عباءة الصين وروسيا وأميركا.. ما احتمالات خروج قوى شرق أوسطية منها؟
خلال النسخة الثانية من "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون" في الأردن، أثارت تصريحات القادة المجتمعين، لا سيما العرب، انتباه العديدين، نظرا لما حوته من رسائل مغايرة عما كان الوضع في السابق.
وعقدت القمة في النصف الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، باجتماع حضره بعض ممثلي الاتحاد الأوروبي وقادته، وكذلك قادة الشرق الأوسط، وشهدت مباحثات حول الأزمات في المنطقة، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني.
خروج عن السياسات
وتناولت إذاعة "آر إف آي- RFI" الفرنسية، في نسختها البرتغالية، تصريحات القادة خلال القمة، مستخلصة منها عددا من النتائج المتعلقة بمستقبل العلاقات الغربية العربية.
واستضاف الأردن، في 20 ديسمبر فعاليات قمة "بغداد 2"، التي ركزت على 5 ملفات بارزة، على رأسها الأوضاع في العراق ولبنان وسوريا ومكافحة الإرهاب وأمن الغذاء والطاقة والملف النووي الإيراني.
وحضر القمةَ قادة وممثلو كل من العراق والأردن ومصر والسعودية وقطر وإيران وتركيا وفرنسا والكويت والإمارات وعمان والبحرين.
وتعد هذه النسخة الثانية من قمة بغداد، حيث أقيمت الأولى في أغسطس/آب 2021، في العاصمة العراقية.
بين موقع الإذاعة في تقرير أن القوى المتوسطة، سواء في منطقة الخليج العربي أو إفريقيا أو آسيا، باتت ترفض الالتزام بخطوط السياسة الخارجية التي تتبناها الدول الغربية.
وأوضح التقرير أن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، إضافة إلى انصراف الولايات المتحدة إلى التنافس مع الصين، دفعا القوى المتوسطة إلى السعي وراء زيادة نفوذها، وتعظيم تأثيرها في المباحثات والمحادثات.
فعلى سبيل المثال، أوضحت دول الخليج موقفها من الخلاف بين واشنطن وموسكو وبكين.
صرح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن بلاده اختارت "الحياد والتوازن" في الخلاف القائم بين الأقطاب الدولية الثلاثة.
ووفقا للتقرير، كانت كلمة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، صريحة واضحة، حين ذكر أن "دول الخليج تريد اتخاذ دورها في المحادثات العالمية"، مؤكدا "أنها لم تعد تنحاز لأي طرف من الأطراف".
ويفسر المحللون الجيوسياسيون هذه التصريحات على أنها خروج واضح وصريح عن السياسات التي يتبناها البيت الأبيض فيما يتعلق بموسكو وبكين.
إعادة تموضع
كذلك بين التقرير أن إعادة تموضع القوى المتوسطة والناشئة بدأت خلال الفترة الرئاسية لباراك أوباما، وذلك عندما انسحبت الولايات المتحدة من التدخل لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب السورية.
ويرى أن هذه الخطوة "تسببت في مشكلة خطيرة للقوة الأعظم في العالم، والتي تفاقمت بعد ذلك مع العزلة التي اتسمت بها حقبة دونالد ترامب".
وكان دونالد ترامب قد أعلنها "أميركا أولا"، في إشارة إلى الملفات التي ستوليها إدارته الاهتمام الأكبر.
ووفقا للتقرير، "أدركت حكومات الدول الخليجية، منذ تلك اللحظة، بالتزامن مع التدخل الأميركي الغامض في الأزمات الإقليمية، أنه يتعين عليها حماية مصالحها والدفاع عنها، وكانت النتيجة هي توسيع اتفاقاتها وشراكاتها مع الصين".
تقول الإذاعة الفرنسية إن وزير الخارجية السعودي يرى أن ما يشهده العالم حاليا هو نهاية عصر سياسة "تحالفات الكتل".
وباتت القوى ذات النفوذ المتوسط ترفض هذه السياسة، وتريد هذه البلدان أن تتعامل مع قوى أخرى -خارج الكتلة- وفقا لاعتبارات تتعلق بمصالحها الآنية والإستراتيجية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهند بدأت بالفعل في تبني هذه السياسة، ورفضت إدانة الحرب في أوكرانيا، رغم كونها حليفة للولايات المتحدة.
كما فعلت تركيا الأمر ذاته، فهي تحافظ على علاقاتها ومباحثاتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
كذلك أوضح التقرير أن الدول الإفريقية ترضى عن علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، أكثر من رضاها عن العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.
وفقا للتقرير، "يروج الأوروبيون بأن الإرهاب الإسلامي، الذي سيطر على مساحات واسعة في إفريقيا جنوب الصحراء، هو المسؤول عن تنامي المشاعر المعادية للغرب في القارة الإفريقية"، وفق زعمه.
لكن الخبراء يعتقدون أن الأوروبيين مخطئون في هذا الترويج، ويرون أن السياسات الغربية هي المسؤولة عن هذه المشاعر.
ولفت إلى أن "الحكومات الإفريقية لا تعاني من انعدام الكفاءة بشأن مكافحة الإرهاب"، لكن لديهم مخاوف اقتصادية مستحقة.
كما أنهم يعانون من عواقب زعزعة الاستقرار في ليبيا، وهي المشكلة التي يرون أنها نشأت جراء "تدخل فرنسا والمملكة المتحدة للإطاحة بالديكتاتور السابق معمر القذافي، عام 2011".