ردا على استناد حميدتي إلى روسيا.. هل يفتح نتنياهو للبرهان أبواب أميركا؟

12

طباعة

مشاركة

في خطوة لافتة، كشف مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 تلقيه برقية تهنئة بفوزه في الانتخابات من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

وبينما لم يعلن مجلس السيادة السوداني، ولا المتحدث باسم جيش السودان عن هذه التهنئة، أو يعلق على الإعلان الإسرائيلي، نقلت قناة "كان" العبرية الرسمية عن مسؤول سوداني لم تسمه، تأكيده أن برقية التهنئة تهدف إلى "التعبير عن رغبة السودان في التحرك وتطوير العلاقات مع إسرائيل".

وتؤشر هذه التهنئة على رغبة البرهان في إكمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد وصول نتنياهو للحكم، خصوصا مع زيادة العزلة الدولية التي يواجهها عسكر السودان، أملا منهم أن الصهاينة سيفكون عنهم هذا الحصار، وفق مراقبين.

كما تكشف التهنئة عن رهان ضمني من البرهان على قدرة نتنياهو على فتح أبواب أميركا له، للوقوف أمام غريمه ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي" المدعوم من روسيا ومرتزقتها "فاغنر" ومن ورائها مليشيا الدعم السريع.

البحث عن شرعية

ولم يسبق للبرهان أن هنأ رئيسي الوزراء الإسرائيليين السابقين نفتالي بينيت ويائير لابيد المحسوبين على معسكر التغيير الليبرالي، خلال العام الذي بقي نتنياهو بعيدا فيه عن الحكم.

وبالتزامن مع تهنئة نتنياهو، جاء اتفاق البرهان مع قوى "الحرية والتغيير" اليسارية يوم 16 نوفمبر برعاية أممية إفريقية لتشكيل حكومة مدنية ووثيقة للفترة الانتقالية، كعربون من البرهان للغرب بأنه يستجيب لشروطهم.

وهو اتفاق لا يزال معلقا بتوافق الطرفين على أربعة ملفات صعبة هي: العدالة الانتقالية وتفكيك نظام عمر البشير وإصلاح قطاع الأمن واتفاق جوبا للسلام"، بحسب المتحدث باسم قوى "الحرية والتغيير"، ياسر عرمان.

ولم توافق حكومة السودان المدنية السابقة برئاسة عبد الله حمدوك على التطبيع الذي أعلنه البرهان مع إسرائيل عام 2020 وأرجأت الأمر لقرار البرلمان المنتخب، لكن قائد الجيش السوداني انقلب عليها لاحقا، ما أشعل الغضب الغربي ضده.

وتحرج البرهان من إعلان تهنئته نتنياهو رسميا يشير إلى صراعه مع قوى الحرية والتغيير الرافضة للتطبيع، وكذلك التيارات الإسلامية داخل الجيش السوداني التي تعارض أيضا إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني.

وأكدت مصادر سودانية مطلعة لـ"الاستقلال"، أن البرهان يطمح بشدة لحكم السودان، لكنه يواجه صراعا على النفوذ مع حميدتي، ويسعى كل منهما للاستقواء بأطراف إقليمية ودولية.

وأوضحت أن السبب الرئيس لهرع البرهان لتهنئة نتنياهو هو رغبته في خطب ود أميركا، باعتبار أن هناك قناعة لدى غالبية الدول العربية والإفريقية أن إسرائيل هي "بوابة البيت الأبيض".

وأضافت أن حرص البرهان على تهنئة نتنياهو، والمتوقع أن يشكل أشرس حكومة يمينية دينية متطرفة تعادي كل العرب، هو تحرك شخصي منه للبحث عن شرعية لدى دولة الاحتلال معتقدا أنها ستشفع له لدى واشنطن.

وأشار للهدف ذاته الصحفي السوداني عبد الكريم الطيناوي مؤكدا لقناة i24NEWS الإسرائيلية، أن تهنئة البرهان لنتنياهو تعد "منفسا" لقائد الجيش السوداني في صراعه مع نائبه حميدتي.

وذكر الطيناوي أن التهنئة لها دلالة بسبب محاصرة البرهان بين الخلافات السياسية في السودان، وضغوط قوى إسلامية داخل الجيش عليه، ومن ثم سعيه للبحث عن طوق نجاة لدى نتنياهو الذي يشكل "بوابة" للدفاع عن البرهان.

منافسة على السلطة

وأشارت دراسة نشرتها جامعة "كامبريدج" في 6 سبتمبر/ أيلول 2022 أن قرار البرهان منذ البداية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل "يُعزى إلى الضغوط الأميركية والتحالفات الإقليمية الجديدة والأزمة الاقتصادية في السودان".

لكن الدراسة قدمت منظورا مختلفا عن سر تطبيع السودان مع إسرائيل خصوصا، هو "التنافس على السلطة" وسعى الفاعلين السياسيين من حكام الخرطوم، في اللحظات التاريخية الحرجة، إلى "رعاية إسرائيل لتعزيز مواقعهم في السلطة".

وقبل الذكرى الأولى لانقلاب البرهان، على حكومة  حمدوك، بيوم واحد، دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى إنهاء الحكم العسكري في السودان بشكل فوري.

وكتب بلينكن عبر تويتر، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022: "قبل نحو عام من الآن، أطاح الجيش السوداني بحكومة يقودها مدنيون، وقوّض التطلعات الديمقراطية للشعب. حان الوقت الآن لإنهاء حكم العسكر".

وأكد "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" (مقره بيروت)، أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة في السودان، والعقوبات الأميركية القاسية، جعلت النظام السياسي الجديد الهش يسعى مضطرا للخروج منها عبر بوابة التطبيع.

وأوضح "الزيتونة" في تقرير نشر في نوفمبر 2020 أن تطبيع عسكر السودان مع الاحتلال الإسرائيلي "أفقد القضية الفلسطينية ساحة إسناد مهمة سياسية ودبلوماسية وعسكرية وأمنية، كانت دوما سندا لقضية فلسطين والمقاومة".

وأضاف: كان السودان يوفر طرقا بحرا وبرا لتهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية عبر البحر الأحمر، مرورا بسيناء ثم غزة، كما يوفر أماكن لتدريب المقاومة الفلسطينية.

وتعليقا على تهنئة البرهان، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم"، في 16 نوفمبر، إن السودان في ظل البرهان، مهتم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، عكس حقبة البشير التي نشطت في توريد السلاح من إيران إلى حماس.

لكنها قالت إنه "رغم أن السودان من الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهام، لكن لم يتم بعد توقيع معاهدة سلام بينه وبين إسرائيل على غير العادة، والسبب يعود إلى معارضة الإدارة الأميركية".

وأرجعت الصحيفة الإسرائيلية ممارسة واشنطن ضغوطا شديدة على إسرائيل لعدم استكمال عملية التطبيع مع السودان، لتبني أميركا سياسة مقاطعة الحكومة السودانية بسبب انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021 على الحكومة المدنية.

و"لتفادي قطع الصلة، تُدار العلاقات بين إسرائيل والسودان بشكل شبه سري بمشاركة الموساد الذي حل إلى حدٍ كبير، محل وزارة الخارجية" بحسب "إسرائيل اليوم".

البرهان وحميدتي

وتؤكد مصادر سودانية متعددة سعي البرهان للاستقواء بقوى دولية في صراعه مع حميدتي الذي يطمح للحكم، والذي باتت قواته (الدعم السريع) منافسة للجيش السوداني وتسلحت أخيرا بأسلحة نوعية.

وكالة أسوشيتدبرس الأميركية كشفت في 23 أكتوبر 2022 أن قوات الدعم السريع اشترت أسلحة عالية التقنية، وزادت من حجمها بصورة كبيرة، ضمن هذا الصراع بين القائدين العسكريين.

نقلت عن باحثين حقوقيين إن حجم قوات الدعم السريع تضاعف خلال السنوات الثلاث الماضية إلى ما لا يقل عن 100 ألف مقاتل (كانت 40 ألفا عام 2019)، ما يجعلها تعادل حجم الجيش الرسمي (109 آلاف جندي).

أوضحت إن هذه القوات جمعت ثروة من خلال الاستحواذ التدريجي على المؤسسات المالية السودانية واحتياطيات الذهب، وعبر القتال نيابة عن التحالف الخليجي في اليمن مقابل أموال من الإمارات.

وأكدت "اسوشيتدبرس" أن حميدتي يحاول "تلميع" صورته هو وقواته القمعية في الآونة الأخيرة، ويقدم نفسه كوسيط في النزاعات القبلية، ومشارك في مشاريع التنمية، ضمن منافسته للبرهان.

وقد أكد تقرير لموقع "سودان تربيون" في 24 سبتمبر 2022 أن صراعا مصيريا يدور بين الرجلين، خاصة بعدما أنهت قوات حميدتي (الدعم السريع) مرحلة التسليح بأسلحة نوعية، وهو ما أورده موقع "مونتي كاروو" السوداني أيضا.

وأوضح "سودان تربيون" أن الصراع المصيري لم يتوقف منذ فراغ القائدين من التسليح وحشد القوات، وتجيير المؤسسات العسكرية والأمنية كل لصالحه بل انتقل للخدمة المدنية، باحتدام التنازع على الوظائف.

وكان موقع أكسيوس أكد 24 يونيو/حزيران 2021 أن "حميدتي" يسعى بدوره للاستقواء بالإسرائيليين، وأنه عقد لقاء "سري" مع مسؤولين في الموساد الإسرائيلي بالخرطوم، مع تصاعد خلافاته مع البرهان.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن حميدتي يحاول إنشاء "علاقة مستقلة" مع الإسرائيليين من أجل تعزيز أجندته السياسية المحلية في السودان، كما أنه شخصية مثيرة للجدل للغاية اتُهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

ودب الخلاف بين الاثنين مع بدء البرهان تفكيك قوة الدعم السريع بحديثه عن ضمها للجيش بحيث لا تخضع لحميدتي قياديا، ويصبح قائد "الدعم السريع" مجرد جنرال بلا جيش خاص به، ويمكن التخلص منه لاحقا.

ويرى مراقبون أن دوافع البرهان للاستقواء بإسرائيل وأميركا ضد منافسه حميدتي هي أيضا استقواء الأخير بروسيا، حيث زار موسكو بالتزامن مع غزو أوكرانيا، وترددت أنباء عن إحضاره مرتزقة فاغنر إلى السودان للسيطرة على مناجم الذهب، ما يتعارض مع مساعي أميركا في محاصرة روسيا. 

وأكد تقرير لشبكة "سي إن إن" في 29 يوليو/تموز 2022 الأميركية أن روسيا تنهب الذهب من السودان بالتنسيق مع جنرالات الجيش لتمويل حربها في أوكرانيا، مقابل دعم سياسي وعسكري قوي لحميدتي الذي سهل لها ذلك.

وقالت الشبكة الأميركية إنها تأكدت أن عميلا واحدا على الأقل رفيع المستوى من فاغنر يدعى ألكسندر سيرجيفيتش كوزنيتسوف، أشرف على عمليات في مواقع تعدين الذهب ومعالجته وعبوره الرئيسة في السودان في السنوات الأخيرة.

البرهان وإسرائيل

على الجهة الأخرى يرتبط البرهان بحالة غريبة مع الاحتلال الإسرائيلي، دفعته للقاء نتنياهو مبكرا بشكل علني في أوغندا في فبراير/ شباط 2022، وإقامة علاقات أمنية واستخباراتية معها وتبادل الزيارات.

وبينما كانت تتصاعد الجرائم وعمليات الاغتيال الإسرائيلية ضد أهالي الضفة الغربية، أعرب البرهان عن رغبته في زيارة إسرائيل "إذا تمت دعوته".

وقال لوكالة "أسوشيتد برس" في 23 سبتمبر 2022 على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، إن "أساس العلاقات هو المصالحة، وأنه سيلبي الدعوة إذا ما تلقاها".

قبلها في 26 يناير/ كانون الثاني 2022، دعا البرهان وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، لزيارة الخرطوم وتم توقيع اتفاقيات استخبارية معه، وشدد على أن الزيارات المتبادلة بين المسؤولين السودانيين والإسرائيليين طابعها "عسكري وأمني".

وفي 13 فبراير 2022 أعلن البرهان في مقابلة مع التلفزيون السوداني الرسمي أن "إسرائيل ساعدتنا في القبض على مجموعات إرهابية في السودان"، دون أن يحدد هويتها.

فيما يُعتقد أن هذه المساعدة الإسرائيلية له، ربما لها علاقة بحماية البرهان من الانقلابات العسكرية ضده.

وجاء هذا الحديث عقب حديث مسؤولين أميركيين مطلع فبراير 2022 عن أنهم يبحثون فرض عقوبات على الجيش السوداني لقتله 79 متظاهرا.

وكان قد زعم البرهان في 26 أكتوبر 2021 أن "العلاقات مع إسرائيل لمصلحة السودان"، بدعوى أن علاقته مع تل أبيب "واحدة من محفزات عودة البلاد إلى الخارطة الدولية"، بعد حملة مقاطعة غربية للسودان خلال حكم البشير.

وقال حينها: "نظرنا لقضية التصالح مع إسرائيل من منحى آخر، هو أنه حدث لدينا تغيير، تغيير في التفكير، وفي التعامل مع الآخرين".

وحين سألته قناة "الحرة" الأميركية في يونيو 2022 عن إمكانية عودة المفاوضات مع إسرائيل، نفى البرهان أن يكون هناك أي انقطاع في العلاقات، وقال: "لم تنقطع حتى نقول إنها ستعود".

وكان البرهان قد دشن بنفسه أولى خطوات التطبيع، حينما التقى بمدينة عنتيبي الأوغندية في فبراير 2020 برئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، نتنياهو، في خطوة عارضتها حكومة حمدوك السابقة، التي رأت وقتها أن "البرهان يتجاوز صلاحياته السيادية، ويتغول على صلاحيات الحكومة التنفيذية".

وأواخر عام 2020، أعلنت إسرائيل والمجلس العسكري في السودان قرارهما تطبيع العلاقات بينهما رسميا، بعد تعهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بإزالة اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب" وتقديم مساعدات مالية له.