء (للعمل) لإدارة تضارب مصالح الأحزاب".

وعلى الصعيد ذاته، اتهم النائب المستقل في البرلمان العراقي، سجاد سالم، قوى  الإطار التنسيقي الشيعي بمحاولة السيطرة على البنك المركزي العراقي، بعد قرار إعفاء محافظه مصطفى غالب.

وقال سالم خلال تصريح لوكالة "شفق نيوز" في 23 يناير 2023، إن "أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار غير متعلقة بمحافظ البنك المركزي، وإعفاءه من منصبه ليس حلا لهذه الأزمة.

وبينه أنه "لن يكون هذا الإعفاء سببا لخفض سعر صرف الدولار في السوق المحلي، بل هذه الخطوة ربما تكون لها نتائج سلبية خطيرة بسبب المساس بالسلطة النقدية".

وأوضح النائب المستقل أن "ارتفاع سعر صرف الدولار سببه الرئيس تهريب العملة، وإعفاء محافظ البنك المركزي مصطفى غالب سببه أن قوى الإطار التنسيقي تستهدف محافظ البنك، لأغراض وأسباب سياسية لا اقتصادية".

وأكد أن "قوى الإطار التنسيقي تريد الهيمنة على البنك المركزي العراقي، ولهذا جاء تعيين علي محسن العلاق محافظا للبنك".

أزمة مستمرة

وبخصوص مدى نجاعة قرار استبدال محافظ البنك المركزي في إيقاف أزمة ارتفاع الدولار أمام العملة المحلية، قال المصرفي العراقي، عدنان الشمري لـ"الاستقلال" إن الأمر "قد يسهم بعض الشيء في تحسين الدينار العراقي، كون الرجل يمتلك خبرة سابقة في هذا المجال".

وكان علي العلاق قد شغل منصب المحافظ لنحو ست سنوات، بين عامي 2014 و2020. وعقب تعيينه مكان غالب، تعهد "بسقف زمني لإعادة سعر الصرف إلى وضعه الطبيعي"، حسبما نقل موقع "بي بي سي" في 24 يناير 2023.

وأوضح الشمري: "رغم أن الأزمة الحالية هي نتيجة وضع الولايات المتحدة منصة إلكترونية تراقب المدخلات والمخرجات للعراق من الدولار، فإن دور المحافظ مهم في سياسية نافذة بيع العملة".

ففي السابق كان العلاق إذا ارتفع سعر الدولار، يعمل مزادين وثلاثة باليوم الواحد، ويبيع كميات أكبر من العملة الأميركية حتى يعيد الدينار إلى وضعه الطبيعي، وفق قوله.

ولفت المصرفي العراقي إلى أن "الأمر قد يكون مختلفا في الوقت الحالي، ولا يستطيع العلاق إعادة سعر الصرف إلى 1470، لكنه قد يحافظ عليه أعلى من ذلك بقليل نحو 1500 إلى 1550، فهو اليوم أمام مهمة صعبة والفشل فيها يعني فشل الحكومة في معالجة الأزمة".

وأكد الشمري أن "الدولار لا يزال يهرّب إلى إيران، رغم قلة الحصة المالية منه التي يبيعها مزاد العملة للبنك المركزي والتي تصل إلى 85 مليون دولار يوميا، بعدما كانت تتجاوز 200 مليون، لذلك يعاني السوق العراقي من شح (في العملة الأميركية)".

وعلى الصعيد ذاته، رأى الناشط السياسي العراقي، إحسان الجبوري عبر تغريدة على "تويتر" في 24 يناير 2023 أن الأزمة تتعلق بشروط البنك الفيدرالي.

وقال: "إما تنفيذ شروط البنك الفيدرالي الأميركي أو ارتفاع مستمر بسعر الصرف، الموضوع بعيد كل البعد عن الأشخاص. لا يعني شيء بقاء مصطفى غالب محافظا للبنك المركزي أو عودة علي العلاق".

وقرار إعادة تكليف العلاق في منصب محافظ البنك المركزي في العراق، يذكر العراقيين بحادثة تلف سبعة مليارات دينار عراقي عام 2018.

فقد ارتبط اسم العلاق بتلك الحادثة عندما "تسربت مياه الأمطار إلى داخل البنك المركزي وتضررت الأوراق النقدية بنسبة 100 بالمئة" بحسب تصريح البنك والحكومة العراقية وقتها.

إجراءات حكومية

وفي ظل الجدل الدائر حول الخطوات الحكومية الأخيرة، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني خلال مؤتمر صحفي في 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن "هناك زيادة واضحة بأسعار صرف الدولار في البلاد".

وأوضح أنه "جرى رفض حوالات لشركات وهمية وهناك أسعار مبالغ فيها في نافذة بيع العملة"، لافتا إلى أن "عمليات التضخيم بالأسعار في نافذة بيع العملة هدفها إخراج الدولار من البلاد".

وأشار إلى أن "الحكومة كانت ومازالت تراقب سياسة البنك المركزي بما يضمن استقرار السوق، ونطمئن الجميع بأن لديها السيطرة على أسعار المواد الغذائية وتأمين مفردات البطاقة التموينية".

وأردف: "طلبنا من البنك المركزي اتخاذ خطوات سريعة لتعويض نقص الدولار في الأسواق"، مضيفا أنه "اتخذ إجراءات تتعلق بتنويع الحوالات الخارجية لتغطية الاستيرادات".

وأكد السوداني أن "الوضع المالي في أحسن أحواله واحتياطات البنك المركزي ارتفعت إلى 96 مليار دولار".

وفي السياق ذاته، أعلن البنك المركزي العراقي، في 19 ديسمبر "إطلاق حزمة من الإجراءات لتحسين أداء المعاملات المتعلقة بالدولار، والتي من شأنها أن تعيد سوق العملة الأجنبية إلى وضعها الطبيعي".

وشملت الإجراءات "السماح للمصارف المشاركة في نافذة العملة الأجنبية بشراء أي مبالغ بالعملة الأجنبية وإيداعها لدى هذا البنك بحسابات تستخدم لأغراض التحويل الخارجي، وتدفع عن تلك الأرصدة فوائد/عوائد بحسب ما يقرره البنك".

ونصت قرارات البنك المركزي على "تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص من خلال المصارف العراقية وتلبية طلب التحويلات الخارجية عبر تعزيز أرصدة المصارف لدى مراسليها بعملات أخرى فضلا عن الدولار".

واتخذ قرار بـ"فتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر العلاج، الحج العمرة، الدراسة وغيرها، وفق ضوابط البيع والشراء، فضلا عن تلبية طلبات زبائن تلك المصارف لأغراض تمويل التجارة الخارجية".

وقرر المركزي العراقي "تخفيض سعر بيع الدولار للمستفيد (حامل البطاقة) التي يستخدمها أثناء السفر أو تسديد مشترياته عن طريق الإنترنت ليكون بسعر 1465 دينارا للدولار بدلا من 1470. إذ سيجري بيع الدولار لشركات الدفع الإلكتروني للغرض أعلاه بسعر 1455 بدلا من 1460".

وقرر البنك المركزي العراقي، في 7 نوفمبر 2022، إيقاف التعامل بالدولار مع عدة مصارف أهلية أثير حولها جدل أخيرا، أهمها، "المصرف الأنصاري الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"المصرف القابض الإسلامي للتمويل والاستثمار" و"مصرف آسيا العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"مصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار".

وفي 12 ديسمبر، أوضح مستشار البنك المركزي العراقي إحسان شمران الياسري، في تعليقه على ارتفاع سعر صرف الدولار، أن البنك الفيدرالي الأميركي فرض شروطا ومحددات صارمة على عملية بيع العملة الأميركية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الياسري قوله: إن "نافذة بيع العملة لها مجموعة من الوظائف أولها تحقيق الاستقرار بسعر الصرف، وثانيها تلبية متطلبات التجارة الخارجية من الشركات والتجار والقطاع الاقتصادي والجمهور".

وأضاف، أن "القطاع السلعي العراقي عاجز عن توفير متطلبات السوق المحلية، ما وسع الاستيراد"، موضحا، أن "وزارة المالية تبيع للبنك المركزي الدولار القادم من واردات الدولة، والبنك يمنح المالية قيمة الدولار المباع له بالدينار العراقي لتسيير متطلبات عمل الدولة".

وأكد الياسري أن "نافذة بيع العملة الأجنبية هي الوسيلة الوحيدة لاستدعاء الدينار العراقي من السوق نحو مالية الدولة، وإيقاف النافذة سيخلق مشكلة عدم توفر عملة محلية لشراء الدولار القادم من واردات العراق كالنفط، والنافذة تلبي 87 بالمئة من متطلبات الاستيراد السلعي للعراق".