لماذا الآن؟.. أذربيجان تفتح سفارة بإسرائيل رغم امتناعها لثلاثة عقود

12

طباعة

مشاركة

رغم قدم العلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية بينهما، إلا أن أذربيجان قررت أخيرا فتح سفارة لها بالكيان الإسرائيلي، ما أثار تساؤلات عن دوافع الخطوة وانعكاساتها على جارتها الكبرى، إيران.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قررت أذربيجان بعد موافقة البرلمان، فتح سفارة لها في إسرائيل، في خطوة قابلتها الأخيرة بالترحيب والإشادة. 

ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية القرار بـ"التاريخي"، وقالت: "ستكون هذه أول سفارة في إسرائيل لدولة ذات أغلبية شيعية وحكومة شيعية".

فيما قال أرزو ناغييف عضو البرلمان الأذربيجاني، عضو مجموعة الصداقة البرلمانية بين باكو وتل أبيب، إن "القرار اتخذ بالفعل ولا يمكن تأجيل افتتاح السفارة الأذربيجانية في إسرائيل"، وفق ما نقل موقع برافدا الإخباري الأذربيجاني.

تاريخ العلاقات

مع انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال أذربيجان عام 1991، بدأت باكو في البحث عن شركاء إستراتيجيين في السياسة والاقتصاد للحفاظ على سيادتها. 

وبما أن هذه المهمة كانت معقدة عقب انتهاء فترة الحرب الباردة، حاولت أذربيجان إقامة علاقات دبلوماسية وبعثات مع دول العالم الرائدة، فبدأت بتركيا والولايات المتحدة وكذلك جارتها الجنوبية إيران. 

وبدأت العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل أيضا في هذا الإطار حتى أصبح عمرها اليوم 30 عاما. 

وبحسب دراسة نشرها الباحث الأذربيجاني شمخال أبيلوف عام 2009: "أذربيجان كانت ثالث دولة إسلامية طورت العلاقات الإستراتيجية والاقتصادية الثنائية مع إسرائيل بعد تركيا ومصر".

وأذربيجان دولة علمانية يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة معظمهم من الشيعة والعرق التركي.

وعلى الرغم من هويتها الإسلامية، كانت باكو واحدة من مراكز الحركة الصهيونية في الإمبراطورية الروسية أواخر القرن التاسع عشر.

ويقول أبيلوف إن أذربيجان موطن لحوالي 11 ألف يهودي يقيمون في باكو ومدن أخرى وينحدرون من اليهود الأشكناز والجورجيين ويهود الجبال ومجموعات أخرى.

وبعد استقلال أذربيجان، جرت مفاوضات دبلوماسية حول تبادل السفراء بين الجانبين. وعين اليعازر يوتفات كأول سفير إسرائيلي في أذربيجان.

ويوجد لإسرائيل سفارة في باكو منذ عام 1992، لكن الأخيرة لم تفتتح السفارة بعد في تل أبيب.

وتعهد الرئيس الأذربيجاني وقتها حيدر علييف بفتح سفارة في إسرائيل وأرسل مستشاره للسياسة الخارجية فافا جولزاد لزيارة تل أبيب، لكن لأسباب سياسية، لم تقدم باكو على تلك الخطوة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التعاون الإستراتيجي بين أذربيجان وإسرائيل نما خطوة بخطوة.

وخلال السنوات الماضية، أصدرت باكو مواقف باهتة تجاه حروب تل أبيب على قطاع غزة وانتهاكاتها في الأراضي المحتلة واكتفت بالدعوة للتهدئة. 

وأوضح رومان جورفيتش المبعوث الفخري للوكالة اليهودية إلى مسقط رأسه أذربيجان، عن سعادته بالافتتاح المرتقب لسفارة في إسرائيل.

وقال "أذربيجان دولة مسلمة شيعية متسامحة، لم تكن فيها معاداة للسامية على الإطلاق. لطالما احترمت الدولة الشعب اليهودي وستزداد العلاقات الدافئة بين البلدين قوة فقط إذا فتحت سفارة لباكو في إسرائيل".

لماذا الآن؟ 

خلال السنوات الماضية، حرصت أذربيجان على عدم إبعاد نفسها عن العالم الإسلامي أو إثارة غضب العديد من الدول الإسلامية المعادية لإسرائيل علانية، بما في ذلك إيران، عبر تجنب فتح بعثة دبلوماسية كاملة في تل أبيب.

لكن في عام 2021، لم يؤد إنشاء بعثة تجارية وسياحية أذربيجانية في إسرائيل إلى توسيع الشراكة بين الجانبين فحسب، بل أشار أيضا إلى نية باكو إقامة وجودها في إسرائيل بشكل نهائي، وفق ما يقول مركز "Topchubashov" للتحليل السياسي (مقره باكو).

ونهاية يوليو/ تموز 2021، افتتحت تل أبيب وباكو الممثلية الأذربيجانية المذكورة في إسرائيل، وعدت وقتها خطوة أولى على طريق افتتاح السفارة الأذرية.

وفي وقت سابق من عام 2022، كتب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ رسالة تكريم لثلاثين عاما من العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان، دعا فيها الرئيس إلهام علييف لزيارة تل أبيب وفتح سفارة.

ويبدو أن عملية التطبيع بين إسرائيل ودول عربية والتي بدأت عام 2020 فيما عرف باتفاقات أبراهام، وفرت لأذربيجان سبلا معينة لاتخاذ خطوات أكثر جرأة بشأن قضية السفارة. 

والأهم من ذلك، أن التقارب التركي الإسرائيلي زاد من مساحة أذربيجان للمناورة في هذا الصدد، بحسب مركز "Topchubashov". 

وفي عام 2022، أجرى هرتسوغ ورئيس الوزراء وقتها يائير لابيد ووزير الجيش بيني غانتس زيارة إلى تركيا، وعين الجانبان سفراء لإعادة العلاقات الدبلوماسية. 

ويقول المركز: "لا شك أن تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية يعد أفضل نتيجة ممكنة لأذربيجان التي تعد شريكا وحليفا للجانبين".

ومن هنا، فقد أثارت الدول العربية وتطبيع العلاقات التركية مع إسرائيل مرة أخرى مسألة السفارة التي كانت أذربيجان تتوخى الحذر فيها.

وفي السابق، قالت أذربيجان إن وضعها الجغرافي والسياسي معقد، لا سيما قربها من إيران، وكذلك عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، ما منعها من فتح سفارة في إسرائيل.

لكن يبدو الوضع اليوم أكثر مرونة، إذ زار وزير الجيش "بيني غانتس" أذربيجان في أكتوبر/تشرين الأول 2022 والتقى الرئيس "إلهام علييف" ووزير الدفاع "حسنوف ذاكر أصغر أوغلو"، كما التقى رئيس دائرة حدود الدولة، الكولونيل "إلتشين جولييف".

كما كان قد زار وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان باكو في مايو/أيار 2022، في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة القمح العالمية.

وكانت الزيارة تهدف إلى مناقشة القضايا الاقتصادية، ولا سيما زيادة إسرائيل استيراد النفط والمنتجات الأخرى، ومن الواضح أنها هدفت أيضا إلى تعزيز العلاقة الأمنية بين الجانبين، وفق ما قالت صحيفة المونيتور الأميركية وقتها.

وفي أكتوبر 2022، ظهرت علامة أخرى على تعميق العلاقات عندما وافقت حكومة الاحتلال على خطة طوارئ لاستقبال اليهود الفارين من روسيا.

وتضمنت الخطة إنشاء معسكرات انتقالية محتملة لليهود الروس في فنلندا وأذربيجان قبل وصولهم إلى تل أبيب.

مستورد للأسلحة 

خلال الثلاثة عقود الماضية، كانت العلاقات بين الطرفين في الغالب اقتصادية ودفاعية، إذ تستورد إسرائيل الوقود من أذربيجان، وتشتري الأخيرة أسلحة وتكنولوجيا إسرائيلية.

وإسرائيل تعد أكبر مورد للأسلحة لأذربيجان، كما أن العلاقات الدفاعية بين الجانبين ليست جديدة. إذ تعد باكو عميلا موثوقا لأنظمة الأسلحة الإسرائيلية الصنع على مر السنين.

وتظهر الأبحاث التي أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن إسرائيل شكلت 27 بالمئة من واردات أذربيجان الرئيسة من الأسلحة في الفترة من 2011 إلى 2020. 

ووجد المعهد أن 69 بالمئة من واردات أذربيجان من الأسلحة في 2016-2020 جاءت من إسرائيل، وهو ما يمثل 17 بالمئة من صادرات تل أبيب العسكرية في تلك الفترة، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 31 أكتوبر 2022.

وبحسب تقارير عديدة، زودت تل أبيب باكو بطائرات مسيرة استخدمت في حربها ضد أرمينيا، في العملية التي أطلقها الجيش الأذربيجاني في 27 سبتمبر/ أيلول 2020 لتحرير أراضيه في إقليم قره باغ.

ووفق ما نشر موقع "بريكنغ ديفينس" الأميركي في 31 أغسطس/آب 2022، استخدمت أذربيجان ذخائر إسرائيلية كانت ناجحة بشكل واضح خلال حرب قرة باغ.

وفي عام 2018، استحوذ الأذريون على نظام سلاح "إلبيت سيستمز" Elbit Systems SkyStriker. ورفضت الشركة الإسرائيلية التعليق على العقد في ذلك الوقت. 

ووفق ذات المصدر، اشترى الأذريون طائرات أيضا في الماضي من نظام سلاح آخر يدعى هاروب Harop، وأيضا صاروخ Lora (أرض - أرض دقيق بعيد المدى). والمنظومتان المذكورتان من صنع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI). 

وفي عام 2021، تعاونت شركة الدفاع الإسرائيلية "Meteor Aerospace" مع شركة "Caspian Ship Building" في أذربيجان لتأسيس مشروع محلي مشترك يسمى "Caspian Meteor" خصيصا لمتابعة عقود الدفاع المحلية.

وفي مايو 2021، ظهرت تقارير عن شراء أذربيجان بطاريات دفاع صاروخي من طراز القبة الحديدية، ثم في أكتوبر من نفس العام ورد أنها فكرت في شراء نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي آرو -3.

وخلال حرب قرة باغ، اتهمت أرمينيا أذربيجان باستخدام طائرات مسيرة إسرائيلية الصنع ضدها. وقال "حكمت حاجييف" مساعد الرئيس الأذربيجاني إن الجيش كان يستخدم طائرات مسيرة هجومية إسرائيلية الصنع.

وعام 2016، قال الرئيس علييف إن بلاده اشترت معدات دفاعية من تل أبيب بمبلغ 4.85 مليارات دولار، لكن الأخيرة لم تؤكد هذا الرقم قط، بحسب ما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

توتر مع إيران

ومع التكهنات الأخيرة عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي إيراني جديد، بحثت إسرائيل عن طرق جديدة لتحدي طهران، بما في ذلك توطيد العلاقات الدفاعية مع جارتها الشمالية أذربيجان، وفق "بريكنغ ديفينس".

وتشترك أذربيجان في حدود طولها 420 ميلا تقريبا مع إيران، وأقام البلدان علاقة متقلبة على مر السنين. وتأمل إسرائيل الآن في استغلال التوترات الخفية بين باكو وطهران لأغراضها الخاصة.

وبعد انطلاق حرب قرة باغ في 2020 ونجاح أذربيجان في استعادة أراضيها المحتلة، صرح قادة سياسيون وعسكريون في طهران بأن "حدود أرمينيا هي الخط الأحمر لإيران" وهو ما أقلق باكو.

كما أن افتتاح إيران قنصلية لها في مدينة كابان الأرمينية على حدود أذربيجان وبالقرب من ممر "زنغازور" الذي يربط شطري أذربيجان أولا ويربطها بتركيا بريا ثانيا، ما زاد من التوتر في العلاقات، إذ تؤكد أذربيجان أن هذه المناطق أراض تاريخية لها.

وتصاعد الأمر بعد التدريبات العسكرية واسعة النطاق للجيش الإيراني في مناطق شمال غرب البلاد في المناطق الحدودية مع أذربيجان، مطلع أكتوبر 2021.

ووقتها، قال قائد القوات البرية للجيش العميد كيومرث حيدري: "نحترم علاقات حسن الجوار لكننا لن نتساهل مع وجود عناصر من النظام الصهيوني في المنطقة"، في إشارة إلى علاقات باكو وتل أبيب.

وانتقد رئيس أذربيجان إلهام علييف بعدها بأيام إجراء إيران مناورات قرب حدود بلاده، معتبرا أنها "حدث مفاجئ جدا". وأضاف "هذا حقهم السيادي. ولكن لماذا الآن، ولماذا عند حدودنا؟".

وفي التدريبات الأخيرة  هددت كل من وسائل الإعلام الحكومية والمعارضة في إيران، الجارة أذربيجان وإسرائيل علانية. 

بدورها، أطلقت القوات الخاصة في الجيش الأذربيجاني، مناورات عسكرية على الحدود مع إيران في الثاني من نوفمبر 2022.

ووصلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة الانهيار بعد أن دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان لزيارة طهران. 

وفي وقت لاحق وتحديدا في 15 نوفمبر 2022، أعلنت أذربيجان، أنها أوقفت خمسة من مواطنيها بتهمة التجسس لصالح إيران.

ووفق أجهزة الأمن الأذربيجانية، جاءت الإيقافات في إطار "إجراءات تهدف إلى التعامل مع الأنشطة التخريبية التي تنفذها الاستخبارات الإيرانية ضد أذربيجان".

والموقوفون الخمسة متهمون بجمع معلومات حول الجيش الأذربيجاني، بما في ذلك مشترياته من طائرات مسيرة إسرائيلية، إضافة إلى البنية التحتية للطاقة.

وفي وقت سابق من ذات الشهر، أعلنت السلطات الأذربيجانية توقيف 17 شخصا بتهمة الانتماء إلى "جماعة مسلحة غير مشروعة شكلتها إيران على الأراضي الأذربيجانية".

ويقول مركز "Topchubashov" الأذربيجاني: "يلاحظ بوضوح أن العلاقات بين أذربيجان وإيران في مرحلة الانهيار بالفعل، ومن هنا لم يعد لدى باكو أي قلق من فتح سفارة في إسرائيل ولم يعد هناك سبب يدعوها إلى توخي الحذر بعد الآن"، بحسب تقديره.

ويوضح أنه يمكن لأذربيجان أيضا من الناحية النظرية، أن تعرض مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية وأن تستخدم تل أبيب الأراضي الأذرية ضد طهران إذا لزم الأمر، ومن هنا تنبع الخشية من انزلاق الأوضاع نحو توتر أكبر.

وقالت القناة 12 العبرية في أكتوبر 2021: حذر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الرئيس علييف من أن “كل من يستأجر حفرة سينتهي به الأمر إلى الوقوع فيها”.

وفسرت القناة هذا التصريح بأنه “تحذير عسكري”. وبينت أن وجود إسرائيل هناك يقلق إيران خاصة بعد انتصار باكو في الحرب مع أرمينيا وتقلص نفوذ طهران في جنوب القوقاز.