مستغلة أخطاء فردية.. حكومة أخنوش تمضي في تقنين تكميم أفواه المغاربة
عادت مخاوف حقوقيي المغرب بشأن "تكميم الأفواه" بعد تهديدات وزير العدل عبداللطيف وهبي، بتوجيه مشروع "القانون الجنائي" المرتقب نحو مزيد من التشدد بهدف "مكافحة التشهير" على منصات التواصل الاجتماعي.
وتعالت الأصوات المنبهة من استغلال موضوع الحد من ظاهرة التشهير للانتقال نحو "تكميم الأفواه"، معيدا للأذهان مشروع القانون المثير للجدل والمعروف بـ"22.20" عام 2019.
وأثار المشروع الذي تم تأجيل النظر فيه منذ ذلك التاريخ نقاشا واسعا لدى الرأي العام المغربي الذي انتفض رافضا له، وذلك بسبب أنه "يقيد الحريات كونه يتضمن قيودا وعقوبات مشددة بالسجن والغرامة المالية".
الطريق الأقصر
وفي كلمة أمام البرلمان المغربي، في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قال وهبي، إن "مشروع القانون الجنائي الذي ستحيله الحكومة على البرلمان قريبا، نص على مجموعة من العقوبات المشددة".
وأضاف أنها تستهدف "مروجي الصور عبر التطبيقات ومنصات التواصل ومن ينتحلون صفة الصحافة عبر إنشاء جرائد إلكترونية أو قنوات يوتيوب دون أن تربطهم أي صلة بالصحافة، إضافة إلى أولئك الذين يمسون بحرية الناس".
وتابع وهبي: "سنتشدد في هذا الموضوع لأننا نعتقد أن الإنسان وكرامته وحياته الحميمية مقدسة، ولا يجوز المساس بها وأنه يتفق مع الرأي الذي يدعو إلى تشديد العقوبات على منتهكي الحياة الخاصة".
وفي الأيام الأخيرة، شهدت الساحة الإلكترونية في المغرب حالات تشهير وتداول معلومات شخصية، أبرزها انتشار صور عميد المنتخب غانم سايس على مواقع التواصل الاجتماعي مع فنانة زاعمين أنها زوجته.
ما دفع اللاعب لإصدار بيان في 29 ديسمبر، طالب فيه بالابتعاد عن حياته الشخصية مع تهديده باللجوء للقضاء.
كما نشر موقع "آشكاين" المغربي (غير حكومي) مقالا بعنوان" أبو خلال سلفي يخترق المنتخب الوطني"، زاعما أن لاعب المنتخب زكريا أبوخلال "قام بتصرفات وإيحاءات ذات مرجعية دينية سلفية، إلى درجة دفعت بإعلام أجنبي إلى الحديث عن اختراق داعشي للمنتخب الوطني".
لكن الموقع اضطر أن يسحب المقال لاحقا وقدم اعتذارا بعد حملة استنكار وتنديد واسعتين بالمغرب.
وفي تعليقه على تصريحات وزير العدل، نبه رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، من عودة القانون الذي أثار الجدل عام 2019، وأن تكون قضية لاعبي "أسود الأطلس"، زكريا أبو خلال وغانم سايس "الطريق الأقصر" للحد من حرية التعبير.
وعبر حسابه على فيسبوك في 29 ديسمبر، قال غالي: "أخشى أن تكون قضية أبو خلال، وغانم سايس… الطريق الأقصر لإعادة قانون 22.20 من أجل تكميم الأفواه، القانون الذي سبق ورفضه المغاربة قبل ثلاث سنوات.. حضوا تقاشركم (راقبوا جواربكم)".
مخاوف مشروعة
وبينما أبدى بعض المغاربة ترحيبهم بمشروع القانون شريطة أن يكون رادعا لـ"المشهرين" بالحياة الشخصية حصرا، بالمقابل أبدى كثيرون مخاوفهم من استغلال السلطات القانون الجنائي للحد من حرية الرأي.
وعبر حزب "العدالة والتنمية" المعارض، على لسان نائبه البرلماني، مصطفى حيكر، عن رفضه إحياء قانون تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير، "عبر النظر إلى أي انتقاد موجه لمسؤول على المستوى المحلي أو على مستوى الدولة أو على المستوى الحكومي أو السياسي، على أنه تشهير".
وفي تصريح نقله موقع "الحزب"، في 28 ديسمبر 2022، رأى حيكر أن "توسيع التشهير بهذا الشكل تجاوز الخط الأحمر، فلا يمكن قمع حرية التعبير ولا يمكن طوير قواعد لتكميم الأفواه بدعوى حماية الناس ضد عملية التشهير".
ومقابل التأكيد على أهمية توفير "بند تشريعي" يحمي الحياة الخاصة للناس، شدد البرلماني على "ضرورة أن تكون النصوص القانونية موازنة بين حماية الحياة الخاصة للمواطنين، دون الوقوع في تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير، ومنع انتقاد أي مسؤول أيا كان".
وأكد حيكر على أن "المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ستكون حاضرة باقتراحاتها في إطار تعديل التشريع الجنائي، وستقف موقفا وسطا بين هذين الأمرين".
واستطرد: "سنحيط بالقواعد التي ترمي إلى حماية الحياة الخاصة للمواطنين، وليس إلى الحد الذي قد يوقعنا في تكميم الأفواه وقمع حرية التعبير".
من جانبه، شدد القيادي بجماعة "العدل والإحسان" المعارضة، حسن بناجح، على ضرورة "الانتباه لاستغلال موجة رفض التشهير من أجل تمرير قانون جنائي يتوسع في الحد من حرية التعبير كما أعلن ذلك وزير العدل في البرلمان".
وكتب بناجح على فيسبوك في 28 ديسمبر، "كما وقف الشعب المغربي ضد مشروع قانون 22.20 المشؤوم الذي كان يراد به تكميم الأفواه، فينبغي أن يكون الجميع على أعلى درجة من اليقظة ضد أي ترحيل لقضايا الرأي والتعبير إلى القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر مهما يكن المبرر المعلن، وأيا كان المستهدف الحالي".
ورأى بناجح أن "الوقوف ضد التشهير لا يعني التسليم باتخاذ وسائل وخطوات غير مشروعة ومنافية لحقوق الإنسان".
وأكد أنه "لا ينبغي تكرار (شمتة) تمرير قانوني الإرهاب والاتجار في البشر اللذين، بمجرد تشريعهما سابقا، تم توظيفهما بتوسع وتمطيط خارج المبررات الأولى المعلنة، ليستعملا سوطا سياسيا ضد المعارضين والمزعجين للسلطوية بآرائهم".
جزئية غامضة
بدوره، قال الأكاديمي المختص في قضايا الإعلام، يحيى اليحياوي: “سمعت وزير العدل يصرخ ويهدد ويتوعد بإدراج تجاوزات الشبكات الرقمية ضمن نصوص القانون الجنائي وتشديد العقوبة.. كل من لديه صفحة أو حساب، ويتجاوز في حق الناس، سيعاقب.. وكل من لديه قناة أو موقع إلكتروني، عليه أن يتوفر على صفة الصحفي، ويكون منبره قانونيا".
وأضاف على حسابه بفيسبوك في 28 ديسمبر: “هذا وعيد وزير، بيد أن القضية أعقد بكثير من تصريح عابر أو من وعيد يطلق في الهواء…".
وتابع: "لدينا قانون صحافة، لم أكن راضيا عنه منذ اليوم الأول، لكنه قائم يتوجه الوزير ليفرغه من مضمونه، ويحوله إلى جزء من القانون الجنائي.. فيتساوى بذلك الصحفي المهني العامل بجريدة أو بموقع، مع صاحب صفحة أو حساب ضمن مواقع التواصل الاجتماعي.. يغرمان معا أو يسجنان في حالة التجاوز.. لن يكون من حرمة لأحد إذن”.
واستدرك: “لكن هذا يستوجب أن نحدد بدقة معنى الجريمة (وهي افتراضية في هذه الحالة) ودرجاتها، حتى نفرد لها ما يناسبها من عقاب، وإلا سيتحول أدنى تلميح لهذا أو لتلك إلى شبهة، ثم إلى سلوك يعاقب عليه القانون، فتكثر الخطوط الحمر، وينتهي المجاز في اللغة بالمحصلة”.
وتساءل اليحياوي: “هل بإمكان القانون أن يحد من حالات التجاوز؟”، مجيبا: “لا أظن.. لأن ما تفرزه تكنولوجيا الشبكات يوميا، يتجاوز بكثير قدرة المشرع على الإلمام به، فما بالك ضبطه وتقنينه… يجب أن تحيل هذه الجزئية الغامضة على الخبراء، قبل أن يتداول فيها الوزراء".
البرلمانية السابقة والقيادية في حزب "العدالة والتنمية"، آمنة ماء العينين، بدورها أبدت أسفها من غياب الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية والإعلام الرزين "على قلته"، عن مناقشة تعديلات "القانون الجنائي".
ولفتت ماء العينين بحسب موقع "لكم" المحلي" في 31 ديسمبر، إلى أن "تصريحات وزير العدل مثلا بخصوص تكييف المتابعة في حالة ارتكاب جريمة التشهير في وسائل التواصل في إطار القانون الجنائي بعيدا عن قانون الصحافة والنشر، وغيرها من المواضيع الهامة تتطلب نقاشا وتمحيصا وتدقيقا بعيدا عن المواقف المتسرعة مع أو ضد".
وشددت على أن "القانون الجنائي ليس قانونا عاديا يتم تعديل بعض مواده بطريقة تجزيئية، حتى إن المشروع السابق، تمت مواجهته نظرا لتضمينه مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع الشهيرة بمبرر رفض منطق التجزيء والحاجة إلى نقاش معمق يهم السياسة الجنائية كتصور فكري ومجتمعي قبل أن تكون مجرد نصوص وقوانين".
معضلة التشهير
وتأتي مخاوف الحقوقيين والسياسيين من مشروع "القانون الجنائي" لأن السلطات القضائية تحاكم الصحفيين وأصحاب الرأي به في تجاوز لـ"قانون الصحافة"، والنظر إلى أي حالة انتقاد لمسؤول عمومي على أنها "حالة تشهير".
وتزامنت هذه التحذيرات مع توعد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، من يقومون بالتشهير بسمعة المحافظين أو أطر وموظفي الوزارة بالمتابعة القضائية.
وخلال كلمة بمجلس المستشارين في 17 ديسمبر 2022، قال لفتيت إن "وزارة الداخلية لن تسمح بالتشهير أو المس بسمعة ولاة الجهات أو العمال (المحافظ)، أو أي إطار من أطر وموظفي الوزارة وكل من ثبت في حقه المس بهم ستتم متابعته قانونيا".
وتابع لفتيت مدافعا عن جميع الموظفين التابعين إداريا بوزارته قائلا إنهم "يشتغلون بكل تفانٍ وإخلاص خدمة لعاهل البلاد وللمواطنين".
"الجمعية المغربية لمحاربة الفساد"، وصفت تهديد وزير الداخلية بـ"الخطير وغير المقبول بتاتا" في حق مواطنين يتم المس بسلامتهم النفسية عبر الوعيد والتلويح بالمتابعات القضائية التي قد تزج بهم إلى السجون.
وفي بيان صادر في 19 ديسمبر، قالت الجمعية: "أن تشتكي وزارة الداخلية بمن يتورطون في حقها في جرائم ثابتة وبوجود دلائل قطعية تدينهم، وليس بكيل تهم فضفاضة من قبيل إهانة الموظفين العموميين ووو، فهو حق من الحقوق المكفولة قانونا لها ولكل المؤسسات بالمغرب".
واستدركت: "لكن الذي ليس أخلاقيا هو أن يخرج علينا وزير الداخلية ويتوعد من أسماهم بالمشهرين بالولاة والعمال هكذا كل بساطة ودون وجود أي سياق جدي وحقيقي وكأنه يخاطب مجموعة من الرعاع".
وتابعت: "هذا الأمر يمكن وصفه بالمشهد التهديدي الخطير غير المقبول بتاتا في حق مواطنين يتم المس بسلامتهم النفسية عبر الوعيد والتلويح بالمتابعات القضائية التي قد تزج بهم وراء السجون".
وبينت أنه "لو أن كل وزير من وزارات المغرب خرج ليهدد المواطنين الذين يتناولون قضايا الشأن العام أو التي تتعلق قضاياهم الخاصة بمصالح هذه الوزارات، لأصبحت معه مؤسسات ووزارات المغرب الرسمي، وكأنها بمثابة قواعد عسكرية متسترة تحت يافطات الإدارات ويمنع منعا باتا الاقتراب منها..".
وختمت الجمعية المغربية لمحاربة الفساد بيانها بالقول: "الأمر لا يستقيم ودولة الحق والقانون، ومبادئ مدسترة من قبيل وجوب ربط تقلد المسؤولية بالمحاسبة..".