خلافا لرغبة أعوان إيران.. لماذا يريد السوداني إبقاء القوات الأميركية بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، جدلا واسعا بخصوص موقفه من بقاء القوات الأميركية في بلاده، والتي يرفضها رفضا قاطعا الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران، والذي ينتمي إليه الأخير، وجاء به إلى السلطة.

ولطالما طالب الإطار التنسيقي الشيعي بضرورة إجلاء القوات الأميركية من العراق، ولا سيما بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي، بغارة جوية قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

ففي 5 يناير 2020، صوت البرلمان العراقي في جلسة استثنائية عقدت بطلب من حلفاء إيران على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن وإنهاء أي وجود للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية.

وفي تصريحات وصفها مراقبون بأنها مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن بلاده لا تزال "بحاجة إلى القوات الأجنبية" الموجودة فيها ويعملون بصفة مدربين ومستشارين، وغالبيتها أميركية، وذلك خلال مقابلة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 15 يناير 2023.

وقال السوداني، إن "التهديد للعراق مصدره تسلل خلايا تنظيم الدولة من سوريا، وأن القضاء عليه سيستغرق بعض الوقت. لسنا بحاجة إلى قوات تقاتل (ليست استشارية) داخل الأراضي العراقية"، علما أن الولايات المتحدة تنشر نحو ألفي عسكري لتنفيذ مهام تدريبية واستشارية.

وقال السوداني الذي تعتمد حكومته على دعم أحزاب موالية لإيران تهيمن على البرلمان: "لا أعتقد أنه من المستحيل أن تكون للعراق علاقة جيدة مع كل من إيران والولايات المتحدة"، مشيرا إلى أنه "يريد إرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن قريبا".

اتفاق سري

من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي، لـ"الاستقلال" أن "قوى الإطار الشيعي عرف عنها الاحتيال في المواقف والخطاب السياسي، فعندما كانت خارج السلطة، كان خطابها يختلف وتدّعي مقاومة الوجود الأجنبي وتتهم غيرها بالعمالة والخيانة، لكنها بمجرد أن شكلت الحكومة تبدل كل ذلك".

وأوضح الباحث أن "هذه القوى تعلم أن العراق بحاجة إلى قوات أجنبية ولا سيما الأميركية سواء لمحاربة تنظيم الدولة أو توفير الدعم التقني والمعلوماتي للقوات العراقية في ظل الحرب على تنظيم الدولة".

ولفت إلى أن "الشعب العراقي يعلم يقينا مدى خداع هذه القوى، فهي كانت تقاتل على الأرض تحت عنوان الحشد الشعبي بتغطية جوية من طيران التحالف الأميركي الذي تقوده الولايات المتحدة، وحتى قادتها ولا سيما أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد كان يتنقل بطائرات أميركية".

وأشار الباحث إلى أن "القوى السياسية والمليشيات المسلحة الحليفة لإيران لا تعادي الولايات المتحدة بقدر ما تريد تحقيق مكاسب سياسية.

وإلا لماذا لا تقطع العلاقة مع السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، التي زارت السوداني أكثر من عشر مرات منذ توليه منصبه في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022 وحتى اليوم، وفق قوله.

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي، نزال حيدر، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 يناير 2023 إن "ما صرح به السوداني هو الحقيقة والواقع، وأن ما تقوله بعض الأطراف والزعامات السياسية ما هو إلا للاستهلاك المحلي، لأن هناك اتفاقا سريا بين العراق والولايات المتحدة الأميركية".

وأوضح حيدر أن "الاتفاق كشف عنه حيدر العبادي (رئيس الوزراء العراقي الأسبق) في كتابه (النصر المستحيل) من خلال وثيقة سرية كان قد وقع عليها سلفه نوري المالكي (رئيس الوزراء العراقي الأسبق) عام 2014 مع القوات الأميركية، وأن جميع الحكومات التي جاءت بعده ملتزمة بها".

وأشار إلى أن "هذه الوثيقة تنص على منح الأفراد العاملين الأميركيين الامتيازات والإعفاءات والحصانات المساوية لتلك الممنوحة للموظفين الإداريين والتقنيين للبعثة الدبلوماسية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، وبذلك تسمح للموظفين الأميركيين بدخول العراق والخروج منه".

وبيّن الخبير العراقي أن "هذه الوثيقة كان فيها شرط من الولايات المتحدة على حكومة المالكي مفادها بأن يكون الاتفاق جزءا من العلاقة بين بغداد وواشنطن، لهذا فإن ما قاله السوداني بخصوص بقاء القوات الأجنبية هو حقيقة وأمر واقع ملتزمة به الحكومات منذ عام 2014 وحتى اليوم".

وتابع: "عندما صدرت مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن والذي وقع عليها رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في واشنطن بتاريخ أبريل/ نسيان 2021، أيدته كل القوى السياسية بمن فيها القوى المنضوية حاليا تحت عنوان الإطار التنسيقي، والتي تتسلح بفصائل خارج سلطة الدولة".

وفي 7 أبريل/نيسان 2021، اتفقت واشنطن وبغداد على تحول مهام القوات الأميركية للتدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية.

إذ وافقت واشنطن على سحب "القوات المقاتلة" من العراق، وفي المقابل جددت بغداد التزامها بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي.

وأوضح حيدر أنه "قبل عامين شكل القائد العام للقوات المسلحة في العراق (مصطفى الكاظمي) لجنة فنية من مختلف عناوين المؤسسة الأمنية والعسكرية بمن فيهم الحشد الشعبي، وطلب منهم دراسة لمعرفة إذا ما كانت بغداد بحاجة إلى قوات أجنبية لأغراض المشورة والتدريب".

وأردف: "قدمت اللجنة تقريرا يؤكد أن العراق بحاجة إلى القوات الأجنبية لمدة لا تقل عن 10 سنوات، وبعدها أطلع القائد العام للقوات المسلحة كل زعماء القوى السياسية على بنود الدراسة، ووافق الجميع عليها، وذلك قبل أن يزور الكاظمي واشنطن ويوقع على مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي".

وأعرب حيدر عن اعتقاده بأن "زعماء الإطار التنسيقي وبقية زعماء القوى السياسية لم يُفاجأوا بتصريح السوداني لأنهم يعلمون جيدا ما قاله، وأن الوثيقة التي وقعت عليها حكومة نوري المالكي في 22 يونيو/حزيران 2014، تثبت ذلك".

ورأى الخبير العراقي أن "زعماء هذه القوى السياسية يبيعون شعارات على العراقيين، فهم يعرفون جيدا على ماذا وقعوا مع الأميركيين ولماذا".

كما أنهم يعلمون صفة التخادم بينهم وبين الأميركيين للبقاء في السلطة، وفق قوله. وتساءل: "هل يعقل أن توافق الولايات المتحدة على تشكيل الإطار التنسيقي حكومته من دون أن يقبل باشتراطاتها؟"

أمر واقع

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، إن قوى الإطار التنسيقي تتحدث عن إخراج القوات الأميركية في الإعلام فيما لم يخفِ تكرار سيناريو الإطاحة برئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي، مع السوداني.

وقدم عبد المهدي استقالته في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وذلك بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في أكتوبر من العام نفسه.

وقال إنه قدم استقالته إلى مجلس النواب (البرلمان)، لـ"تفكيك الأزمة"، في إشارة إلى المظاهرات التي طالبت بإنهاء الفساد وتوفير الخدمات وإنهاء سيطرة الأحزاب الموالية لإيران والممسكة بالسلطة منذ عام 2003.

وأوضح الحكيم في تصريح لصحيفة "القدس العربي" أنه "ليس كل الإطار التنسيقي رافض لوجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية. هناك مشاكل متجذرة داخل هذه القوى الشيعية، فالبعض يريد تنظيم أعداد هذه القوات، فيما يرفض البعض الآخر كليا وجودها".

ورأى المحلل السياسي العراقي أن "وجود القوات الأجنبية في البلاد في الوقت الراهن أصبح أمرا واقعا".

ولفت إلى أن "وجود هذه القوات على الأراضي العراقية يأتي ضمن اتفاقية وقعت عام 2008 بين حكومة بغداد آنذاك التي كان يرأسها نوري المالكي والجانب الأميركي، وصوت عليها البرلمان وأصبحت قانونا".

ووفقا للحكيم، فإن "حكومة عادل عبد المهدي أطاح بها الحراك الجماهيري والتظاهرات في عام 2019، أما حكومة السوداني فقد تُطيح بها الإرادة الدولية في حال لم تلتزم بالاتفاقات الدولية".

وبحسب قوله، فإنه "في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2022 أكد السوداني أن القوات الأجنبية الموجودة في العراق، هي قوات صديقة ووجودها ضروري لمحاربة الإرهاب، ولتقديم الدعم والمشورة والتدريب للقوات العراقية".

وأردف: "السوداني يعلم جيدا أن المعادلة السياسية في العراق ستتغير في حال خروج القوات الأجنبية والأميركية. خطر تنظيم الدولة لا يزال موجودا، بالإضافة إلى وجود أطراف سياسية تحاول وضع العصا في عجلة الحكومة".

وخلص الحكيم إلى أن "خروج القوات الأميركية في الوقت الحاضر سيزعزع الأمن بالكامل في العراق. وفي حال بقاء القوى السياسية (الشيعية) بموقف المتعنت بشأن إخراج القوات الأميركية من عدمها، فقد ينعكس هذا الوضع السياسي على الوضع الأمني".

ويأتي تصريح السوداني في وقت من المقرر فيه أن يزور الولايات المتحدة قريبا، للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن والمسؤولين الأميركيين، حسب الحكيم، الذي أشار إلى إن "من بين الملفات التي سيطرحها أو سيبحثها السوداني في واشنطن هو موضوع المبادرة العراقية لتقريب وجهات النظر مع طهران".

وفي 6 يناير 2023، جدد "الإطار التنسيقي"، مطالبته بإخراج القوات الأميركية من العراق.

وقال هادي العامري، زعيم تحالف "الفتح"، المنضوي ضمن "الإطار"، خلال بيان له بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي: "النصر يعكس أهلية قواتنا وجهوزيتها للقيام بواجباتها لحفظ الأمن والاستقرار دون الحاجة لوجود قوات قتالية أجنبية على أرض العراق".

وشدد على أن "الواقع أثبت انتفاء الحاجة إليها، لتلك القوات"، مطالبا بـ"خروج جميع القوات القتالية الأجنبية فورا وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة".

ومن جهته، أكد رئيس كتلة حقوق البرلمانية، الجناح السياسي لكتائب حزب الله، سعود الساعدي أن "قرار إخراج القوات الأميركية من العراق "لم يأخذ مجراه الرسمي"، مضيفا: "المعلومات التي وصلت إلينا تؤكد عدم مصادقة رئاسة البرلمان على قرار إخراج القوات".

وشدد الساعدي خلال بيان له في المناسبة ذاتها على أن "القرار ملزم للحكومة، وقد خاطبنا رئيسي البرلمان والوزراء والجهات المعنية بتزويدنا بنسخة من القرار الموقع"، مشيرا إلى أن كتلته "أرسلت العديد من الكتب الرسمية إلى الجهات المعنية لمعرفة أسباب عدم تنفيذ القرار".

ويرى مراقبون أن تصريحات السوداني، قد تكون جزءا من تبادل الأدوار بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي. 

ففي الوقت الذي تصر قوى داخل الإطار على إخراج القوات الأجنبية، ولا سيما تلك التي لديها فصائل مسلحة مثل تحالف الفتح وحركة حقوق، فإن رئيس الوزراء يصرح عكس ذلك في محاولة لخلق نوع من التوازن.

وفي نهاية ديسمبر 2021، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق "مصطفى الكاظمي" انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي في العراق، الذي قادته واشنطن لضرب تنظيم الدولة.

وأكد جاهزية القوات العراقية للدفاع عن البلاد، وأن دور قوات التحالف بقيادة واشنطن أصبح مقتصرا على المشورة والتدريب فقط.