"منعزل ومستبد".. تسريب جديد يفضح فساد محمود عباس وأزمة خلافته
خلال السنوات الأخيرة، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تمسكا بالسلطة التي أمضى فيها 17 سنة من أصل 87 عاما من عمره، رغم أن 74 بالمئة من المواطنين يطالبون باستقالته.
وقالت صحيفة إلباييس الإسبانية، إن عباس أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حضوره حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نشرت وثائق مسربة من السفارة الفلسطينية في الدوحة، تكشف أن عباس سافر برفقة نحو 20 شخصا من عائلته ومستشاريه إلى قطر، بتذاكر من الدرجة الأولى وبإقامة في الفنادق قدرت تكلفتها بحوالي 80 ألف دولار.
منعزل ومستبد
ورغم عدم تأكيد صحة الوثائق، فإن الرد الغاضب على الشبكات الاجتماعية يكشف الخسارة العميقة لهيبة زعيم استبدادي على نحو متزايد، معزول ويواجه حملة من التشكيك بين صفوف مؤيديه وفي الشارع، وفق وصف الصحيفة.
وبحسب آخر استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2022، يطالب 74 ممن جرى استشارتهم باستقالته، ويعد 57 بالمئة أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبئا على الشعب.
ونوهت إلباييس بأن التسريب يزيح الستار أيضا عن الصراع الداخلي لخلافة عباس.
في الحقيقة، لا يعير الشعب الفلسطيني اهتماما لمسألة استبدال زعيم يبلغ من العمر 87 عاما يعاني من مشاكل في القلب ويميل إلى تدخين السجائر، بل يصب كل اهتمامه على ما سيحدث في اليوم التالي لوفاته.
وأشارت الصحيفة إلى شخصية ذات أهمية فائقة على الساحة الفلسطينية، وهي ناصر القدوة، الذي كان وزيرا للخارجية لفترة وجيزة خلال سنة 2005.
وإلى غاية الوقت الراهن لا يزال اسمه مرتبطا بحركة التحرير الوطني "فتح"، فهو يعرف المنظمة "حتى النخاع"، وهي أيضا الفصيل الذي أسسه خاله الراحل ياسر عرفات، والذي كان عضوا بالحركة منذ عام 1969 ويرأسها عباس حاليا.
ومع ذلك، عندما قرر العودة بشكل نهائي من الولايات المتحدة إلى فلسطين في سبتمبر/أيلول 2022، لم يستقر، كما كان متوقعا، في الضفة الغربية، ولكن في غزة، القطاع المعزول والفقير.
وولد القدوة عام 1954 في قطاع غزة الذي تحكمه حركة المقاومة الإسلامية حماس المنافسة.
وفي مكتب متواضع في العاصمة غزة، يقول القدوة لصحيفة إلباييس: "بدأت أشعر أنه لا يمكنك الوثوق بالوضع في رام الله، لأنه لا يمكنك الوثوق بالرجل القادر على أي شيء".
ونوهت الصحيفة بأن القدوة له سجل حافل بالمناصب الدولية، كممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة أو مبعوث خاص إلى سوريا.
وفي حديث عن عباس، يختار القدوة كلماته دون أن يسميه. ويؤكد أنه يخشى على حياته في الضفة الغربية، خاصة أن "فتح" قد "أصبحت رهينة في خدمة مجموعة معينة"
وبين أن "الأمر يتطلب تغييرا في شخص الرئيس أو أن يغير ذلك الشخص سياساته بشكل إعجازي".
معاداة المخالفين
وأوردت الصحيفة أن ناصر القدوة شكل الملتقى الوطني الديمقراطي لدخول الانتخابات، وترشح لخوض هذا السباق الانتخابي دون الانتماء إلى القائمة الرسمية لحركة فتح.
وإثر ذلك، أعلنت حركة فتح فصله بحجة نيته خوض الانتخابات خارج قوائم حركتها.
وفي الواقع، إدراكا لوزنه الشعبي المنخفض تحالف القدوة مع أعظم رمز حي في فلسطين، وهو مروان البرغوثي، الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في سجون إسرائيل.
لم تجر الانتخابات، وألغاها عباس في أبريل/نيسان 2021، أي قبل شهر واحد من موعد انعقادها، لكن القدوة لاقى موقفا صلبا من فتح، التي لم تغفر معارضته لها.
وإلى جانب طرده من اللجنة المركزية لحركة فتح وسحب الجواز الدبلوماسي، جرت إقالته من قيادة مؤسسة ياسر عرفات، التي تعد مستقلة تقنيا.
ونقلت الصحيفة عن السياسي القدوة أن "المؤسسات دمرت واختفت سيادة القانون. لا توجد حقوق إنسان، وانتهكت كرامة المواطن الفلسطيني العادي، إلى درجة موت (المعارض) نزار بنات".
في الواقع، شكلت وفاة بنات، الناشط المعروف، نقطة تحول هزت صورة الرئيس في يونيو/حزيران 2021.
وقد قتل أثناء اعتقاله من قبل قوات الأمن الفلسطينية بعد تعرضه للضرب. وفي وقت لاحق، قمعت الاحتجاجات في رام الله إثر وفاته بقسوة.
وتقول تهاني مصطفى، محللة شؤون فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، إن "البلاد تعيش على وقع أسوأ أزمة شرعية في تاريخ السلطة الفلسطينية".
وتضيف: "فكك عباس النظام الذي يمكن أن يمنحه الشرعية". وبعد استنفاد ولايته منذ عام 2009 وحل البرلمان، يحكم عباس بموجب مرسوم.
ومنذ ذلك التاريخ، وقع 350 أمرا رئاسيا. وكان الأخير، في أكتوبر 2022، ويقضي بإنشاء مجلس أعلى يشرف على النظام القضائي ويتولى هو قيادته.
وأوردت الصحيفة أن الرئيس يحظى بدعم هائل من الغرب لالتزامه بـ"الاعتدال والحوار لحل الصراع في الشرق الأوسط".
أما بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فهو عكس ذلك تماما؛ إذ إنه غير قادر على اتخاذ موقف صارم لصالح بلاده.
لكنه فعل ذلك أخيرا في 11 نوفمبر، عندما تمكن من إقناع الأمم المتحدة بمطالبة محكمة العدل الدولية بإبداء رأي حول الوضع القانوني لاحتلال فلسطين، مما أثار غضب إسرائيل.
لكن، نظرا لافتقاده للمصداقية، قبل أن يمر يومان على هذه التصريحات، علق عباس على فوز بنيامين نتنياهو الانتخابي قائلا: "إنه رجل لا يؤمن بالسلام [...] لكن علي أن أتعامل معه".
دائرة ثقة ضيقة
وأشارت الصحيفة إلى أن دائرة ثقة الرئيس أصبحت ضيقة وعلى نحو متزايد. وبحسب تهاني مصطفى، لم يعد الرئيس يتشاور في قراراته مع الكثيرين، ويمكن ألا يصل الرقم إلى شخصين.
وتوضح أنه جرى تهميش شخصيات بارزة مثل حنان عشراوي الناطقة باسم الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد، أو ياسر عبد ربه وزير الثقافة لمدة 10 سنوات في عهد عرفات، فهم ينتقدون انحراف عباس.
عموما، لا تتوقف القائمة عند هذه الأسماء، وتشمل أيضا توفيق الطيراوي، الذي كان حتى وقت قريب أحد أقرب مساعديه.
وأوضحت الصحيفة أن تهميش القادة التاريخيين أو إقالتهم قد سار جنبا إلى جنب مع الصعود الصاروخي لحسين الشيخ.
وفي فبراير/ شباط 2022، انضم الشيخ إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماع قاطعته مختلف الفصائل والشخصيات المستقلة.
وبعد ثلاثة أشهر جرت ترقيته إلى منصب أمين عام ورئيس قسم المفاوضات، وهي المناصب التي شغلها المخضرم صائب عريقات حتى وفاته سنة 2020.
وفي الوقت الراهن، يعد الشيخ حامي عباس، فهو يحضر كل اجتماع دبلوماسي للرئيس. وفي أكتوبر 2022 سافر إلى واشنطن للقاء أعضاء في الحكومة الأميركية.
وأفادت الصحيفة بأن الشيخ يجسد ما يكرهه غالبية الفلسطينيين: أي التنسيق مع السلطات العسكرية الإسرائيلية، المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو لعام 1993.
ومنذ عام 2007، كان مسؤولا عن الهيئة العامة للشؤون المدنية، التي تنسق مع تصاريح العمل الإسرائيلية، ونقل المرضى أو التعداد السكاني في الأراضي المحتلة.
في الحقيقة، هو مثال لخليفة وفقا لتطلعات إسرائيل أو الولايات المتحدة. لكن ثلاثة بالمئة فقط من الفلسطينيين يريدون أن يصبح الزعيم القادم، وفقا لاستطلاع للرأي في يونيو/حزيران 2022.
ويتبنى الشيخ نهج عباس على الرغم من كونه من عائلة لاجئة وقضى 11 عاما من السجن في إسرائيل. وهنا، يتوقع العديد من المحللين ثورة عنيفة إذا أصبح هذا الشخص خليفة لعباس.