مع عودة نتنياهو للحكم.. ما دور الشركات الإسرائيلية في التطبيع مع السودان؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتحديدا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، نجحت واشنطن في إقناع السودان بالانضمام إلى اتفاق أبراهام، بالتطبيع مع دولة الاحتلال.

بعدها حدثت متغيرات كبيرة سواء بتغير الإدارة الأميركية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أو التطورات المحلية في كل من إسرائيل والسودان، ليجرى تجميد وضعية التطبيع بين عسكر الخرطوم وحكومة الاحتلال، دون حدوث تقدم كبير. 

الآن صعدت حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، وهي الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل (تشكلت في 22 ديسمبر/ كانون الثاني 2022)، بينما يتحرك السودان لتجاوز المرحلة الانتقالية في ظل حكم المجلس السيادي بقيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.

وهنا بدأت إرهاصات جديدة من كلا الجانبين للاستمرار في خطة التطبيع، إذ يتوقع نتنياهو نفسه موجة ثانية من هذه الاتفاقات خلال فترة ولايته.

في حين أن الشركات الإسرائيلية في مجالات مختلفة تخترق أرض السودان وتعمل فيها، مستغلة عملية التطبيع والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلد العربي.

صفقة العسكر

في 8 يناير/كانون الثاني 2023، كتب جاك نيريا الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد والمحلل الخاص للشرق الأوسط، في مركز القدس للشؤون العامة (عبري)، عن آفاق التطبيع القادمة بين السودان ودولة الاحتلال. 

وذكر أن "علاقة إسرائيل الخاصة بالإدارة الأميركية ولوبيها الهائل في واشنطن، سيعطي مساعدة كبيرة لنظام الخرطوم، خاصة في سعيهم للحصول من واشنطن على المساعدات المالية والعسكرية".

ونوه الكولونيل الإسرائيلي إلى أن عسكر السودان يواجه العديد من التحديات الأمنية، ليس أقلها الحركات الإسلامية الداخلية والأجنبية.

وهو ما ستلعب عليه إسرائيل لمساعدة النظام هناك، في تقديم معلومات استخباراتية عن الحركات والأحزاب التي تعمل على "تقويض استقرار" المجلس السيادي. 

ثم تطرق إلى دور آخر ستلعبه الشركات الإسرائيلية داخل السودان، عندما نوه إلى التخطيط لاستيراد اللحوم من هناك بدلا من المزارع في إريتريا.

وذكر أن تل أبيب ترى السودان بديلا جيدا عن أميركا الجنوبية، من حيث جودة اللحوم وتوفير تكلفة النقل. 

وأورد أن شركات السياحة الإسرائيلية ستعمل أيضا على جذب آلاف السياح الإسرائيليين للسودان الذي يتمتع بموارد طبيعية هائلة.

واختتم العسكري الإسرائيلي مقالته قائلا: "يجب على المرء أن يتذكر أنه في الماضي غير البعيد، كان السودان ملاذا لمجتمع يهودي مزدهر له تأثير، وبشكل أساسي، في تصدير المنتجات الزراعية السودانية إلى الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا". 

غزو ناعم 

وبدأ تهافت الشركات الإسرائيلية على السودان، منذ 25 يناير/كانون الثاني 2021، عندما زار وزير الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) آنذاك إيلي كوهين، السودان.

وعبر وقتها عن تطلعات التعاون بين الخرطوم وتل أبيب، بقوله: "ستكون بداية علاقة طويلة الأمد، إسرائيل سترسل في القريب العاجل وفدا من رجال الأعمال لتعميق التعاون".

لم تضيع دولة الاحتلال الكثير من الوقت، فما هي إلا أيام قلائل وأعلنت إحدى الشركات الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية، عزمها تمويل مصنع بالعاصمة السودانية الخرطوم، واختراق المجال الزراعي، والاستفادة من مقدرات البلاد الوافرة.

وفي فبراير/شباط 2021، نشرت صحيفة "معاريف" العبرية، تقريرا أكدت خلاله أن "شركة داشان الإسرائيلية لصناعة الأسمدة والكيماويات الزراعية تستعد لتمويل كامل واستثمار بنسبة 100 بالمئة لإنشاء مصنع للأسمدة بالخرطوم".

وأضافت أنه "سيجرى إرسال بعثة إسرائيلية إلى السودان، لدراسة التعاون في تطوير منتجات الألبان، بهدف تحديد الطرق المحتملة لزيادة إنتاج الحليب في المناطق القاحلة وتقديم التدريب والمشورة".

وذكرت الصحيفة، أن "الحكومة الإسرائيلية بصدد مناقشة عدد من المشاريع الاقتصادية المشتركة الأخرى خلال الاجتماعات بين الجانبين، مع التركيز على مجالات المياه والزراعة، وأن السودان يعتزم إرسال وفد من رجال الأعمال إلى إسرائيل في القريب العاجل". 

في ذلك الوقت كان المجلس السيادي بالسودان، بقيادة عبدالفتاح البرهان، يسعى لتعزيز التطبيع والتعاون مع الدولة العبرية، فألغى قانون "مقاطعة إسرائيل"، وهو الذي تطرق إليه إيلي كوهين، خلال زيارته الأخيرة.

وكان قانون "مقاطعة إسرائيل"، من أقدم القوانين المناهضة للتطبيع مع دولة الاحتلال في السودان، وعليه ارتكزت سياسة الخرطوم على مدار عقود.

وبعد أن وقعت سلطة العسكر الجديدة في الخرطوم مع واشنطن "اتفاقية أبراهام" التي وافقت بموجبها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أعطت الإشارة لكل أدوات المحتل بالدخول والعمل في الأراضي السودانية.

حينها كتبت السفارة الأميركية بالخرطوم، في 6 يناير/كانون الثاني 2021 عبر صفحتها الرسمية في تويتر: "الاتفاق يسمح للسودان وإسرائيل والدول الأخرى الموقعة على اتفاقات أبراهام ببناء ثقة متبادلة وزيادة التعاون في المنطقة".

مغانم إسرائيلية

ونتنياهو الذي جاء إلى الحكم هذه المرة بوجه أكثر تطرفا، وبحكومة يمينية خالصة، كانت لديه خطط خاصة تجاه السودان خلال ولايته السابقة التي انتهت في 2021.

وقتها تحدث عن "بعثات سودانية وإسرائيلية ستجتمع من أجل بحث التعاون في العديد من المجالات، ومن ضمنها الزراعة والتجارة ومجالات مهمة أخرى". وأعلن آنذاك أن "الأجواء السودانية مفتوحة أمام إسرائيل". 

ما خطط له نتنياهو، وعبر عنه قادة إسرائيليون، أكد أطماع دولة الاحتلال حيث يمتلك السودان أراض زراعية ضخمة، حتى أنه يسمى بـ "سلة غذاء العالم". 

ويعد القطن، والسمسم، والفول السوداني من أهم موارده الزراعية. كما أن السودان الدولة الأولى في العالم المنتجة للصمغ العربي بنسبة تصل إلى 80 بالمئة من الإنتاج العالمي. 

وتقدر الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة في البلاد بحوالي 200 مليون فدان (الفدان = 4200 متر مربع)، وكذلك يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكا لها.

وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة.

ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.

تلك المملكة الزراعية الضخمة غير المستغلة، دفعت تل أبيب، إلى محاولة تحقيق الاستفادة القصوى على جميع المستويات، خاصة أن هناك العديد من القوى العالمية تسعى إلى ذلك.

السودان يخسر 

الناشط وعضو التجمع الشعبي السوداني لمقاومة التطبيع عبد الحليم عصام الدين، يرى أن "الأطماع الإسرائيلية في السودان سابقة وقديمة منذ زمن جعفر النميري الذي حول البلاد إلى جسر لآلاف اليهود الأفارقة من إثيوبيا وغيرها للعبور إلى إسرائيل".

وأضاف: "موقع السودان المهم في شرق إفريقيا وإطلالته على البحر الأحمر، وقربه من المضايق المائية، ووجود النيل والأرض الخصبة الشاسعة، والثروة المعدنية والحيوانية المتوفرة، يجعله مطمعا للقوى العالمية، ولإسرائيل على وجه الخصوص".

وذكر أن "إسرائيل الاستعمارية تخلت عن أفكار الغزو القديمة، وتحتال على الأمم من خلال الشركات والتكنولوجيا والاختراق لقطاعات إستراتيجية مثل الزراعة والصناعات العسكرية والأمن السيبراني وغيرها". 

واستطرد: "بما أن المجلس السيادي والأحزاب المتصارعة في شغل عن مصلحة البلد، ويهرعون إلى التطبيع، ويفتحون السودان للشركات الإسرائيلية تحت غطاء المصلحة، فإن الشعب يجب أن يكون يقظا ويمنع تلك السياسة".

وبين أن السياسات الحالية "لن تحقق أي مصلحة للسودان الفقير والمضطرب، وسيكون هو الخاسر الأكبر، بينما تجني إسرائيل المكاسب وتحقق أطماعها كما أرادت ورسمت". 

واختتم الناشط السوداني حديثه بالقول: "السودان لم يجن من حكم العسكر سوى البؤس والفقر والسجون".

وأردف: "الآن وهم ينقلبون يقدمون وعودا للشعب بالرخاء عقب كسر الحواجز والتطبيع، ولكن البلد سيدخل في بؤرة مظلمة جديدة أشد خطورة ووعورة".