لم يتغير شيء.. لماذا صنفت واشنطن "الصهيونية العالمية" منظمة إرهابية؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تستخدم إسرائيل جيشها النظامي فقط في محاولاتها المستمرة للسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية، والمقدسات الإسلامية، بل تشجع حركات ومنظمات متطرفة لإشعال الأحداث والدخول على خطوط المواجهة في أوقات التوتر.

من أبرز هذه الحركات وأخطرها وأقدمها، المنظمة الصهيونية العالمية، وهي من أكثر التنظيمات تطرفا في الأفكار والأفعال.

ورغم أن المنظمة الصهيونية خفتت بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، لكنها عادت إلى نشاطها بأوجه وأهداف مختلفة، ولا سيما عندما نظمت صفوفها بعد اتفاقيات أوسلو 1993، خوفا من منح السلطة الفلسطينية سلطة على الحرم المقدسي.

ثم انطلقت إلى صدامات متعددة مع الحكومة الإسرائيلية من جهة، ومع الشعب الفلسطيني من جهة أخرى بعد اتفاقيات السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 التي قضت باحترام إسرائيل "الدور الخاص للأردن" في العتبات الإسلامية بالقدس.

وهو ما جعل المنظمة الصهيونية في معرض الأحداث، مع الحركات الصهيونية المتطرفة الأخرى. فعندما ترى اشتباكا في تلك المناطق، لابد من البحث عن هذا الكيان المذكور كطرف أصيل، أو داعم لما يحدث. 

لكن المثير حاليا هو تصنيفها من قوى عالمية منظمة "إرهابية"، ما جعل السؤال عن المستجدات والتحولات قائما؟ خاصة أن سلوكها الحالي متسق مع ماضيها العنصري والمتطرف.

الإعلان الأميركي 

أعلنت الخارجية الأميركية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، على لسان المتحدث باسمها نيد برايس، أن "الولايات المتحدة تدين خطابات الجماعات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وأنه جرى إدراج المنظمة الصهيونية على قوائم الإرهاب".

وأضاف: "الاحتفاء بمنظمة إرهابية أمر فظيع غير مقبول، ولا توجد كلمة لوصف ذلك، فنحن ندين خطابات الجماعات اليمينية المتطرفة، ونستنكر أي عنف أو عنصرية". 

وأوضح: "هناك أسباب كافية لتصنيف المنظمة الصهيونية حركة إرهابية، ونطلب من كل الأطراف أن تتحلى بالهدوء وضبط النفس، وتجنب أي أفعال تؤدي لتأجيج التوتر في القدس". 

وكان السيناتور الأميركي البارز، بوب مينينديز، حذر خلال رحلة إلى إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2022 رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة تضم متطرفين يمينيين.

وصرح أن ذلك يضر بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفقا لمصدرين تحدثا لموقع "أكسيوس" الأميركي.

ونقل الموقع مطلع نوفمبر، عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إنه من غير المرجح أن تتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

وذكر أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ألمحا إلى احتمال عدم العمل مع المتطرفين اليمينيين، وذلك خلال اجتماعهما مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نهاية أكتوبر/تشرين الأول في واشنطن.

تلك العوامل مع القلق المتصاعد من حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، ساهمت في دفع واشنطن لتصنيف المنظمة، حركة إرهابية عنيفة. 

المنظمة الصهيونية 

وتأسست المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897، خلال مؤتمرها الأول في مدينة بازل السويسرية.

ومنذ قرار تأسيسها عملت بجد على هدف واحد، وهو إقامة وطن لليهود، على أرض فلسطين العربية الإسلامية. 

وأنشئت المنظمة على يد ثيودور هرتزل أول من روج لفكرة الحشد إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك.

ومنذ اللحظات الأولى عملت سريعا على تنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على حشد اليهود من جميع أقطار العلم ونقلهم إلى فلسطين. 

وبالفعل فتحت المنظمة أبواب العضوية لكل من يؤمن بالأفكار الصهيونية ويعمل على الإسراع بتحقيق أماني وتطلعات "الشعب اليهودي".

وفي المؤتمر الصهيوني السادس الذي عقد عام 1903 وصل عدد أعضائها إلى 600 وكان عدد الجمعيات الصهيونية التابعة لها 1572 جمعية موزعة على بلدان مختلفة.

ثم ازداد العدد بصورة كبيرة أثناء ترؤس حاييم وايزمان المنظمة، فأصبح في عام 1939 تعداد الأعضاء قرابة 1.5 مليون عضو، وهو رقم ضخم بقياس ذلك الزمن. 

ومن أشهر الحوادث التي ساهمت فيها المنظمة، تورطها في أعمال عنف عام 1929 اجتاحت البلاد بأكملها، وقد أطلق عليها الفلسطينيون اسم "ثورة البراق" وقتل فيها أكثر من 200 يهودي وفلسطيني.

والسبب الرئيس مطالبة المستعمرين الصهاينة بالاستيلاء الكامل على حائط البراق في باحات المسجد الأقصى، والذي يطلق عليه الإسرائيليون اليوم اسم "حائط المبكى". 

أفكار متطرفة 

تغيرت مهمة المنظمة بعد الإعلان عن قيام دولة الاحتلال عام 1948، وبدأت الصراعات تدب بداخلها.

فرأى اتجاه عدم جدوى وأهمية المنظمة، ووجوب دمجها في مؤسسات الدولة. والاتجاه الثاني رأى وجوب استقلالية المنظمة وأن تعمل على خدمة إسرائيل في الخارج.

ثم أعادت المنظمة الصهيونية بلورة أهدافها بعد هزيمة العرب في نكسة 1967.

وفي المؤتمر الصهيوني السابع والعشرين الذي عقد عام 1968 صدر "برنامج أورشليم" وتطرق إلى أهداف الصهيونية.

وتمثلت في "وحدة الشعب اليهودي ومركزية أرض إسرائيل، وجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي عن طريق الهجرة من كل بقاع الأرض، والمحافظة على أصالة الشعب بتنمية التعليم اليهودي واللغة العبرية وبث القيم الروحية والثقافة اليهودية"، وفق قوله. 

لكن المنظمة لها أذرع خارجية مهمة، فمن البدايات تصاعد نفوذ الصهاينة الأميركيين وأصبحوا المهيمنين تقريبا على المنظمة الصهيونية. 

وقبل ذلك بكثير، كان حاييم وايزمان (من مؤسسي الصهيونية، وأول رئيس لإسرائيل)، قد اهتم ببناء جسور قوية مع الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة. 

وهو مؤشر آخر على التصنيف الإرهابي من قبل واشنطن ضد المنظمة، إذ إن الصهاينة الأميركيين موجودون بقوة ويدعمون العنف داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

تصنيف الإرهابي

الناشط الفلسطيني محمد لبيد، علق على هذا التطور بالقول: "يجب أولا وقبل الخوض في تفاصيل تصنيف المنظمة الصهيونية، كإرهابية من قبل واشنطن، أن نشدد على الانحياز الأميركي السافر لإسرائيل، وأنها لا تقدم على خطوة إلا في مصلحة الكيان، حتى لا يلتبس الأمر على البعض". 

وأوضح لـ"الاستقلال": "ومن أقرب الدلائل أن البيت الأبيض شطب قبل أشهر (مايو/أيار 2022) المنظمة اليهودية المتطرفة (كهانا كاخ) من قائمة الإرهاب".

وهذه الأخيرة متهمة بالمسؤولية عن ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية عام 1994، والتي راح ضحيتها 29 شهيدا فلسطينيا.

واستطرد: "هذه نقرة، أما النقرة الأخرى، فإن المنظمة الصهيونية في صدام مستمر مع الدولة، بل وصدام قديم منذ 1948".

إذ عملت جميع الحكومات الإسرائيلية منذ ذلك التوقيت على نزع صلاحياتها وتحجيم دورها، لأنها تريد أن ترث الدولة، أو تكون سلطة أعلى من سلطة الحكومة، وبالتالي هي خطيرة على إسرائيل نفسها، بحسب قوله. 

ثم أكمل: "تصنيف أميركا للمنظمة الصهيونية إرهابية، يتعلق بواشنطن نفسها، فهي قلقة من صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، وفي الحكومة اليمنية التي شكلها نتنياهو، وقد حذرته من قبل فلم يستجب".

فهي بذلك تصعد من التحذير إلى التنفيذ، لتحذر من تغول المتطرفين على الأوضاع، وتبدأ بالمنظمة كعبرة لبقية الحركات والأحزاب في هذا الاتجاه. 

وتابع بالقول: "لا تزال أميركا متوجسة من أشخاص مثل إيتمار بن غفير، الصهيوني الجامح، الذي سيسمك بحقيبة الأمن الداخلي".

وشخص مثل هذا قد يحول الأراضي المحتلة إلى كتلة جحيم، إذا لم يجد رادعا حقيقيا، وواشنطن تلعب ذلك الدور، حتى لا تتورط في إشكاليات معقدة تصعب الأوضاع المتردية من الأساس، بحسب تقديره. 

واختتم: "بالتالي فإن التصنيف القائم يتجاوز أهمية المنظمة بالأساس، لأنها حركة ضمن صف عريض من الإرهابيين الصهاينة، وإنما هي رسالة للحكومة القادمة، وضربة استباقية لإقرار سياسة محددة من قبل الديمقراطيين، حكام البيت الأبيض حاليا".