فتح الآفاق.. ما سر اجتماع نجل الملك عبدالله و"الإخوان المسلمين" بالأردن؟
يسعى ملك الأردن عبد الله الثاني لإخلاء الطريق لنجله "الحسين" ويجهزه ليصبح خليفته القادم مثلما فعل والد الأول الملك الراحل حسين بن طلال.
ومهد حسين بن طلال الطريق أمام نجله عبد الله ليصبح العاهل الأردني الحالي، عبر إقصاء شقيقه (الحسن) من منصب ولي العهد.
واليوم يتبع الملك عبد الله نفس طريقة والده مع شقيقه، وبعدما عين أخيه الأصغر غير الشقيق، حمزة وليا للعهد عام 1999، عزله عام 2004، كي يعين نجله الأكبر "الحسين" مكانه عام 2009 وهو في عمر 15 عاما.
هذه الخطوة "عززت سلطة الملك ومهدت الطريق لخلافة ابنه الصغير له"، بحسب ما قالت وكالة "رويترز" البريطانية في 3 يوليو/تموز 2009.
وكان الأمير حمزة بن الحسين، الابن الأكبر للملك حسين من زوجته الرابعة نور ينازع أخيه عبد الله على ولاية العهد وخلافة أبيه. لكن الأب نقل المُلك لـ "عبد الله" الملك الحالي وضاعت الفرصة من "حمزة".
والجديد هو أن الملك عبد الله لم يكتف بعزل أخيه من ولاية العهد وتعيين نجله، بل بدأ بتقييد حركة "حمزة" في مايو/أيار 2022.
وجاء ذلك بعد اتهامه في أبريل/نيسان 2021 بقيادة انقلاب ضده، بدعم أميركي، حسب ما قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 11 يونيو/حزيران من العام نفسه، ليخلي بذلك الطريق تماما أمام نجله ليكون الملك القادم.
وسعى الملك عبد الله منذ سنوات لتدريب وصقل قدرات نجله على الحكم عبر تكليفه بزيارات خارجية ولقاءات داخلية، وتسليمه ملفات مختلفة ومهام ملكية.
علاقة قديمة
وفي 18 نوفمبر/تشرين ثان 2022، حرص ولي العهد الأمير الحسين على تقديم العزاء بنفسه في وفاة المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين عبد المجيد الذنيبات، وهو ما لفت أنظار الإسرائيليين والأميركيين والمعارضة العلمانية الأردنية.
ومعروف أن هذه الخطوة من ولي العهد لا يمكن أن تجري إلا برضا الملك وبالنيابة عنه، وإن لم يذهب بنفسه للعزاء ربما لأسباب بروتوكولية.
سمو ولي العهد يعزي بوفاة العين الأسبق عبدالمجيد الذنيبات https://t.co/LmPJXpkka0 pic.twitter.com/9Z8hH5ple7
— Urdoni أردني (@Urdoni) November 19, 2022
وكانت زيارة العزاء من أبرز المواضيع في معظم الصحف اليومية الأردنية، إذ أن علاقة الملك وابنه جيدة مع الذنيبات والإخوان وسبق أن دعاه لمأدبة إفطار رمضانية.
وفي 24 يوليو 2013 أقام الملك إفطارا رمضانيا للشيوخ والوجهاء في الأردن دعا إليه الذنيبات، وركزت صحف أردنية منها موقع "عمون" على نشر صورة للملك وهو يضع يده على كتف الذنيبات ما يشير لحميمة العلاقة بينهما.
وعمل الذنيبات مدرسا للغة العربية في مدرسة قريته، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1964، وفي العام ذاته انتسب إلى جامعة دمشق حتى حاز شهادة الليسانس في الحقوق، وعمل بالمحاماة.
وفي عام 1968 انتظم في العمل الفدائي في معسكرات تدريب الشيوخ، منضويا تحت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في منطقة العالوك التابعة لمحافظة الزرقاء شمال شرق عمّان، ثم عاد إلى الكرك لإكمال دوره في الدعوة والتنظيم.
وشغل الذنيبات عضوية مجلس الأعيان الأردني (مجلس الملك والغرفة الثانية من البرلمان) في ثلاث دورات برلمانية.
وفي عام 1993، اختير الذنيبات نائباً للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وانتخب بعدها عام 1994 مراقباً عاماً خلفاً للمراقب السابق محمد عبد الرحمن خليفة، وجُدِّد انتخابه عام 1998.
واستمرّ في منصبه إلى عام 2006 عندما قرر الاستقالة، وانتخب سالم الفلاحات خلفاً له.
وطرأت خلافات بين الذنيبات وقيادات في الإخوان فقرر تشكيل جمعية باسم "الإخوان المسلمون" في النصف الثاني من عام 2013، خرجت للنور، بعد حصولها على موافقة من الحكومة الأردنية.
وأقام دعوى قضائية، لا تزال منظورة وربما يجري شطبها بعد وفاته، طالب فيها بأن تكون جمعيته الجديدة هي الوريث الشرعي والقانوني لاسم وهوية الإخوان المسلمين.
لماذا يسرع الملك عملية تجهيز نجله لخلافته؟ وهل قيام ولي العهد بالعزاء في مراقب الإخوان مؤشر على حاجة القصر للجماعة في الفترة المقبلة حيث تشهد المملكة تدهورا اقتصاديا، وتحديا لإشرافها على الأقصى بعد فوز الصهيونية الدينية في إسرائيل؟.
ويقصد بـ "الصهيونية الدينية" تحالف متطرف يحتكم للشريعة اليهودية فاز بـ 14 مقعدا من 120 بالبرلمان الإسرائيلي وحاز على 5 وزارات، ويطالب بهدم الأقصى وبناء الهيكل وإنهاء وصاية الأردن على المقدسات في القدس.
بينما استقبلت قوى السياسية وصحف أردنية حضور ولي العهد، عزاء القيادي في جماعة الإخوان بصورة عادية، انتقده معارض أردني يقيم في لندن ومطلوب محاكمته.
"مضر زهران"، الذي يصف نفسه بأنه "أمين سر ائتلاف المعارضة الأردنية"، بينما لا توجد أحزاب معلنة منضمة لهذا الائتلاف، والذي تثار شبهات حول علاقته بإسرائيل، كان هو الوحيد الذي انتقد عزاء الملك في القيادي بجماعة الإخوان.
رأى أن حضور نجل الملك العزاء بنفسه معناه أنه "يؤيد الإسلاميين"، ويؤكد "عمق التحالف بين النظام الهاشمي وجماعة الإخوان".
زعم في مقال نشره بموقع American Thinker الموالي للمحافظين اليمينيين من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب واليهود، في 27 نوفمبر أن "ولي العهد يرسل رسالة إلى العالم مفادها أنه سيواصل تحالف والده مع جماعة الإخوان المسلمين" التي وصفها بـ "الراديكالية".
ومعظم ما نشر عن "ائتلاف المعارضة" المذكور من بيانات كان مرتبطا بأحداث الربيع العربي عامي 2011 و2012، وما بعدها.
وكان عبارة عن تصريحات صحفية أو تلفزيونية أو مقالات تهاجم الملك وتتوقع قلب نظام الحكم في الأردن، بحسب ما نشر موقع "جفرا نيوز" 11 سبتمبر/أيلول 2017.
ورئيس الائتلاف "عبدالإله المعلا" له مواقف مشبوهة، إسرائيلية الهوى، فهو مؤيد لجعل الأردن "الوطن البديل للفلسطينيين"، كما أن عضو الائتلاف عبد السلام المعلا، سبق أن زار إسرائيل عدة مرات، حسبما نشر أردنيون على مواقع التواصل.
تجهيز للخلافة
وأوردت صحيفة "يسرائيل هيوم" تفسيرا يتعلق بتسريع الملك عبد الله "تجهيز" نجله لخلافته، في تقرير نشرته 17 أبريل/نيسان 2022، هو خشيته من وفاته لاقتراب سنه (60 عاما) من سن وفاة والده الملك حسين (63) وجده.
فيما يرى مراقبون أن الملك بحاجة للظهير الشعبي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، لمواجهة التحديات المقبلة الاقتصادية والسياسية أو الصدام المحتمل مع دولة الاحتلال بسبب المسجد الأقصى.
ويواجه الاقتصاد الأردني ظروفا صعبة أبرزها قضية البطالة والفقر وتآكل دخل الأسرة، وتراجع الخدمات في الصحة والتعليم، والبطالة، وزيادة المديونية وارتفاع قيمة الفاتورة النفطية وزيادة للأعباء المعيشية.
وسبق للملك عبد الله أن شن هجوما على الإخوان المسلمين والرئيس المصري الراحل محمد مرسي في حوار مع مجلة أتلانتيك الأميركية 15 مارس/آذار 2013 وقال إنه لا يؤيد إشراكهم في الحكم ويتصدى لذلك، لكنه اعترف أن "الجماعة جزء من النظام".
أيضا قالت زوجته الملكة رانيا لمراسلة سي إن إن الأميركية كريستيان أمانبور في 20 سبتمبر 2016: "نرحب بمشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات لأننا نريد أن تشمل الجميع".
مع هذا يستمر الملك في تحجيم نشاط الجماعة، وفي يناير/كانون الثاني 2022 أقر البرلمان الأردني حزمة تعديلات دستورية بأمر ملكي، تهدف لزيادة صلاحيات العاهل الأردني، مثل تعيين وإقالة كبار السياسيين والقضاة ورجال الأمن.
ورجح معارضون أن يكون لها علاقة بتحجيم الإسلاميين، أو بادعاءات الملك حينئذ عن تعرضه لمحاولة انقلاب في 3 أبريل 2021.
ووصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة التعديلات الدستورية بأنها "صدمة كبيرة تؤسس لانقلاب على الدستور" وتؤشر لانغلاق الأفق في الإصلاح السياسي.
ولا يزال حزب جبهة العمل الإسلامي (ممثل الإخوان) أقوى الأحزاب بعد أكثر من 30 عاما على استئناف الحياة السياسية في المملكة، رغم وجود أكثر من 50 حزبا سياسيا.
وتقلصت نتائج الحزب في انتخابات 2020 إلى 10 مقاعد من أصل 130، مقابل 16 في انتخابات 2016، بسبب قانون الانتخابات الجديد وانقسامات داخلية، في حين لم يفز أي من مرشحي الأحزاب القومية أو اليسارية بأي مقعد.
وأجبر القلق من استمرار وتزايد شعبية الإسلاميين، النظام الأردني على تغيير قانون الانتخابات من نظام الأصوات المتعددة، بدعوى فوز الإسلاميين به، إلى الصوت الفردي، بحسب ما نشر موقع "مونيتور" الأميركي في 13 أكتوبر/تشرين أول 2021.
منذ تعيينه وليا للعهد عام 2009 وبلوغه سن الرشد القانوني عام 2012، يسعى الملك والملكة جاهدين لتلميع صورة ابنهما كخليفة مؤهل لوالده.
لم يقتصر الأمر على ترويج وسائل الإعلام الحكومية الأردنية للأمير الشاب أخيرا على أنه "الفارس القادم بالدرع اللامع"، إذ وصفه الملك في نوفمبر 2021 بقوله: "لتبقى الفارس الهاشمي الذي نذرته لخدمة وطنه".
وتظهر الصحف الأمير وهو يؤم الصلاة في المساجد، ويحضر المؤتمرات، ومرافقته والده الملك عبد الله الثاني في عدد من الزيارات الدولية والمحلية.
وفي عام 2015، عند بلوغه عامه العشرين، أصبح الأمير أصغر شخص يرأس جلسة لمجلس الأمن الدولي، وظهر عالمياً عندما ألقى خطابا موجها للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من ذلك العام تحدث فيه عن التطرف والإرهاب.
وضمن عملية تلميع ولي العهد الأمير الحسين، وتسليمه ملفات سياسية داخلية وخارجية، شارك في لقاءات عشائرية عديدة، ومثل بلاده في القمة العربية الأخيرة في الجزائر نوفمبر 2022 مندوبا عن الملك.
ولأن اسمه انتشر في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام الأردنية أكثر من اسم والده وتعددت مهامه الداخلية والخارجية، كانت زيارته لمقر عزاء المراقب العام الراحل لجماعة الإخوان، الذنيبات، محط اهتمام، وسط حديث عن دلالاتها.
وكان ملفتا أن الأمير حسين زار مقر زعيم الإخوان المسلمين الراحل مرتديًا الزي الرسمي القتالي للجيش، الذي نادرا ما يظهر به، ما يعني أنه ربما أراد إسباغ طابع رسمي على الزيارة، وآخر بروتوكولي كمسؤول عسكري في المملكة.
لكن المعارضة اليسارية الأردنية رأت هذا مؤشرا على "أن ولي العهد يرسل رسالة إلى العالم مفادها أنه سيواصل تحالف والده مع جماعة الإخوان المسلمين"، حسبما يقول "مضر زهران".
وتخرج الأمير حسين عام 2017 في الأكاديمية العسكرية الملكية البريطانية ساندهيرست، ويحمل حاليا رتبة نقيب في القوات المسلحة الأردنية، وتخرج أيضا في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون الأميركية عام 2016.
تكاتف مطلوب
تفسر صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية تسريع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن تجهيز ابنه حسين ليحل محله، بأنه يقترب من سن وفاة والده وجده.
قالت إن العاهل الأردني الملك عبد الله (60 عامًا) على دراية كبيرة بالتاريخ الطبي الكئيب لأسلافه، إذ توفي والده عن عمر يناهز 63 عامًا بعد صراع مع مرض السرطان.
كما توفي جده (طلال) عندما كان يبلغ من العمر 63 عاما بعد الإطاحة به والنفي، بالإضافة إلى مشكلات الصحة العقلية التي عانى منها.
أوضحت أن المشاكل الصحية بدأت تداهم الملك "عبد الله"، وسافر إلى ألمانيا في 10 أبريل 2022 لإجراء جراحة في العمود الفقري بسبب انزلاق غضروفي لكن لا يعاني من أي مرض ظاهر خطير.
ذكرت الصحيفة في تقرير نشرته في 17 أبريل 2022 أن الأردن ينهار اقتصاديا تحت وطأة اللاجئين (700 ألف إلى 1.3 مليون) منذ اندلاع الحرب في العراق وسوريا، ومشكلات أخرى، و"إذا لم يتغير شيء فإن ابن الملك سيتسلم بلدًا في أزمة عميقة".
وتتزايد مشكلات البلاد، وتواجه العائلة المالكة نفسها تهديدات منذ تخلى حمزة عن لقبه الأميري احتجاجا على كيفية إدارة البلاد بعد فرض الإقامة الجبرية عليه، كما يتعاظم نفوذ حركة الإخوان المسلمين خاصة في مخيمات اللاجئين.
يتوقع "تقدير موقف" لموقع "عمان جو" الأردني نشر في 27 نوفمبر أن تشهد العلاقات الأردنية الإسرائيلية توتراً فيما يتعلق بموضوع القدس والمقدسات والمسجد الأقصى، في ظل تولي حكومة صهيونية دينية بامتياز.
وخاصة في حالة إجراء الحكومة الإسرائيلية تغييرات على الوضع القائم في المسجد الأقصى أو المس بموظفيه وحراسه، أو اقتحام الجماعات اليهودية المتطرفة له وإقامة طقوس توراتية فيه.
لهذا تتطلب المرحلة المقبلة، تكاتفا داخليا أردنيا لمواجهة التحديات التي يشكلها وزراء "الصهيونية الدينية" في حكومة بنيامين نتنياهو الفاشية اليهودية، على الأردن وجوديا، وتداعيات ذلك على ملف القضية الفلسطينية.
"الوصاية الهاشمية" على الأقصى أيضا مهددة، إذ تسعى الصهيونية الدينية لإلغاء إشراف الأردن على المسجد، وإلغاء "الوضع الراهن" المعمول به منذ احتلاله عام 1967.
وتولي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أهمية خاصة لقضية القدس والمسجد الأقصى، وتطالب بالتصدي لأي تحركات إسرائيلية لفرض السيادة الصهيونية عليهما كبديل عن الوصاية الأردنية، وهو ما يتقاطع مع الموقف الرسمي ويدعمه.
وقد أكدت هيئة البث الإسرائيلية في 14 نوفمبر أن الملك عبد الله، بعث برسائل تحذير إلى نتنياهو، أنه في حالة انتهاك الوضع الراهن في الحرم القدسي ستتضرّر العلاقات بين الأردن وإسرائيل، ليرسل الأخير "رسالة طمأنة".
وحذر "الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن" في الأردن من خطر صعود متطرفي الصهيونية الدينية على الأردن وفلسطين، داعيا إلى "مراجعة إستراتيجية الدولة الأردنية في التعامل مع إسرائيل، واحتضان المقاومة وتقوية الجبهة الداخلية".
وانتقد "الملتقى" خلال بيان في 29 نوفمبر اتفاقا تطبيعيا وقعته عمان وتل أبيب بتمويل إماراتي في الثامن من الشهر نفسه يسقي الأردن بموجبه شعبه "ماء إسرائيل" مقابل إنارة المستوطنات.
ودعا الملتقى الوطني الموقف الرسمي الأردني أن "يرتقي إلى مستوى التحدي الوجودي الذي تفرضه التوجهات والممارسات الصهيونية".
وقبل وفاته شن المراقب العام لجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، عبد الحميد الذنيبات، هجوما على تطبيع بلاده مع إسرائيل.
وقال في أبريل 2022 إن "الحركة الإسلامية ستنهض بواجبها وتقوم بدورها في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني واحتواء تداعياته، وتحصين شعبنا الأردني وشعوب الأمة من اختراق فكرها ووعيها وثقافتها".
تاريخ ومحطات
ظل النظام الأردني بحكوماته المتعاقبة يتعامل مع جماعة الإخوان ضمن سياسة "الاحتواء الناعم" حتى عام 2010 وظهور إرهاصات "الربيع العربي".
لكن حدث تصعيد بين الجماعة والنظام، قبل وبعد "الربيع العربي"، مر بعدة محطات.
قبل الربيع العربي بسنوات طويلة، رفضت الجماعة قرار السلطة فك الارتباط القانوني والإداري بين الضفتين عام 1988، وانسحب نواب الإخوان البالغ عددهم 17 نائباً من جلسة التصويت على معاهدة "وادي عربة" للسلام مع إسرائيل في العام 1994.
وقرر الإخوان مقاطعة الانتخابات النيابية عامي 1997، و1999 احتجاجا على قرار إبعاد قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس عن الأردن وإغلاق مكاتبها في العاصمة عمان، وفي تلك الفترة كانت الأزمة تتجه نحو التصعيد.
وتصاعدت الخلافات بين الجماعة والسلطة حين عادت الأولى لتقرر للمرة الثالثة مقاطعة الانتخابات النيابية عام 2010، ومشاركتها في احتجاجات الشارع ضد ممارسات السلطة الاقتصادية والسياسية.
أما بعد الربيع العربي، فقد تعالت أصوات الجماعة المطالبة بمزيد من الحريات والديمقراطية منذ 2011، مدفوعة بموجة الانتصارات التي حققتها الانتفاضات الشعبية في الدول العربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.
وفي ذلك الحين انتقد الملك عبد الله الجماعة وقال إنهم كانوا يعتقدون أن الثورة ستندلع في اﻷردن، لكنه اضطر بعد شهرين من اندلاع الربيع العربي لطلب الاستماع لهم، لأنهم كما قال "كانوا الصوت الأعلى لذا أحضرتهم"، وفق حديثه لـ "أتلانتيك".
وقد رفضت الجماعة حينئذ دعوات الملك المشاركة فيما سُمي "لجنة الحوار الوطني"، وشاركت في احتجاجات الشارع خلال "الربيع العربي"، كما رفضت المشاركة في حكومة معروف البخيت.
وطالب مجلس شورى الجماعة في اجتماعه 25 نوفمبر 2012 بـ "الإصلاح"، وشارك الإخوان بقوة في توجيه "الحراك الشعبي الأردني" ما وتر العلاقة بينهم وبين القصر الملكي.
وقد وصلت القطيعة بين النظام الملكي وجماعة الإخوان إلى ذروتها في 16 يوليو 2020 عندما أصدرت محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية في الأردن، حكما بحل جماعة "الإخوان المسلمين" بحجة "عدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية".
وهو ما يمكن وصفه بأنه إعلان رسمي للقطيعة السياسية ما بين الدولة والإخوان، بحسب موقع "استراتيجيتك" الأردني 30 يونيو/حزيران 2022، والذي يديره حسن أسميك، رئيس مجلس إدارة مجموعة "ماريا" في دولة الإمارات.
ومع دخول المنطقة العربية مرحلة الانقلابات على الربيع العربي أو ما سمي "الثورة المضادة"، ضعف موقف إخوان الأردن شأن بقية أفرع الجماعة في الدول العربية بفعل الهجمة الشرسة للأنظمة، وزاد الأزمة خلافات داخلية.
لكن لأن هناك علاقة قديمة بين النظام الملكي والإخوان، الذين دعموا النظام في اﻷربعينيات والخمسينيات والسبعينيات، كما أنهم القوة السياسية الأكبر، فقد انتهج النظام مقاربة مختلفة معهم، عن تلك التي اتبعتها حكومات إقصائية عربية أخرى.
وحين انقلبت أنظمة عربية على الربيع العربي وجماعة الإخوان، وتوقع مراقبون أن يحدث ذلك في الأردن، توقع الخبير في الشؤون الأردنية "أسعد العزوني" في مقال نشره بموقع "عمون" 25 نوفمبر 2014، ألا يحدث ذلك.
قال إن الأردن الرسمي لن يقطع الشعرة مع جماعة الإخوان المسلمين، لأنها تحظى بمظلة حماية، بحكم تجذرهم في الشارع الأردني وانخراطهم في المجتمعات كافة، ناهيك عن طبيعة تدين المجتمع الأردني.
الآن، ومع تراكم التحديات الخارجية والداخلية ربما يرى النظام الجماعة سندا له خاصة مع توقع توتر علاقته مع إسرائيل بسبب القدس والمسجد الأقصى وحاجته لظهير شعبي يدعم القصر في معاركه المحتملة المقبلة ضد الصهيونية الدينية.