"لإثراء نفسه وزيادة نفوذه".. هكذا دمر نظام السيسي اقتصاد مصر
سلطت صحيفة إسبانية الضوء على الوضع الاقتصادي في مصر، وتحديات صندوق النقد الدولي المتمثل في الحد من تدخل جيش نظام عبد الفتاح السيسي في اقتصاد البلاد.
وقالت صحيفة "الدياريو"، إن أحد العبارات الرئيسة التي رددها المصريون خلال الاحتجاجات ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، في يناير/ كانون الثاني 2011، كانت "العِيش" والتي تعني باللهجة المصرية "الخبز".
وتابعت: "إلا أنه بعد أكثر من عقد من الزمان على رفع شعار (خبز وحرية وعدالة اجتماعية)، يصعب على غالبية السكان الحصول على هذا الخبز وتحقيق الحياة الكريمة التي يطمحون إليها".
فقدان القدرة
وأوضحت الصحيفة أن "الجنيه المصري خسر أكثر من 50 بالمئة من قيمته أمام الدولار في أقل من سنة، ووصل في 11 يناير 2023 إلى أدنى قيمة له أي 32 جنيها للدولار الواحد".
وشددت على أن "الفارق الكبير في سعر الصرف يؤثر على اقتصاد البلاد، الذي يستورد العديد من المواد الخام والسلع الاستهلاكية، بما في ذلك المواد الأساسية، مثل القمح لصنع (العيش)".
ولفتت الصحيفة إلى أن "مصر تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، وحتى اندلاع الحرب في أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، كانت الحبوب تأتي في الغالب من هذا البلد ومن روسيا، ولم يؤثر الصراع على الواردات فحسب، بل نال أيضا السياحة، وهي أحد المصادر الرئيسة للعملة الأجنبية للدولة المصرية".
واستطردت: "نتيجة لذلك، تراجع عدد السياح الروس والأوكرانيين، وهو الحال بالنسبة إلى الوافدين على بلاد الفراعنة من دول أخرى مثل بيلاروسيا، وأصبح عددهم ضئيلا على شواطئ البحر الأحمر منذ الغزو".
وذكرت الصحيفة أن "الحكومة المصرية اضطرت إلى اللجوء مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي وحصلت على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال 46 شهرا، في المقابل، تعهد النظام بقيادة السيسي بجعل سعر الصرف أكثر مرونة".
ووفقا للخبراء، يستجيب تخفيض قيمة الجنيه إلى هذه "المرونة"، وقد أثر هذا الإجراء على الطبقات الوسطى والفقيرة، أكثر من غيرها، خاصة وأنها فقدت القدرة الشرائية منذ سنوات.
تجدر الإشارة إلى أنه في ديسمبر/كانون الأول 2022، تجاوز معدل التضخم 21 بالمئة، وهو أعلى رقم له منذ سنة 2017، عندما كان الاقتصاد يمتص تأثير أول تخفيض كبير لقيمة العملة المحلية جرى الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي خلال سنة 2016.
الأكثر هشاشة
ونقلت صحيفة "الدياريو" عن أم شابة من حي شعبي في ضواحي القاهرة أن "الأسعار أصبحت أكثر غلاء، من الطعام والشراب، وصولا إلى الأدوية".
وتواصل هالة: "100 جنيه الآن تساوي 10 جنيهات سابقا، لقد أصبح الوضع صعبا للغاية بسبب ارتفاع النفقات، الجميع يعيش على حافة الهاوية، أما الأشياء الصغيرة التي اعتدنا أن ننعم بها سابقا، فقد أصبحت كماليات من الحجم الثقيل الآن".
وتعبر السيدة البالغة من العمر ثلاثين سنة عن أسفها بسبب تردي الاقتصاد، حيث إنها لم تعد تأخذ طفليها للعب في عطلة نهاية الأسبوع، لتوفير بضع عشرات من الجنيهات التي اعتادت دفعها سابقا للوصول إلى معظم المتنزهات أو المرافق الرياضية في العاصمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "الجانب الوحيد الذي لا تتخلى عنه الأم الشابة "هو تعليم الأطفال المسجلين في أحد أرخص المدارس الخاصة".
وأكدت أنها "لا يمكنها تسجيل أبنائها في مدارس عمومية، لأنهم لن يتعلموا أي شيء، في المقابل، تعد هذه المدرسة الأفضل من بين الأسوأ، لكن على الأقل، يحصل أبناؤها على تعليم أساسي، وهذا ما يمكنها تحمل تكلفته".
وتعمل هالة خبيرة تجميل وزوجها مصفف شعر، لكن دخلهما لا يغطي في كثير من الأحيان نفقات الأسرة، وتحذر من أن "العيش أصبح صعبا من يوم إلى آخر".
وفي يناير 2023، تجاوز سعر كيلوغرام الدجاج 70 جنيها (2.35 دولار)، وارتفع سعر زيت الذرة وزيت عباد الشمس، مراكما عدة زيادات منذ سنة 2022.
أما الخبز المدعوم من الدولة، والذي يحصل عليه أفقر المصريين، فقد تراجع حجمه وجودته بشكل متزايد.
سنوات من المعاناة
وبحسب البيانات الرسمية، يبلغ معدل الفقر في مصر حوالي 30 بالمئة، لكن هذا الرقم يعود إلى فترة ما قبل أزمة جائحة كورونا.
وفي حوار له مع "الدياريو"، قال الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة برشلونة المستقلة، تيموثي كالداس: "من المحتمل أن نسبة الفقر بين المصريين قد ارتفعت في الوقت الراهن".
وواصل قائلا: "عموما، سيواجه المصريون العاديون سنوات من المصاعب الاقتصادية، ولا توجد آلية في يد الحكومة لمنعها، كل ما يمكنها فعله هو إشراك المزيد من الأشخاص في برامج الإغاثة وتوزيع المزيد من المساعدات المالية".
فيما يطالب صندوق النقد الدولي مصر "بتوسيع الإنفاق الاجتماعي للتخفيف من حدة الفقر وحماية الفئات الأكثر هشاشة، لكن، أثبت برنامجا المساعدة اللذان أُطلقا بعد اتفاقية 2016 أنهما غير كافيين".
ووفقا للخبير كالداس، تكمن المشكلة الرئيسة في أن بلدا مثل مصر يمكن أن يستغرق "سنوات أو عقودا" لبناء شبكة مساعدة فعالة، لذلك، "على مدى فترة من الزمن، ستواجه نسبة كبيرة من السكان صعوبات اقتصادية خانقة دون أي دعم".
ويقدر الخبير أن "حوالي 65 مليون مصري يعيشون في فقر أو على حافة عتبة الفقر، أي أكثر من نصف حوالي 104 ملايين شخص من سكان بلاد الفراعنة".
وتابع: "هناك الكثير من المعاناة الاقتصادية، وإذا لم يتم تخفيف حدتها قدر الإمكان، فإنها ستؤثر على النمو لأن الطلب سينخفض وسيؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار الخاص".
نفوذ الجيش
ونقلت الدياريو أن "الكثير من المراقبين يتفقون حول حقيقة أن البيروقراطية وانعدام الأمن القضائي والخوف؛ هي من العوامل الأخرى التي تثبط عزيمة رجال الأعمال والمستثمرين".
وأضافت "في الحقيقة، يعد الحد من تدخل الجيش في الاقتصاد المصري من أكبر التحديات التي يواجهها صندوق النقد الدولي، والذي حث النظام على فسح المجال لتحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص، وأن تقوي الشركات الخاصة على النمو".
لكن بحسب كالداس، سيفعل الجنرالات "كل ما بوسعهم لمنع هذا التحول".
ويرى خبير الاقتصاد السياسي أن صندوق النقد الدولي "قادر على ممارسة نفوذ كبير ومحاسبة الحكومة المصرية".
ومنذ اتفاق عام 2016، وسّع الجيش إمبراطوريته الاقتصادية من خلال الدولة والشركات المملوكة لها ولم ينفذ "أي إصلاح اقتصادي جوهري"، بحسب كالداس.
وشدد على أن "الفساد السياسي للنظام وتعاون الدول القوية التي منحت النظام إمكانية الوصول إلى القروض بشكل غير محدود، تسبب في سقوط مصر في مديونية هائلة ونتجت عنه معاناة كبيرة لسكان البلاد".
وبحسب الخبير، من المفارقات، "للخروج من هذا الوضع، تحتاج مصر إلى الاقتراض أكثر وستكون معاناة السكان أسوأ لأن البلاد في وضع محفوف بالمخاطر أكثر بكثير مما كانت عليه في عام 2016".
وخلص كالداس إلى أن "نظام السيسي تعمد تقويض الصحة المالية للدولة المصرية، وقوّض فرص حصول المواطنين على الخدمات العامة، فقط لإثراء نفسه وزيادة نفوذه".