الوساطة العمانية.. ما احتمال نجاحها في تحرير الرهائن الأميركيين بسوريا؟
حركت الولايات المتحدة مجددا جهود الوساطة الدولية، لإطلاق سرائح الرهائن الأميركيين المحتجزين في سوريا، والذي يعتقد أن نظام بشار الأسد يقف خلف احتجازهم قبل عشر سنوات.
وتأمل واشنطن أن تفلح سلطنة عمان لإعادة هؤلاء المحتجزين لدى جهة تتبع نظام بشار الأسد منذ عام 2012 إلى وطنهم الأم.
واختفى أوستن تايس الصحفي المستقل والجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية، عقب إعداده تقارير صحفية في مناطق المعارضة السورية بريف دمشق عام 2012، بعد دخوله عبر لبنان.
والشخصية الثانية المحتجزة، هو مجد كمالماز، أخصائي نفسي أصله سوري من ولاية فرجينيا، اختفى في سوريا عام 2017.
وكمالماز يبلغ من العمر 61 عاما، اعتقلته مخابرات نظام الأسد، في اليوم الثاني من وصوله دمشق في فبراير/شباط 2017 لحضور عزاء والد زوجته.
مهمة عمانية
وفشل المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، في تحقيق أي نجاح، منذ تسلمه في 21 مايو/أيار 2022 بأمر من واشنطن ملف الأميركيين المفقودين بسوريا، رغم سفره إلى دمشق ومناقشة ملفهم مع النظام عقب عودته من الولايات المتحدة.
ومع تعهد إدارة الرئيس جو بايدن، حل مسألة المختفين الأميركيين بسوريا، نقلت واشنطن هذه المساعي إلى سلطنة عمان، المعروفة بـ"جنيف الشرق الأوسط"، والمتمرسة بملفات الوساطة.
ولا سيما أن مسقط جهة عربية موثوقة لدى النظام السوري منذ اندلاع الثورة بسوريا عام 2011، وتخوض جهودا نحو التمهيد لعودته إلى الحضن العربي راهنا.
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، تقريرا لها، أكدت فيه أن الولايات المتحدة عززت تعاونها مع سلطنة عمان، لا سيما في مجال الاستخبارات.
وأضافت المجلة، أن واشنطن تأمل في أن تساعدها مسقط في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في سوريا.
وبحسب "إنتيليجنس أونلاين"، عقدت الولايات المتحدة وسلطنة عمان، جلسة حوار إستراتيجي في واشنطن في 8 نوفمبر 2022، وحدد الجانبان مجالات الذكاء الاصطناعي والتحكم الآلي وتعزيز جهاز المخابرات العماني كأولويات لكليهما.
وتناول الاجتماع أيضا قضية الرهائن الأميركيين في سوريا، إذ أعرب وزير الخارجية أنتوني بلينكن لنظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي عن رغبته في أن تلعب مسقط دور الوسيط في المفاوضات مع دمشق، عوضا عن عباس إبراهيم.
تلفت "إنتيليجنس أونلاين"، إلى أن تسليم واشنطن ملف الوساطة لمسقط كان على مستوى عال، عبر رسالة حملها البوسعيدي في زيارة غير مسبوقة إلى دمشق نهاية يناير/كانون الثاني 2022.
والتقى البوسعيدي رئيس النظام بشار الأسد حينها وسلمه رسالة من السلطان هيثم بن طارق حول الصحفي الأميركي أوستن تايس، وفق المجلة.
وتعد سلطنة عمان الدولة الإقليمية الأولى التي أعادت فتح سفارتها في سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وقد طلبت واشنطن وساطة مسقط، في وقت بدأت تفقد فيه الثقة في وساطة مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، الذي لم تسفر جهوده في دمشق حتى الآن عن أي نتائج إيجابية.
وسيط مقبول
ولجوء الولايات المتحدة إلى سلطنة عمان ووضع ملف الرهائن في حقيبتها الدبلوماسية، بدا أنه جاد هذه المرة، نظرا لكون مسقط اختارت لنفسها زاوية ما يطلق عليه البعض "الحياد الإيجابي"، بخلاف الموقف الدولي الذي ينظر بعينه الحمراء إلى نظام الأسد.
ولذلك، يحسب لمسقط نجاحها في عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها حليفتها الولايات المتحدة تجاه نظام الأسد، المعاقب أوروبيا كذلك.
ويعتقد المراقبون أن النوافذ العمانية، تطل على دروب كثيرة وغير تقليدية، وما محافظتها على علاقات دبلوماسية علنية مع نظام بشار الأسد إلا بهدف كسب مساحة من المناورة بعيدا عن الحلفاء كواشنطن والأشقاء الخليجيين.
وتشتهر سلطنة عمان بأنها قادرة على فتح قناة تفاوض تلعب فيها دور الوسيط بين أضداد السياسة.
وأبرز مثال على ذلك، فتحها قناة تفاوض سرية بين إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وإيران لإنجاز الاتفاق النووي صيف عام 2015 والذي مزقه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 ويعمل الرئيس الجديد جو بايدن لإعادة تفعيله من جديد.
كما كسبت مسقط نقاط جديدة في رصيدها التفاوضي، حينما أفرجت إيران بواسطة عمانية، عن المواطن الأميركي باقر نمازي البالغ من العمر 85 عاما والذي احتجز هناك منذ عام 2015 بعد الحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.
وظهر نمازي في 5 أكتوبر 2022 وهو يصعد طائرة عمانية بمساعدة أحد أعضاء الوفد العماني، للتوجه إلى مسقط ومن هناك إلى الولايات المتحدة.
تؤكد "إنتيليجنس أونلاين"، في تقريرها الجديد، عقد اجتماع سابق للحوار الإستراتيجي الثنائي بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان بمسقط في الثاني من نوفمبر 2022.
وترأس الاجتماع المذكور نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع شهاب بن طارق آل سعيد- شقيق السلطان هيثم-.
إذ انتدب وزير المكتب السلطاني الفريق محمد النعماني لمتابعة قضية الرهائن الأميركيين، كونه يشرف على جهازي أمن الدولة والمخابرات ويشارك بالفعل في قضايا الرهائن في المنطقة.
كما حضر اللقاء قائد القوات المسلحة العمانية اللواء الركن مطر بن سالم البلوشي ونائب رئيس الأركان للعمليات والتخطيط العميد الركن عبدالعزيز بن عبدالله المنذري ومدير المخابرات العسكرية سلطان بن محمد المحمد.
اللافت أن البوسعيدي، طار إلى دمشق في 16 نوفمبر 2022، والتقى ببشار الأسد في القصر الجمهوري، وسلمه رسالة من السلطان هيثم بن طارق، حسبما قالت وكالة إعلام النظام الرسمية "سانا".
ووقتها قال الأسد: "ما يميز سلطنة عُمان هو مبدئية وتوازن سياساتها، ووضوح وشفافية مواقفها، مع حفاظها على الهوية والانتماء العربيين".
بدوره أوضح البوسعيدي، أن "سوريا دولة محورية في المنطقة وعمان حريصة على استمرار التشاور والتنسيق معها حول الأوضاع في المنطقة، والقضايا ذات الاهتمام المشترك".
وأشار إلى أن بلاده "تولي أهمية خاصةً لتطوير التعاون العماني السوري على المستويين الحكومي والشعبي في كل القطاعات".
تعهد أميركي
ويحاول النظام السوري تجنب الحديث عن الرهائن الأميركيين بسوريا، لكن صحيفة "الوطن" الموالية نقلت في 26 نوفمبر 2022، عن "أوساط دبلوماسية سورية" نفيها وجود أي وساطة أو مفاوضات يجريها أي طرف، سواء اللواء عباس إبراهيم أو سلطنة عمان.
وأمام ذلك، تبدو إدارة بايدن أكثر من أي وقت مضى عازمة على لم شمل عائلة تايس، عبر اتباع جميع السبل المتاحة حتى تنجح في ذلك.
ولا سيما أن عودة الاهتمام بقضية تايس من قبل الإدارة الأميركية ومن شخص وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يأتي عقب مشاركة الولايات المتحدة وروسيا في تبادل أسرى ناجحة.
إذ أعيد الجندي السابق بمشاة البحرية الأميركية تريفور ريد في أواخر أبريل/نيسان 2022 بعد ثلاث سنوات من احتجازه من قبل موسكو بينما كان يقضي عقوبة بالسجن في روسيا تصل لمدة تسع سنوات.
حتى أن بايدن التقى بوالدي تايس، عندما حضرت والدته، ديبرا تايس ووالده مارك، عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض في 3 مايو/أيار 2022، وتعهد الرئيس الأميركي بأن تعمل إدارته بلا هوادة لتأمين عودة الصحفي التي طال انتظارها إلى عائلته.
وسبق أن عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي عام 2018 مكافأة قدرها مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى عودة أوستن تايس.
كما أنه أخيرا جرى فتح تواصل لعائلة أوستن مع فريق الأمن القومي للرئيس بادين، خاصة أن هذه الأسرة لا تهدأ في محاولة التوصل لخيط رفيع يصلها بولدها عبر منظمات وجمعيات دولية تعنى بالمختطفين.
في الذكرى العاشرة لاختطاف تايس، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن في 11 أغسطس/آب 2022، أن حكومة الولايات المتحدة تعرف "على وجه اليقين" أن الصحفي المختطف أوستن تايس محتجز من قبل نظام بشار الأسد.
ورغم اليقين الأميركي، فإن النظام السوري لم يعترف باحتجازها تايس، بل دائما ما ينفي الاتهامات الأميركية بشكل قطعي ويصفها بأنها "باطلة".
وتكتفي وزارة خارجية النظام بالتعليق بأن تايس وآخرين دخلوا سوريا "بشكل غير قانوني"، لذا فهي غير مسؤولة.
الصحفي أوستن تايس المولود في تكساس 1981، كانت آخر مرة شوهد فيها، في مقطع فيديو نشر بعد أسابيع من اختفائه في أغسطس 2012، يظهره وهو معصوب العينين ويرافقه رجال مسلحون في منطقة جبلية غالبا بريف دمشق الغربي.
ولذلك كثيرا ما طلبت واشنطن من نظام الأسد التفاوض على إطلاق سراح تايس، إلا أن النظام لم يستجب لكونه كان يضع شروطا قاسية تتعلق بالوجود الأميركي بسوريا.
لكن تقدما في الملف حدث زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتحديدا في الأشهر الأخيرة من إدارته.
إذ إن اثنين من المسؤولين الأميركيين- بمن فيهم كبير مفاوضي الحكومة بشأن الرهائن، روجر كارستينز، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي أجريا زيارة سرية إلى دمشق للحصول على معلومات عن تايس والأميركيين الآخرين الذين اختفوا في سوريا.
وبحسب صحفية "الغارديان" البريطانية، شكلت هذه الخطوة بمثابة أعلى مستوى من المفاوضات منذ سنوات بين الولايات المتحدة وحكومة الأسد، على الرغم من أن المسؤولين السوريين لم يقدموا أي معلومات مفيدة عن تايس.
وفي تلك الفترة نقل موقع "ملفات سوريا" المعارض في 19 أكتوبر 2020، عن مصادر خاصة له، اعتقال أجهزة الأمن السورية ضباطا تحروا عن موقع أوستن تايس.
رهان المكاسب
وأمام هذه الخلفية، فإن هناك من ينظر إلى الوساطة العمانية "بعين التفاؤل"، ويرى أن مسقط لم تكن لتتسلم المهمة لولا أنها قادرة على فعل شيء في ملف الرهائن الأميركيين، وعلى الأقل انتزاع اعتراف من النظام حول حالة الرهان الصحية والاطمئنان عليهم.
وفي هذا الإطار، يرى الأكاديمي العُماني والخبير في الشؤون الإستراتيجية، عبدالله الغيلاني، أن "التجربة الأميركية مع الوساطة العمانية ناجحة، فقد حققت السلطنة نجاحات مقدرة في اليمن وإيران".
إذ نجحت مسقط غير مرة في تحرير عدد من الرهائن الغربيين المحتجزين في صنعاء و طهران، وهذا ما أغرى واشنطن بالاستعانة بالوساطة العمانية، وفق ما قال الغيلاني لـ "الاستقلال".
وبين أن "المسعى العماني هذه المرة يختلف عن سوابقه، ورغم التقارب النوعي بين مسقط ودمشق، فإن الرابطة الجيوسياسية ليست بمستوى الروابط مع طهران أو صنعاء. ومع ذلك فإني أرجح نجاح الوساطة العمانية لثلاثة أمور".
أولا وفق الغيلاني، "الخبرة النوعية التي أكسبت الدبلوماسية العمانية قدرة استثنائية على المناورة في هذا المضمار"، ثانيا، "ربما تلجأ مسقط إلى توظيف التأثير الإيراني على النظام السوري في هذا الملف".
ثالثا، "حرص دمشق على استرضاء الجانب العماني لما للسلطنة من تأثير على الصعيدين الخليجي والعربي، خاصة وأن إعادة دمشق إلى المحيط العربي بات موضوعا مدرجا على أجندة الجامعة العربية"، وفق الغيلاني.
وذهب الأكاديمي العماني للقول: "إن الوساطة العمانية هذه المرة بالغة التعقيد وستستغرق وقتا أطول من سابقاتها وتقتضي جهدا غير تقليدي كي تحقق بعض النتائج".
وختم الغيلاني بالقول: "كي يستجيب النظام السوري للوساطة العمانية فلا بد من الحصول على بعض المكاسب، منها لجم الغارات الإسرائيلية التي باتت تستبيح الأجواء السورية، وتخفيف الدعم لحلفاء واشنطن و على رأسهم قوات (سوريا الديمقراطية) قسد".
ويرى صحفيون سوريون، أن تايس يشكل بحد ذاته "فضيحة مدوية" لنظام الأسد خاصة في الأوساط الغربية، في حال أطلق سراحه.
ووفق صحفيين تحدثوا لـ "الاستقلال" فإن "ملف تايس متعلق بتبعات إطلاق سراحه، إذ يخشى النظام السوري، أن يكون وبالا جديدا عليه فيما لو فتح الصحفي قلبه للإعلام العالمي لتقديم رواية بفم غربي عما عايشه في سجون الأسد من تعذيب ربما ذاقه أو سمع به أو رأه في بدايات احتجازه عام 2012".
لكن أيا تكن التكهنات، تبقى "المهمة العمانية صعبة، ومرهونة بمدى المكاسب التي يمكن أن تجلبها مسقط لنظام الأسد في هذا التوقيت، وإن كان ذلك من خلال صفقات تحت الطاولة التي يجلس في أحد أطرافها إيران وروسيا حليفتا الأسد واللتان لديهما علاقة متوترة مع واشنطن"، وفق الصحفيين.