وسط خلافات أمنية.. ما سر تحسن التبادل التجاري بين إيران وأفغانستان؟

12

طباعة

مشاركة

رغم التوترات الأمنية التي تربك العلاقة بين إيران وأفغانستان في ظل حكم حركة طالبان، لكن الملف الاقتصادي يشهد صورة مغايرة تماما، إذ يحقق التبادل التجاري بين البلدين تناميا ملحوظا مقارنة بما كان عليه خلال عام  2021، حسب بيانات رسمية.

ومع سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، أعلنت السلطات الإيرانية، في أغسطس/ آب 2021، توقف التجارة بشكل كامل بين البلدين، حيث تربطهما حدود مشتركة طويلة تبلغ 921 كلم، بها ثلاثة منافذ لعبور البضائع التجارية والمسافرين.

تنام ملحوظ

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أجرى وفد اقتصادي إيراني من محافظة خراسان رضوي (شمال شرق) زيارة إلى أفغانستان، وعُقد في محافظة هرات الأفغانية اجتماع للجنة المشتركة بين الجانبين، حسبما نقلت وكالة "فارس" عن أبو الفضل جمندي مساعد محافظ خراسان لشؤون التنسيق الاقتصادي.

وأوضح جمندي أن "القضايا المتعلقة بالتجارة والنقل وتصدير الوقود والمنافذ الحدودية والجمارك هي المحاور الرئيسة لاجتماعات مسؤولي خراسان رضوي وهرات"، مشيرا إلى بحث "تسهيل تجارة الترانزيت بين إيران وأفغانستان عبر منفذ دوغارون الحدودي وزيادة مستوى العلاقات التجارية بين البلدين".

وأضاف أن "الوفد يضم أربع مجموعات عمل مؤلفة من 12 شخصا من مديري المؤسسات الاقتصادية في محافظة خراسان رضوي"، لافتا إلى أنه "في الماضي، جاءت وفود اقتصادية رفيعة المستوى من أفغانستان إلى إيران، وسيجري مراجعة قراراتها ومتابعتها".

وفي آخر إحصائية رسمية للتبادل التجاري بين البلدين، ذكرت صحيفة "فايننشال تريبيون" الإيرانية الناطقة بالإنجليزية خلال تقرير لها في 10 أبريل/ نيسان 2022، أن "الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان بلغت 3.85 ملايين طن بقيمة 1.66 مليار دولار".

وعلى الصعيد ذاته، قال الممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان حسن كاظمي قمي خلال مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في 17 نوفمبر 2022، إن "إيران تؤمن جزءا كبيرا من احتياجات أفغانستان".

وأوضح كاظمي قمي أن "أحد الاحتياجات الرئيسة لشعب أفغانستان اليوم هو المنتجات البترولية، بما في ذلك البنزين والديزل وغاز البترول المسال ووقود الطائرات والكيروسين".

وأضاف: "في الوقت الحالي، توجد مفاوضات جيدة بين إيران والمسؤولين الحكوميين في كابل"، مشیرا إلى أنه "تم إجراء مشاورات مع الشركات الخاصة لتوفير المواد اللازمة، وكانت حصيلتها إبرام عقود بين الطرفين".

وفي 14 نوفمبر، أعلن رئيس غرفة التجارة الأفغانية يونس مومند أن التبادل التجاري بين البلدين توقف لمدة شهر بعد سيطرة طالبان على أفغانستان.

لكنه عاد بشكل طبيعي، وحجم واردات أفغانستان من إيران بلغ مليار دولار منذ مطلع 2022، حسبما نقلت وكالة "إرنا" الإيرانية الحكومية.

وأضاف مومند أن صادرات أفغانستان إلى إيران بلغت 800 مليون دولار، مؤكدا أن الأحجار الكريمة والفواكه المجففة والجلد والقطن والفواكه هي أهم ما يتم تصديرها إلى إيران من أفغانستان.

وأشار إلى أن الأجهزة الإلكترونية والنفط والمواد الغذائية تعد أهم ما تستورده أفغانستان من إيران.

حاجة متبادلة

وعن دلالات تنامي العلاقات الاقتصادية بين إيران وأفغانستان، رأى الباحث العراقي في شؤون الشرق الأوسط، سعد الزبيدي أن "البلدين بحاجة إلى العلاقات التجارية أكثر من السياسية، لأنهما يعانيان من عقوبات وتضييق من الغرب".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "إيران لا يهمها إلى من تصدر سلعها، وما يعنيها اليوم أنها تجني أكبر قدر ممكن من الأموال أو البضائع التي تسد احتياجها في ظل عقوبات أميركية كبيرة، لذلك فإنها لم تتوقف عن التبادل التجاري مع الإمارات طيلة الأزمة الخليجية مع طهران قبل تطبيع العلاقة بينهما رسميا".

وتابع: "لذلك لن تبالي إيران بالتوترات الأمنية مع أفغانستان في ظل حكومة طالبان، فالجانبان لديهما مشكلة مع الولايات المتحدة، وهما بحاجة إلى بعضهما في الجانب الاقتصادي على أقل تقدير، خصوصا أن البلدين تربطهما حدود واسعة تحتم عليهما تحسين العلاقة".

وأشار الزبيدي إلى أن "تطور التبادل التجاري بين أفغانستان وإيران بالضرورة ينعكس إيجابا على العلاقات السياسية والأمنية، والتي ينتابها بعض الأحيان التوتر جراء الخلاف المذهبي بين البلدين".

وأكد أن "طهران في ظل الاحتجاجات التي تشهدها بحاجة إلى تأمين الجبهة الشرقية الممتدة مع أفغانستان، تحاشيا لأي اختراقات أمنية قد تفاقم أزمتها الداخلية".

وفي 12 أبريل 2022، شهدت العلاقة بين كابل وطهران توترا دفع الأخيرة إلى غلق بعثاتها الدبلوماسية، بعد حرق قنصليتها في "هرات" الأفغانية على يد متظاهرين غاضبين جراء ضرب رجال أمن إيرانيين للاجئين أفغان.

فيما شنت حكومة طالبان حملة اعتقالات بحق شخصيات أفغانية مقربة من طهران.

وتستضيف إيران نحو 3 ملايين أفغاني، منهم 800 ألف فقط مسجلون رسميا، وفقا للبيانات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعقب سيطرة "طالبان" على الحكم فر بعض الأفغان إلى إيران، لكن قوات الأمن لم تسمح لهم بدخول البلاد.

كما شهدت الحدود الأفغانية الإيرانية اشتباكات بين عناصر طالبان وحرس الحدود الإيراني في 10 أبريل، وفق وكالة أنباء "هرات نيوز" الأفغانية، دون إعطاء مزيد من المعلومات عن الأسباب وحجم الخسائر.

وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2021، وقع اشتباك مسلح عنيف بين قوات طالبان وآخرين من حرس الحدود الإيراني، أدى إلى مقتل ثلاثة من القوات الإيرانية، بالإضافة إلى إلحاق أضرار مادية بالثكنات العسكرية على الحدود الثنائية.

"بوابة مهمة"

وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان، تعول إيران على استقرار جارتها الشرقية للحصول على منافع اقتصادية، من خلال فتح فضاء اقتصادي واسع غير مراقب أميركيا مع دول آسيا الوسطى، وخفض ضغوط الحظر التجاري والاقتصادي الأميركي.

وفي هذا الصدد، قال الخبير الإيراني إسفانديار غاليدي، في تحليل بموقع "مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي" نشره في سبتمبر 2021، إن "قادة إيران فتحوا الاتصالات مع حركة طالبان منذ أكثر من عام استعدادا لجني ثمار انسحاب القوات الأميركية".

وأوضح أن "أفغانستان تمثل بوابة مهمة للاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت ضغوط الحظر الأميركي والحصار الاقتصادي الدولي، بسبب ما تفرضه واشنطن من عقوبات على الشركات والبنوك العالمية التي تتاجر مع إيران، لذلك تبحث طهران عن تنمية علاقاتها التجارية مع دول الجوار وخاصة أفغانستان".

وبحسب مراقبين، فإن أفغانستان تمثل فرصة ذهبية للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من الحظر الأميركي في حال تمكنت طالبان من تثبيت الاستقرار السياسي في البلاد.

ذلك أن أفغانستان تعد بوابة مهمة لمرور التجارة بين إيران والصين. كما أنها ستعني كذلك تكاملا لحركة التجارة بين إيران ودول آسيا الوسطى التي تقع تحت النفوذ الروسي المباشر، وبالتالي ستمثل أفغانستان حلقة ربط مباشرة للاقتصاد الإيراني مع نظيريه الروسي والصيني.

لكن انتعاش التجارة الإيرانية قد يعتمد على عاملين، أحدهما بناء علاقة متسامحة مع الطائفة الشيعية في أفغانستان (الهزاره) التي تمثل حلقة الربط التجاري بين طهران وكابل.

أما العامل الثاني، فهو قدرة طالبان على إدارة الحكم في أفغانستان وتشكيل حكومة تمثل جميع الطوائف والإثنيات. وعلى هذا العامل ستعتمد عودة المساعدات الغربية إلى أفغانستان، وفقا لمراقبين.

وقدر مركز "بورصة آند بازار" الإيراني المستقل عام 2021، حجم التجارة بين إيران وأفغانستان بنحو ملياري دولار سنويا.

ويقول إن تجار أفغانستان يلعبون دورا رئيسا في دعم الريال الإيراني عبر ضخ الدولارات التي كانت تقدر يوميا قبل الانسحاب الأميركي بنحو 5 ملايين دولار.

وتمتلك أفغانستان احتياطات مكتشفة من النفط تفوق مليار برميل بالقرب من مدينة بلخ، كما لديها احتياطات من الغاز الطبيعي يمكن أن تشكل مصدرا نقديا على المدى القصير.

كما أن حكومة طالبان كان لديها ميزانية مالية في عام 2021 تقدر بنحو 1.6 مليار دولار، إضافة إلى بعض الأموال التي كانت مرصودة لتدريب الجيش الأفغاني في حكومة أشرف غني.