القمة الأميركية الإفريقية.. محاولة لإثراء القارة السمراء أم مواجهة الأعداء؟
يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، القمة الأمريكية الإفريقية التي تنطلق فعاليتها في العاصمة واشنطن، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2022.
ويشارك في القمة العديد من القادة الأفارقة بهدف إنعاش العلاقات الأميركية مع القارة الإفريقية، في ظل منافسة شديدة مع الصين وروسيا.
وتعد القمة، التي تستمر لثلاثة أيام في واشنطن، فرصة للإعلان عن استثمارات جديدة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية، وفق ما تقول صحيفة "تي في سانك موند – TV5 Monde" الفرنسية.
اهتمام متزايد
وبحسب الصحيفة، ستتمحور القمة بشكل خاص حول مشكلة الأمن الغذائي المتفاقم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وقضايا التغير المناخي، بالإضافة إلى إحلال الديمقراطية والحوكمة.
لكن وقبل كل شيء، قد تكون هذه القمة فرصة مناسبة للولايات المتحدة من أجل إثبات اهتمامها المتواصل بالقارة الإفريقية.
والجدير بالذكر، أن هذا الحدث الذي ينعقد هذا العام خلال عهدة بايدن، هو الأول من نوعه بعد مرور 8 سنوات على ترؤس الرئيس الأسبق باراك أوباما للقمة الأولى عام 2014.
صحيفة "تي في سانك موند" ذكرت أنه لم يكن يخفى على أحد أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لم يبد اهتمامًا كافيًا بالقارة الإفريقية، بينما يعتزم خلفه الحالي جو بايدن إعادة إفريقيا إلى الساحة الدبلوماسية العالمية.
كما أشار مستشار رئاسي -لم يُذكر اسمه- إلى أن بايدن يدعم بشكل خاص فكرة حصول إفريقيا على مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويُذكر أنه أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2022، ساند بايدن أيضًا مقترحًا يقضي بمنح كل من إفريقيا وأيركا اللاتينية مقاعد دائمة في مجلس الأمن.
كما أكد "مسؤول إفريقيا" في مجلس الأمن الدولي، جود ديفيرمونت، -باعتباره مصدر مقرب من السلطة التنفيذية الأميركية- أن "هذا العقد سيكون حاسمًا، والسنوات القادمة ستحدد الطريقة التي سيجري بها إعادة تنظيم العالم".
كما شدد على أن إدارة بايدن "تؤمن إيمانا راسخا بأن إفريقيا سيكون لها صوت حاسم".
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن جو بايدن يدافع خلال هذه القمة عن فكرة دمج الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين.
وتضم المجموعة -حتى الآن- 19 من أكثر الاقتصادات تقدمًا في العالم، إلى جانب الاتحاد الأوروبي. فيما قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي يريد تعزيز الدور الذي تلعبه القارة.
وفي نفس السياق، قال جود ديفيرمونت: "لقد حان الوقت لإفريقيا أن يكون لها مقاعد دائمة على طاولة المنظمات والمبادرات الدولية".
وأضاف: "نحتاج إلى المزيد من الأصوات الإفريقية في المحادثات الدولية حول قضايا الاقتصاد العالمي والديمقراطية والحكم وتغير المناخ والصحة والأمن".
كما أوضح أن الولايات المتحدة ستناقش دور الاتحاد الإفريقي مع الهند، التي ستترأس مجموعة العشرين عام 2023.
وجنوب إفريقيا تعد حاليًا الدولة الإفريقية الوحيدة ضمن مجموعة العشرين، والتي أصبحت على شكلها الحالي خلال الأزمة المالية لعام 2008.
تأتي القمة في أعقاب إستراتيجية "إفريقيا" الجديدة، التي جرى الكشف عنها الصيف الماضي.ما الهدف؟
وتوفر هذه المبادرة التي روج لها بايدن بشكل خاص إصلاحًا شاملًا لسياسة الولايات المتحدة في إفريقيا، بهدف مواجهة التواجد الصيني والروسي في المنطقة.
وخلال جولته في إفريقيا، في أغسطس/ آب 2022، دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تأسيس "شراكة حقيقية" مع إفريقيا.
وتؤكد "TV5 Monde" أن هذه التصريحات أتت ردا على الاستثمارات الصينية والروسية في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.
علمًا أن الصين هي أكبر مقرض للدول الفقيرة والنامية في العالم، كما أنها تستثمر بكثافة في القارة الغنية بالموارد.
وبالمثل، عززت روسيا وجودها هناك بشكل كبير عن طريق إرسال المرتزقة، وإقامة علاقات وثيقة مع عواصم دول معينة، ولا سيما تلك التي قررت، في بداية مارس/آذار 2022، الامتناع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين غزو أوكرانيا.
وبمناسبة هذه القمة التي تستمر ثلاثة أيام، دعت الولايات المتحدة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، باستثناء بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان. وتقيم هذه الدول علاقات دبلوماسية مع واشنطن ما عدا إريتريا.
ومن المتوقع أيضًا أن يحضر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بعد أكثر شهر من قيامه بالتوقيع على اتفاقية سلام مع متمردي منطقة تيغرايا الشمالية.
بالإضافة إلى حضور رئيسي رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بول كاغامه وفيليكس تشيسيكيدي، على الترتيب، في خضم الصراع شرقي البلاد في مواجهة تمرد حركة "إم-23" (M-23).
كما سيحضر أيضا رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التونسي قيس سعيد، وكذلك رئيس غينيا الاستوائية، تيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو، وذلك بعد أيام قليلة من وصف الولايات المتحدة إعادة انتخابه بأنها "مهزلة".
فيما سيكون الغائب الوحيد البارز هو رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الذي يواجه صعوبات في بلاده، وسط اتهامات بالفساد تلاحقه.
وتنقل الصحيفة الفرنسية اعتراف مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية في الولايات المتحدة، مولي فاي، والتي قالت فيه: "من الواضح أننا نتعرض للانتقاد من قبل أولئك الذين يتساءلون عن سبب دعوتنا لبعض الحكومات التي لدينا شكوك حولها".
واستدركت: "لكن هذه المبادرة تعكس رغبة الرئيس بايدن وبلينكن في إجراء محادثات محترمة، بما يشمل ذلك الدول التي لدينا خلافات معها".
وقالت الدبلوماسية الكبيرة إنها تتوقع "مناقشة حادة" حول قانون جدولة "النمو في إفريقيا" الذي جرى تمريره عام 2000.
ويربط هذا المرسوم رفع الرسوم الجمركية بالتقدم الديمقراطي، وسينتهي العمل به في عام 2025.
كما أوردت الصحيفة على لسان رئيس برنامج إفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، مفيمبا بيزو ديزوليلي، أن هذه القمة تعد "فرصة لتظهر الولايات المتحدة اكتراثها الجاد بالقارة الإفريقية".
لكنه أكد أن "التوقعات عالية للغاية، وهو ما يطرح سؤالًا حول ما إن كانت الأوضاع ستتغير بالفعل".