اقتصاده تردى منذ الغزو.. لماذا رفع العراق استثماراته بالسندات الأميركية؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على قدم وساق يواصل العراق رفع حيازته من السندات الأميركية تزامنا مع ارتفاع أسعار النفط، والإيرادات الهائلة التي يحققها شهريا عبر طاقة إنتاجية تبلغ 4.8 ملايين برميل يوميا، والتي بفضلها وصل احتياطي البلد النقدي إلى نحو 85 مليار دولار.

وبلغت عائدات العراق من النفط الذي جرى تصديره خلال عشرة أشهر من عام 2022، 99 مليارا و646 مليونا و786 ألفا و336 دولارا، بمعدل شهري بلغ 9 مليارات و964 مليونا و678 ألفا و633 دولارا"، وفق شركة تسويق النفط الوطنية العراقية "سومو" في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وبناء على ذلك، برزت تساؤلات عدة عن أسباب رفع العراق رصيده من السندات الأميركية، وإلى أي مدى يمكن أن ينعكس ذلك على اقتصاد البلد الذي يعاني من واقع متردٍ منذ الاحتلال الأميركي عام 2003؟

وسندات الخزانة أداة دين تلجأ إليها الحكومات والشركات لتمويل إنفاقها ومشاريعها وسد عجز ميزانيتها، وتوفر عائدا مضمونا للمستثمرين فيها مقابل مخاطرة محدودة.

الرابع عربيا

لا يمر شهر من دون أن يشتري العراق سندات أميركية بقيمة 1.6 مليار دولار شهريا تقريبا، ما رفعه مرتبتين في تسلسل الدول الأكبر حيازة للسندات، ليصل إلى المرتبة 32 من أصل 38 دولة، حسبما أفادت وزارة الخزانة الأميركية في 25 نوفمبر 2022.

وأضافت الوزارة الأميركية في بيان أن "حيازة العراق من هذه السندات بلغت 36.9 مليار دولار لسبتمبر/ أيلول 2022، مرتفعة بنسبة 3.65 بالمئة عن أغسطس/آب الذي سبقه، ومرتفعة بنسبة 105 بالمئة عن الشهر نفسه من عام 2021".

وأشارت إلى أن "العراق جاء رابع أكبر دولة عربية بعد السعودية والكويت والإمارات، فيما جاءت اليابان على رأس الدول الأكثر حيازة لهذه السندات، تليها الصين ثانيا والمملكة المتحدة ثالثا"، مبينة أنّ "مجموع السندات لدول العالم بلغت 7 ترليونات و296 مليار دولار".

وهذه البيانات تعني أنّ العراق اشترى خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022 سندات بقيمة 14.4 مليار دولار.

وبالاطلاع على حسابات الدولة العراقية حتى سبتمبر، فإن إيرادات العراق الكلية بلغت خلال 9 أشهر من العام نحو 84 مليار دولار، فيما كانت مصاريفه ونفقاته نحو 53 مليار دولار، ما يعني أن أكثر من 46 بالمئة من الفائض المالي للعراق تحول إلى سندات أميركية.

وما أغرى العراق ودفعه إلى تحويل نحو نصف فائضه المالي إلى سندات أميركية، هي نسبة الفائدة الكبيرة التي أقرها الفيدرالي الأميركي خلال أشهر 2022 الأخيرة، والرفع المستمر الذي من المتوقع أن يصل إلى نهاية العام الجاري بأكثر من 4 بالمئة.

وعلى ضوء ذلك، فإنّ العراق يستطيع أن يستلم فائدة بعد عام من الآن على قيمة سنداته الحالية بقيمة تبلغ قرابة 1.5 مليار دولار، فيما سترتفع فائدته أكثر مع شراء المزيد من السندات خلال الأشهر المقبلة مع استقرار أسعار النفط فوق الـ70 دولارا للبرميل.

وفي الوقت الذي اشترى العراق سندات أميركية بنحو نصف ما حققه من فائض مالي، فإن النصف الآخر يتوزع بين شراء الذهب الذي بلغ منذ مطلع عام 2022 نحو 34 طنا، ليرتفع احتياطيه إلى أكثر من 130 طنا بعد أن كان لا يتجاوز الـ96 طنا مطلع العام الجاري.

ويبلغ متوسط سعر طن الذهب عالميًا خلال 2022 نحو 50 مليون دولار، وهذا يعني أنّ العراق اشترى ذهبا بـ1.7 مليار دولار، وسندات بـ14.4 مليار دولار، أي أنه استثمر في الجانبين بأكثر من 16 مليار دولار، ما يعني تحويل أكثر من 50 بالمئة من فائضه المالي إلى ذهب وسندات أميركية.

ثلاثة أسباب

وعزا البنك المركزي العراقي توجهه لرفع رصيده من السندات الأميركية إلى زيادة الاحتياطيات النقدية، فيما أعلن المستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، حصول العراق على فائدة عالية تصل إلى 4 بالمئة في حيازة تلك السندات.

ونقلت صحيفة "الصباح" الحكومية في 24 نوفمبر عن صالح قوله إن "المحفظة الاستثمارية الأجنبية تتشكل من احتياطيات العراق الرسمية ومعظمها احتياطيات البنك المركزي وجزء منها احتياطيات الحكومة".

وأضاف أن "هذه المحفظة تشبه إلى حد كبير صناديق الثروة السيادية لاسيما احتياطيات البنك المركزي، ويظهر هذا التقدم بفضل استقرار القوة الشرائية للدينار، حيث تستثمر هذه الاحتياطيات عادة بأدوات دين من ضمنها أدوات الدين لحكومة الولايات المتحدة.

وتابع: وهي تحمل فائدة مرتفعة تقارب 4 بالمئة وتعد مضمونة ومصنفة تصنيفا ائتمانيا عاليا وهي جزء من سياسة قديمة لتعظيم العوائد عن طريق الإدارة المثلى للاستثمارات الأجنبية".

وعلى الصعيد ذاته، قال نائب محافظ البنك المركزي عمار حمد إن "ارتفاع حيازة السندات، يعود إلى جملة من الأسباب في مقدمتها، الزيادة الكبيرة في احتياطيات البنك المركزي، وكذلك اتساع إيرادات تصدير النفط الخام، إلى جانب عدم وجود قانون للموازنة لعام 2022، وبالتالي عـززت هذه الأمور من الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك".

وأضاف، أن "آلية تراكم العوائد الدولارية تحتم أن يتم إيداع جميع إيرادات النفط إلى حساب البنك المركزي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بهدف ضمان استمرار استثمار هذه العوائد".

ولفت حمدان إلى أن "سندات الخزانة الأميركية ذات مخاطر شبه منعدمة، كما تعد الأداة الأعلى سيولة مقارنة بأدوات الدين على مستوى العالم، لذا فإن البنك المركزي يحرص على أن يحتفظ بجزء كبير من هذه الأوراق في ظل توقعات بإقرار قانون الموازنة (المالية للعراق) لعام 2023 قريبا، حيث يترتب على ذلك أن يواجه البنك المركزي طلبات أكبر لشراء الدولار.

مشكلات اقتصادية

وبخصوص مدى انعكاس زيادة العراق سنداته الأميركية على واقعه الاقتصادي، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، إن "العراق كان له توجهان، شراء الذهب والسندات الأميركية، لكن توقف عن الأول ثم انتقل نحو الخيار الثاني، واشترى في عام 2017 سندات أميركية من الإمارات مقابل الذهب".

وأوضح الهماشي لـ"الاستقلال" أن "العراق يعتقد أن القوة المالية تقوى بالسندات الأميركية، ومع أن التوجه صحيح، لكن زيادتها لا تنعكس على الوضع الاقتصادي للبلد بشكل مباشر، فهي تعطي قوة مالية، إلا أنها لا تعطي للاقتصاد قوة، مالم يكن هناك نشاط اقتصادي".

وشدد على ضرورة أن "تترجم القوة المالية التي تضع العراق ضمن مركز مالي جيد، إلى نشاط اقتصادي، عبر التعامل مع شركات عالمية، وأن يكون البلد أكثر أمانا واطمئنانا لرجال الأعمال، وأن تكون العملة العراقية قوية، لأن العراق لا يعاني من مشكلة مالية، وإنما من مشكلة اقتصادية".

وشرح الخبير العراقي أن "الفرق بين المالية والاقتصاد كبير جدا، فالأول عبارة عن أموال وسندات وذهب، لكن الاقتصاد عبارة عن مجموعة نشاطات صناعية وتجارية وزراعية وأخرى خدمية، وهذه النشاطات تحتاج إلى المال، والعراق يملك ذلك".

وأشار إلى أن "وجود السندات الأميركية يقوي العراق، لأنه يخطو خطوات كبيرة لبناء اقتصاد قوي ومتين إذا استطاع أن يرسم خطة اقتصادية قابلة للتطبيق والقياس خلال فترات زمنية محددة، لكن بقاءه بدون هوية اقتصادية لا يجعل من هذه السندات والوفرة المالية والمركز المالي القوي، يحقق شيئا اقتصاديا".

وأكد الخبير أن "البنك المركزي العراقي لديه احتياطي مالي يصل إلى 85 مليار دولار، وقد يرتفع إلى 90 مليار في ظل الوفرة المالية جراء ارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى وجود أكثر من 130 ألف طن من الذهب، وهذه كلها أموال تعزز من قوة الدينار العراقي، والسياسة النقدية، لكنها لم تنعكس حتى اللحظة على الاقتصاد العراقي".

ولفت الهماشي إلى أن "الفائدة السنوية جراء السندات الأميركية قد تصل إلى مليار دولار في السنة بالفعل، لكن في بعض الأحيان يُصفر البنك الفيدرالي الأميركي الفائدة، وهذا حصل في عام 2021".

في المقابل، حذر الخبير الاقتصادي العراقي نبيل المرسومي من "عيوب ومخاطر" ارتفاع حيازة العراق لسندات الخزانة الأميركية.

وقال المرسومي خلال حديث لراديو "المربد" العراقي في 26 نوفمبر إن "الاستثمار في السندات الأميركية يحقق مزايا عديدة منها: ارتفاع جودة الائتمان والحصول على مزايا ضريبية وارتفاع السيولة المالية وتعدد خيارات الاستثمار غير أنها تنطوي على بعض العيوب منها: انخفاض العائد ومخاطر معدل الفائدة ومخاطر التضخم". 

وفي 23 فبراير 2022، أفادت مذكرة بحثية صادرة من بنك "غولدمان ساكس" الأميركي بأنه من المتوقع تداول عائدات السندات الأميركية لآجل 10 سنوات بنسبة 4 بالمئة أو أعلى من ذلك حتى نهاية عام 2024 على الأقل، في ظل سعي الاحتياطي الفيدرالي إلى تجنب الانكماش الاقتصادي في معركته ضد التضخم".

ونقلت وكالة "بلومبرغ" الأميركية عن كبير محللي أسعار الفائدة في بنك غولدمان ساكس برافين كوراباتي قوله: "توقعاتنا للعائد تستند إلى أننا لا نرى ركودا اقتصاديا بالولايات المتحدة، وأننا نعتقد أن التضخم سيظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي".