إقرار حكومي بفشلها.. لماذا يترك نصف شباب المغرب التعليم الجامعي؟ 

12

طباعة

مشاركة

أرقام صادمة بخصوص ضعف الأداء وسوء الجودة وغياب التنظيم داخل الجامعات المغربية، مصحوبة بإقرار رسمي، ما يطرح تساؤلات بشأن غياب إرادة حقيقية لمعالجة هذه "الأزمة الهيكلية".  

ويرى خبراء أن تدهور جودة النظام التعليمي في المغرب، يعد استمرارا لمظاهر الأمية وتأكيدا لابتعاد المملكة عن التنافس الإقليمي والدولي، مع عدم وجود أي نوع من أنواع المساءلة للحكومات المتعاقبة عن فشلها في وقف هذا التردي.

أمر غير مقبول

والإقرار الرسمي بهذه الأزمة جاء على لسان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار المغربي، عبد اللطيف ميراوي، إذ أعلن أن "50 بالمئة من الشباب المغاربة يغادرون الجامعة دون الحصول على شهادة".

وخلال عرض قدمه أمام "المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" (حكومي)، في 9 يناير/ كانون الثاني 2023، أوضح ميراوي أن "ضعف الأداء والنجاعة لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن الخريجين يفتقرون إلى المهارات اللغوية والرقمية، والتي تشكل عائقا أمام إدماجهم في سوق الشغل".

ودق الوزير بهذه المعطيات ناقوس الخطر، نظرا لكون الأمر "أصبح ظاهرة وتجاوز مرحلة الحالات المعزولة، وهو ما يستوجب معه وضع خطط وإستراتيجيات جديدة لمعالجة الأمر".

وأكد ميراوي أن "النظام الجامعي المغربي من حيث التأطير هو من أسوأ ما يوجد في حوض البحر المتوسط بحوالي 120 طالبا لكل أستاذ جامعي، وهذا أمر غير مقبول"، على حد وصفه.

ولفت إلى أن "البحث العلمي يعاني من ضعف الوسائل والتنسيق، إلى جانب عدم تجذر الجامعة في المجتمع".

وأوضح أن "هناك من الطلبة من يقضي أربع أو خمس سنوات في الليسانس، مقابل 25 بالمئة فقط ممن يحصلون على الإجازة في ثلاث سنوات".

وأبرز ميراوي أن الوزارة تتجه إلى "اعتماد نظام بيداغوجي (تربوي) شامل ومندمج يرتكز على التمكين، ويتضمن رؤية واضحة حول مواصفات الخريجين، ومدى قابليتهم للتشغيل".

من جانبه، أوضح الباحث الأكاديمي خالد الناجي، أن "هناك مجموعة من النقاط التي تفسر مسألة الإهدار الجامعي، الأولى ترتبط بالتحول لدى الطلبة من التعليم الثانوي إلى الجامعة، خصوصا أصحاب التخصصات العلمية، حيث كانوا يدرسون باللغة العربية وينتقلون في الجامعة للغة الفرنسية". 

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "كل التخصصات التقنية والعلمية في الجامعات تدرس بالفرنسية، وهذا يفسر جزءا كبيرا من هذا التحول والصعوبة، حيث تصبح الفرنسية حاجزا في الاستمرار الجامعي، رغم أن نتائجهم في التعليم الثانوي كانت جيدة". 

وأضاف الناجي: "ثانيا، ضبابية رؤية ما بعد الجامعة، أغلب الطلبة الذين لم يقبلوا في مدارس النخبة من هندسة وطب وغيرها من المعاهد المصنفة، وبعد سنة من الدراسة يتعرضون للإحباط، وهذا معطى أساسي".

ويرى أن "هذا يفسر فشل الجامعات المغربية في احتضان الطلبة وفشل المنظومة الاقتصادية والسياسية في إيجاد منافذ للطلبة بعد التخرج".

ولفت إلى أن "جزءا كبيرا من الطلبة يرون أن استمرارهم في الجامعة لمدة 3 سنوات أو 5 للماستر أو 8 للدكتوراه، مضيعة للوقت، وبالتالي يبحثون عن فرص مهنية أقصر وأسلم".

وشدد الناجي على أن "هذا وجه آخر لفشل منظومة التعليم المغربية، خصوصا في مستوياتها الأولية والإعدادي والثانوي وصولا إلى ذروتها في الفشل الجامعي".

فضلا عن الاصطدام مع الفصائل الطلابية وأيديولوجيتها، وإكراهات الأوضاع الاجتماعية للطالب، يوضح الناجي.

ارتجال وضياع

بينما أكد عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي الحسن الهلالي لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) في 11 يناير، أن "الطالب يصل إلى الجامعة بمستوى تعليمي ضعيف للغاية لا يخول له استيعاب أغلب المواد".

وتبعا لذلك شدد الهلالي على أنه "لا يمكن الحديث عن إصلاح التعليم الجامعي بفصله عن التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي لأن الإصلاح يجب أن يشمل المنظومة التعليمية كلها".

فيما ذكر مفتش التعليم الثانوي، مصطفى شكري، أن "هناك سمات بنيوية تلتصق بالمسار الإصلاحي العام الذي قطعه التعليم منذ الاستقلال إلى الآن، على رأسها تحكم القرار السياسي، ومنها الولادة القيصرية العسيرة لمشاريع الإصلاح، وغياب رؤية تدبيرية واضحة لتنزيل الإصلاحات المعتمدة على علاتها".

وأضاف شكري لموقع "العمق المغربي"، في 8 يناير، أن "ما ينجم عن ذلك، هو الارتجال والاستعجال والضياع، وسط مشاريع متعددة، استبدال المسارات والإكثار من المسميات، وتعدد الإجراءات، وتداخل المهام".

وأشار إلى أن "التدهور الفظيع" لجودة النظام التعليمي يعني استمرار وتنوع مظاهر الأمية التي تحد من البعد التنافسي للبلاد في محيطه الإقليمي والدولي.

وقال شكري إن "الرغبة في الاستجابة لتوجيهات التقارير العالمية يسائل استقلال قرارنا التربوي ومدى استجابته لحاجياتنا المحلية الخاصة".

ويؤكد فشل الجامعات المغربية غيابها على الدوام من الوجود ضمن قائمة الـ1000 جامعة الأفضل في العالم، وفق تصنيف "شنغهاي" الشهير الصادر سنويا.

وفي هذا الإطار، يرى الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي جمال الصباني، أنه "مادامت المنظومة التعليمية في بلادنا تعاني من الخلل فمن المستحيل وجود الجامعات ضمن هذا التصنيف"، مشددا على ضرورة العمل على تغيير المنظومة.

وكشف الصباني لموقع "آشكاين" المحلي في 17 أغسطس/ آب 2022، أن "النظام الفرنسي قسّم التعليم العالي إلى قسمين، الأول يضم مؤسسات تابعة للجامعة وأخرى غير تابعة لها، ما يعني وجود بلقنة في المشهد الجامعي، وهو النموذج الذي اعتمده المغرب نقلا عن فرنسا".

في حين، يضيف الصباني، أن الجامعات "الأنجلوسكسونية" تتبع نظاما مختلفا يجمع الطاقات والموارد في جامعة واحدة.

ومن وجهة نظر أخرى، قال الباحث أيوب غاضفا: "مستوى المتخرجين في الجامعات المغربية إن لم أقل مخجلا، فهو دون المستوى، أراد من أراد وكره من كره".

ودعا غاضفا في تدوينة على فيسبوك في 14 يناير 2023، "القائمين على شؤون المجلس الأعلى للتعليم (رسمي) المعين حديثا، أن يكونوا صادقين ووطنيين ومجتهدين في طرح البدائل".

ورأى أن "التكوين بالمؤسسات الخصوصية، ولن أعمم، مستواه جيد مكّن الحاصلين على شهادة الباكالوريا (الثانوية) من ولوج أحسن المعاهد وأجودها".

وأضاف "حتى نكون صادقين مع أنفسنا، الذين يدرسون أولادهم في المؤسسات الخصوصية هم أبناء هذا الشعب الذين آمنوا بأن التعليم الجيد لأبنائهم هو الحل للخروج من أزماتنا، وفهموا بأن التعليم العمومي لم يعد قادرا على تكوين أبنائنا بالمستوى الذين يطمحون له".

واستطرد غاضفا: "لنكن موضوعيين، ولنقم بوقفة تأمل مع أنفسنا، ولنكن صادقين في قول الحقائق كما هي بلا مزايدات".

إصلاح عميق

وبخصوص التدابير المتخذة للحد من ظاهرة الهدر الجامعي، أكد مدير التعليم العالي والتنمية البيداغوجية (التربوية) بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار محمد الطاهري، أنه يتم الاشتغال ضمن "المخطط الوطني لتسريع تطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي" على معالجة الأسباب التي تم تشخيصها.

وأورد في حديث لموقع "القنوات الرسمية" الحكومي في 13 يناير، أنه يتم العمل على إعداد منصة مشتركة مع "وزارة التعليم" لمساعدة الطلبة في عملية التوجيه بناء على اختياراتهم مع مراعاة المؤهلات التي يتوفرون عليها، عبر الرجوع إلى معدلات الثانوية مع الاطلاع على النقاط المحصل عليها في المواد الدراسية، لكي نوفر لهم شروط النجاء".

وبخصوص "عائق اللغة" أفاد الطاهري بأنه يتم الاشتغال ضمن مخطط الوزارة على اعتماد تدريس اللغات كمادة أساسية في سلك الإجازة لتعزيز قدرات الطلبة في هذا المجال، إضافة إلى مواصلة التنسيق مع وزارة التربية الوطنية في السياق ذاته.

وأبرز أن المخطط الجديد المرتقب، الذي سيُشرع في تنزيله تدريجيا ابتداء من الموسم الجامعي القادم، يستلهم نموذج الجامعة الدولي من خلال فتح الباب للتعلم مدى الحياة، مبرزا أن هذا الإجراء سيجعل باب التعلم مفتوحا دون اشتراط الباكالوريا الجديدة أو سن معينة، ما سيمنح دينامية جديدة للدخول إلى التكوينات.

ويجعل المخطط الجديد، وفق الطاهري، الرقمنة في صلب العملية عبر التركيز بشكل خاص على تطوير مهارات الشباب اللازمة لتعزيز قابلية تشغيلهم، وتعزيز قدرتهم على التأقلم مع التحولات التي يشهدها سوق الشغل.

وخلص المتحدث ذاته، إلى أن "من شأن هذه الإجراءات الحد من الهدر الجامعي من خلال توجيه الطلبة للشعب والمسالك التي تناسب قدراتهم، بشكل سيضمن توزيعهم بشكل متساوٍ على المؤسسات الجامعية لتفادي الاكتظاظ، مما سيعزز من جودة التأطير البيداغوجي (التربوي)".

وأكد الطاهري على أن " الوزارة تهدف من ذلك إلى تكوين خرّيجين متمكنين من المهارات التقنية واللغوية والسلوكية التي تساعدهم على التكيف مع متغيرات سوق الشغل بالنسبة للحاصلين على الليسانس، وأن يكون الحاصلون على الماستر خبراء في مجالهم ويتمتعون بالفكر النقدي والابتكار اللازمين لتعزيز القدرات التنافسية للنسيج الإنتاجي".

وبشأن نجاعة النظام التعليمي في توفير حاجيات سوق الشغل، يرى عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي، الحسن الهلالي، أنه "ليس على الجامعة أن تلبي متطلبات السوق بقدر ما يجب على المجال الاقتصادي والمحيط السوسيو اقتصادي أن يتطور لاستيعاب خريجي الجامعات".

ودعا إلى "تقييم التكوين الجامعي في جميع المسالك والتخصصات للوقوف بالضبط على مكامن الخلل والسعي نحو إصلاح عميق بمشاركة جميع الفاعلين كالطالب والفاعل الاقتصادي، رافضا "نقل أي نظام تعليمي أجنبي ومحاولة تطبيقه في المغرب دون مراعاة خصوصيات المجتمع وإمكانياته".