سلفاكير فقد السيطرة.. جنوب السودان تنهار "لا إراديا" إلى قاع الدول

12

طباعة

مشاركة

في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، انتشر مقطع مصور على نطاق واسع، لرئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت (71 عاما) وهو يتبول لا إراديا على نفسه أثناء عزف النشيد الوطني وهو يستقبل ضيوفا أجانب.

وأثار الفيديو جدالا حول وضع "كير" الصحي، وسر تشبثه بالحكم منذ استقلال جنوب السودان عام 2011، رغم تقدم عمره وتدهور حالته الصحية، فضلا عن دوره في تحويل بلاده إلى دولة تتصدر قوائم الدول الفاشلة عالميا رغم أنها عائمة على بحار من النفط.

فضيحة رئاسية

ونقل موقع "سودانس بوست" الإخباري في 15 ديسمبر 2022 عن صحفي يعمل في محطة "إس إس بي سي" التلفزيونية الحكومية قوله إن الشرطة كانت تبحث عن المصور الصحفي الذي صور حادث تبول كير.

الصحفي الحكومي، مجهول الهوية، أوضح أن عملاء أمنيين مرتبطين بمكتب كير طلبوا من الصحفيين الحاضرين المساعدة في التعرف على المصور الذي صور اللقطة المحرجة للرئيس.

وقال إنه "سمع أن ثلاثة من الصحفيين المقيمين في جوبا قد اختفوا واعتقلهم جهاز الأمن الوطني"، ولكن لا يمكنه التحقق مما إذا كانت شائعة أم صحيحة.

ثم انتشرت تعليقات على الإنترنت من حسابات سودانية ونيجيرية مفادها أن المصور الصحفي الذي صور الواقعة "تمت تصفيته".

لاحقا أكد موقع "ماندي نيوز" في 18 ديسمبر أن قصة شنق الصحفي نفسه "ملفقة ومؤامرة وهمية".

ومع غياب الحقيقة، أصدرت نقابة الصحفيين في جنوب السودان بيانا نفى تلك التقارير، قائلة: "نود أن نوضح بجلاء أنه وفقًا لسجلاتنا في الوقت الحالي، لا يوجد صحفي اختفى قسرا أو جرى اعتقاله"، رغم استمرار تأكيد نشطاء اعتقال صحفيين وقتل المصور.

وحصل جنوب السودان على استقلاله في عام 2011، لكنه دخل في حرب أهلية دموية مطولة في عام 2013، بعد اندلاع أعمال عنف بين القوات الموالية لكير ونائبه السابق رياك مشار.

وفي هذه الحرب استخدم العسكر سلاح تجويع الشعب رغم أن دولتهم الفتية نفطية وتتمتع بموارد طبيعية هائلة.

ووثقت الأمم المتحدة حالات مروعة للقتل والتهجير وتدمير الممتلكات والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والإعدام ولا يزال الصراع متفشيا.

ومشهد كير  وهو يبلل نفسه لا إراديا ذكّر العالم بدولة جنوب السودان المنسية منذ انفصالها عن السودان وما يجرى فيها من فساد وفقر منذ 11 عاما.

انتشار فيديو كير فتح الباب أمام تساؤلات سر بقائه في حكم دولة تواجه تحديات خطيرة ومستويات حادة من الجوع والصراع الداخلي والأزمات المناخية وفق صحيفة "غارديان" البريطانية في 22 ديسمبر.

فيما تساءل موقع "فيو نيوز" الهندي في 23 ديسمبر: هل رئيس جنوب السودان سلفا كير صالح للحكم؟

ومنذ انفصال جنوب السودان لم تجر أي انتخابات، وبدأ الحديث فقط عن احتمالات إجراء انتخابات للمرة الأولى منذ الاستقلال عام 2024، في ظل دكتاتورية كير والجنرالات المستفيدين حوله.

دائرة مفرغة

وفي 7 ديسمبر 2022 أعلن حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان بجنوب السودان أنه يرشح ويؤيد الرئيس كير لانتخابات 2024 رغم أنه يتولى السلطة منذ 11 عاما بلا انتخابات، بحسب وكالة رويترز.

وقال نائب الأمين العام للحزب "بول أكول كورديت"  في اجتماع بجوبا "قرر المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان ترشيح الرفيق سلفا كير ميارديت.. حامل علم الرئاسة في الانتخابات الوطنية في نهاية الفترة الانتقالية".

وأضاف أن: "هذا قرار جماعي للمكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان. وهذا يخبر أنه ليس لدينا مرشح غير رئيسنا في المكتب السياسي".

ورد "كير" بالطبع مرحبا بترشيحه قائلا: "أقبل الترشيح، لأصبح حامل لواء الحركة الشعبية لتحرير السودان في الانتخابات العامة، وأعدكم بأن هذا البلد لن يعود إلى الحرب مرة أخرى".

وطرح هذا تساؤلات حول سر احتكار كير السلطة والترشح للانتخابات رغم فشله في إدارة البلاد وإدخالها نفقا مظلما وتدهور حالته الصحية.

وعقب الاستقلال اندلع قتال بين القادة الثلاثة الكبار الذين قادوا التمرد ضد شمال السودان، وهم سلفاكير ورياك مشار، ولام أكول، دعمه الخلفية القبلية المختلفة لكل منهم، وظل مستعرا حتى تم توقيع اتفاق سلام في 2018 لوقف الحرب.

لكن الحكومة الانتقالية ظلت بطيئة في توحيد مختلف فصائل الجيش في وحدة واحدة، وكتابة دستور جديد وتمهيد الطريق إلى الانتخابات.

وحتى الآن لم يعلن مرشحون آخرون ترشحهم للرئاسة في عام 2024، لكن من المتوقع أن يخوض السباق مشار أيضا.

وانسحب مشار من الحزب الحاكم أواخر عام 2013 بعد خلافات مريرة، ما تسبب في انقسام في الجيش الجنوبي واشتعال فتيل حرب أهلية وقبلية.

وصوت الحزب الحاكم على إلغاء عضوية مشار، الذي أنشأ فصيله الخاص الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة.

حيث ينتمي كير إلى قبيلة "الدينكا"، أكبر مجموعة عرقية في جنوب السودان (35 بالمئة)، وكان ضابطاً ومسؤولاً ثانياً في الحركة الشعبية بعد زعيم الحركة الذي قتل في حادث تحطم طائرة "جون قرنق دي مابيور".

بينما ينتمي مشار إلى قبلية "النوير"، ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد (16 بالمئة)، وكان قائدا إقليميا بقيادة قرنق في الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال الثمانينيات، ثم أصبح مشار نائبًا لرئيس جنوب السودان بعد انفصاله.

صراع مكاسب

وفي قراءته للمشهد، يقول الدكتور حسن مكي الأستاذ بجامعة إفريقيا العالمية، إنه قبل انفصال الجنوب عن الشمال، كان المزاج الانفصالي خاص بالنخبة الجنوبية (قادة الحركة الشعبية) فقط.

وأوضح لـ"الاستقلال أن هذه النخبة تريد أن تحقق مكاسب، بينما غالبية الشارع الجنوبي والقبائل والسلاطين في الجنوب مع الوحدة.

وأضاف أن هؤلاء القادة فضلوا الانفصال لأنهم لو سلموا بالوحدة مع شمال السودان فإنهم لن ينالوا أي مكاسب مادية أو مناصب.

وهو ما تأكد بالفعل من الصراع الحالي بين قادة الحركة على المكاسب التي حصلوا عليها من الخرطوم بينما عاد الجنوبيون للهجرة واللجوء إلى منظمات الإغاثة الغربية، يؤكد مكي.

وبحسب مؤشر الدول الهشة (Fragile States Index) الذي كان يعرف سابقا بمؤشر الدول الفاشلة، تربعت جنوب السودان على القائمة، كأول وأبرز دولة فاشلة خلال أعوام 2015 و2017 و2018.

ويشير المؤشر التابع لصندوق السلام العالمي، إلى أنه منذ عام 2012 حتى 2022 لم تغادر دولة الجنوب المركز الثاني أو الثالث أو الرابع، على مستوى دول العالم الفاشلة.

وهذا المؤشر أداة تستهدف تحديد ما إذا كانت الدولة عرضة للصراع أو الانهيار، ومتى تدفعها الضغوط التي تواجهها نحو حافة الفشل، من خلال تسليط الضوء على القضايا ذات الصلة في الدول الضعيفة والفاشلة.

ومن ثم تقييم المخاطر السياسية والإنذار المبكر للصراع ليكون في متناول صانعي السياسات وعامة الناس.

وهناك 12 عاملا مختلفا تُستخدم لتحديد مدى ضعف الدول، تشمل حقوق الإنسان والخدمات العامة والضغوط الديموغرافية واللاجئين والمشردين داخليا والأمن، وكلما ارتفع ترتيب الدولة في القائمة، كانت أكثر ضعفاً.

وقبل استفتاء 11 يناير 2011، كان يحلو للقادة الجنوبيين أن يصوروا انفصال الجنوب عن شمال السودان أنه سيكون أشبه بولادة دولة غنية بالنفط سرعان ما ستتحول إلى مدينة للاستثمارات مثل دبي.

والآن، ومع دخول الدولة الانفصالية عامها الثاني عشر ثبت للجنوبيين وكل دول العالم أنهم أمام نموذج جديد لـ"دولة فاشلة" بكل المقاييس، ليس فقط بسبب تصاعد عمليات القتل الداخلية والفشل الاقتصادي واستمرار معدلات الفقر والفساد كما هي.

وإنما لأن الدخل السنوي الهائل من النفط بات يذهب لجيوب قادة الحركة الشعبية الجنوبية والعسكريين وخزائن الغرب، ولا يرى منه الشعب الفقير إلا القليل.

ويعتمد اقتصاد جنوب السودان بنسبة 98 بالمئة على تصدير النفط عبر الموانئ السودانية، بواقع 155 ألف برميل يومياً.

وأدى عدم استفادة الدولة من الموارد الغنية، الزراعية أو الحيوانية أو النفطية والمعدنية، والتي تتمتع بها البلاد، إلى ظهور فجوات غذائية هددت حياة نصف السكان البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة. 

كما أدى هذا الأمر إلى مواصلة الكثير من الجنوبيين الفرار إلى دول الجوار، مثل كينيا وأوغندا والسودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا، وكذلك مصر ودول الغرب والولايات المتحدة.

وفي السنوات الأخيرة، وبسبب فساد السلطة والصراع المسلح بين الفرقاء تم قطع المساعدات الخارجية وقصرها على الإنسانية، وتوقف الاستثمار الأجنبي لانعدام الأمن، وارتفعت أسعار السلع بشكل كبير لتقلص الزراعة والاعتماد على الواردات.

وحول هذا حياة المواطنين العاديين في جنوب السودان إلى جحيم بسبب الحروب الأهلية وتهجيرهم وقتلهم ونهب مواردهم بحسب موقع "ذا كونفزيشن" في 10 مايو/ أيار 2022.