للتخلص من روسيا.. ألمانيا "تتوسل" الغاز القطري رغم إساءاتها في المونديال

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على اتفاقية الغاز الأولى المبرمة بين قطر وألمانيا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وتستمر لمدة 15 سنة.

وقالت صحيفة "الكونفدنسيال" إن "الاتفاقية خطوة تؤكد أن برلين تودع فكرة التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ولفتت إلى أن الأنباء عن اتفاقية الغاز القطري لصالح ألمانيا "جاءت بشكل غير متوقع في الأسبوع الأخير من نوفمبر 2022، عندما كان المنتخب الألماني موجودا في قطر، وكانت بعض الإشارات من جانب الأوروبيين تولد توترات مع الدوحة".

خطوة أولى

وبينما احتج لاعبو كرة القدم الألمان على الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" وقطر قبل مباراتهم الأولى بالدوحة في 23 نوفمبر 2022، وضع كلا البلدين اللمسات الأخيرة على اتفاق مع ضجة أقل بكثير.

ويتمثل هذا الاتفاق في عقد لتوريد ملايين الأطنان من الغاز الطبيعي المسال القطري إلى ألمانيا.

عموما، كان من الواضح أن برلين كانت في أمس الحاجة إلى الهيدروكربونات منذ أن فجرت الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا نموذج الطاقة الذي تعتمد عليه.

ومع ذلك، فإن اتفاقية التجارة مع قطر تثير العديد من الأسئلة، وفق "الكونفدنسيال".

فهل بدأ مستقبل ألمانيا في التبلور دون روسيا؟ هل الدوحة، على عكس بوتين، شريك مقبول؟ وماذا عن مشروع انتقال الطاقة في ألمانيا الذي يُستشهد به كثيرا؟.

ونوهت الصحيفة بأن الأرقام توضح أن العقد الأول مع قطر لم يقترب بأي حال من الأحوال من استبدال الإمدادات الروسية القديمة.

وبدءا من عام 2026، سترسل الدوحة مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، وهو ما لا يكاد يغطي ثلاثة بالمئة من الاستهلاك الحالي لألمانيا.

ومع ذلك، أكد تيم كيلر، رئيس اتحاد الشركات الرئيسية في القطاع "زوكونفت غاز"، أن الاتفاقية "تعد خطوة أولى مهمة في رحلة طويلة لتنويع إمدادات الغاز".

وحذر من أن "هذا يعني أن أمامنا الكثير من العمل لتأمين إمدادات الغاز على المدى البعيد".

وضع حرج

وأشارت الصحيفة إلى أن الشحنات القطرية إلى ألمانيا ستبدأ عام 2026، ما يعني أن الغاز الطبيعي المسال من الخليج العربي لن يعمل على التخفيف من التعطش للغاز لدى أكبر مستهلك في أوروبا، على المدى القصير.   

ورغم حقيقة أن التنبؤات الأكثر سوءا- أن تبقى آلاف المنازل دون تدفئة وأن تنهار الصناعة بسبب نقص الطاقة- لن تتحقق هذا الشتاء، فإن برلين تعلم أن عامي 2023 و2024 قد يظلان حاسمين بعد قطع العلاقات مع بوتين.

وحتى منتصف هذه السنة، ضخت شركة الطاقة الروسية غازبروم إلى ألمانيا حوالي 55 مليار متر مكعب سنويا عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم. في المقابل، ستبلغ شحنات الصفقة القطرية الأولى 2.7 مليار متر مكعب في السنة.

ونقلت الكونفدنسيال أن "الاتفاق الحالي ليس حتى اتفاقا مباشرا بين الشركات القطرية ونظيرتها الألمانية، لأن شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة قد وقعت عقدا مع شركة كونوكو فيليبس الأميركية، التي ستكون المورد لإحدى محطات الغاز الطبيعي المسال الألمانية المستقبلية، التي تعد قيد الإنشاء في الوقت الراهن".

وأضافت الصحيفة أن "التوقعات تشير إلى أن العديد من الشركات الألمانية ستبدأ قريبا أيضا في الإعلان عن عقودها الخاصة لجلب الغاز من الخليج إلى ألمانيا، بعد أن رفعت الاتفاقية الأولى الحظر".

ووفقا لصحيفة "هاندلسبلات" التجارية اليومية، تتفاوض شركات الطاقة "أر دبليو إي" و"يونيبر" و"إن بي دبليو" مع شركة قطر للطاقة وموردي طاقة من أبو ظبي أيضا.

وبشكل عام، بهدف تشكيل مستقبل الطاقة الألمانية، سافر المستشار نفسه، أولاف شولتس، ونائبه، الزعيم الأخضر ووزير الاقتصاد، روبرت هابيك، إلى قطر في الأشهر الأخيرة.

"توسل" ألمانيا

ولفتت الصحيفة إلى "جانب آخر مثير للانتباه في الاتفاقية القطرية الأولى، ألا وهو مدة العقد التي وصلت لمدة 15 عاما".

وقالت: "حتى وقت قريب، كانت برلين تلمح دائما إلى أن الصفقات قصيرة الأجل كانت خيارها المفضل".

ومع ذلك، قال وزير الاقتصاد هابيك، في أول تعليق بعد الإعلان: "15 سنة رائعة، في النهاية، بالنسبة للعقد، كانت شروط قطر أكثر ثقلا".

في الواقع، لفتت الإمارة النظر منذ البداية إلى أنها مهتمة على وجه الخصوص بالعقود طويلة الأجل، وليس بالمبيعات السريعة والمقتضبة لإنقاذ ألمانيا الغارقة في أزمة الطاقة بسبب تعكر علاقاتها مع روسيا.

ونوهت الصحيفة بأن "قطر تريثت، إلى أن سافر إليها هابيك من الحزب الأخضر، الذي كان دائما مبالغا في التذكير بالمعايير الأخلاقية والبيئية العالية لحزبه، متوسلا في مارس/آذار 2022، في خضم الصدمة في ألمانيا وأوروبا بسبب بدء حرب بوتين".

وبعد الإعلان في وقت سابق من هذه السنة عن عدم التوصل إلى اتفاق مع القطريين في مجال الطاقة، جرى إبرام الاتفاقية الأولى بفضل البراغماتية التجارية للقطريين والألمان أيضا الذين أدركوا أن عليهم تقديم تنازلات.

علاوة على ذلك، لا يتوقع أحد عمليا أن تزود روسيا ألمانيا بالطاقة مرة أخرى على المدى القصير أو المتوسط، بحسب الصحيفة الإسبانية.

وأبعد من ذلك، لقد دفع هذا اليقين حتى الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمستشار أولاف شولتس، المنفتح تقليديا على النظر في مصالح موسكو، إلى تغيير وجهة نظره.

في هذا السياق، قال شولتس في أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن روسيا "لم تعد شريكا موثوقا به في إمدادات الغاز".

وعلقت الصحيفة: "قد تبدو هذه العبارات مجرد تفصيل، لكنها في الحقيقة حركة هزت أسس السياسة الألمانية، وتحديدا، حتى بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت برلين مقتنعة بأن موسكو تحترم عقودها بشكل دائم، كما أظهر الاتحاد السوفيتي حتى في أشد أوقات الحرب الباردة احتقانا".

واستطردت: "نتيجة للتطورات على الساحة الأوروبية أخيرا، يستعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الآن لإعادة تحديد سياسته الخارجية عام 2023، ومن المتوقع أن يقرّ الاشتراكيون الديمقراطيون، بأن روسيا تشكل تهديدا لأمن أوروبا".

وختمت الصحيفة مقالها بالقول إن "التعامل مع بوتين هو مجرد وهم في الوقت الحالي، رغم أن بعض الأصوات المتمردة من أقصى اليمين واليسار الأكثر راديكالية تعارض هذه الفكرة".