نهاية 2023.. لماذا يلوح الحلبوسي بمقاطعة سنة العراق للعملية السياسية؟
بعد شهر من تشكيل الحكومة العراقية برئاسة، محمد شياع السوداني، بناء على اتفاق بين مختلف القوى السياسية التي تمثل جميع المكونات في البلد، فاجأ رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الجميع بتصريح لوح فيه بترك القوى السنية العملية السياسية عام 2023.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، اتفق الإطار التنسيقي الشيعي وتحالفا السيادة والعزم السنيان، وكذلك الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيان على الدخول في تحالف أطلق عليه "إدارة الدولة" لتشكيل الحكومة برئاسة السوداني، ودعمها سياسيا وبرلمانيا.
تلويح بالانسحاب
وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، كشف محمد الحلبوسي القيادي في تحالف "السيادة" السني، عن تعهد سياسي داخلي ينص على ترك العملية السياسية بحلول نهاية عام 2023 إذا لم يحدث تغيير إيجابي في الأوضاع العامة.
وقال الحلبوسي خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "الرشيد" العراقية إن "الغالبية السياسية السنية تتجسد في حزب تقدم (يرأسه الحلبوسي) المنضوي في تحالف السيادة الممثل للمحافظات المحررة من تنظيم الدولة".
وأوضح القيادي السني أن "المواطن لم يشعر بطمأنينة في بلده التي مازالت في حالة عدم استقرار"، لافتا إلى "وجود قرار بترك العملية السياسية بحلول نهاية 2023 ما لم يحدث تغيير إيجابي عام".
وأكد الحلبوسي أن "القوى الكردية، وتحديدا الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني، قد يذهب إلى الخيار نفسه بترك العملية السياسية"، لافتا إلى أنه "لن يخطأ الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه التيار الصدري بتسليم مقاعده البرلمانية للطرف الآخر".
وكان التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر قد انسحب من البرلمان في يونيو/حزيران 2022، إثر إخفاقه في تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفائه من السنة والأكراد، بعدما شكل غريمه السياسي الإطار التنسيقي مع آخرين ما عرف بـ"الثلث المعطل" وأعاق انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة.
وطالب القيادي السني بضرورة إجراء توازن وظيفي بين المكونات العراقية داخل مؤسسات الدولة، وأن هذا الشيء جرى الاتفاق عليه مع القوى السياسية الأخرى في وثيقة مكتوبة داخل تحالف إدارة الدولة.
وفي معرض حديثه، نكأ الحلبوسي ملف المغيبين من السنة إبان المعارك ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017 ويقدر عددهم بنحو 12 ألفا بعدما اقتادتهم مليشيات شيعية إلى جهة مجهولة.
وقال الحلبوسي إن "الوصف الدقيق لهم هو المغدورين، ويجب إنصاف عائلاتهم وكذلك النازحين من مناطقهم"، في إعلان منه عن مقتلهم جميعا.
إقالة محتملة
وبخصوص مدى إقبال القوى السنية على ترك العملية السياسية، ولا سيما تحالف "السيادة" الذي ينتمي إليه الحلبوسي، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي لـ"الاستقلال" إن "رئيس البرلمان يخشى الإقالة من منصبه، لأن القوى السنية المناوئة له اتفقت مع الإطار التنسيقي للإطاحة به".
وأوضح المهداوي أن "زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يضمر العداء للحلبوسي، ولا سيما بعد تحالف الأخير مع التيار الصدري لضربه في حكومة الأغلبية السياسية".
وبين أن القيادات السنية المناوئة للحلبوسي على علاقة وفاق مع المالكي لاستبدال رئيس البرلمان اليوم.
وأشار إلى أن "الحلبوسي لم يبق له صديق من المكون السني إلا القليل من القيادات وحصل هذا بشرط من دول الخارج لإعادة تجديد ولايته في رئاسة البرلمان، وهنا أتحدث عن حليفه خميس الخنجر الذي يترأس حاليا تحالف السيادة السني، بعدما كان أشد الأعداء له".
واستبعد المهداوي أن "يكون حديثه عن التلويح بترك السنة العملية السياسية لأسباب أخرى غير الحرص على البقاء في منصبه، لأنه لم يخدم المكون السني وعرف عنه بأنه يكمم الأفواه في محافظة الأنبار مسقط رأسه وقمع كل من ينتقده، لذلك أسس لعداوات داخل المكون".
من جهته، قال أستاذ الإعلام في العراق غالب الدعمي، إن "الإطار التنسيقي ومحمد الحلبوسي على غير وفاق، ولا ينسى الإطار وقوف الأخير مع التيار الصدري أيام التحالف الثلاثي".
وأضاف الدعمي أن "الحلبوسي لم يكن موقفه واضحا من التيار الصدري، فلو أنه ضغط بشكل جدي على أطراف سنية للدخول في التحالف الثلاثي لالتحقت معه وحقق الأغلبية، وشكلوا الحكومة، لكنه لم يكن راغبا بمضي حكومة الأغلبية السياسية"، وفق صحيفة "عربي 21".
ولفت إلى أن "الحلبوسي لم يكن يريد أن يعادي الإطار التنسيقي، وبالتالي فقد الحليف القوي وهو التيار الصدري، وكذلك لم يضمن تأييد الإطار الكلي، فالأخير اليوم يتحين الفرص للإيقاع بالأخير، ولا أستبعد أن يحصل هذا الشيء".
وتابع: "لكن الإيقاع بالحلبوسي قد يعرض الحكومة إلى ضغوط كبيرة دولية وإقليمية، لأننا نعرف أن المشهد السياسي العراقي يحاك خارج البلد، ولذلك فإن انسحابه قد يتبعه انسحاب الكرد، وبالتالي تعرض حكومة السوداني إلى هزات قوية".
وأردف، قائلا: "كذلك التيار الصدري يراقب ويتحين الفرص للخروج مرة أخرى، وربما الدخول مجددا إلى المشهد السياسي، لذلك كل هذه المعطيات تواجه حكومة السوداني حاليا".
"هجمة إطارية"
بعد تصريحات الحلبوسي وتلويحه بالانسحاب من العملية السياسية، شنت شخصيات وسائل إعلام تابعة للإطار التنسيقي الشيعي هجوما حدا عليه، وأشارت إلى أن إزاحته من منصب رئيس البرلمان باتت قريبة.
وذكرت قناة "صابرين نيوز" على التلغرام التابعة للإطار التنسيقي، خلال منشور لها في 8 ديسمبر 2022 أن "الحلبوسي لن يستمر في منصبة أكثر من ثلاثة اشهر وأن الكتل السياسية قد أجمعت على تغييره في الأشهر القادمة بسبب ملف تورطه في سرقة القرن".
وفي أكتوبر 2022 كشف إحسان عبدالجبار وزير النفط في الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن سرقة كبيرة لأموال الأمانات الضريبية من شركات وهمية، والتي قدرت في وقتها 2.5 مليار دولار، وأطلق عليها لاحقا اسم "سرقة القرن"، تورطت فيها شخصيات سياسية وحكومية.
وقالت وكالة "المعلومة" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية في 10 ديسمبر 2022، إن "إثارة ملف المغيبين من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي محاولة للتخلص من الخناق السياسي وعزله من رئاسة البرلمان".
ونقلت الوكالة عن ضاري الدليمي عضو تحالف "الأنبار الموحد" (سني مناوئ للحلبوسي)، إن "ملف المغيبين هو أحد الملفات التي أدرجت ضمن البرنامج الحكومي بحكومة السوداني".
وبينت أن الحلبوسي استخدم هذا الملف خلال دعايته الانتخابية رغم أنه من مسؤوليات الحكومة ومتابع من جميع الجهات السياسية أحزابا وتجمعات خاصة من المكون السني.
وأضاف الدليمي، أن "إثارة القضية من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أمر مقصود للتخلص من حالة العزلة السياسية السنية وسط الاتجاه نحو عزله من المنصب".
وفي 26 أبريل/نيسان 2022، لوح الحلبوسي، بالانسحاب من العملية السياسية بسبب "تحكم مسلحين خارجين عن القانون وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة".
وقال في تغريدة نشرها عبر حسابه على "تويتر"، إن "العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الاستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان على أنه مناورة أو ضغط سياسي".
وأضاف: "سنتخذ مواقف جدية وحدية (حادة) بمجمل المشاركة في العملية السياسية، نظرا لتحكم المسلحين الخارجين عن القانون (دون تسمية أحد)، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماعي".
وشدد رئيس البرلمان، على أنه "لا يمكن أن تُبنى دولة من دون العدل والعدالة، ولا يُحترم فيها حق المواطن في العيش الكريم".
ولفت الحلبوسي إلى أنه "سيُحاسب عاجلا أم آجلا كل من أجرم بحق الشعب ونهب ثرواته وغيّب رجاله، وقتل وأعاق شبابه وهم يطالبون بحقوقهم، وهجر آخرين من ديارهم، وأودع أبرياء بدلا من مجرمين تم تهريبهم من السجون في وضح النهار".
ويأتي هذا الموقف بعد ساعات من تعرض قاعدة التاجي العسكرية شمالي العاصمة بغداد لهجوم بقذيفتي هاون، من دون وقوع إصابات، وفق مصدر أمني نقلت عنه وكالة "الأناضول" التركية في 26 أبريل 2022.
وتتعرض القواعد العسكرية العراقية خاصة تلك التي تستضيف مستشاري التحالف الدولي بقيادة واشنطن إلى هجمات متكررة؛ إذ تتهم واشنطن الفصائل الشيعية المقربة من إيران بالوقوف وراءها.
كما جاء موقف الحلبوسي وسط أزمة سياسية خانقة يعيشها العراق نتيجة فشل القوى السياسية الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر 2021 إلى اتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة.
المصادر
- الحلبوسي: سنترك العملية السياسية مالم يحدث تغيير إيجابي بحلول نهاية 2023
- رئيس البرلمان العراقي يلوح بالانسحاب من العملية السياسية
- توقعات بتغييرات سياسية كبيرة في الربع الأول من عام 2023
- خلافات سياسية حول المناصب بالعراق تهدد الحلبوسي والسوداني
- "كش ملك" الحلبوسي يصل لمراحله الأخيرة.. عصا الزعامة الدينية تكسر كرسي الرئيس