كشف غطاء الفساد عن السوداني.. ما علاقة أميركا بتدهور الدينار العراقي؟
.png)
يشهد العراق انخفاضا ملحوظا في قيمة الدينار أمام الدولار، ما فجر أزمة جديدة تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، في ظل تخوف من تدهور أكبر للعملة المحلية، ينعكس سلبا على معيشة للمواطنين.
ورغم تطمينات الحكومة بأنها أزمة مؤقتة وستلتزم بالحفاظ على استقرار السوق المحلية، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، إذ بات سعر الدولار يبلغ 1520 دينارا، بعدما كان قبل مدة قصيرة يعادل 1480 دينارا.
إجراءات حكومية
وفي ظل الجدل الدائر حول الخطوات الحكومية حيال ارتفاع أسعار الدولار، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحفي في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أن "هناك زيادة واضحة بأسعار صرف الدولار".
وأوضح السوداني أنه "جرى رفض حوالات لشركات وهمية وهناك أسعار مبالغ فيها في نافذة بيع العملة، لافتا إلى أن "عمليات التضخيم بالأسعار في نافذة بيع العملة هدفها إخراج الدولار من البلاد".
وأشار إلى أن "الحكومة كانت ومازالت تراقب سياسة البنك المركزي بما يضمن استقرار السوق. ونطمئن الجميع بأن الحكومة لديها السيطرة على أسعار المواد الغذائية وتأمين مفردات البطاقة التموينية".
وأردف: "طلبنا من البنك المركزي اتخاذ خطوات سريعة لتعويض نقص الدولار في الأسواق"، مضيفا أن "البنك المركزي اتخذ إجراءات تتعلق بتنويع الحوالات الخارجية لتغطية الاستيرادات".
وأكد السوداني أن "الوضع المالي في أحسن أحواله واحتياطات البنك المركزي ارتفعت إلى 96 مليار دولار".
وفي السياق ذاته، أعلن البنك المركزي العراقي، في 19 ديسمبر "إطلاق حزمة من الإجراءات لتحسين أداء المعاملات المتعلقة بالدولار، والتي من شأنها أن تعيد سوق العملة الأجنبية إلى وضعها الطبيعي".
وشملت الإجراءات "السماح للمصارف المشاركة في نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية بشراء أي مبالغ بالعملة الأجنبية وإيداعها لدى هذا البنك بحسابات تستخدم لأغراض التحويل الخارجي، وتدفع عن تلك الأرصدة فوائد/عوائد بحسب ما يقرره هذا البنك".
ونصت قرارات البنك المركزي على "تسهيل تمويل تجارة القطاع الخاص من خلال المصارف العراقية وتلبية طلب التحويلات الخارجية من خلال تعزيز أرصدة المصارف لدى مراسليها بعملات أخرى فضلا عن الدولار".
واتخذ قرار بـ"فتح منافذ لبيع العملة الأجنبية في المصارف الحكومية للجمهور لأغراض السفر (العلاج، الحج العمرة، الدراسة وغيرها)، وفق ضوابط بيع وشراء العملة الأجنبية، فضلا عن تلبية طلبات زبائن تلك المصارف لأغراض تمويل التجارة الخارجية".
وقرر المركزي العراقي "تخفيض سعر بيع الدولار للمستفيد (حامل البطاقة) التي يستخدمها أثناء السفر أو تسديد مشترياته عن طريق الإنترنت ليكون بسعر (1465) دينارا للدولار بدلا من (1470). إذ سيتم بيع الدولار لشركات الدفع الإلكتروني للغرض أعلاه بسعر (1455) بدلا من (1460)".
وقرر البنك المركزي العراقي، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إيقاف التعامل بعملة الدولار مع عدة مصارف أهلية أثير حولها جدل أخيرا، أهمها، "المصرف الأنصاري الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"المصرف القابض الإسلامي للتمويل والاستثمار" و"مصرف آسيا العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"مصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار".
وفي 12 ديسمبر، أوضح مستشار البنك المركزي العراقي إحسان شمران الياسري، في تعليقه على ارتفاع سعر صرف الدولار، أن البنك الفيدرالي الأميركي فرض شروطا ومحددات صارمة على عملية بيع الدولار.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الياسري قوله: إن "نافذة بيع العملة لها مجموعة من الوظائف أولها تحقيق الاستقرار بسعر الصرف، وثانيها تلبية متطلبات التجارة الخارجية من الشركات والتجار والقطاع الاقتصادي والجمهور".
وأضاف، أن "القطاع السلعي العراقي عاجز عن توفير متطلبات السوق المحلية، ما وسع الاستيراد"، موضحا، أن "وزارة المالية تبيع للبنك المركزي الدولار القادم من واردات الدولة، والبنك يمنح المالية قيمة الدولار المباع له بالدينار العراقي لتسيير متطلبات عمل الدولة".
وأكد الياسري أن "نافذة بيع العملة الأجنبية هي الوسيلة الوحيدة لاستدعاء الدينار العراقي من السوق نحو مالية الدولة، وإيقاف النافذة سيخلق مشكلة عدم توفر عملة محلية لشراء الدولار القادم من واردات العراق كالنفط، والنافذة تلبي 87 بالمئة من متطلبات الاستيراد السلعي للعراق".
أسباب متعددة
وبخصوص الأسباب الحقيقية وراء انخفاض قيمة الدينار، قال الخبير في الاقتصاد العراقي ضياء محسن إن "ارتفاع أسعار الدولار لا يمكن عدّه اقتصاديا بقدر ما هو سياسي، لأنه بعد مجيء السوداني حصلت تطورات في النظام الاقتصادي العراقي، خاصة في ما يتعلق بمحاربة الفساد".
وأضاف محسن لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 11 ديسمبر، أن "الأمر الجيد، هو أن وزارة الخزانة الأميركية تدخلت في هذا الموضوع، حيث اجتمع ممثل الوزارة في السفارة الأميركية ببغداد، بمديري المصارف الخاصة لأكثر من مرة".
وتابع: "خصوصا تلك التي عليها علامات حمراء، والتي تعني أن الفيدرالي الأميركي متيقن بأنها تدير عمليات مشبوهة تتعلق بتهريب العملة، وتبييض الأموال، لذلك البنك المركزي العراقي قام بتدقيق هذه التعاملات، ما أدى إلى انخفاض الكمية النقدية من الدولار التي تباع للسوق.
ومضى يقول: فبعد أن كان المركزي يبيع أكثر من 280 مليون دولار، أصبح يبيع نحو 70 مليون دولار، في المقابل ازداد الطلب على الدولار من قبل التجار الحقيقيين، وهذا ما جعل السوق الموازية ترفع قيمة الدولار أمام الدينار".
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه "نتيجة لذلك حصلت تأثيرات في الأسواق المحلية، لكن هذه الحالة لن تستمر لأكثر من 10 أيام على أبعد تقدير، لأن المركزي أصدر تعليمات ببيع الدولار للمواطنين، لكن تلك الخطوات لا تنهض بالاقتصاد العراقي".
وأعرب محسن عن أمله في أن "تعمل الحكومة جاهدة على تنشيط القطاعات الاقتصادية الحقيقية، لكي لا يبقى الاقتصاد العراقي مقيدا بالدولار والاستيرادات التي تستنزف أموالا طائلة من البلاد".
من جهته، قال "أبو إبراهيم" صاحب شركة صرافة في بغداد إن "الولايات المتحدة تشدد على التحويلات المالية الخارجة من العراق، وفرضت في الآونة الأخيرة العديد من العقوبات على مصارف أهلية، وكذلك ضغطت على البنك المركزي للتوقف عن بيع الدولار للمصارف المعاقبة".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "البنك المركزي يحاول حل المشكلة من خلال فتح البيع المباشر للمواطنين لمن يحمل بطاقة إلكترونية (فيزا كارد) ولمن يرغب في السفر خارج العراق حصرا، وذلك بعدما كانت تباع عبر المصارف الأهلية".
وأردف قائلا: "كذلك يحاول البنك المركزي زيادة كميات الدولار المباعة للمصارف الأهلية غير المعاقبة، حيث طالب بإيداع كل مصرف منها مبلغ 5 ملايين دولار، يجعل 3 ملايين منها تأمينات، ورغم تفاعل المصارف لكن البنك المركزي لم يفِ بذلك".
وأكد صاحب شركة الصرافة أن "أصحاب السوق السوداء يتخوفون من ارتفاع آخر للدولار في حال أقرت الموازنة المالية للبلاد وبدء حركة المشاريع الاستثمارية، لأنه سيزداد الطلب على الدولار والتحويلات الخارجية، في ظل عدم توفر الاحتياج الحالي".
ولفت إلى أن "الكل يترقب ما هي الخطوات التي قد تتخذها السلطات العراقية، لذلك يمسك تجار السوق السوداء بالدولار، الأمر الذي أحدث ركودا واضحا في البيع والشراء سواء في المصارف الأهلية أو أصحاب شركات الصرافة"، متوقعا أن "يصل سعر الصرف إلى 2000 دينار للدولار الواحد في حال لم تتخذ الحكومة تدابير تنعش الدينار".
ومع توليه رئاسة الحكومة في 27 أكتوبر 2022، شدد السوداني على أن "جائحة الفساد تهديد خطير للدولة العراقية"، موضحا أنه لا يوجد أي خطوط حمراء أمام أي ملف فساد مرتبط بجهة سياسية أو أية شخصية كانت.
لكن مراقبين عراقيين شككوا في قدرة السوداني على محاسبة قادة المليشيات الموالين لإيران والمتورطين بأعمال تهريب المخدرات والنفط، والسيطرة على المنافذ الحدودية، التي تعد أحد أهم مصادر هذه المليشيات المنضوي معظمها في "الإطار التنسيقي" الشيعي الذي أتى بالسوداني لرئاسة الحكومة.
تحرك برلماني
وفي أول ردة فعل برلمانية، كشف النائب زهير شهيد الفتلاوي عن وجود تحرك برلماني لعقد جلسة استثنائية لمناقشة الإجراءات المتخذة من محافظ البنك المركزي بشأن الانخفاض المستمر لسعر صرف الدينار وتأثيراته السلبية على المواطن.
وأوضح الفتلاوي في تصريح لموقع "المركز الخبري الوطني" العراقي في 19 ديسمبر أن "الجلسة تتضمن تقييم إجراءات البنك المركزي ومدى فاعليتها وبالأخص بعد إصدار قرار مجلس الإدارة المرقم 192 لسنة 2022 والمتضمن تخفيض سعر بيع الدولار للمستفيد (زبون المصرف) دون المواطن".
وقبل ذلك، أعلن عضو اللجنة المالية البرلمانية العراقية، جمال كوجر، أن ابعاد مصارف من مزاد البنك المركزي لبيع الدولار جراء الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على العراق للسيطرة على بيع الدولار، أدى إلى انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار.
وقال كوجر، لشبكة "رووداو" العراقية في 15 ديسمبر إن "تذبذب قيمة الدينار أمام الدولار، يعود لسببين، الأول هو إبعاد 7 مصارف من مزاد بيع العملة للبنك المركزي بعدما كان تشارك فيه 42 مصرفا، "جراء الضغوط الأميركية على البنك المركزي العراقي بسبب الفساد وتبيض الأموال".
وأشار كوجر إلى "تشديد الرقابة على المصارف الـ35 المشاركة في المزاد الآن" لتداعيات الأمر على سمعة البنك المركزي العراقي والثقة به على المستوى الدولي، لافتا إلى أن انخفاض سعر النفط بمقدار 20 دولارا للبرميل، كسبب آخر "يدفع الحكومة الجديدة كي لا تكون جادة في ضبط سعر الصرف، لأنها قطعت وعودا للمواطنين".
وفي 15 ديسمبر، أصدر البنك المركزي العراقي، توضيحا بشأن ارتفاع سعر صرف الدولار، أكد فيه أن "الارتفاع يعود لعوامل عدة ومنها بناء منصة إلكترونية ترفع المصارف طلبات زبائنها عبرها".
وكان قد قرر البنك المركزي في أواخر عام 2020 رفع سعر الدولار للبنوك وشركات الصرافة إلى 1460 دينارا، بدلا من 1182 دينارا للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن تدهور أسعار النفط.
المصادر
- عضو بالمالية النيابية: ابعاد 7 مصارف من مزاد العملة أدى إلى انخفاض قيمة الدينار
- بينها المنصة الالكترونية.. المركزي العراقي يعلن أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار
- البنك المركزي: عوامل منها منصة الكترونية لطلبات الزبائن وراء الارتفاع البسيط في سعر الدولار
- "منصة إلكترونية" ورقابة دولية على الفساد.. سر ارتفاع صرف الدولار في العراق
- تراجع رئيس الحكومة العراقية عن تعديل سعر الصرف يثير الجدل
- نائب يكشف عن تحرك نيابي لعقد جلسة استثنائية لمعرفة اسباب ارتفاع الدولار
- أسباب ارتفاع الدولار في الاسواق العراقية.. هل يعود للهبوط مرة أخرى؟
- السوداني بشأن ارتفاع الدولار: هناك أسعار مبالغ بها في نافذة بيع العملة
- هل السوداني قادر على مكافحة الفساد بالعراق؟.. مراقبون يتحدثون للجزيرة نت
- البنك المركزي يوضح آلية البيع الحالية بمزاد العملة ويعلق على ارتفاع سعر الصرف
- البنك المركزي يوقف التعامل بالدولار مع 4 مصارف أهلية