يوسف جربوع.. شيخ عقل درزي يخطب بلسان الأسد ويكتنز أموال السوريين
.jpg)
يبرز شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا "يوسف جربوع"، كأحد أعمدة نظام بشار الأسد الداعمة له في محافظة السويداء، إذ يستخدم بوضوح مكانته الدينية، لمنع تأزم الوضع هناك وخروجه عن السيطرة.
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، تفجرت بالسويداء التي يقتصر نفوذ النظام السوري فيها على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها، احتجاجات شعبية مجددا، بسبب الوضع المعيشي المتردي وعجز الأهالي عن تأمين احتياجاتهم اليومية.
ورفع المحتجون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وأحرقوا صور بشار الأسد، أمام عدسات الكاميرات، كما اقتحموا مبنى المحافظة تعبيرا عن غضبهم لرفع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من أبناء المنطقة.
من جانبها، أقدمت قوات النظام السوري على إطلاق النار على المحتجين، ما أدى لمقتل شخصين وإصابة 18 آخرين.
وأمام هذا الاحتقان ضد ممارسات النظام السوري، اتهم "جربوع" مهاجمي مبنى المحافظة بـ"العمالة لجهات خارجية"، ويرى "أنهم استغلوا غضب أهالي السويداء نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة".
وقال جربوع لقناة الإخبارية السورية في 5 ديسمبر: "هناك جهات خارجية استغلت الشباب غير الواعي في السويداء وقاموا باستثمارهم لتحقيق أجندات ومصالح سياسية خارجية لها ردود سيئة".
وجربوع هو واحد من 3 مشايخ عقل يمثلون المرجعية الروحية للطائفة الدرزية بسوريا، إلى جانب حكمت الهجري وحمود الحناوي.
ويشكل الموحدون الدروز النسبة الأكبر في محافظة السويداء جنوبي سوريا، وتبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، ويبلغ عددهم في سوريا نحو 700 ألف نسمة، يسكن معظمهم بالسويداء.
و"شيخ العقل" هو الزعيم الديني الأول في طائفة الدروز، الذين يعترفون بأنهم مسلمون وموحدون وأنهم يقرون بالشهادتين، وهو يمتلك أسرار الطائفة، ويجري توارث هذا المنصب بشكل تقليدي.
ضد الثورة
ولد يوسف جربوع في مدينة السويداء عام 1970، وهو سليل عائلة مشيخة العقل منذ أكثر من ثلاثة قرون في جبل العرب.
وتسلم مشيخة العقل عام 2012 عقب وفاة ابن عمه، حسين جربوع عن عمر ناهز 87 عاما، والذي تسلم مشيخة العقل عام 1965 خلفا لوالده الشيخ أحمد جربوع حتى وفاته.
إذ إنه عام 1967 أصدر الرئيس الأسبق نور الدين الأتاسي مرسوما بتسمية حسين عضوا في دائرة إفتاء المذهب الدرزي.
وحينما تسلم يوسف جربوع المشيخة، كانت الثورة السورية التي تفجرت في مارس/ آذار 2011 بوجه نظام الأسد، في أوج قوتها، وكانت محافظة السويداء منخرطة في الاحتجاجات السلمية.
لكن جربوع، اختار الوقوف في صف النظام السوري، وبقي معترفا بسلطته، حتى إنه تبنى رواية النظام بأن ما يجرى "مؤامرة" ورأى أن "الجماعات التكفيرية تستهدف النسيج الاجتماعي السوري".
وجربوع، الأكثر نفوذا من بين مشايخ العقل الثلاثة بسوريا، ويعرف بأنه لا يقوم بمهام المرجعية الدينية فقط، بل يتابع شؤون الدروز الحياتية والخدماتية، وكل ما يتصل بالعلاقة مع مؤسسات النظام السوري.
ولهذا كثيرا ما يلتقي جربوع بقادة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، والذين يأتون إلى زيارته في السويداء، ويعقدون معه اجتماعات سرية تضم أحيانا رهطا من شيوخ الدروز.
وفي مقابلة مع صحيفة "إيلاف" الإلكترونية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، قال جربوع: "إن ما تتعرض له سوريا الآن من قتل وتدمير وتجييش طائفي ومحاولة إسقاط الدولة ليس ثورة بل حربا لتدمير المجتمع".
وحينما أعلن بشار الأسد فوزه بفترة رئاسية رابعة، في 17 يوليو/ تموز 2021 بعد انتخابات غير شرعية، قال جربوع: "إن هذا الاستحقاق الدستوري يأتي ليثبت للعالم كله أننا حققنا الانتصار على الإرهاب والتطرف والمؤامرة التي رسمت لسوريا".
ذراع للأسد
يسهم جربوع في تثبيت دور مشيخة عقل الطائفة في محافظة السويداء، في ظل غياب دور السلطات الحكومية هناك، إذ أسهمت مشيخة العقل بحل عشرات الخلافات بين عائلات من مختلف الشرائح.
وكثيرا ما أطلق جربوع تصريحات إعلامية توافق هوى النظام السوري، ومنها حينما هاجم تركيا في 17 نوفمبر 2019، إذ زعم أن "ما تتذرع به تركيا من حجة محاربة الإرهاب للدخول إلى الأراضي السورية عذر واهِ وقبيح".
ويستخدم النظام السوري جربوع كذراع ويحركه في مهمات كثيرة، وعلى رأسها منع أي محاولات من شباب السويداء للتكتل ضمن أي مشاريع خارج سلطته، أو توسع نطاق الاحتجاجات وخروجها عن السيطرة.
ولهذا عندما تشكلت مليشيا عسكرية بالسويداء حملت اسم "قوات مكافحة الإرهاب" منتصف عام 2021 وأسست جناحا سياسيا لها هناك تحت اسم "حزب اللواء السوري"، هاجم جربوع هذا الحزب واصفا إياه بأنه "يحمل مبادئ غريبة عن المجتمع".
ولعب جربوع عام 2021 دورا في محاولات إقامة جسم عسكري في محافظة السويداء بالتعاون مع النائب اللبناني الدرزي وئام وهاب، وحزب الله اللبناني وبإشراف مليشيا الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد.
وسبق أن قال الصحفي السوري نورس عزيز لـ "الاستقلال"، إن "مهمة هذا الجسم إعادة ما يسمى هيبة الدولة عن طريق أبناء المنطقة أنفسهم وبإشراف من حزب الله وإيران".
ويرى جربوع أن "روسيا وإيران حلفاء للدولة السورية، وكان لهم موقف أساسي في ثبات الدولة ومكافحة الإرهاب، وفق ما قال في تصريح صحفي بتاريخ 17 إبريل 2021، على الرغم من جرائم طهران وموسكو في قتل السوريين.
ويتجاهل جربوع جرائم النظام السوري وقواته بحق السوريين من قمع وقصف بيوتهم بالطائرات وتشريد الملايين، إذ إنه قال في 15 يونيو 2015، إن "النظام قادر على حمايتنا والقوة الضاربة هي بيد الجيش".
متهم بالفساد
ويسيطر الشيخان "جربوع" و"حناوي" على مقام "عين الزمان"، وهو بمثابة دار العبادة الأول للطائفة الدرزية في سوريا، والتي يجري تمويلها من أموال الوقف والتبرعات والهبات الأهلية.
ولهذا فقد نالت جربوع تهم فساد وسرقة أموال من المساعدات المقدمة لـ"عين الزمان"، كونه المسؤول عن مال وقف الطائفة الدرزية التي تأتي من التبرعات.
ولا سيما بعدما تداولت صفحات محلية عن تعرض جربوع لعملية نصب بعد تشغيله مبلغ 700 ألف دولار بـ "الربا".
وأمام حالة الانفلات الأمني التي تشهدها السويداء، أعلن شيخا العقل في السويداء، جربوع والحناوي، في مارس 2022 المصادقة على وثيقة "عهد وميثاق شرف" حملت اسم "قتيل العار لا دية ولا ثار".
ودعت تلك الوثيقة لرفع الغطاء الديني والاجتماعي عن المتورطين بجرائم الخطف والقتل وتجارة المخدرات والعديد من الجرائم الجنائية الأخرى في السويداء.
لكن تلك الوثيقة لاقت انتقادا من قبل أهالي السويداء الذين يتهمون مخابرات الأسد بالوقوف وراء تلك الانتهاكات بهدف إخضاع المحافظة لسلطته وإضعافها من الداخل لتصل لدرجة الاستنجاد به.
ولهذا قالت شبكة "السويداء 24"، إن تلك الوثيقة تعد اجترارا للكثير من البيانات الصادرة عن المشايخ المطالبين بالتدخل لوضع حد للعصابات في السويداء، التي يرتبط معظمها بالأجهزة الأمنية ويعملون بغطاء وتسهيل منها.
ومع محاولات النظام السوري، للعودة إلى السويداء واستعادتها بشكل كامل، دعم جربوع افتتاح النظام السوري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، مركزا لتسوية أوضاع المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياط والمطلوبين أمنيا في مدينة السويداء.
وحينها حضر جربوع حفل الافتتاح إلى جانب "مدير إدارة المخابرات العامة" اللواء حسام لوقا، وعدد من الضباط وأعضاء من مجلس الشعب التابع للنظام.
لكن الإقبال كان ضعيفا من أبناء المحافظة الذين يرفضون العودة إلى سلطة النظام السوري، إذ يقدر عدد المتخلفين عن الخدمة في صفوف قوات الأسد من شباب السويداء بنحو 25 ألفا منذ عام 2011.
الأمر الذي يدلل على محاولة مخابرات الأسد استخدام مكانة جربوع الدينية في التأثير على شباب السويداء وإعادتهم إلى حظيرة الأسد التي فروا منها عقب قتله للسوريين.
ويحظى جربوع بدعم من مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" التي تنفذ مشاريع إنسانية في محافظة السويداء.
وتدير تلك المؤسسة زوجة بشار الأسد، أسماء والتي أطلقتها عام 2001، وتنفذ أعمالها بالشراكة مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية الأخرى والحكومة والقطاع الخاص، بهدف تطويع فئات المجتمع تحت سلطة الدولة.