رغم رحيله منذ نحو ربع قرن.. لماذا يتجدد الهجوم على الشيخ الشعراوي في مصر؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

"معلم قل أن يوجد مثله، ومفسر لا نظير له.. فهو صوت للقرآن مسموع، وعلم للدعوة مرفوع، وإمام للتفسير متبوع"، شهادة قديمة للشيخ الراحل يوسف القرضاوي في حق الشيخ محمد متولي الشعراوي، استحضرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في دفاعهم عن الأخير ضد حملة الهجوم الواسعة التي يتعرض لها أخيرا.

وفي 4 يناير/ كانون الثاني 2023، تفجرت حالة من الجدل بشأن الشيخ الشعراوي، أحد أشهر دعاة مصر على الإطلاق، وصاحب الشعبية ذائعة الصيت في العالم العربي رغم رحيله عام 1998. 

وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الشيخ الراحل، فقد سبقتها خلال السنوات والشهور الماضية إساءات كثيرة من قبل إعلاميين وفنانين مصريين موالين للنظام الحاكم، ويوصفون بالعلمانيين المتشددين.

وبدأت الأزمة الأخيرة بعد إعلان وزارة الثقافة المصرية خطة الأعمال المسرحية لعام 2023، ومن بينها مسرحية عن الشيخ محمد متولي الشعراوي، بصفته من رموز مصر عبر التاريخ.

وهو ما أثار رفضا واسعا بين إعلاميين ومسؤولين من رواد الفكر العلماني المتشدد، ووصل الأمر إلى حد الهجوم على الشيخ الراحل وأفكاره. 

لتنساب موجة غضب شعبية ضد المهاجمين، استحضر ناشطون خلالها سيرة الشيخ وتاريخه ودروسه، ومواقفه الكثيرة في رفض الظلم ومجابهة الأفكار العلمانية والإلحادية.

وبينوا أن منهجه في الدعوة، وتفسير القرآن وتبسيط معانيه، ودحض الأفكار والدعاوى الشاذة، جعلته شخصية غير محببة لدى رواد تلك المدارس العلمانية، وظلوا على عهد الهجوم عليه، حتى بعد رحيله منذ ما يقارب 25 عاما. 

هجوم ممنهج 

الناقد الفني طارق الشناوي كان أول من افتتح حملة الهجوم الأخيرة في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم" المحلية قائلا، "إن الشيخ الشعراوي كانت له آراء رجعية، مع كل الاحترام لمحبيه والشعبية الكبيرة التي يتمتع بها، ولكن هذا ليس وقت (تنفيذ) عمل له".

وأضاف: "أن المجتمع يتراجع في أفكاره وتحرره، وأنه يأمل تقديم عمل يتحدث عن سماحة وعصرية الدين الإسلامي وارتباطه بالآخر".

وواصل الشناوي هجومه اللاذع عندما قيل له إن العمل مرتبط بشهر رمضان الكريم، فرد "هو شهر روحانيات، ولكن روحانيات الشعراوي متخلفة ورجعية ومتزمتة وغير عصرية".

وأكمل: "كان من الأفضل تقديم سيرة الدكتور مجدي يعقوب (جراح مصري بارز) أو الدكتور أحمد زويل (عالم كيميائي)". 

بلغ الأمر ذروته عندما دخلت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني على خط الأزمة، وأعلنت "أن ما أعلن عنه ليس مسرحية، بل عمل فني رمضاني جرى تقديمه على لجنة لتوافق على عرضه في رمضان".

ووصفت الكيلاني الشيخ الشعراوي بأنه رجل "عليه تحفظات كثيرة"، وذكرت أنه لا بد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية المؤثرة في المجتمع.

وتقدمت عضو مجلس النواب المصري، فريدة الشوباشي، بطلب إحاطة لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الثقافة، بشأن "ضعف أداء وزارة الثقافة في نشر الوعي بوسائل التوعية، وتصحيح المفاهيم المشوهة مثل الفنون".

وسبق أن تعرضت الشوباشي لحملة غضب شعبية بسبب هجومها المتكرر على الشيخ الشعراوي، حتى إن أحد المحامين دخل معها في اشتباك لفظي مباشر على الهواء خلال مناظرة تلفزيونية على قناة القاهرة والناس.

وبحسب وسائل إعلام مصرية فإن النائبة المعروفة بتوجهها العلماني، وقربها من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، تساءلت في طلب الإحاطة: "كيف ينتج المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة، مسرحية عن الشيخ الشعراوي".

لكن الهجوم الأسوأ جاء من الإعلامي إبراهيم عيسى أحد أشد أعداء الشعراوي، قائلا "شيخ ريفي لكن ظهر في وقت مناسب بعدما كانت البرامج الدينية مقتصرة على الشيوخ الأزهريين الذين يتحدثون بجمود".

وصعد الإعلامي المصري من خطابه ضد الشيخ موجها له سلسلة من الشتائم والاتهامات، واصفا إياه بـ"المنافق"، و"الداعشي"، وفق زعمهم.

ردة الفعل

لم يقف المجتمع المصري كثيرا يشاهد النيل من الشعراوي، وتصدرت مشيخة "الأزهر" بقيادة الشيخ أحمد الطيب، عملية التصدي للهجمة الشرسة.

وقالت في بيان عبر صفحتها في "فيسبوك"، في 5 يناير/كانون الثاني 2023، إن "الشعراوي وهب حياته لتفسير كتاب الله، وأوقف عمره لتلك المهمة، فأوصل معاني القرآن لسامعيه بكل سلاسة وعذوبة، وجذب إليه الناس من مختلف المستويات، وأيقظ فيهم ملكات التلقي".

وأضافت: "أن الراحل كان مثالا للعالم الوسطي، وله مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال، وجهود موفقة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن".

فيما قررت أسرة الشيخ توكيل محامٍ للبدء في رفع قضايا ضد أصحاب التصريحات "المسيئة" للشعراوي. 

وكذلك تقدم عضو مجلس النواب كريم طلعت السادات، بطلب إحاطة إلى رئيس المجلس، بشأن التطاول الممنهج على الشيخ الشعراوي.

وبين أن الشعراوي رمز وطني وقيمة وقامة دينية يعتز بها المسلمون والعرب، وشدد أن الهجوم عليه بهذه الطريقة أمر غير مقبول.

ودون الكاتب الصحفي المعارض سليم عزوز: "إنها حملة ضد الشيخ الشعراوي، برعاية من يديرون ملف الإعلام في السلطة، ليس لأنها تعادي الدين أو شيئا من هذا القبيل، ولكن لأنها تريد أن تنال من كل الرموز المصرية، فلا يكون هناك سوى العدم". 

واستطرد: "إن أحدا من الذين يتطاولون على الشعراوي لا يمكنه أن يهاجم أصغر مسؤول في مصر". 

مآثر الشيخ 

يعد الشيخ الشعراوي من أعلام الحياة المصرية والشخصيات الفذة. ولد بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، في 15 أبريل/نيسان 1911.

أبدى نبوغا منذ الصغر في حفظه للقرآن الكريم، والشعر والمأثور من القول والحكم.

وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية الأزهرية، ودخوله المعهد الثانوي الأزهري، حظي بمكانة خاصة بين زملائه.

فاختاروه رئيسا لاتحاد الطلبة، ورئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، ومثلت هذه نقطة التحول الأولى في حياته.

بدأت رحلة الشعراوي السياسية عندما كان طالبا، محمولا على أعناق رفاقه، يهتف "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، وذلك في بداية ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني. 

وهجا الشعراوي الملك فاروق الأول حينها بقصيدة تسببت في محاكمته وحبسه بعد القبض على أبيه وأخيه كوسيلة لإجباره على تسليم نفسه.

وعندما بدأ انقلاب 23 يوليو/تموز 1952، كان الشعراوي في بعثة للسعودية، ولم يتحمس كثيرا لقيام حركة (الضباط الأحرار)، بقيادة رئيس النظام الأسبق جمال عبد الناصر، وكان لديه بعض التحفظات على قادتها.

وربما يعود ذلك لخلفيته الوفدية، وتعامل الثورة الفج مع الأحزاب، والحركات السياسية، بالإضافة إلى موقفها من الأزهر الشريف.

بداية الظهور

الظهور الحقيقي والقوي للشيخ الشعراوي في الحياة المصرية، بدأ خلال حقبة رئيس النظام الأسبق محمد أنور السادات.

وعنها يقول الدكتور محمود جامع الطبيب المصري، والسياسي المشهور آنذاك، والذي كان مقربا بقوة من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات: "كنت حلقة الوصل بين الرجلين (السادات والشعراوي) ، فقد دبرت لقاء بينهما في منزلي بمدينة طنطا".

وحسب جامع: "كانت العلاقة بينهما خاصة جدا إذ لعب الشعراوي دورا كبيرا في تعميق مفاهيم الدين عند أنور السادات الذي عاهد الشيخ في منزله بقوله:‏ أشهد الله أن أحفظ لهذا البلد إسلامه وأزهره".

وكانت آخر واقعة بين الشعراوي والسادات، عام 1981 حينما انتفض لما جاء في خطبة الرئيس عن الشيخ أحمد المحلاوي، وقوله: "مرمي في السجن زي الكلب".

فأرسل الشيخ برقية إلى الرئاسة قال فيها: "السيد الرئيس محمد أنور السادات، إن الأزهر الشريف لا يخرج كلابا، ولكنه يخرج دعاة أفاضل وعلماء أجلاء".

بعدها جاء زمن رئيس النظام الأسبق حسني مبارك، واتسمت علاقة الشيخ الشعراوي بالمخلوع، بالهدوء النسبي.

وفضل الشيخ الابتعاد عن السياسة والانشغال الكامل بتفسير القرآن، ومع ذلك كان بينهما موقف شهير في يونيو/حزيران 1995 عندما نجا مبارك من محاولة اغتيال في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

ووضع الشعراوي يديه علي كتف مبارك قائلا: يا سيادة الرئيس إني أقف على عتبة دنياي، مستقبلا آخرتي ومنتظرا قضاء الله فلن أختم حياتي بنفاق ولن أبرز عنتريتي بافتراء"، وأضاف: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله علينا".

ثم توفي الشعراوي في 17 يونيو 1998، بعدما عاصر معظم حكام وملوك مصر خلال القرن الماضي، وحقق شعبية طاغية قل لأحد من الدعاة أن يحوزها. 

سبب الكراهية 

في حديثه لـ"الاستقلال" قال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر ماهر عامر "إن هناك أكثر من سبب يجعل التيار العلماني والكارهين للدعوة الإسلامية أن يبغضوا ويحاربوا الشيخ الشعراوي حيا وميتا".

وعلى رأس تلك الأسباب أن الشيخ يمثل رمزية كبيرة للشعب المصري ولكثير من العلماء والدعاة، ودائما ما يكون مثلا أعلى ومدرسة دعوية قائمة بذاتها تسعى أجيال جديدة من شباب الدعاة لحذو مسلكه ومنهجه رغم وفاته منذ 25 سنة". 

وأضاف: "ما يفعله كارهو الشيخ رحمه الله هذه الأيام حقيقي وهم قد تداولوا أفكاره جيدا وخافوها ويريدون وأدها".

وأورد: "فالشعراوي نبع صافٍ متماسك في زمن قام بذلك التماسك نفر قليل فأخفى الكارهون ذكرهم، وبقي ذكر الشيخ رحمه الله وحب البسطاء له، وهذه هبة وهبها الله له رحمه الله، أغاظت كثيرا من الموتورين العلمانيين".

وأكمل: "لذلك فإن الجدل المستمر حول الشيخ الشعراوي رحمه الله ليس من باب ركوب الموجة أو تحقيق الشهرة".

وأردف: "هذه معركة مهمة في البنية الثقافية والدينية للشعب المصري، فوصم الشعراوي بالرجعية والظلامية من قبل هؤلاء هو إرهاب حقيقي وخلط رهيب يجب التصدي له". 

ثم أوضح: "الشعرواي من الشخصيات القليلة التي حققت مجموعة من المعادلات الصعبة، ما بين العلم الغزير والتدريس الأكاديمي، وتبسيط العلوم، وغزارة الأفكار، والشعبية الكبيرة بين الناس، وهو ما يطلق عليه الكاريزما، وبين الاستمرار سنوات طويلة في الحياة العامة والسياسية دون شائبة تشوبه.

وبين أنه "حتى لما تولى منصب وزارة الأوقاف ازدادت شعبيته ولم تتزحزح كما سقط كثيرون في هذا الاختبار الصعب". 

واختتم: "على علماء الأزهر ومصر وكل من يحمل تقديرا لبلاده، أن يقف ضد هذه الحملات الشرسة لأن الشعراوي من أوجه قوة البلاد الناعمة في الوطن العربي والعالم الإسلامي".

وإذا تحطم هذا الرمز حاليا، فكل شيء مباح سيحدث مستقبلا، وستدخل مصر في مزيد من الرجعية والظلام والخراب كما يحدث الآن، وفق قوله.