رغم انبطاحها.. صحيفة عبرية تدعو لرفض استثمار الإمارات بشركة إسرائيلية
أثار عزم الإمارات الاستحواذ على حصة كبيرة في شركة "فينيكس غروب" المالية الإسرائيلية، قلقا في أوساط سلطات الاحتلال، رغم وجود تطبيع واسع وعلني بين الطرفين منذ عام 2020.
وأصدرت شركتا الاستثمار الأميركيتان سنتر بريدج بارتنرز (Centerbridge Partners) وجالاتين بوينت كابيتال (Gallatin Point Capital) بيانا في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعلنتا فيه تفاصيل الصفقة.
وقالت شركتا القطاع الخاص، اللتان تمتلكان 33.4 بالمئة من الشركة الإسرائيلية، إنهما تجريان محادثات لبيع ما بين 25 و30 بالمئة من استثمارهما لأبوظبي.
بدورها، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن قيمة الصفقة تصل إلى نحو 855 مليون دولار، من الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية نحو 2.85 مليار دولار ومدرجة في بورصة تل أبيب.
في هذا السياق، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية تقريرا قالت فيه إن رغبة الإمارات في السيطرة على عملاق التأمين الإسرائيلي، الذي يستحوذ على صناديق التقاعد الأكثر أهمية في البلاد، أثارت لغطا كبيرا، وتحذيرات من هذا العرض.
وأضافت أنه منذ عقد اتفاقيات أبراهام عام 2020 مع الإمارات والبحرين والمغرب (والسودان)، تحققت الكثير من الفوائد الاقتصادية، وزاد التبادل التجاري بين إسرائيل والعالم العربي، فضلا عن الاستثمارات الخليجية الضخمة في "تل أبيب".
فقد وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية تجارة حرة، في مايو/أيار 2022، وحاليا يبلغ حجم المبادلات التجارية السنوية 2.5 مليار دولار، وهي آخذة في الازدياد، ما يجعل أبوظبي شريكا تجاريا مهما بالنسبة إلى تل أبيب، وفق التقرير.
وفي السياق نفسه، أعلنت الإمارات، في مارس/آذار 2021، إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار، يستهدف الاستثمار في قطاعات إستراتيجية داخل إسرائيل.
وذكرت أبوظبي حينها أن هذه القطاعات الإستراتيجية تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية، والتكنولوجيا الزراعية وغيرها.
وتعلق "جيروزاليم بوست" على توقيع تلك الاتفاقات، قائلة إن "هذا لشيء عظيم، لكن هناك عدة نقاط ينبغي الإشارة إليها حول هذا التعاون".
بيروقراطية عقيمة
"أولى هذه النقاط ما نُقل حول شكوى بعض المسؤولين الإماراتيين من بيروقراطية عقيمة تُصَعِّب عليهم تنفيذ أعمال تجارية في إسرائيل"، حسب الصحيفة.
أما النقطة الثانية والمهمة، فهي أن بعض الإسرائيليين لا يرون مشكلة في استثمار الشركات الإماراتية الخاصة مع نظيرتها الإسرائيلية بمجال التكنولوجيا فائقة الدقة وغيرها من المجالات.
"لكن هل تريد تل أبيب حقا بيع حصة كبيرة في مؤسسات مالية عظمى إلى حكومة بلد لم يكن له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل ثلاث سنوات فقط؟"، تتساءل جيروزاليم بوست.
وتابعت: "هل فعلا تريد إسرائيل أن تكون دولة خليجية عربية وصية على أكبر صندوق تقاعد لديها، وأن تحصل على معلومات حساسة عن مئات وآلاف من مواطنيها؟"
وأضافت الصحيفة: "ماذا سيحدث إذا ساءت العلاقات مع الإمارات فجأة لسبب أو لآخر؟ في نهاية المطاف، هذا هو الشرق الأوسط، وحدوث تطورات غريبة ليس ببعيد عنه".
فعلى سبيل المثال، كان لإسرائيل علاقة إستراتيجية مع تركيا حتى عام 2003، عندما صعد رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الوزراء، لتتدهور بعدها العلاقات بين الجانبين، وفق الصحيفة.
وتساءلت: هل من الحكمة أن يكون في إسرائيل شركة إماراتية، تمتلك حصة مسيطرة في مكان يدير أكثر من 350 مليار شيكل في الأصول، بما في ذلك معاشات التقاعد؟
وتضيف: "هل يجب أن تترك إسرائيل الإمارات لتستحوذ على حصة كبيرة في شركة فينيكس غروب المالية؟"
هذه واحدة من أولى المعضلات الدبلوماسية الكبرى التي سيتعين على حكومة، بنيامين نتنياهو، التعامل معها بعد فترة وجيزة من أداء اليمين الدستورية، وهو أمر متوقع في غضون الأيام القليلة المقبلة.
رفض العرض
وهنا سؤال دبلوماسي مهم، على أي دعوى ستستند الحكومة إذا رفضت الهيئات التنظيمية الإسرائيلية الصفقة؟ هل ستقول إسرائيل لحليفتها إنها تهتم بالاستثمارات الإماراتية، لكن ليس في كل القطاعات؟ تقول الصحيفة.
وترى "جيروزاليم بوست" أن مما يجعل هذا الرفض أكثر صعوبة هو أن طحنون، شقيق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ومستشار الأمن القومي، هو الذي يترأس الشركة الإماراتية القابضة، التي تتطلع لشراء الحصة في "فينيكس".
وأكدت الصحيفة أن هذه الأسئلة التي تطرحها ليست جديدة، فقد واجهت إسرائيل أسئلة مماثلة حول إذا ما كانت ستبيع حصة كبيرة لأصل إستراتيجي إلى الإمارات.
حدث ذلك حين وقّعت شركة "ديليك كيدوحيم" صاحبة الامتياز في حقل تمار البحري الإسرائيلي للغاز الطبيعي، مذكرة تفاهم مع شركة "مبادلة" الإماراتية، في أبريل/نيسان 2021.
وحصلت الشركة الإماراتية بموجب تلك الصفقة – التي تبلورت خلال حكومة نتنياهو السابقة، وأقرتها حكومة نفتالي بينيت - على 22 بالمئة من الحصة التي تمتلكها الشركة الإسرائيلية في هذا الحقل.
وبالمثل، واجهت "إسرائيل" هذه المعضلة لسنوات مع الصين، عندما اشترت شركة صينية عملاق صناعة الغذاء الإسرائيلية "تنوفا" عام 2014.
إذ اعترض كثيرون حينها على الصفقة، مؤكدين أنه من غير الحكمة أن تمنح إسرائيل السيطرة على أحد أهم شركات الغذاء لديها لقوة أجنبية.
وهذا السؤال نفسه أصبح أكثر إلحاحا- حسب جيروزاليم بوست- عندما أبدى الصينيون اهتماما كبيرا بشراء وتطوير البنى التحتية الوطنية الحيوية، مثل الموانئ في حيفا وأشدود، والسكك الحديدية في تل أبيب، ومحطات تحلية المياه.
لكن عند نقطة معينة، أحكمت الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل وطالبت بقدر أكبر من التنظيم والإشراف على الصفقات التي تُعقد مع الصين.
وتقول الصحيفة إن هذا الضغط جاء في سياق منافسة شرسة بين واشنطن وبكين، وخوفا من السيطرة الصينية المفرطة على المواقع الإستراتيجية في إسرائيل، الأمر الذي قد يشكِّل مخاطر استخباراتية على الولايات المتحدة.
وضع معقَّد
غير أنها ترى أن الوضع مع الإمارات أصعب منه مع الصين، إذ إن بإمكان المسؤولين الإسرائيليين أن يشرحوا لنظرائهم الصينيين أن الاعتراضات الأميركية هي سبب رفض عروضهم.
لكن في حالة الإمارات، فلن تقول أميركا لإسرائيل "عليكِ أن تختاري، إما أبوظبي وإما واشنطن"، وفق التقرير.
وتقر الصحيفة أن الأمر لن يكون سهلا بأي حال؛ لأن تل أبيب تريد من ناحية إبقاء مؤسساتها المالية المهمة في يد مستوطنيها.
ومن ناحية أخرى، ترغب في تعميق وتوسيع علاقاتها مع الإمارات في جميع المجالات الأمنية والاستخبارية والاقتصادية.
ولكي تتم الصفقة، يجب أن توافق عليها هيئة سوق المال والتأمين والادخار، وسلطة المنافسة الإسرائيلية.
ومن المتوقع أن يكون هناك تحقيق مستفيض في جميع تداعيات الصفقة، حسب جيروزاليم بوست.
وتؤكد الصحيفة العبرية أنه إذا قررت إسرائيل رفض العرض الإماراتي، فسيتعين عليها أن تشرح دوافعها للإماراتيين.
وتختم بالقول إن "كل بلد يحب المستثمرين القادمين من الخارج، لكن السؤال الذي يفرضه العرض الإماراتي على صانعي القرار الإسرائيليين هو: ما هوية المستثمر؟ وفي أي قطاعات سيضخ أمواله؟"