بعدما فشلت في حسمها.. روسيا تخطط لاستخدام سلاح النساء بحرب أوكرانيا

12

طباعة

مشاركة

في ظل الانتكاسات العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية منذ بدء الغزو في 24 فبراير/شباط 2022، تقلب موسكو كل الأوراق التي تدعم جبهات القتال هناك، وتدفع بموازين القوى لصالحها.

وبعد عمليات تجنيد المرتزقة الرجال، يبدو أن روسيا مع بداية عام 2023، تريد تكرار تجربة النساء المقاتلات من رماة النخبة اللواتي انتسبن لمجموعات المناصرين الذين حاربوا خلال الحرب العالمية الثانية وكن محطّ تركيز للبروباغندا السوفياتية آنذاك.

تجنيد النساء

وتجلت هذه الفرضية، من خلال عزم مجموعة مرتزقة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية الخاصة، تجنيد نساء معتقلات في السجون الروسية لإرسالهن إلى القتال في أوكرانيا، بعدما قامت بالأمر نفسه مع الرجال.

وقال رجل الأعمال الروسي، رئيس مرتزقة "فاغنر"، يفغيني بريغوزين، إن "تجنيد النساء ليس للعمل كممرضات ومشغلات فحسب، بل أيضا ضمن مجموعات تخريب أو فرق قناصة، ونعلم جميعا أن الأمر قد سبق أن جرى على نطاق واسع".

وبحسب ما نقلت خدمته الإعلامية على تطبيق "تلغرام" في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، أضاف بريغوزين "نعمل في هذا الاتجاه، وهناك مقاومة، لكنني أظن أننا سنتغلّب عليها".

وكان بريغوزين يرد على رسالة لمسؤول روسي من منطقة "الأورال" جاء فيها أن نساء معتقلات في سجن بمدينة نيجني تاغيل طلبن منه إرسالهن إلى الجبهة الأوكرانية لمساعدة الجيش الروسي.

وعلى مدى الأشهر الأخيرة، اتُهمت "فاغنر" بتجنيد عدد كبير من الشباب والرجال المعتقلين في السجون الروسية وإرسالهم للقتال في الخطوط الأمامية بأوكرانيا، مقابل وعود بخفض محكومياتهم وتقديم رواتب مغرية لهم.

وأشرف بريغوزين بنفسه على عمليات التجنيد، حتى أنه ظهر في عدد من محاور القتال المتقدمة بأوكرانيا في 26 سبتمبر/أيلول 2022، واعترف في حديث مصور له بانتشار عناصر من مجموعته في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية خصوصا، وذلك في أول إقرار بذلك بعد سنوات من النفي الشديد منذ تأسيسه لفاغنر في مايو/أيار 2014. 

كما ظهر يفغيني عبر مقطع فيديو وهو يتحدث إلى سجناء روس يشرح لهم فيها مزايا القتال مع مجموعته في أوكرانيا والتي تتضمن إطلاق سراحهم بعد خدمتهم لمدة 6 أشهر.

وفي تسجيل مصور نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في 16 سبتمبر 2022، قال بريغوزين لنزلاء سجن وسط روسيا: "في غضون ستة أشهر ستعودون إلى منازلكم بعد أن تحصلوا على عفو عام، وبالتالي لن ترجعوا إلى السجن مرة أخرى".

وأضاف بريغوزين متوعدا أولئك الذين يرفضون القتال بعد وصولهم إلى أوكرانيا بأنهم سيصنفون على أنهم "فارون"، وبالتالي سيعدمون فورا "بإطلاق النار عليهم".

ومن هنا ذكرت تقارير صحفية، أن "فاغنر ستطبق الأمر ذاته على النساء الراغبات بالانخراط في غزو أوكرانيا، التي مالت الكفة العسكرية هناك لصالح كييف".

وانخفض إجمالي عدد نزلاء السجون في روسيا بنحو 23 ألفا، في وقت يحث فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا على إرسال المزيد إلى الجبهة.

ووثقت وسائل إعلام، مقتل حوالي 500 سجين روسي خلال معارك أوكرانيا، بعدما "تطوعوا" كمرتزقة مقابل رواتب مرتفعة والأهم الحرية بعد الحرب.

التجربة السوفييتية

وبالعودة إلى تجنيد النساء من قبل روسيا تاريخيا، فقد جرى التعرف على الرماة الإناث للمرة الأولى لمهاراتهم القتالية في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بعد أن خدمت حوالي 800 ألف امرأة في القوات المسلحة السوفيتية كقناصات وقائدات طيارات وحاملات مدافع رشاشة، بينما انخرط عدد كبير منهن في الوحدات الطبية.

وفي ذلك الوقت، كانت معظم المجتمعات لا تزال منقسمة بشكل صارخ على أساس الجنس، حيث كان ينظر إلى وظائف معينة على أنها للرجال فقط وأخرى للنساء فقط.

وعندما لوحظ تقلص نسبة انضمام الرجال إلى الجيش، بدأت العديد من الدول في توظيف النساء في الأدوار الداعمة، من إنتاج الذخيرة للتمريض إلى إدارة القواعد العسكرية.

لكن السوفييت ذهبوا إلى أبعد من ذلك، داعين شاباتهم ليس فقط لدعم الجنود ولكن للانضمام إلى القتال.

وقاتلت حوالي مليون امرأة في مختلف فروع الجيش السوفيتي، حيث قام البعض بالتمريض والدعم، كما هو الحال في البلدان الأخرى، لكن البعض منهن قدن الدبابات والمدافع الرشاشة والطائرات المقاتلة.

وتؤكد المعلومات أن 2484 منهن أصبحن قناصات، واللافت أنه من بين هؤلاء، نجا حوالي 500 فقط من الحرب.

وآنذاك ذاع صيت القناصة ليودميلا بافليشنكو، التي انضمت إلى فرقة البندقية الخامسة والعشرين بالجيش الأحمر في يونيو/حزيران 1941، وأطلق عليها لاحقا اسم "سيدة الموت".

وقيل إن تلك السيدة تمكنت من قنص 309 نازيين خلال الحرب العالمية الثانية كواحدة من أشهر القناصين عام 1942.

أصوات موافقة

وتأتي الخطة الروسية الوليدة، لإشراك السجينات في غزو أوكرانيا، في وقت حدد فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اقتراحا لتوسيع جيش البلاد إلى 1.5 مليون جندي بدل 1.15 مليون حاليا.

وخلال اجتماع متلفز في 21 ديسمبر 2022، قال شويغو لبوتين إن زيادة العدد مطلوبة "لضمان حل المشكلات المتعلقة بالأمن العسكري".

وبين شويغو، أن 695 ألفا من المقاتلين يجب أن يكونوا جنودا متعاقدين محترفين، على عكس المجندين الذين يخدمون الخدمة العسكرية الإلزامية.

ومنذ 12 ديسمبر 2022، بدأت روسيا حملة التجنيد العسكري للنساء للتعبئة للحرب في أوكرانيا للتعويض عن الخسائر العسكرية الهائلة لوحدات فيلق الجيش الأول، حسب بيان صادر عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في 12 ديسمبر.

وقالت القوات المسلحة الأوكرانية: "جرى بالفعل تجنيد 28 امرأة وإرسالهن للتدريب من قبل المفوضية العسكرية لمنطقة كالينينسكي في دونيتسك".

وكثيرا ما تعالت صوت التكهنات مع استمرار الحرب بأن تبدأ موسكو في تجنيد النساء في حربها ضد الجارة أوكرانيا.

اللافت أن فكرة تجنيد النساء الروسيات في أوكرانيا، ليست من بنات أفكار "بريغوزين" وحده، بل سبقه إليها، الجنرال في الجيش، فلاديمير بولديريف.

ولفت بولديريف خلال مقابلة مع موقع "أورا" المحلي في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى "احتمال خوض النساء في الحرب، حيث فقدت قوات روسيا مساحات شاسعة من الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها خلال الأيام الأولى بعد هجوم 24 فبراير".

وأكد بولديريف، الذي شغل منصب القائد الأعلى للقوات البرية الروسية في الفترة من 2008 إلى 2010، أنه "إذا جرى استدعاء النساء، فهناك العديد من الأماكن التي يمكن استخدامهن فيها".

وأوضح أنه "يمكن للنساء أن يصبحن طبيبات، والثاني هو مراكز الاتصال في العمق، وكذلك الوحدات الخلفية مثل الطعام والملابس والإصلاح والمغاسل وورش العمل، هذا هو مكانهن الرئيسي في زمن الحرب".

وأشار قائد الجيش الروسي السابق، إلى أن "المرأة قد تكون مستعدة للمشاركة في الصراع لخدمة الوطن الأم الروسي، لكن أولا وقبل كل شيء الاحتراف مطلوب".

واستطرد: "يجرى استدعاء المتخصصين لقدرتهم على تنفيذ مهامهم، يجب أن تكون المرأة بصحة جيدة، بالإضافة إلى ذلك، فإنهن يحتجن إلى القدرة على التحمل والتضحية بالنفس والشجاعة والولاء لقضيتهن وبلدهن".

"الملاذ الأخير"

ولا يتوقف الأمر على ما طرحه الجنرال بولديريف، بل إن عضو مجلس "الدوما"، أليكسي تشيبا، قام بمحاكاة نموذج للجيش الإسرائيلي حيث يخدم الرجال والنساء في الخطوط الأمامية، وفقا لتصريحات صحفية في 21 أكتوبر 2022، نقلتها صحيفة "إكسبريس" البريطانية.

نائبة مجلس الدوما، تاتيانا سولوماتينا، اختارت لهجة مختلفة بشأن قرار التجنيد، قائلة إن "هذا لا يتعلق مطلقا بتاريخنا الروسي، هناك دائما محارب ذكر وامرأة تنتظره، تحرس الموقد".

وأوضحت لموقع "أورا" في 13 ديسمبر 2022، أنه "لطالما اتخذت النساء دفاعا مختلفا"، علاوة على ذلك، أضاف، فإن تجنيد النساء يجب أن يكون "الملاذ الأخير" بالنسبة لروسيا.

ولم يصدر أي حديث أو تأكيد رسمي من الكرملين بأن النساء سيدرجن في الخدمة العسكرية.

لكن وزير الدفاع الروسي شويغو، أكد نشر 82 ألفا من جنود الاحتياط في أوكرانيا، بينما لا يزال 218 ألفا آخرين يتلقون التدريب.

وتأتي فكرة المجندات المحتملات في الوقت الذي تكافح فيه روسيا لتعويض خسائر فادحة في حربها المستمرة.

وأدت النكسات الميدانية، ومحاولات موسكو الإمساك بالخط في أجزاء من جنوب وشرق أوكرانيا التي لا تزال تحتلها وتزعم أنها تابعة لها، إلى إجبار الكرملين على تقديم تجنيد عسكري والاعتماد بشكل متزايد على المرتزقة من قوات "فاغنر" الطامحة لاستغلال فترة الحرب في تضخيم بنيتها العسكرية الخفية.

وفي  أغسطس/آب 2022، قدر وكيل وزارة الدفاع الأميركية كولن كال في تصريحات صحفية، أن ما بين 70 و80 ألف روسي قتلوا أو جرحوا في أوكرانيا منذ بدء الغزو.