ظروف صعبة.. دبلوماسي إيراني: أزمة رئاسة لبنان ستقود لانهيار الدولة
تحدث الدبلوماسي الإيراني أحمد دستمالجيان عن مستقبل انتخاب رئيس الجمهورية بلبنان، ورأيه بشأن الخلافات السياسية في دولة متعددة الطوائف والعرقيات والمذاهب.
جاء ذلك في حوار لسفير طهران الأسبق في بيروت وعمان، مع موقع "راهبرد معاصر" الإيراني، لتقييم الأزمة السياسية في لبنان.
وفشل البرلمان اللبناني في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، للمرة السابعة في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وتطرق دستمالجيان عن طرق العبور المتاحة من الأزمة الراهنة في لبنان، مؤكدا أن "الرؤية السياسية الراهنة في هذه البلاد لا تشير إلى أن هناك حلا يلوح في الأفق لهذه المعضلة".
وأوضح أنه "لم يستطع أن يتمتع أي حزب من الأحزاب السياسية في لبنان بالأغلبية البرلمانية اللازمة، أي 65 صوتا (من مجموع 128 برلمانيا) لضمان انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم أضيف انتخاب رئيس الجمهورية إلى المعضلات السياسية للدولة".
وبحسب المادة 49 من الدستور، ينتخب رئيس البلاد في دورة التصويت الأولى بأغلبية الثلثين 86 نائبا، ويكتفى بالغالبية المطلقة (النصف +1) في الدورات التالية.
تعدد الطوائف
وعن تقييم الأوضاع الراهنة، قال دستمالجيان: "دائما ما تكون هناك تعقيدات في نظام مجلس النواب اللبناني أثناء انتخاب رئيس الجمهورية".
وأضاف أن "الأحزاب والجماعات المختلفة في البرلمان في جميع الأحوال تسعى وفقا لمصالحها الطائفية والحزبية، ومن ثم تحاول أن تتوصل إلى اتفاق مع سائر الأحزاب لاختيار رئيس الجمهورية".
وذكر أن "الاختلافات برزت بهذا الشكل بسبب حساسية الموضوع هذه المرة والظروف الراهنة، بالإضافة إلى الفرد الذي من المقرر أن يصبح رئيسا للجمهورية".
وأفاد بأن "ميشال عون لو أن انتخب وصار رئيسا للجمهورية بسهولة، فذلك بسبب الشخصية التي صنعها لنفسه في الفضاء السياسي للبلاد، ومن ثم عرف بها".
وتابع: "انتخب رؤساء لبنان الآخرون لرئاسة الجمهورية ببساطة أيضا، بسبب مكانتهم السياسية السابقة".
واستدرك: "لكن انتخاب رئيس الجمهورية سيكون أصعب خلال هذه الدورة، بسبب أن كلا من مرشحي الرئاسة لديه ميول وتوجهات نحو تيار معين، كما أنهم يدخلون القوى الخارجية في شؤون لبنان الداخلية".
وتتهم كتل برلمانية نواب "حزب الله" (حليف إيران) وحلفاءه بتعطيل انتخاب الرئيس عبر التصويت بأوراق بيضاء في الدورة الأولى، ثم الانسحاب كي لا يكتمل نصاب الدورة الثانية.
بينما يقول مسؤولون في التنظيم إنهم يريدون رئيسا لا يطعن المقاومة (يقصدون "حزب الله") من الظهر.
وسبق للبرلمان أن أخفق 6 مرات في انتخاب رئيس للبلاد خلال جلسات في 29 سبتمبر/ أيلول و20 و24 أكتوبر و3و10 و17 نوفمبر 2022.
والتوافق على انتخاب رئيس جديد للبنان ينتظر، بحسب مراقبين، توافقات إقليمية ودولية.
وتدوم فترة ولاية الرئيس اللبناني 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى.
ولا يلزم الدستور الراغبين في خوض انتخابات الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة، حيث يمكن لأي نائب أن ينتخب أي لبناني ماروني (وفق العرف السائد لتقاسم السلطات طائفيا)، شرط ألا يكون هناك ما يمنع أو يتعارض مع الشروط الأساسية مثل العمر والسجل العدلي.
خلف الستار
وعن كيفية تقييم مستقبل انتخاب رئيس الجمهورية، رد السفير: "سيحل هذا الأمر في النهاية باتفاقيات خلف الستار، وسيقال في بعض الأخبار والمحافل السياسية أن حظ أحد المرشحين أفضل من البقية لاتفاقه مع الحكومة الفرنسية على رئاسة الجمهورية".
وأكد دستمالجيان أنه "بشكل عام تعود كل مشاكل لبنان إلى نظامه وبنائه السياسي".
وتابع: "لبنان دولة بها طوائف متعددة؛ 17 طائفة في دولة تمتلك مساحة جغرافية صغيرة، كل منها مرتبطة بدورها بدولة عظمى أو منطقة في العالم".
وقال الدبلوماسي إن "السنة مرتبطة بالتيار المنسوب لزعيم تيار المستقبل سعد الحريري مع السعودية، والموارنة ترتبط بفرنسا (الموارنة عبارة عن مجموعة دينية تتبع الكنيسة المارونية)، والشيعة كذلك تتصل بسوريا وإيران".
وتحدد هذه الطوائف الثلاث ميزان القوى في لبنان، والنظام السياسي للبلاد مبني على أساسها، لذا وحدة الأسلوب والعقيدة بين الطوائف، وكذلك الدول الخارجية المؤثرة في هذه الدولة أمر صعب ومعقد، ومن ثم يواجه لبنان ظروفا معقدة، ودائما ما تكون في موضع تحد، وفق دستمالجيان.
واستطرد: "الأمر بالغ الأهمية هو أن لبنان منذ أكثر من أربعة عقود لم يستطع أن يحقق الاستقرار والأمن بسبب الخلافات السياسية بين الطوائف الكبرى الثلاث".
وليس هذا فحسب، بل "لم يستطع أيضا أن يعزز من أساسه الحكومي، فأدى هذا الأمر إلى مضاعفة فراغ السلطة في الهياكل القائمة وأصبح على وشك الانهيار"، وفق الدبلوماسي الإيراني.
وأشار إلى أن "الوضع الاقتصادي في لبنان بسبب الخلافات الراهنة غير المتناسقة، بالإضافة إلى وضع الطاقة المتأزم الذي نتج عنه مواجهة الشعب للتضخم وغلاء المعيشة".
وبشأن الحلول الموجودة من أجل خروج لبنان من أزمته الحالية، قال السفير: "لا بد أن تنعقد محادثات وطنية بين كل النخب ورؤساء الطوائف السياسية للبلاد دون أي تدخل خارجي من أي نوع، وذلك كي يكتب ميثاق وطني جديد بظروف جديدة يحظى بقبول سائر الجماعات".
وشدد على أن "مثل هذا الميثاق يجب أن يتطابق مع مقتضيات البلاد في الوقت الحالي، ويمكنه أن يوفر حاجات الشعب ويحقق مطالبه؛ لأن الحكومة اللبنانية لم تستطع أن تقدم الخدمات الكافية لشعبها منذ فترات سابقة".
ونبه إلى أنه "لو لم يهتم المسؤولون اللبنانيون ورؤساء الطوائف بهذا الأمر، ستواجه البلاد في المستقبل القريب أزمات اقتصادية أكثر جدية، بالإضافة إلى انعدام الأمن، ومن ثم يمكنه أن يؤدي إلى نزاعات وحروب أهلية بين الطوائف المختلفة مرة أخرى، ثم يفسح المجال أمام الدولة للانهيار".
وختم دستمالجيان تصريحاته بالتأكيد على أنه "للحيلولة دون الوصول إلى نقطة الانهيار يجب على النخب اللبنانية أن تنقذ البلاد بالتفاهم، والنظرة المستقبلية، والتفكير في المصلحة، ومن ثم ستستطيع أن تتفاوض وتحل وتفصل في شؤون البلاد".