ما تأثير إقرار واشنطن قانون مكافحة اتجار النظام السوري بالمخدرات؟
حسمت الإدارة الأميركية قرارها، بإقرار قانون رسمي لشل قدرات نظام بشار الأسد في إنتاج المخدرات، بعدما حول الأخير سوريا خلال عقد من الزمن لممر لتوزيعها وتصديرها إلى العالم.
وفي خطوة طال انتظارها، من الدول التي غزتها "مخدرات الأسد"، أقر الكونغرس بمجلسيه (النواب- الشيوخ) مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد.
وتمكن المشرعون الأميركيون من دمج المشروع المذكور بموازنة وزارة الدفاع لعام 2023، التي أقرها مجلس الشيوخ، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، بدعم 83 سيناتور ومعارضة 11 آخرين.
نص القانون
وينص المشروع الملزِم لإدارة الرئيس جو بايدن، الذي قدمه مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على أن "الاتجار بالكبتاغون المرتبط بنظام الأسد يشكل تهديدا عابرا للحدود".
ودعا إدارة بايدن إلى تطوير وتطبيق إستراتيجية "لتفكيك شبكات الاتجار بها التابعة للنظام السوري"، وتقديمها للكونغرس للاطلاع عليها في فترة لا تتخطى 180 يوما من إقراره.
على أن تتضمن تلك الإستراتيجية تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة التي تتلقى كميات كبيرة من الكبتاغون خلال عمليات تهريبها.
وحث المشرعون، الإدارة الأميركية على توظيف نظام العقوبات بشكل فعال ضد النظام السوري بما فيها "قانون قيصر" لاستهداف شبكات المخدرات التابعة للأسد.
وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على النظام، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.
وتشمل الإستراتيجية حملة علنية لتسليط الضوء على علاقة هذا النظام بالاتجار غير المشروع بالمخدرات، ولائحة بالدول التي تتلقى شحنات كبيرة من الكبتاغون، إضافة إلى تقييم قدرات هذه الدول على وقف عمليات التهريب.
وتشكل المناطق التي يسيطر عليها الأسد بيئة مجهزة لصناعة المواد المخدرة بإشراف ضباط كبار من النظام وتصديرها بطرق مبتكرة إلى موانئ العالم، وفق كثير من التحقيقات الصحفية.
وبات الأمر الآن لا يقتصر على إنتاج الكبتاغون من قبل نظام الأسد، بل من تكوينه هو وحلفاؤه حزب الله اللبناني وإيران، شبكة من الوسطاء المحليين الذين لهم "أذرع أخطبوطية" في هذه "التجارة القذرة" في دولهم.
ويعتمد النظام السوري على حزب الله اللبناني، لتأمين المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع الأدوية لمصانعه، وهذا ما يقود لاستخدام تلك المواد في صناعة المخدرات.
"ملك المخدرات"
ولهذا فإن عراب القانون الأميركي الجديد، النائب الجمهوري فرنش هيل، الذي طرحه في ديسمبر 2021، قال: "بالإضافة إلى ارتكاب جرائم حرب ضد شعبه، أصبح نظام الأسد في سوريا دولة مخدرات".
وأشار هيل إلى أن "مركز الاتجار بالمخدرات حاليا هو يقع في منطقة يسيطر عليها نظام الأسد"، محذرا من أن "الكبتاغون وصل إلى أوروبا، ووصوله إلينا مسألة وقت فقط".
وأضاف النائب الجمهوري: "إن لم نعمل مع شركائنا للحد من الإتجار بالمخدرات واستبدال نظام مؤسسات به يخدم الشعب السوري، حينها سيضيف الأسد لقب ملك المخدرات إلى لقبه المعترَف به دولياً كقاتل جماعي".
ويطالب المشرعون الأميركيون بأن تتضمن الإستراتيجية جملة من البنود على رأسها، تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة الذين يتلقون كميات كبيرة من الكبتاغون خلال عمليات تهريبها.
وكذلك، توظيف نظام العقوبات بشكل فعال، بما فيها عقوبات قيصر لاستهداف شبكات المخدرات التابعة للنظام السوري.
وتقديم لائحة بالدول التي تتلقى شحنات كبيرة من الكبتاغون، وتقييم قدرات هذه الدول على وقف عمليات التهريب، فضلا عن توفير المساعدة وبرامج تدريبية لها.
ويرتبط نظام الأسد بشبكة من مصانع حبوب الكبتاغون لا تقتصر على سوريا، بل تشمل مناطق عدة في لبنان المجاور وأغلبها تحت إشراف حليفه حزب الله.
وتجرى عمليات تهريب المخدرات إلى دول العالم من سوريا ولبنان، إما برا أو بحرا سواء إلى الأردن أم العراق وتركيا وصولا إلى دول الخليج مرورا بدول إفريقية وأوروبية. وتعد السعودية السوق الأولى للكبتاغون.
وتؤكد المملكة الأردنية أن 85 بالمئة من المخدرات التي تضبط قادمة من سوريا، معدة للتهريب إلى السعودية ودول الخليج حصرا.
وتشكل محافظتا السويداء ودرعا جنوب سوريا، معقل طرق تهريب أساسية لحبوب الكبتاغون نحو الأردن.
نظام الكبتاغون
وآخر عملية للجيش الأردني، جرت في 11 ديسمبر 2022، حيث تمكنت قوات حرس الحدود من إحباط عملية تهريب مخدرات من الأراضي السورية وضبطت أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون و8773 كف حشيش.
اللافت أنه خلال الأشهر الأخيرة، باتت عمليات التهريب "منظمة" نحو الأردن، إذ يستعين المهربون بالطائرات المسيرة، وهذا تطور نوعي في أساليب هذه التجارة.
وحبوب الكبتاغون التي تعد من المخدرات سهلة التصنيع، ويتراوح سعر الحبة منها بين دولار و25 دولارا.
ولا يتطلب تصنيع الكبتاغون مساحات واسعة، فمن الممكن إنشاء مختبر مجهز بالآلات الأساسية، وأبرزها آلة الكبس وجهاز الخلط وفي بعض الأحيان فرن لتنشيف المواد، خلال 48 ساعة فقط.
وهو ما يعني أن تجار الكبتاغون قادرون على استئناف عملهم بعد وقت قصير من أي مداهمة يتعرضون لها.
والكبتاغون يصنفها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة على أنها "أحد أنواع الأمفيتامينات المحفزة"، وهي عادة مزيج من الأمفيتامينات والكافيين ومواد أخرى.
وبما أن 80 بالمئة من تلك التجارة مركزها سوريا، فإن ذلك يعود على النظام بأرباح تفوق حجم ميزانيته بثلاثة أضعاف.
وبلغت الميزانية العامة للنظام السوري لعام 2023، ما يعادل 5,4 مليار دولار وفق سعر صرف الليرة الرسمي (3015) مقابل الدولار الواحد.
ولهذا يكثف النظام تجارته من أجل رفد اقتصاد الدولة في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها منذ نهاية عام 2011.
وتتخطى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية في سوريا، أكثر من عشرة مليارات دولار، وفق تقديرات وكالة الأنباء الفرنسية.
ويستخدم نظام الأسد تلك الأموال لتمويل جرائمه وانتهاكاته ضد السوريين، وتأمين احتياجاته اللازمة لبقائه.
"حرب الاستخبارات"
وتتورط أجهزة أمنية وعسكرية سورية عدة في تلك التجارة، على رأسها مليشيا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار.
وتقول كارولين روز من معهد نيولاينز الأميركي الذي نشر تحقيقا حول صناعة الكبتاغون عام 2022، "لعبت الفرقة الرابعة دورا أساسيا في حمايته وتسهيل تهريبه في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية".
وتعد الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المناطق الحدودية مع لبنان والأردن والعراق، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ اللاذقية التجاري الأهم على ساحل البحر المتوسط والذي نقل نظام الأسد إدارته لإيران منذ عام 2019.
وضمن هذه الجزئية، قال موظف سابق في معمل أدوية في سوريا، لوكالة الأنباء الفرنسية في 3 نوفمبر 2022، إن بعض مصانع الأدوية متورطة كونها قادرة على استيراد المواد الأولية لتلك الصناعة "غير المعقدة التي يمكن أن تجرى في أي معمل أدوية خاص".
ولهذا من المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة تشديداتها على الشركات الدولية، خاصة الهندية التي تورد المواد الأولية لصناعة الأدوية إلى سوريا وتستخدم في صناعة المواد المخدرة.
وبما أن الخبرة في عمليات التهريب باتت معقدة، وتعجز أحيانا الأجهزة والتقنيات الحديثة عن كشفها عبر "السكنر"، يبقى اختراق شبكات التهريب هو الأسلوب الأنجع لإحباط عمليات التهريب.
وهذا ما يتطلب تعاونا استخباراتيا أميركيا كبيرا مع استخبارات بعض الدول لدعم أجهزة المخابرات على سبيل المثال في الأردن ولبنان في هذا الشأن.
خاصة أن المخابرات الأميركية تمتلك ثروة من المعلومات القابلة للتنفيذ على الأرض سريعا لكبح تجارة المخدرات.
ويرى مراقبون أنه يمكن الاستفادة من المهربين الذين جرى القبض عليهم في لبنان والعراق والسعودية، وأقروا بارتباطهم بجهات أمنية تتبع للنظام السوري، في جمع المعلومات عن الخيوط الخفية لعمليات التهريب.
ولهذا فإن بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي يؤكدون أن الشرق الأوسط مقبل على "حرب استخبارات" لصد مناورات النظام السوري وحلفائه في تجاوز القانون الأميركي وتعطيل أساليبه في الحد من تجارة المخدرات.
وكانت القوى الأمنية اللبنانية، اعتقلت في أبريل/نيسان 2021، "حسن دقو"، بتهمة تهريب حبوب الكبتاغون، مؤكدة أنه يعمل لصالح الأمن العسكري السوري والفرقة الرابعة.
وحسن دقو رجل أعمال أطلقت عليه وسائل إعلام محلية لقب "ملك الكبتاغون"، وهو متهم بإدارة إمبراطورية ضخمة من منطقة البقاع في شرق لبنان، مستفيداً من علاقات جيدة مع مسؤولين لبنانيين وسوريين.
ولهذا أكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في تقرير نشرته في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أنه جرى تكليف وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية بتفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.
أما العراق المجاور، فيشهد عمليات تهريب المخدرات من سوريا عبر المحافظات الغربية، والصحراء الأنبار الطويلة.
أهمية القانون
وكشف تقرير لمعهد "نيو لاينز" الأميركي، نشر في 5 أبريل 2022، أن عائلة بشار الأسد التي تخنقها العقوبات الدولية، تعتمد على تهريب المخدرات كوسيلة للبقاء السياسي والاقتصادي.
ويؤكد مدير المكتب القانوني في حركة "تحرير الوطن" السورية المعارضة، فهد القاضي لـ "الاستقلال"، أنه في ظل "أنشطة نظام الأسد بصناعة وتهريب المخدرات والمتاجرة بها دوليا والذي يبدو أنها وصلت إلى نهايتها المحتومة، فإن القانون الأميركي سيؤدي إثر تطبيقه بعد 180 يوما إلى حرمان النظام من الأرباح الخيالية".
وأضاف القاضي قائلا: "وأمام هذه الحالة فإنه يمكن القول بأن دائرة الحصار على نظام الأسد بدأت تضيق كثيرا كون ذلك القانون سيكون سيفا على رقبة نظام الأسد وكل المتعاونين معه في الإنتاج والتهريب لتلك المواد المخدرة إضافة لتفعيل قانون قيصر بهذا الصدد".
ورأى القاضي، أن "أهم نقطة في قانون الكبتاغون الأميركي هي أنه صنف نظام الأسد على أنه دولة مخدرات، وأن المناطق التي يسيطر عليها تعد المركز الأساسي لتلك الصناعة والتجارة وهذا ما سيفقده ما تبقى له من مشروعية دولية وإقليمية على الصعيد السياسي وإسقاطه على المستوى الداخلي".
وبين أن "رئيس ذلك النظام سيصبح رسميا من أوائل المجرمين المطلوبين على مستوى العالم كون جرائمه وانتهاكاته تجاوزت قتل السوريين وإبادتهم إلى أن أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للعالم بأسره"، وفق القاضي.
وألمح إلى أن "أجهزة النظام باتت اليوم تحت رقابة الأجهزة الحكومية الأميركية التي لن تدخر فرصة لتدمير تلك الشبكات الإجرامية المصنعة للمخدرات والمروجة لها والعابرة للحدود".
واستدرك قائلا: "لذلك فإن قانون الكبتاغون يشكل خطوة مفصلية مهمة في إسقاط نظام الأسد وجره إلى المحاكم الدولية من أجل الحساب والعقاب".
وذهب القاضي للقول: "إن إقرار القانون سيسهم كذلك في القضاء على الوسائل والأدوات الحقيقية التي كانت تساعد النظام في الالتفاف على العقوبات الدولية التي تساعده اقتصاديا، مما ستؤدي تلقائيا إلى عجز نظام الأسد".
كما تكمن أهمية إقرار المشروع، وفق كارولين روز، رئيسة برنامج "وحدة الأمن البشري" في معهد "نيولاينز للإستراتيجية والسياسة"، في أنه "خطوة أولى مهمة وضرورية للتطرق إلى صلة نظام الأسد بالاتجار بالكبتاغون والتأثير المضر لهذا على الأمن البشري في الشرق الأوسط".
وأضافت روز لصحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 16 ديسمبر: "الآن وقد جرى إقرار القانون، سيكون من المهم على الوكالات الأميركية أن تنسق معا لمراقبة الاتجار بالكبتاغون واستعمال هذه المعلومات للتنسيق مع الدول التي يجرى التصدير لها، إضافة إلى النظر في خيارات لوقف منتجي الكبتاغون ومهربيه".
ويتزامن القرار الأميركي بتحجيم تجارة المخدرات للنظام السوري التي توفر العملة الأجنبية له بشكل نقدي وسريع، مع مزيد من اختناق اقتصاد النظام وتضاؤل قدرته على توفير الاحتياجات الرئيسية وخاصة المحروقات على وقع تدهور العملة المحلية الذي يشكل دليلا ملموسا على الاقتصاد المنهك.
إذ يعاني السوريون في مناطق النظام من ظروف معيشية صعبة، وانقطاع طويل في التيار الكهربائي يصل إلى 22 ساعة بالعاصمة دمشق، مع تفشي البطالة، في ظل تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي.