هكذا تدعم إيطاليا منع وصول المهاجرين وتغض الطرف عن انتهاك حقوقهم
انتقدت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" الإيطالية تجديد مذكرة التفاهم بشأن إدارة تدفقات الهجرة غير النظامية بين إيطاليا وليبيا المبرمة عام 2017.
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جرى تجديد "مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التنمية ومكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر والتهريب وتعزيز أمن الحدود بين دولة ليبيا والجمهورية الإيطالية "لمدة ثلاث سنوات".
وكانت المذكرة قد أبرمت عام 2017 في عهد الحكومة الإيطالية بقيادة باولو جنتيلوني، وباقتراح من وزير الداخلية آنذاك ماركو مينيتي، فيما مثلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج الطرف الليبي وقتها.
أبرز الانتقادات
واستعرضت الصحيفة الإيطالية أبرز الانتقادات الموجهة للاتفاقية خاصة من ناحية انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات ضد المهاجرين غير النظاميين.
وقالت إن "إيطاليا ستواصل تقديم الأموال والأدوات لخفر السواحل الليبي وغض الطرف عن الفظائع المرتكبة في مراكز الاستقبال".
وتقصد هنا مراكز الاحتجاز التي يجري فيها إيواء المهاجرين غير النظاميين الطامحين إلى مغادرة السواحل الليبية نحو القارة العجوز بعد اعتراضهم في البحر.
ذكرت الصحيفة أن أصوات معارضة صادرة عن العديد من المنظمات غير الحكومية تندد بانتهاكات حقوق الإنسان التي "أضفت المذكرة عليها الشرعية".
وأشارت إلى أن الاتفاقية التي تهدف بشكل أساسي إلى مكافحة الهجرة غير النظامية في وسط البحر الأبيض المتوسط، تسببت في ضرر أكثر من نفعها.
وهو ما تؤكده احتجاجات المجتمع المدني في العاصمة الإيطالية روما نهاية أكتوبر/تشرين الأول للمطالبة بإلغائها أو مراجعتها.
لفتت الصحيفة إلى أن المذكرة جاءت في إطار ما لا يزال يعرف اليوم بـ"علاقات الصداقة والتعاون الطويلة والقوية بين البلدين".
وعلى أساسها جرى تحديد أرضية مشتركة لاتخاذ سلسلة من الإجراءات من أجل الالتزام بشكل مشترك بمكافحة "الهجرة غير النظامية وتأثيرها وكذلك مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر إلى جانب تهريب الوقود".
بينت الصحيفة الإيطالية أن الهدف الرئيسي للمذكرة كان مكافحة الهجرة غير النظامية والقضاء نهائيا على ممر الهجرة وسط البحر الأبيض المتوسط الذي تسلكه قوارب الهجرة نحو إيطاليا.
وتذكر بأنه تحقيقا لهذه الغاية، نص الاتفاق على نوعين من التدخلات الرئيسية.
أولا، إعادة تشكيل خفر السواحل الليبي الذي تدرِّب إيطاليا عناصره ووفرت لهم أيضا الوسائل والمعدات وزوارق الدورية، ليتمكنوا من تنفيذ أنشطة المراقبة والبحث والإنقاذ في المنطقة البحرية الخاصة بليبيا.
وقالت إن "إجمالي التمويلات والنفقات من الجانب الايطالي بلغت قرابة 100 مليون يورو بين أنشطة تدريب وتوفير معدات".
ثانيا، إنشاء ما يسمى بـ"مراكز الاستقبال"، جيث ينقل الأشخاص الذين يجرى اعتراضهم في البحر وإيوائهم.
وانتقدت الصحيفة ما ترتب عن المذكرة من آثار مختلفة تماما عن الأهداف خاصة في مكافحة الهجرة غير النظامية الوافدة من السواحل الليبية.
أصوات معارضة
ذكرت إيل كافي جيوبوليتيكو أن أصوات نحو أربعين منظمة غير حكومية كانت قد كسرت صمت المؤسسات الإيطالية الذي خيّم على تمديد المذكرة وذلك بخروجها في مظاهرات في شوارع العاصمة الإيطالية روما في نهاية أكتوبر للتنديد بالمذكرة.
وبينت أن الانتقادات وجهت بشكل خاص لواقع مراكز الاحتجاز الليبية التي أظهرت تحقيقات متعددة الانتهاكات والاغتصاب والعنف والظروف اللاإنسانية التي تجري بها معاملة "المحتجزين".
بدوره، أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في أكتوبر أن الوضع في مختلف مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا مروع.
وكان قد حث في مؤتمر صحفي على العمل من أجل استقرار الوضع في ليبيا وتحسين حياة الليبيين واللاجئين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في ليبيا.
واستهدفت سهام النقد خفر السواحل الليبي، الذي جرى تفويضه على وجه التحديد لاعتراض المهاجرين وإدارتهم نيابة عن إيطاليا، ولا سيما أن نشاطهم اتسم بالقليل من الشفافية، وفي كثير من الأحيان بالتوافق مع أنشطة المتاجرين بالبشر، على حد قول الصحيفة الإيطالية.
تذكر في هذا الصدد قيادة المهرب عبد الرحمن ميلاد الملقب بـ"البيجا" مفاوضات مع الجانب الإيطالي عام 2017 حول منع المهاجرين مغادرة ليبيا.
ومن الأسماء الأخرى التي تؤكد التداخل بين صفة ضباط خفر السواحل وفي الوقت نفسه الاتجار بالبشر، تذكر الصحيفة محمد الخوجة.
والخوجة أصبح مديرًا في ديسمبر 2021 لجهاز مكافحة الهجرة غير النظامية، بعد أن كان يشرف على مركز الاحتجاز الواقع في طريق السكة بالعاصمة لسنوات، جيث جرى توثيق العنف والانتهاكات ضد المهاجرين.
وأضافت أن هناك نقطة أخرى مثيرة للجدل في الاتفاق تتمثل في حقيقة أنه لا يمكن تعريف ليبيا على أنها بلد آمن إذ يجرى فيه إعادة الأشخاص الذين يعترضون في البحر، خصوصا أنها لا تسمح بالاتصال بسلطات البلدان الأصلية للاجئين وتقديم طلب اللجوء، فضلا عن أشكال العنف المذكورة.
علاوة على ذلك، لم تصدق ليبيا على اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، تضيف الصحيفة.
وتستدرك بالقول إنه على الرغم من ذلك، تشير التقديرات إلى أنه منذ عام 2017 حتى اليوم، اعترض خفر السواحل الليبي بفضل المذكرة ما يقرب من 100 ألف شخص ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز إلا أن الكثير منهم اختفى في تلك المرحلة عن الرادار.
واستنكرت بأن "الدولة الإيطالية ستواصل لمدة ثلاث سنوات أخرى توفير الأدوات المادية والاقتصادية لمنع وإدارة تحركات الباحثين عن مستقبل أفضل على الرغم من الأدلة على أشكال العنف المؤسسي الذي يحدث في ليبيا ضد المهاجرين".
ذكرت الصحيفة أن النائب الإيطالي ريكاردو ماجي، أعلن عزمه إعادة تقديم مشروع قانون من أجل تنفيذ تحقيق برلماني يلقي الضوء على تنفيذ الاتفاق بين الطرفين. وعلقت الصحيفة بأنه "لا يبدو أن هناك أي نية لتغيير الاتفاقية نظرًا لمناخ الهجرة اليوم".
في الختام، انتقدت الصحيفة مجددا تفويض إيطاليا إدارة التدفقات إلى أطراف أخرى لتجنب "حالة طوارئ هجرة" محتملة، بينما لا تزال ليبيا "مسرحًا لانتهاكات حقوق الإنسان".