"الحجر لا يواجه بالرصاص".. إمام سني في إيران ينتقد سياسات نظام الملالي

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع مظاهرات الجمعة الثانية عشرة في محافظة "سيستان-بلوشستان" الإيرانية، دعا أحد أكبر شيوخ الطائفة السنية في إيران، إلى محاكمة المتورطين في مجزرة "الجمعة الدامية".

وفي 30 سبتمبر/أيلول 2022، وقعت أحداث ما يعرف بـ"الجمعة الدامية" التي شهدت إطلاق نار من جانب قوات الأمن في مدينة زاهدان على المصلين في مسجد "مكي".

جاء ذلك بعد اشتباكات مع متظاهرين خرجوا للاحتجاج على مقتل الشابة "مهسا أميني" التي توفيت أثناء إيقاف الشرطة الأخلاقية لها، وبعد أن انتشرت أخبار عن اغتصاب قائد من الشرطة لفتاة بلوشية.

وأسفرت أحداث هذه الجمعة عن سقوط 35 قتيلا، وفقا لإحصائيات الجهات الرسمية في بلوشستان، بينما يقول المعارضون إن الشرطة قتلت ما يقرب من 100 شخص، بينهم أطفال، وجرحت قرابة 350 آخرين.

ونشر موقع "إندبندنت فارسي" تقريرا عن خطبة إمام طائفة أهل السنة في مدينة زاهدان "مولوي عبدالحميد زهي"، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وطالب زهي في خطبته بمراجعة موقف النظام الإيراني من المتظاهرين، ووقف عمليات الإعدام، والإفراج عن المعتقلين، وإقرار العدل، وإطلاق الحريات.

نصائح للنظام

وخاطب الإمام السني النظام الإيراني، ناصحا إياه بالعديد من النصائح حول كيفية التعامل مع الشعب الإيراني الذي خرج للتظاهر في الشوارع.

أكد أنه "لا يمكن المحافظة على النظام بالسلاح وعسكرة البلاد"، وقال إن "الرصاصة ليست هي الرد على الحجر"، وإن "إعدام الناس والتعامل معهم بعنف سيزيدان المشاكل".

وعن استخدام العنف لحماية الحاكم، قال مولوي عبد الحميد، إن "النظام لا يمكن أن يستمر إلا إذا دعمه الناس"، بحسب ما نقلت "إندبندنت فارسي". 

وأضاف: "لا يمكنك أن تحكم بالقوة والسجن. سيكون من الصعب الاحتفاظ بأي نظام في العالم إذا كان الناس غير راضين عنه ولا يريدونه".

ونصح مولوي عبدالحميد النظام بعدم الاعتداء على الشعب، قائلا: "توصيتي هي ألا تضربوا المواطنين الإيرانيين لأنه لا توجد حكومة تطلق النار على مواطنيها بهذا الشكل. مطلبي هو أن تتركوا الجنود في ثكناتهم، ليمتنعوا عن ضرب الناس". 

وبدلا من العنف، حث مولوي عبدالحميد النظام على التفاهم مع الشعب، قائلا: "ارحموا شعبكم، وأطلقوا سراح فنانيه ونخبته وسجناءه السياسيين، وتحدثوا إلى هؤلاء الناس بما يرضيهم".

وفي المقابل، طالب مولوي عبدالحميد أبناء الشعب الإيراني كله بأن تكون احتجاجاتهم سلمية، وألا يتعرضوا بالضرر للأموال والممتلكات، وألا يهاجموا الجيش، وألا يحولوا الاحتجاجات إلى أعمال عنف.

ودعا عبد الحميد إلى محاكمة مرتكبي مجزرة "الجمعة الدامية" في زاهدان، وقال: "نحن عالقون في حادثة الجمعة الدامية، لماذا استهدف الذين جاءوا للصلاة؟"

وأضاف: "لم يُقتل عنصر واحد من الأمن في الحادثة، لكن لدينا أدلة على إطلاق النار على المصلين من أربع جهات، وأن المسجد كان محاصرا بالكامل".

وأشار إلى أن المحاكمة مطلب شعبي، وأن أهالي زاهدان يذكرونه دائما بضرورة التحقيق في أحداث الجمعة الدامية.

وفي هذا السياق، أكد عبد الحميد، في 21 ديسمبر 2022، على مطلب الملاحقة القضائية لمرتكبي مجزرة زاهدان ومحاكمتهم خلال لقاء مع رجال الدين من أهل السنة في سيستان وبلوشستان.

وشدد على أن "حادثة الجمعة الدامية في زاهدان كانت خطة مدبرة سلفا"، وأن الشعب الإيراني يعتقد أنه لم يتعرض للهجوم من جانب عناصر الأمن فقط، وإنما هوجم من جانب السلطة أيضا، في اتهام مباشر للنظام الحاكم بالوقوف خلف هذا الحادث.  

لفت مولوي عبد الحميد أنظار النظام الحاكم إلى خطورة استفزاز الشعب الإيراني، وحذره من أن ممارساته العنيفة لن تكون في صالحه، لأنه "لا يمكن لأحد أن يحكم بالقوة والسجن"، وأن الاستمرار مرهون بالدعم الشعبي.

وأضاف: "نعتقد أن المسؤولين وكبار رجال الدولة والقادة يجب أن يجلسوا مع الناس، ويروا ما يريدونه، وكيف يمكن التوافق معهم". 

وأكد على أن شعب إيران ذكي وعاقل بشكل عام، والعقلاء يحلون مشاكلهم بالحوار والمفاوضات. 

وأردف: "يجب على الحكومة أن تجلس مع الناس، وترى مطالبهم، وما الذي يرضيهم، وهل يرضى الناس بالتغييرات أم لا".

ولكي يتمكن النظام من إرضاء الشعب، أوصى عبدالحميد بضرورة "الانتباه إلى كلام أولئك الذين لديهم اعتراضات ومشاكل، لأن الجميع إيرانيون، لا فرق بين القوات المسلحة والمسؤولين والشعب".

وحذر من أن المشاكل سوف تزداد، وسيتضرر الإيرانيون إذا استمر قتل الناس وإعدامهم.

وللتحذير من خطورة المواجهة على الوحدة الوطنية، أكد مولوي على أن الشعب الإيراني كله واحد، وأن إيران أمة واحدة، وأن الشعوب كلها تتمتع بالأمن نتيجة الوحدة الوطنية.

وللمحافظة على هذه الوحدة، يجب أن يراعي الإيرانيون حقوق بعضهم البعض، فلا يجيز الناس لنفسهم قتل العناصر التابعة للدولة، ولا تجيز عناصر الدولة لنفسها قتل الناس، كما قال.

العدل والحرية

ويستخدم النظام الإيراني شعارات دينية عديدة في مواجهته للمتظاهرين، ولا يتورع أنصاره عن تصوير المتظاهرين وكأنهم في حرب على الدين، وفق ما تقول إندبندنت.

ولهذا، حاول مولوي عبد الحميد فض الاشتباك بين "الدين" و"الحكم باسم الدين"، فشدد على ضرورة فصل "الدين" عن "الحكم الديني".

وأرجع ذلك إلى أن الدين موجود من قبل، وسيظل موجودا فيما بعد. وعليه فإنه "لا ينبغي التضحية بالدين لصالح الحكم، والنظام، والعكس". 

كما أنه "لا ينبغي توظيف الدين من أجل النظام الإسلامي والحكومة، بل يجب توظيف النظام الإسلامي والحكومة الإسلامية من أجل الدين، من أجل حمايته".

وربط مولوي عبدالحميد صلاح الحكم الإسلامي بإرادة غالبية الناس له، وقال: "سيظل النظام قائما لمدة مائة عام أو أكثر إذا كان هناك عدل وحرية، وإذا أخذت رغبات الناس في الحسبان".

وإذا كان الهدف من النظام الحاكم هو رعاية مصالح الناس، فإن "الحكم الإسلامي ليس هو المهم، وإنما المهم هو العدل والحرية ورضا الناس".

وطالب مولوي عبد الحميد بإلغاء أحكام الإعدام واتهامات "الحرابة" ضد المحتجين الذين اعتقلوا أخيرا.

وقال: "ضعوا حدا للصعوبات والمشقات، وأوقفوا الإعدام واتهامات الحرابة والتعذيب والأمور التي لا يمكن وصفها في السجون".

وتحدث عن تهمة الإفساد في الأرض التي يستند إليها البعض في استهداف المتظاهرين، فقال إن "مصداق الإفساد في الأرض هو قطع الطريق والقتال المسلح"، وهو أمر لا ينطبق على التظاهر.

وشكك مولوي عبد الحميد في الأساس الشرعي لممارسات النظام، فقال: "أحيانا أتساءل: مَن الذي أجاز هذه الأمور؟"

وأردف: "الشريعة الإسلامية لها قواعد، ويمكن للحكام والقضاة ومسؤولي الدولة أن يعملوا في إطارها، وحينها لا يمكن ضرب أي متهم، أو إجباره على الاعتراف. لا يمكن قتل شخص لم يقتل شخصا آخر".

وحول سلطة ولي الأمر في إصدار أوامر القتل، سواء بإطلاق النار على المتظاهرين، أو إصدار أحكام بالإعدام عليهم، أكد مولوي عبد الحميد أنه "لا يمكن لأي ولي أمر أن يحكم بالقتل بدون أمر من الشريعة".

وقال: "ما من حاكم له سلطة للتصرف فوق أمر الله، وفي بلادنا أسمى شيء هو القانون، ولا يمكن لأحد أن يتجاوزه".

واستنكر قول البعض إن ولي الأمر يستطيع أن يصدر أي أمر يرى فيه الصلاح، ونفى أن يكون لذلك أثر في معتقدات أهل السنة والجماعة.

وأوضح ذلك بقوله: "عند أهل السنة، لا يمكن للنبي وهو أسمى شخص أن يتكلم من عند نفسه، إلا أن يكون كلامه وحيا".

وبالتالي، فإنه "لا يمكن لأي زعيم أن يأمر بقتل شخص ما لم تصدر الشريعة الأمر بذلك. ويجب على ولي الأمر أو الحاكم أن يكون أمره في إطار القرآن والسيرة، ولا يمكن له أن يحيد عن الشريعة قيد أنملة".