المحكمة الجزائية المتخصصة.. مقصلة الحوثي المسلطة على رقاب اليمنيين
منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء بقوة السلاح في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، شرع الحوثيون بحملات تنكيل واختطافات واسعة لمئات المواطنين اليمنيين الرافضين لانقلابهم.
وجرى محاكمة المئات من المختطفين في محاكم متخصصة غير قانونية خاضعة لسلطة المليشيا، بعد تلفيق تهم كيدية ضدهم، إضافة إلى محاكمات غيابية لقيادات رفيعة في الدولة وبرلمانيين وصحفيين وعدد من الشخصيات الاجتماعية والقبلية.
وحولت مليشيا الحوثي الموالية لإيران السلطة القضائية الخاضعة لها إلى يد طولى وسلاح إضافي لضرب الرافضين لمشروعها الطائفي في اليمن.
ومن أهم المحاكم التي باتت سلاحا بيد الحوثيين، "المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة" التي عرفت في السنوات الأخيرة بإصدار عقوبات قاسية وأحكام بالإعدام ضد مختطفين ومسؤولين، من بينهم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن الأحمر.
محكمة استثنائية
وفي أحدث إجراءاتها الوحشية ضد اليمنيين، قضت المحكمة بإعدام 16 من سكان محافظة صعدة شمالي اليمن المعقل الرئيس لمليشيا الحوثي، بعد أن أدانتهم بالتخابر مع التحالف السعودي الإماراتي.
وذكر المحامي عبدالمجيد صبره، الذي يتولى الدفاع عن المعارضين للحوثيين، عبر صفحته على فيسبوك في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن المحكمة دانت 16 معتقلاً بجريمتي إعانة "دول العدوان" والتخابر معها، وعاقبتهم بالإعدام رمياً بالرصاص.
وأدين سبعة آخرون بالتهمتين نفسيهما، وحُكم على كل منهم بالحبس 15 عاما، ووضعهم تحت رقابة الشرطة لمدة ثلاث سنوات تالية لانقضاء عقوبة الحبس الأصلية.
وأنشئت المحكمة الجزائية المتخصصة، في عام 1999، بقرار جمهوري، محددا اختصاصها بالفصل في جرائم اختطاف الأجانب والقرصنة والتقطع بعد تزايد حوادث التقطع واختطاف السياح الأجانب.
وفي عام 2004، صدر قرار جمهوري جديد بإضافة تعديلات في اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة، بما يتعلق بالجرائم الماسة بأمن الدولة والجرائم بالغة الخطورة الاجتماعية والاقتصادية.
لكن الحوثيين استغلوا سيطرتهم على السلطة وأصدروا تعيينات في السلطة القضائية والمحاكم لأشخاص مقربين من السلالة الهاشمية التي ينتمي إليها زعيم المليشيا، عبدالملك الحوثي.
منها تعيين القيادي الحوثي، أحمد يحيى المتوكل رئيسا لمجلس القضاء الأعلى في 9 سبتمبر/ أيلول 2019، بقرار رسمي من رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد.
لتبدأ المليشيا بعدها مرحلة جديدة من التنكيل والقمع لخصومها السياسيين، والمختطفين الرافضين لمشروعها عبر محاكمات صورية تفتقد لأدنى درجات الموضوعية.
وعن القرار الأخير، قال الناشط الحقوقي موسى النمراني إن "هذه المحكمة قضاء استثنائي، لا يضمن للمتهمين الحق في المثول أمام قاض طبيعي، وكانت مرفوضة ومستهجنة حتى في أيام النظام السابق".
وأضاف لـ"الاستقلال": "من المفارقات أن هذه المحكمة كانت تحاكم رموز النظام الحالي (الحوثيون)، حين كانوا متمردين وبعضهم سجناء، وأصبحت اليوم أداة في أيديهم".
وتابع: "ها هم اليوم يكررون السلوك نفسه الذي عانوا منه وكانوا بالأمس القريب يدعون رفضه بصفته ظلما ومخالفا لمبادئ الشريعة وقواعد الإنصاف، ولم يكتفوا بتكراره، بل ضاعفوه وزادوا عليه أشكالا من الظلم لا تخطر على بال إنسان".
قرارات باطلة
ومضى النمراني يقول: "المخيف فيما يتعلق بهذا الحكم، أن هناك سبعة معتقلين من المحكوم عليهم بالإعدام، وهم من فئات المجتمع الضعيفة".
وأكد أن حال هؤلاء يشبه حال المواطنين التسعة الذين اتهمهم الحوثيون بالمشاركة في اغتيال القيادي الحوثي الصماد، وحكموا عليهم بالإعدام وأعدموهم بالفعل في مشهد سيظل وصمة عار في جبينهم إلى الأبد.
وأردف الحقوقي اليمني قائلا: "أعدموهم مع يقينهم ببراءتهم، ولم يدفعهم لإعدامهم سوى الشعور بالقوة والأمن من العقاب، وضمان الإفلات من المساءلة".
من جانبه، أكد مدير المركز الأميركي للعدالة (مقره واشنطن)، المحامي عبدالرحمن برمان، أن "الأحكام الصادرة من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي قرارات باطلة".
وقال برمان لـ"الاستقلال": "لا يمكن وصفها بأحكام كونها صادرة عن مليشيا لا عن سلطة قضائية لأن الدستور اليمني لا يجيز إنشاء محاكم استثنائية".
وبين أن "هذه المحاكم الاستثنائية كان قد صدر قرار بمقاطعة جلساتها من قبل نقابة المحامين اليمنيين عند إنشائها عام 1999، كونها تخالف المادة 150 من دستور الجمهورية اليمنية الذي لا يجيز إنشاء محاكم استثنائية".
وتنص المادة 150 من دستور الجمهورية اليمنية على أن "القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها كما يحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات الأخرى الخاصة بهم ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال".
وأضاف برمان: "في 2018 أصدر مجلس القضاء اليمني قرارا بإلغاء هذه المحكمة لذلك كل ما يقوم به هؤلاء القضاة وأعضاء النيابة والموظفين في هذه المحكمة والنيابة تعد إجراءات باطلة وغير قضائية ويقومون بالعمل بصفتهم أعضاء في جماعة الحوثي".
ولفت إلى أن "القوانين والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن تنص على أن كل متهم يجب أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي وأن تكفل حقوقه في توكيل محامي والاتصال بالعالم الخارجي وفي محاكمة عادلة ونزيهة وشفافة لكن كل هذه الحقوق قد أهُدرت".
ورقة سياسية
ورأى المحامي اليمني برمان أن "دور الحكومة اليمنية ضعيف لا يرتقي إلى مستوى وحجم الكارثة التي يعيشها المختطفون والمخفيون قسرا".
وأوضح أن "مليشيا الحوثي أصدرت حتى الآن 340 حكما بالإعدام ونفذت في لحظة واحدة عملية إعدام لتسعة من أبناء محافظة الحديدة والمتهم العاشر توفي تحت التعذيب".
ومضى شارحاً: "أصدرت مليشيا الحوثي أحكاماً بالإعدام بحق قيادات الدولة العليا لكنها قرارات سياسية تهدف من خلالها إلى الظهور أمام اليمنيين وأمام المجتمع الدولي على أنها دولة تمارس سلطات سيادية وتصدر أحكاماً تضفي لنفسها المشروعية".
وختم المحامي بالقول: "لكنها أحكام ضد سياسيين وهم خارج البلد وهي لا تخيفنا بقدر ما تخيفنا الأحكام الصادرة على مختطفين ومخفيين قسرا لدى الحوثيين وربما قد تقوم المليشيا بإعدامهم كما حصل مع أبناء الحديدة، وكنا نظن أن الهدف من ذلك التخويف وإرعاب الناس لكن الأمر الصادم أنه تم تنفيذها دون أن تتمكن أسر هؤلاء الأشخاص من توديعهم أو زيارتهم".
وتختلف الأحكام التي تصدرها المحاكم التابعة للحوثيين من فئة إلى أخرى، ففي حين بررت المليشيا أحكام الإعدام التي نالت قيادات رفيعة في الحكومة بـ"إعانة التحالف السعودي الإماراتي على المساس بالمركز السياسي لليمن".
كانت مسببات أحكام الإعدام ضد الصحفيين والناشطين هي "إصدار قرارات وبيانات وتصريحات" لمساندة التحالف.
وفيما لم يتم تنفيذ غالبية الأحكام التي احتفظت بها المليشيا كورقة سياسية وخصوصا إعدام 4 صحفيين، تسابق المليشيا الزمن بإصدار المزيد من الاحكام قبل أي جولة مفاوضات حول الأسرى والمختطفين.
وأعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء إصدار محكمة تديرها مليشيا الحوثي أحكامًا بالإعدام والسجن بحق 29 يمنيًا بعد محاكمات جائرة افتقرت إلى ضمانات العدالة الواجبة.
وأكد المرصد الأورومتوسطي في بيان يوم 18 ديسمبر، ضرورة التدخل العاجل من مختلف الأطراف المعنية، ولا سيما المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن "هانس غروندبرغ"، من أجل منع تنفيذ تلك الأحكام وإلغائها، والتأكد من تمتع جميع المتهمين بحقوقهم القانونية كافة، بما في ذلك حصولهم على محاكمات عادلة.
#اليمن| تسيطر سلطات الأمر الواقع الحوثية بشكل كامل تقريبًا على المؤسسات القضائية في المناطق التي تسيطر عليها، ما يمسّ بشكل مباشر باستقلالية القضاء، ويؤثر على طبيعة الأحكام في القضايا التي يُحاكم فيها معارضو الجماعةhttps://t.co/VOBbmgPhG8
— المرصد الأورومتوسطي (@EuroMedHRAr) December 20, 2022
إعدامات مروعة
وكانت جماعة الحوثي قد دشنت في 18 سبتمبر 2021، مرحلة مفزعة من الإعدامات السياسية في اليمن ضد المناهضين لها، وذلك بعد إعدام 9 مواطنين في ميدان التحرير بصنعاء، من بينهم قاصر.
وذلك تحت مزاعم التخابر مع التحالف السعودي الإماراتي الذي تدخل في اليمن عام 2015، لمساندة الحكومة اليمنية في حربها ضد المليشيا.
وزعم الحوثيون إن التسعة اتهموا وأدينوا بالتورط في قتل رئيس المجلس السياسي التابع للحوثيين صالح الصماد، وشملت التهم الموجهة إليهم التجسس ونقل معلومات حساسة إلى التحالف.
دون إبراز أي براهين حقيقية لضلوع المدانين في التخابر مع التحالف الذي كان قد عرض قبل العملية مكافأة قدرها 20 مليون دولار مقابل أي معلومات تفضي إلى اعتقال الصماد أو قتله.
وكان الصماد يشغل منصب رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، وقتل في أبريل/ نيسان 2018، بضربة جوية نفذها التحالف السعودي الإماراتي في مدينة الحديدة على الساحل الغربي لليمن، وكان أهم مسؤول حوثي يقتله التحالف خلال الحرب المستمرة منذ سنوات.
وقوبلت عملية الإعدام التي هزت الشارع اليمني، بتنديد رسمي وحقوقي واسع، حيث وصفت منظمات حقوقية، إجراءات الإعدام العلنية التي تقوم بها مليشيات الحوثي في صنعاء، بأنها "جرائم ضد الإنسانية".
وفي أبريل/ نيسان 2020، أصدرت محكمة تابعة للحوثيين بصنعاء حكمًا بالإعدام على الصحفيين توفيق المنصوري وأكرم الوليدي وعبد الخالق عمران وحارث حمید، بتهمة التعاون مع التحالف، بعد إخضاعهم لأنواع مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، ومحاكمة تفتقر لأدنى شروط العدالة.
واستنكرت الحكومة اليمنية ما أسمتها بالمحاكمات الصورية التي نفذتها مليشيا الحوثي ضد المناهضين لفكرها.
وقال وزير الإعلام اليمنين معمر الإرياني في سلسلة تغريدات على "تويتر" إن "هذه الأوامر بالقتل بتهم ملفقة، في محاكمات صورية بمحاكم غير قانونية، استنساخ لممارسات نظام الملالي في طهران الذي يواصل حملة القمع والتنكيل وإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق شباب وفتيات وأطفال إيران المنتفضين في جميع المحافظات الإيرانية للمطالبة بحقهم الطبيعي في الحرية والكرامة".
المصادر
- الحوثيون يعدمون تسعة مدنيين بينهم قاصر بتهمة "قتل الصماد"
- اليمن.. الحكم بإعدام 16 شخصًا يعكس الثمن الباهظ لإفلات جماعة الحوثي من العقاب
- Secretary-General Strongly Condemns Executions in Yemen, Questioning Houthi Movement’s Adherence to Due Process Standards under International Law
- الحوثيون ينفذون أكبر عملية إعدام جماعي بحق مدانين بالتخابر مع التحالف
- Who are the four Yemeni journalists under Houthi death sentence?
- رئيس المجلس السياسي الأعلى يصدر عدد من القرارات