عهد جديد.. كيف يمكن لفوز لولا دا سيلفا أن ينهي عزلة البرازيل عالميا؟
تحدث موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن تبعات فوز "لويس إيناسيو لولا دا سيلفا"، برئاسة البرازيل، وتأثيره على هذه الدولة التي بقيت شبه منعزلة لسنوات.
ويقول الموقع إن الأمر انتهى بالفعل في البرازيل، وحتى إن لم يعترف الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو وأنصاره المتطرفون بهزيمتهم، فقد فاز "دا سيلفا" في الانتخابات.
وفاز لولا بـ50.9 بالمئة من الأصوات، بينما تحصل بولسونارو على نسبة 49.1 بالمئة في جولة إعادة أجريت في 30 أكتوبر/تشرين الأول.
وكان دا سيلفا قد تصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 3 أكتوبر متقدما على بولسونارو ومرشحين آخرين.
وذكر التقرير أن "دا سيلفا" حاز تلك الأصوات بالرغم من التقارير التي تتحدث عن قمع القوات الموالية لـ"بولسونارو" للناخبين، وفورة من الإنفاق بلغت مليارات الدولارات، أنفقها الرئيس منتهي الولاية لشراء الأصوات.
احتمالية الانقلاب
وفي الوقت نفسه استمرت الاحتجاجات، وأغلقت الطرق من قبل متظاهرين طالبوا الجيش بالتدخل وتنفيذ انقلاب عسكري، لكن أعدادهم كانت تتضاءل بشكل تدريجي.
وبغض النظر عن تضاؤل أعدادهم فقد كانت مشاهدة آلاف البرازيليين وهم يطالبون بانقلاب عسكري، بالإضافة إلى وجود بعض المتظاهرين الذين يؤدون التحية النازية على أنغام النشيد الوطني لبلدهم، أمرا مقلقا على أقل تقدير.
ويقول الموقع البريطاني إنه "من المثير للقلق دعم قوات الأمن، سواء الضمني أو الصريح، لهذه الاحتجاجات المناهضة للديمقراطية، لدرجة أن أفرادا من العامة، منهم أعضاء من ألتراس كرة القدم، أزالوا الحواجز من الشوارع بأنفسهم؛ بسبب إحباطهم من الشرطة".
ويؤكد "ميدل إيست آي" أن احتمالية تنفيذ انقلاب ناجح تقل يوما بعد يوم، إذ أعلن حلفاء بولسونارو الأقوياء اعترافهم بنتائج الانتخابات، وهم يسعون الآن لبدء عملية انتقال منظم للسلطة.
وبالنسبة لرد الفعل الدولي على فوز "دا سيلفا"، فقد سارع قادة العالم من الصين، إلى الولايات المتحدة، إلى روسيا، لتهنئة الرئيس الجديد.
وفي عهد بولسونارو تحولت البرازيل من جهة دولية فاعلة ومحترمة وملتزمة بمبدأ التعددية، إلى دولة منبوذة، ومبعدة عن القمم والمؤتمرات المهمة.
ولم تكن أكثر عزلة في أي وقت مضى من تاريخها الحديث، كما كانت في عهد بولسونارو، وفق الموقع.
وأضاف التقرير: "لقد استمتع بولسونارو وأنصاره بشكل أو بآخر في عزلتهم، وكسروا جميع الأعراف الدبلوماسية، عبر إعلان تحزبهم في مسائل تخص السياسة الأميركية الداخلية، مثل دعمهم للرئيس (السابق) دونالد ترامب، حين شكك في نتائج انتخابات بلاده عام 2020".
وأوضح أن "خلافات بولسونارو مع قادة دول العالم كانت علنية لأبعد حد، مثل خلافه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن حزمة مساعدات لإخماد الحرائق التي كانت تلتهم غابات الأمازون، عام 2019".
فقد رفض حينها "بولسونارو" عرضا بهذا الشأن قدمته مجموعة الدول الصناعية السبع، واشترط لقبول هذه المساعدات وضعها تحت تصرف السلطات البرازيلية.
وحينها نشب توتر قاد "بولسونارو" للتفاعل، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، مع منشور يسخر من شكل بريجيت، زوجة الرئيس الفرنسي.
ووفق "ميدل إيست آي" فإنه ربما لم تتجلى سياسة "بولسونارو" العدوانية والصارمة بقوة في أي مكان أكثر من الشرق الأوسط، رغم أن البرازيل تتمتع بعلاقات ثقافية وتاريخية وطيدة بالمنطقة، حيث تضم عددا ضخما من الشتات العربي، يزيد عن 11 مليون نسمة.
وعلى وجه الخصوص أصبحت الثقافة اللبنانية جزءا من الهوية الوطنية البرازيلية، من الطعام إلى الموسيقى، إذ يقدر عدد الجالية اللبنانية في البرازيل اليوم ما بين 7 إلى 10 ملايين شخص.
حتى أن الرئيس البرازيلي الأسبق، ميشال تامر، ينحدر من أصول لبنانية، مثله مثل سياسيين بارزين آخرين، حسبما ذكر التقرير.
ومنذ بداية الحرب السورية حدثت موجة هجرة جديدة من المنطقة، وأصبحت المطاعم السورية جزءا من شوارع مدينة "ساو باولو".
كما يعيش حوالي 70 ألف لاجئ فلسطيني في البرازيل، ويشكل العلم والنضال الفلسطيني جزءا ثابتا من سياسة اليسار هناك.
دعم فلسطين
ويورد التقرير أن "دا سيلفا" أثبت أنه حليف موثوق للفلسطينيين، ففي ظل فترة رئاسته السابقة، وبالتحديد عام 2010، اعترفت البرازيل بدولة فلسطين.
كذلك كان "دا سيلفا" أول رئيس برازيلي يزور الأراضي الفلسطينية، واستمر الأمر على الوتيرة ذاتها في عهد خليفته، ديلما روسيف، التي أدانت حكومتها العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
كما رفضت روسيف ترشيح الرئيس السابق لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، داني ديان، سفيرا لإسرائيل ببلادها.
وفي المقابل، كانت "إسرائيل" واحدة من الدول القليلة التي وجد فيها "بولسونارو" الدعم الدولي، لدرجة أن جزءا كبيرا من اليمين المتطرف تبنى في السنوات الأخيرة "الصهيونية" كشعار وقضية، بسبب بروز المسيحية الإنجيلية، وفق التقرير.
علاوة على ذلك أصبح من المعتاد رؤية العلم الإسرائيلي في التجمعات المؤيدة لـ"بولسونارو"، حتى أن زوجته "ميشيل" ظهرت خلال تصويتها في الانتخابات الرئاسية مرتدية قميصا عليه العلم الإسرائيلي.
وكتبت ميشيل في مشاركة عبر حسابها: "بركات الله تحل على البرازيل وإسرائيل، الله والوطن والأسرة والحرية"، كما قال زوجها ذات مرة: "قلبي أخضر وأصفر وأزرق وأبيض"، في إشارة إلى ألوان العلمين البرازيلي والإسرائيلي.
بدورها، قالت الصحفية، إيمان أبو سيدو، إن "البرازيل أصبحت الصديق الجديد المفضل لإسرائيل في عهد بولسونارو، الذي وعد بنقل سفارة البرازيل إلى القدس، رغم أنه لم يف بوعده".
وبعد فوز "بولسونارو" في انتخابات عام 2018، صرح مصدر دبلوماسي رفيع لصحيفة "هآرتس" العبرية أن "البرازيل سيكسوها الآن اللونان، الأزرق والأبيض".
وفي مارس/ آذار 2019، أجرى بولسونارو زيارة رسمية إلى "إسرائيل"، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، كما كانت بلاده واحدة من الدول المعدودة التي تدافع عن "تل أبيب" في الأمم المتحدة.
ويعتقد "ميدل إيست آي" أن عودة "دا سيلفا" إلى السلطة ستكون بمثابة عودة البرازيل إلى العالم. فقد ترك منصبه في يناير/كانون الثاني 2011، كواحد من أكثر القادة المنتخبين شعبية في التاريخ.
علاوة على ذلك، فإن "دا سيلفا" يحظى باحترام كبير، لدرجة أن الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وصفه بـ"البطل".
ويذكر الموقع البريطاني أن "دا سيلفا" أشار مرارا وتكرارا، خلال حملته الانتخابية، إلى دوره في مفاوضات الملف النووي الإيراني، والدور المتزايد الذي لعبته البرازيل في إفريقيا.
ويضيف أنه "على الرغم من ذلك فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه القضايا لعبت أي دور مهم في الدعم الذي حصل عليه دا سيلفا في الانتخابات".
وخلال الحملة أيضا، أشار "دا سيلفا" إلى أنه سيعيد التزام البرازيل باحترام حقوق الإنسان، في الداخل والخارج على حد سواء، كما تعهد بحماية البيئة.
ووفق الموقع البريطاني، فإن هذا الموقف من "دا سيلفا" محل ترحيب واسع، ذلك أنه يأتي بعد هجمات عدة شنها بولسونارو على الشواذ، والبرازيليين السود، والسكان الأصليين، فضلا عن تقويضه الممنهج لأي محاولات لحماية غابات الأمازون.
ويضيف التقرير أن "دا سيلفا" سيسعى إلى ترسيخ مكانة البرازيل كوسيط في المفاوضات الدولية، وإعادة الالتزام بالتعددية، ومحو الأضرار التي خلفها سلفه.
وهكذا، يمكن للعالم أن يبتهج، على الأقل، بخروج البرازيل من عزلتها الدولية التي فرضتها على نفسها، وبإسقاط زعيم يميني متطرف عبر صناديق الاقتراع، يقول الموقع.
ويختم بالإشارة إلى أن المنتخب البرازيلي هو الأوفر حظا للفوز بكأس العالم 2022، المقام في قطر.
وسيكون الفوز بكأس العالم، للمرة السادسة في تاريخ البرازيل، إذا حصل، بمثابة بداية مبشرة لرئاسة "دا سيلفا".