بعد تعليق الحوار بين مجلسي الدولة والنواب.. إلى أين تتجه الأزمة الليبية؟
في وقت كانت أنظار الليبيين تتجه فيه نحو لقاء يجمع رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لبحث الانسداد السياسي في المسار الدستوري، أعلن الأخير تعليق التواصل مع الأول حتى إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية.
وفي 6 ديسمبر/ كانون الأول 2022، فاجأ مجلس النواب (طبرق)، الجميع بإقرار قانون إنشاء المحكمة الدستورية المثير للجدل، على أن يكون مقرها الدائم في مدينة بنغازي (شرق)، لتكون بديلة عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا التي مقرها العاصمة طرابلس (غرب).
وردا على ذلك، قرر المجلس الأعلى للدولة في 11 ديسمبر، عقد جلسة طارئة بمقره في طرابلس وقرر تعليق التواصل مع مجلس النواب في كل المسارات، إلى حين إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية.
المربع صفر
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، قد وجه في 7 ديسمبر، خطابا رسميا إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أكد فيه رفضه إقرار قانون لإنشاء محكمة دستورية.
وربط المشري، في خطابه عودة التواصل مع مجلس النواب بـ"إلغاء القانون"، ويرى أنه "صدر بالمخالفة للنصوص الدستورية ولكل ما توافق عليه المجلسان".
خطاب إلى رئيس مجلس النواب بضرورة إلغاء قانون استحداث المحكمة الدستورية العليا الذي صدر بالمخالفة للنصوص الدّستورية ولكل ما توافق عليه المجلسين، وإعلان أن التّواصل بين المجلسين واللجان المشتركة معلّق إلى حين إلغاء القانون المشار إليه. pic.twitter.com/1udJ8B8q9b
— خالد المشري (@KhaledMeshri) December 7, 2022
وقبل اندلاع أزمة "إنشاء المحكمة الدستورية"، التقى المشري وصالح في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بالمغرب، وسجلا تقدما إيجابيا بمسألة توزيع المناصب السيادية.
واتفق الجانبان، وفق تصريح وُزع على الصحافة حينها، على "مواصلة التشاور بين المجلسين بخصوص الملفات المتعلقة بالمناصب السيادية السبعة، وتوحيد الجهاز التنفيذي".
كما جرى الاتفاق، على استئناف الحوار "من أجل القيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق تشريعات واضحة، وذلك بالتوافق بين المجلسين".
وفي رده على مقاطعة المشري، ادعى عقيلة صالح، أن إصدار مجلس النواب لقانون إنشاء المحكمة الدستورية "تأكيد على حماية الحريات والحقوق، وإضافة قضاء متخصص في الشأن الدستوري".
وأضاف في بيان بتاريخ 7 ديسمبر، ردا على رفض المجلس الأعلى للدولة لإقرار قانون لإنشاء محكمة دستورية، أن ما اتخذه مجلس النواب أمر "يحقق العدالة، ولا تأثير له على المسار الدستوري".
وزعم صالح أنه "عندما يصدر من خلاله الدستور ستلغى كافة القوانين المخالفة لنصوصه".
ولم يتطرق بيان صالح لإعلان المشري تعليق التواصل مع رئاسة مجلس النواب، وتعليق أعمال اللّجان المشتركة بين المجلسين إلى حين إلغاء مجلس النواب قانون إنشاء المحكمة.
بيان السيد رئيس مجلس النواب المستشار " عقيلة صالح " بشأن إصدار قانون إنشاء المحكمة الدستورية. pic.twitter.com/L5Gj5wZ0zd
— salem and ghanem (@And_Ghanem) December 7, 2022
وتختص المحكمة الدستورية بالفصل في القضايا والطعون ذات الجانب الدستوري والقانوني، والقضايا والخلافات حول القوانين والتشريعات والقرارات التي تصدر عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأي مخالفة أو طعن في الإعلان الدستوري.
وكان قد تقدم صالح، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بمشروع قانون لإنشاء محكمة دستورية تُحال إليها اختصاصات الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
تعطيل التفاهمات
ومن شأن هذه الأزمة الجديدة تعطيل التفاهمات كافة التي سبق وتوصل إليها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وهي توحيد السلطة التنفيذية وتغيير المناصب السيادية وحل خلافات القاعدة الدستورية.
كما أن هذه الأزمة تكرس حالة الانسداد السياسي التي تعيشها ليبيا، على وقع الصراع بين حكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
ومنذ مارس/ آذار 2022، تتنازع حكومتان على السلطة، الأولى معترف بها دوليا برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومقرها طرابلس، والأخرى مكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا المدعوم من الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
ويرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، بينما يصر باشاغا على تسلم مهامه، ويرى أن حكومة الدبيبة "منتهية الولاية"، ما تسبب في تعطيل المفاوضات السياسية والعودة للاحتكام إلى السلاح.
ومن المحتمل أن تقود هذه الخلافات البلاد إلى انقسامات جديدة، قد تمس جسم المؤسسة القضائية، وفق مراقبين.
المحلل السياسي الليبي إبراهيم اللاصفير، أكد لـ"الاستقلال"، أن العلاقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة" لم تكن منذ البداية بالشكل الصحيح وفي إطار الدور المناط بهما.
وأضاف اللاصفير أنه "كان من المفترض أن تكون طبيعة العلاقة بين المجلسين تكاملية، لكن في حقيقة الأمر كانت العلاقة بينهم كباقي الأطراف المتخاصمة والمتصارعة وهذا ما زاد من تعقيد المشاكل بينهما".
وسجل أنه لا طالما اتسمت علاقة صالح والمشري بالتقارب إلى حد التوافق، والاختلاف إلى حد التباعد والانقسام رغم ما حصل من توافق بينهما أخيرا على نقاط معينة لا جميع النقاط الخلافية.
وتابع أنه على الرغم من أن رئيسي المجلسين اتفقا على تغيير المناصب السيادية وتوحيد الجسم التنفيذي، إلا أن صالح كان دائما يتصرف بشكل منفرد دون الرجوع إلى المشري، ما كان يفجر الخلاف بين المجلسين.
وأكد اللاصفير أن إقرار مجلس النواب لقانون إنشاء محكمة دستورية وتحديد مكانها دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للدولة والتشاور معه "خطأ مقصود لم يأت بالصدفة".
وشدد على أن "عقيلة صالح يتحرك بذكاء وبشكل جيد عبر استخدام العصا والجزرة في تعاملاته خاصة مع المجلس الأعلى للدولة".
وأردف أن صالح يستخدم المجلس الأعلى للدولة، تارة للتضييق على حكومة الدبيبة بطرابلس، لكن لا ينسى أن المجلس والمشري كانا طرفا رئيسا في خصومته، وبالتالي نراه يتعامل معه وفق المصلحة.
ولا شك أن ما قام به صالح "غير قانوني"، وفق اللاصفير، لافتا إلى أن "الظرف السياسي لا يسمح باتخاذ قرارات أحادية الجانب تزيد من حدة الخلاف والفرقة ولا تساعد على التوصل لحل جدي للملف الليبي".
ورأى أن صالح سيستمر في خطوته بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، ولن يتراجع عنها، وبالتالي، يضيف اللاصفير، فإن التوافق على المناصب السياسية وعلى قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات سيعرف المزيد من التعثر بسبب هذا الخلاف المستجد.
وخلص المحلل السياسي الليبي إلى أن عقيلة صالح لا يريد الخروج بقاعدة دستورية جديدة حتى يبقى أطول فترة على رأس مجلس النواب.
الإخوة الأعداء
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزيتونة بليبيا مسعود السلامي، إن هذه الأزمة ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة على الملف الليبي منها زيادة حدة الانقسام الداخلي وتكريس حالة الجمود السياسي.
وأكد السلامي لقناة "العربي" القطرية في 11 ديسمبر، أن تعليق التواصل بين المجلسين، يكرس حدة الانقسام الداخلي، ويُدخل ليبيا نفقا مظلما.
ورأى أنه بالرغم من اللقاءات التي جرت بين رئيسي المجلسين والوصول إلى اتفاق على بعض النقاط الخلافية، إلا أن صالح والمشري في الحقيقة يديران الاختلاف فقط، مبينا أن العلاقة بينهما تشبه "حالة الإخوة الأعداء".
ورأى أن المشاورات السابقة بين المجلسين، ما هي إلا "نوع من المناورة لتمديد الوقت من أجل البقاء في السلطة وإيهام المجتمع الدولي والليبيين بأن المجلسين لديهما الإرادة السياسية الكافية للتوافق على قاعدة دستورية تجرى في إطارها الانتخابات ولكن الواقع غير ذلك".
وشدد السلامي، على عدم وجود نوايا صادقة لدى المجلسين لحل الأزمة الليبية، مشيرا إلى أنهما "يديران الأزمة ولا يريدان حلها عبر التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات".
وأمام هذه الخلافات، يرى مراقبون أنه في ظل انسداد الأفق السياسي بين الأطراف الليبية، فإن الحل هو الذهاب إلى مسارات أخرى بعيدا عن المجلسين لإقرار قاعدة دستورية للذهاب للانتخابات.
وفي هذا الإطار، شدد الصحفي الليبي إبراهيم بلقاسم، على ضرورة البحث عن مسار بديل عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
ورأى بلقاسم، في تصريح لقناة العربي في 7 ديسمبر، أن العودة إلى الحوار السياسي هي الحل الآن لمعالجة الخلافات والإشكاليات القانونية والسياسية في هذه المرحلة.