متعمدة أم عفوية؟.. خلفيات الدعوة المبكرة لترشح رئيس الجزائر لولاية ثانية

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع أثارته دعوة أطلقها نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي لترشيح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لولاية رئاسية ثانية.

تأتي الدعوة تزامنا مع الذكرى الثالثة للانتخابات الرئاسية التي نظمت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 وتوجت تبون رئيسا للدولة.

وجاء انتخاب تبون بعد اضطرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى التنحي في أبريل/نيسان 2019، جراء الحراك الشعبي الذي بدأ في فبراير/شباط 2019.

مبادرة أم "تطبيل"

ونشر أصحاب الدعوة صورة كبيرة للرئيس الجزائري عبر مواقع التواصل الاجتماعي مكتوبا عليها عبارة "نعم للعهدة الثانية.. الجزائر قبل كل شيء".

وفي الوقت الذي أبدى مدونون ترحيبهم بـ"المبادرة"، معبرين عن أملهم في "ترشح الرئيس تبون لعهدة جديدة لمواصلة الإنجازات والنتائج الإيجابية التي حققتها الجزائر في مختلف المجالات"، عبرت أطراف أخرى عن تحفظها على هذه المبادرة، معتبرة أنها "محاولة للتقرب من تبون".

ويمنح الدستور الحالي لأي رئيس جمهورية في الجزائر الترشح لولايتين فقط، ما يعني أن تبون لا يزال يحتفظ بهذا الحق الدستوري مرة ثانية.

وسبق للرئيس الجزائري، أن صرح لصحيفة "لوبوان" الفرنسية في يونيو/حزيران 2021، أنه "لا يفكر في الترشح لعهدة ثانية".

وأكد أن مهمته تتمثل في "تمكين البلد من الوقوف مجددا وإعادة بناء المؤسسات وجعل الجمهورية ملكا للجميع".

الداعون لعهدة ثانية لتبون والمرحبين بها، عبروا عن دعمهم لهذه المبادرة نظير ما حققه الرئيس من "إنجازات" في مختلف المجالات.

وقال المدون خالد أدرار: "نتمنى من فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الترشح لعهدة جديدة".

وأضاف في تدوينة عبر "فيسبوك" في 2 ديسمبر 2022، أن "الترشح لعهدة جديدة سيمكن تبون من مواصلة الإنجازات والنتائج الإيجابية التي حققتها الجزائر في مختلف المجالات ولا سيما المجال الاقتصادي والتقدم الذي تحرزه البلاد في مستوى العلاقات الخارجية".

ومقابل الدعوة والترحيب عبر مدونون آخرون عن تحفظهم على هذه المبادرة، منتقدين ما سموه بـ"التطبيل" الذي انطلق قبل أوانه.

المدون محمد بنعالية، غرد عبر تويتر، قائلا: "يبدو أن حملة العهدة الثانية لعبد المجيد تبون بدأت مبكرا في القنوات الخاصة"، مردفا "تطبيل مستفز جدا...".

من جهته، قال الناشط في الحراك، الحسين بابا: "خرج لنا البعض بشعار عهدة ثانية للرئيس الحالي تبون بشعار أنه قام بمعجزات في ظرف ثلاث سنوات من توليه رئاسة الجزائر".

وأضاف بابا، في تدوينة عبر فيسبوك في 4 ديسمبر، تحت عنوان "تعليمات أم عفوية"، أنه "في نفس سيناريو عهدات الرئيس بوتفليقة رحمه الله بل وحتى الأشخاص أنفسهم من ساند بوتفليقة يساند الرئيس الحالي بشعار، عاش الملك مات الملك". 

وأشار إلى أنه "يتبقى لنهاية العهدة سنتان وهذه الهرولة ليست بريئة على الأقل من الناحية الزمانية اللهم إن كانت تموقعا جديدا".

وفي تدوينة تحت عنوان "عادت ريمة إلى عادتها القديمة !!"، قال الأكاديمي مصطفى بوختالة: "من عبد العزيز بوتفليقة إلى عبد المجيد تبون، الجزائر الجديدة لا تُبنى بذهنيات وممارسات قديمة".

وعبر فيسبوك في 3 ديسمبر، أضاف بوختالة "من هو اليوم على رأس هرم السلطة حر في أن يترشح إلى عهدة ثانية أو يكتفي بعهدة واحدة، فهو ليس في حاجة إلى من يناشده للترشح لعهدة أخرى".

وسجل بوختالة، أن "مثل هذه الكائنات غير الحية (الداعية لولاية ثانية) هي التي كانت السبب في تغوّل العصابة وإدخال الجزائر في حيط من الإسمنت المسلح".

وتابع: "كن شجاعا وعادلا ومنصفا وموضوعيا في تقييمك لإنجازات وإخفاقات الرئيس، وازن بين وعوده وإنجازاته ثم قرر بكل حرية وسيادة انتخابه أو عدم انتخابه لعهدة ثانية".

وبذلك، يضيف بوختالة، "تكون فعلا قد عبرت عن مواطنتك ووطنيتك وحبك للوطن ولتبون، أما أن تسارع للتملق وللتزلف لرئيس الجمهورية فهو عمل تهريجي لا طائل منه في تقديري". 

وأشار إلى أن "رئيس الجمهورية إذا كان فعلا واثقا من نفسه وله ثقة في شعبه ومؤمن ببرنامج عمله، ويحترم نتائج الصندوق، لا ولن يحتاج إلى مثل هذه التنظيمات لتسانده ولتناشده للترشح للعهدة الثانية".

استقرار مؤسساتي

ولم تقتصر الدعوة إلى عهدة ثانية للرئيس تبون على منصات التواصل الاجتماعي، بل انخرط في الحملة الدعائية صحفيون ومنابر إعلامية محلية. 

الصحفي عبد الخالق محمدي، رأى أن "الحاجة لعهدة ثانية للرئيس تبون، تتعدى مجرد الحديث عن حاجة البلاد لتثبيت الاستقرار المؤسساتي الذي تحقق بعد نجاح المؤسسة العسكرية في فرض الحل الدستوري المتمثل في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019".

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رأى محمدي، في مقال، أنه "لا يمكن تجاهل التحول الجوهري الذي تعيشه البلاد منذ تعديل الدستور في نوفمبر 2020، والخطوات التي حققتها في سياق الالتزامات التي تعهد بها تبون، لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وبناء مؤسسات قوية واقتصاد قوي ومستدام (..)".

وقال إن "ما تحقق خلال السنوات الثلاثة من حكم تبون، ليس بالشيء الهين عند مقارنته بالوضع الذي كانت عليه البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".

وأفاد بأن "الجزائر كانت على أبواب تعرضها للإفلاس الممنهج من طرف عصابة منظمة (في إشارة للنظام السابق) أحكمت سيطرتها على العباد والبلاد".

ورأى محمدي أن "الرئيس تبون، تمكن من إعادة هيبة الدولة ووضع أسس بناء مؤسساتي يليق بسمعة الدولة الجزائرية، ونجح في وضع لبنات إقلاع اقتصادي حقيقي، ووفّق أيضا في جبر الكسر الذي أصاب ثقة الجزائريين في بلدهم ".

وخلص الصحفي الجزائري، إلى أن "هناك الكثير من العمل ينتظر الرئيس، لا يتعلق فقط بملف مكافحة الفساد ومواصلة الحرب على العصابة وبقاياها وامتداداتها المحلية والدولية، بل يمتد أيضا إلى بناء اقتصاد قوي ومنظومة صحية قوية ونظام تعليمي ناجع وصناعة بنكية رائدة، وإعلان حرب شاملة لا هوادة فيها على البيروقراطية الإدارية...".

شهية مفتوحة

وفي تعليقه على دعوات العهدة الثانية لتبون، يرى الصحفي والمعارض الجزائري، وليد كبير، أن هذا الموضوع تحدث عنه النظام الجزائري منذ أشهر عبر نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.

ولاحظ كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "التطبيل للعهدة الثانية بدأ مبكرا تحت يافطة ما قام به تبون من إنجازات وقطيعة مع ممارسات النظام السابق لبوتفليقة رغم أن النظام الحاكم حاليا هو نفسه الذي حكم خلال فترة بوتفليقة".  

وأكد المعارض الجزائري، أن "شهية تبون مفتوحة لعهدة رئاسية ثانية"، مردفا: "ليس بمنظور أنه هو من يريد أن يترشح ولكن هل الجيش يدعم بقاءه لعهدة رئاسية ثانية أم لا؟". 

وأوضح كبير، أن "النظام الجزائري معروف عنه وجود أجنحة"، مبينا أن هناك جناحا "يرى ضرورة استمرارية تبون على رأس قصر المرادية".

في المقابل، يضيف الصحفي الجزائري، "هناك أجنحة أخرى لا تنظر بعين الرضى إلى استمراره"، مستدركا: "لكن المشكل عندها هو البديل".

وتوقع كبير، أن يحظى تبون بولاية رئاسية ثانية، مضيفا أن السؤال الذي يُطرح هو "هل سيستمر مع نفس المجموعة التي يشتغل معها حاليا بوجود رئيس أركان الجيش، السعيد شنقريحة أم لا؟".

وأفاد بأن "هناك احتمالا لذهاب رئيس الأركان، لأن تبون يرى أن مؤسسة الرئاسة تعيش تحت وصاية المؤسسة العسكرية"، مبينا أن "تبون يعرف ذلك وحاول بعض المرات التخلص من سيطرة العسكر لكنه لم ينجح". 

ورأى كبير أن "المشكل بالنسبة لتبون هو أن رئاسة الجمهورية تخضع بشكل كلي لقيادة أركان الجيش".

وبيّن أن "من أمثلة خضوع رئاسة الجمهورية للجيش، هو استقبال شنقريحة لرئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، بمقر رئاسة الجمهورية".

وفي 4 ديسمبر 2022، استقبل شنقريحة، بقصر المرادية، رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، يوسف الحنيطي.

ورأى كبير، أن "الاستقبال الذي تم بقصر رئاسة الجمهورية، هو تداخل في الصلاحيات وخرق للبتروكول"، مبينا أن "مكان اجتماع رئيس الجمهورية لا يحق لرئيس أركان الجيش أن يجتمع فيه، وهذا يؤكد بما هو جلي أن مؤسسة الرئاسة تحت سيطرة العسكر".

واستطرد: "سنرى كيف سيطبل الموالون للنظام الحاكم لفكرة العهدة الثانية"، مشيرا إلى أنه "إذا شهدنا إعطاء أهمية كبرى للعهدة الثانية فإن ذلك سيكون ترجمة لرضى الجيش على بقاء تبون على رأس قصر المرادية".